عقيدتي
لقد أثار كلامنا حفيظة عدد من القراء، فظنوا أننا بهذا الطرح الذي نقدمه لا نؤمن بالأحاديث الشريفة التي تتحدث عن المواضيع التي كنا قد تطرقنا لها، وهم ينعتونا – حسب استنتاجاتهم هم من كلامنا نحن- أننا لا نؤمن إلا بما جاء في القرآن الكريم، وهم يعتقدون أن هذا عيب واضح في طرحنا، وكأن لسان حالهم يقول أن مثل هذه الأمور لا يمكن فهمها بمعزل عن السنة (أي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول).
ونحن في هذا المقام نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أمور أساسية تشكل القاعدة الصلبة في عقيدتنا التي نؤمن بها، وبالتالي فهي القاعدة التي نبني عليها الاستنباطات التي نخرج بها والتي تخالف – في معظم الأحوال- ما ذهب إليه جمهور العلماء، وما هو متداول في الفكر السائد عند أتباع معظم الفرق الإسلامية.
1. نحن لا نلتزم بأي مذهب أو طائفة في ما نذهب فيه وفيما نخلص إليه من استنباطات من كتاب الله، فنحن طلاب علم منهجنا أكاديمي بحت، نبحث عن الحقيقة أينما وجدت وحيثما حلت، فلا نتخذ موقفاً عقائدياً معيناً مسبقاً لنبحث عن أدلة على صدق موقفنا كما تفعل غالبية (وربما كل) الفرق الإسلامية، فعقيدتنا تتمثل بما يلي: ما جاء في كتاب الله هو ديننا وهو عقيدتنا مهما بلغ من الغرابة (كما قد يظن البعض) حتى لو خالفنا في ذلك كل أهل الأرض، فأنا أؤمن أني ذاهب إلى ربي لأقف بين يديه وحجتي هي: لقد جئتك ربي مؤمناً بكل ما قلت أنت، ولم آتيك متسلحاً بآراء مذهب أو طائفة، فإن أنت قبلتني فهي رحمتك وإن أنت طردتني فمن عدلك.
2. كما نود أن نجلب انتباه القارئ إلى حقيقة مفادها أننا لسنا علماء شريعة لنعرض عليكم الآراء العقائدية السائدة حول الموضوع الذي يتم طرحه، فتلك محلها كتب الأحكام، ونحن لسنا أكثر من طلاب "علم اللغة"، نحاول فهم النص اللغوي كما يرد في كتاب الله بالمنهجية التي نظن أنها صحيحة، وهو – على ما نظن- اللبنة الأولى لاتخاذ المواقف العقائدية. فننطلق من المبدأ الثابت المتمثل بأن كلام الله كلام دقيق مقصود بلفظه، فلا يجب ليّ عنق النص ليتكيف مع المواقف العقائدية المسبقة، ولا مبرر للتبديل أو التأويل غير المنضبط بالقواعد الواضحة، لأن ذلك سيجعل كلام الله عرضة للأهواء والأغراض، وسبباً في الاختلاف.
3. ولما كان الهدف الجوهري هو فهم النص القرآني لم يكن هناك داعي في هذا المقام أن نستجلب الأحاديث الشريفة للتأييد أو الرفض، فأهل الشريعة هم من يقوموا بمثل هذا العمل. وهنا حصل الخلط في الفهم عند البعض، فلقد ظن البعض أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة ربما يفهم منه أننا لا نؤمن بالأحاديث النبوية، لذا نجد لزاماً التأكيد على أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة لا يجب أن يفهم منه أننا لا نؤمن بها
4. ولكن يجب التنبيه إلى أمر غاية في الأهمية ربما يلخّص موقفنا فيما يخص موضوع الأحاديث الشريفة، فموقفنا يتلخص بالعبارة التالية: أقسم بالله العظيم أنني أؤمن إيماناً مطلقاً بكل ما صدر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول، كيف لا وهو الذي قال الله في حقه:
" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) النجم
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا النساء (80)
فبعد هذا الكلام الفصل، كيف لأحد (كائن من كان) أن يخرج ليقول أنني لا أؤمن بما قال صلى الله عليه وسلم؟ إن إيماني مطلق بكل ما قال صلى الله عليه وسلم، لا بل فإن لي موقف عقائدي يذهب إلى أبعد من هذا بكثير بخصوص قول النبي ربما لا أستطيع أن أبوح به أو أن أدخل بتفصيله هنا، وسأفرد له مقالة خاصة بحول الله وتوفيقه، وذلك لأهميته من منظور عقيدتي التي أؤمن بها، ومفاد القول هو عدم الفصل بين قول الله وقول نبيه الكريم، لذا فالإيمان بأحدهما لا يمكن فصله عن الإيمان بالآخر.
5. ولكن في المقام ذاته يجب التنبيه إلى ما يلي: ففي حين أن إيماني مطلق بكل كلمة (لا بل وبكل حرف) قالها صلى الله عليه وسلم، إلا إنني لا أؤمن إيماننا مطلقاً بكل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن ندعو إلى التفريق بين الإيمان بما قال صلى الله عليه وسلم والإيمان بما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فرق كبير، ففي حين أن ما قاله النبي صحيح صادق ليس فيه ما يشوبه، لم يكن ما نقل عن النبي كذلك على كليته، فأهل الحديث أنفسهم قد وضعوا تصنيفات لما نقل عن النبي، فأوردوا الصحيح والحسن والضعيف وحتى المدسوس، لذا كان لا بد من التيقن والحذر عند التطرق لما نقل عن النبي، وللأسف فإن العامة (وبعض أهل الاختصاص) يستشهدوا بكل ما نقل عن النبي ويكأنه صحيح لا شائبة فيه، فكم من الخطب والدروس وحتى بعض الأحكام بنيت على أحاديث لا ترقى إلى درجة حتى الضعيف من القول، وسأقدم مثالاً واحد هنا للتنبيه إلى هذا الأمر (هذا وقد قدمت أمثلة أخرى في مقالاتي السابقة حول هذا الموضوع، فالقارئ المهتم يستطيع الرجوع مثلاً إلى مقالة جدلية عذاب القبر ليقف عند مثل هذه الأمثلة)، أما المثال الذي أقدمه هنا فيتلخص بفحوى ما نقل عن النبي عن مسألة سب الدهر، فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن سب الدهر في حديث قدسي، حيث نقل عنه أنه قال:
جاء الحديث بألفاظ مختلفة منها
رواية مسلم : قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يقول : يا خيبة الدهر ، فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما .
الحديث كذلك أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
ورواه البخاري بلفظ: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار.
ومنها رواية للإمام أحمد : لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال : أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ) وصححه الألباني)
وسؤالنا هنا يتمركز حول الاستفسار التالي: هل من الممكن أن يكون النبي قد قال مثل هذا الكلام؟ هل فعلاً نهى النبي عن سب الدهر؟
إننا نفهم أنه من الاستحالة بمكان أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال مثل هذا الكلام، وقد يرد البعض بالقول: ولم لا؟ لم لا يكون الرسول قد قال هذا الكلام فعلاً؟ نقول أن هذا مستحيل لأن مثل هذا القول يتناقض بشكل صارخ مع ما ورد في كتاب الله، ولكن كيف ذاك؟
نقول: دعنا ندقق أولا بفحوى الحديث نفسه بصيغه المختلفة، النبي ينهى الناس عن سب الدهر، أليس كذلك؟ نعم، لأن الحديث نفسه يبين أن الإله (الله نفسه) هو الدهر (انظر صيغ الحديث المختلفة). والآن، إن كان هذا الكلام صحيحاً، ما الذي سنفعله إذن بما ورد في كتاب الله في الآيات الكريمة التالية:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قل اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) الجاثية
فسؤالنا هو: إذا كان الدهر هو الله كما جاء في الحديث المنقول، فما هي مشكلة الكافرين الذين ظنوا أن الذي يهلكهم هو الدهر كما جاء في الآية الكريمة (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)؟ ولم يحتاج الله أن يذكّر في الموقف نفسه بقوله "قلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ"؟!!
إن أهل الحديث مطالبون أن يبيّنوا لنا كيف يكون ذلك إن كان ما نقل عن النبي هو فعلاً قول صحيح يحتج به، ولا أخال أنهم يستطيعون ذلك دون التحليق في سماء المجازات (انظر تأويلات هذا الحديث عند النووي، وابن عثيمين، الخ.)، وهو ما نرفضه رفضاً قاطعاً لأن هذا سيجعل كل يغني على ليلى آه (للخوض في هذا الافتراض نطلب من القارئ الكريم مراجعة ما ورد في مقالتنا تحت عنوان: جدليةالحقيقة والمجاز).
1. نحن لا نلتزم بأي مذهب أو طائفة في ما نذهب فيه وفيما نخلص إليه من استنباطات من كتاب الله، فنحن طلاب علم منهجنا أكاديمي بحت، نبحث عن الحقيقة أينما وجدت وحيثما حلت، فلا نتخذ موقفاً عقائدياً معيناً مسبقاً لنبحث عن أدلة على صدق موقفنا كما تفعل غالبية (وربما كل) الفرق الإسلامية، فعقيدتنا تتمثل بما يلي: ما جاء في كتاب الله هو ديننا وهو عقيدتنا مهما بلغ من الغرابة (كما قد يظن البعض) حتى لو خالفنا في ذلك كل أهل الأرض، فأنا أؤمن أني ذاهب إلى ربي لأقف بين يديه وحجتي هي: لقد جئتك ربي مؤمناً بكل ما قلت أنت، ولم آتيك متسلحاً بآراء مذهب أو طائفة، فإن أنت قبلتني فهي رحمتك وإن أنت طردتني فمن عدلك.
2. كما نود أن نجلب انتباه القارئ إلى حقيقة مفادها أننا لسنا علماء شريعة لنعرض عليكم الآراء العقائدية السائدة حول الموضوع الذي يتم طرحه، فتلك محلها كتب الأحكام، ونحن لسنا أكثر من طلاب "علم اللغة"، نحاول فهم النص اللغوي كما يرد في كتاب الله بالمنهجية التي نظن أنها صحيحة، وهو – على ما نظن- اللبنة الأولى لاتخاذ المواقف العقائدية. فننطلق من المبدأ الثابت المتمثل بأن كلام الله كلام دقيق مقصود بلفظه، فلا يجب ليّ عنق النص ليتكيف مع المواقف العقائدية المسبقة، ولا مبرر للتبديل أو التأويل غير المنضبط بالقواعد الواضحة، لأن ذلك سيجعل كلام الله عرضة للأهواء والأغراض، وسبباً في الاختلاف.
3. ولما كان الهدف الجوهري هو فهم النص القرآني لم يكن هناك داعي في هذا المقام أن نستجلب الأحاديث الشريفة للتأييد أو الرفض، فأهل الشريعة هم من يقوموا بمثل هذا العمل. وهنا حصل الخلط في الفهم عند البعض، فلقد ظن البعض أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة ربما يفهم منه أننا لا نؤمن بالأحاديث النبوية، لذا نجد لزاماً التأكيد على أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة لا يجب أن يفهم منه أننا لا نؤمن بها
4. ولكن يجب التنبيه إلى أمر غاية في الأهمية ربما يلخّص موقفنا فيما يخص موضوع الأحاديث الشريفة، فموقفنا يتلخص بالعبارة التالية: أقسم بالله العظيم أنني أؤمن إيماناً مطلقاً بكل ما صدر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول، كيف لا وهو الذي قال الله في حقه:
" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) النجم
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا النساء (80)
فبعد هذا الكلام الفصل، كيف لأحد (كائن من كان) أن يخرج ليقول أنني لا أؤمن بما قال صلى الله عليه وسلم؟ إن إيماني مطلق بكل ما قال صلى الله عليه وسلم، لا بل فإن لي موقف عقائدي يذهب إلى أبعد من هذا بكثير بخصوص قول النبي ربما لا أستطيع أن أبوح به أو أن أدخل بتفصيله هنا، وسأفرد له مقالة خاصة بحول الله وتوفيقه، وذلك لأهميته من منظور عقيدتي التي أؤمن بها، ومفاد القول هو عدم الفصل بين قول الله وقول نبيه الكريم، لذا فالإيمان بأحدهما لا يمكن فصله عن الإيمان بالآخر.
5. ولكن في المقام ذاته يجب التنبيه إلى ما يلي: ففي حين أن إيماني مطلق بكل كلمة (لا بل وبكل حرف) قالها صلى الله عليه وسلم، إلا إنني لا أؤمن إيماننا مطلقاً بكل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن ندعو إلى التفريق بين الإيمان بما قال صلى الله عليه وسلم والإيمان بما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فرق كبير، ففي حين أن ما قاله النبي صحيح صادق ليس فيه ما يشوبه، لم يكن ما نقل عن النبي كذلك على كليته، فأهل الحديث أنفسهم قد وضعوا تصنيفات لما نقل عن النبي، فأوردوا الصحيح والحسن والضعيف وحتى المدسوس، لذا كان لا بد من التيقن والحذر عند التطرق لما نقل عن النبي، وللأسف فإن العامة (وبعض أهل الاختصاص) يستشهدوا بكل ما نقل عن النبي ويكأنه صحيح لا شائبة فيه، فكم من الخطب والدروس وحتى بعض الأحكام بنيت على أحاديث لا ترقى إلى درجة حتى الضعيف من القول، وسأقدم مثالاً واحد هنا للتنبيه إلى هذا الأمر (هذا وقد قدمت أمثلة أخرى في مقالاتي السابقة حول هذا الموضوع، فالقارئ المهتم يستطيع الرجوع مثلاً إلى مقالة جدلية عذاب القبر ليقف عند مثل هذه الأمثلة)، أما المثال الذي أقدمه هنا فيتلخص بفحوى ما نقل عن النبي عن مسألة سب الدهر، فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن سب الدهر في حديث قدسي، حيث نقل عنه أنه قال:
جاء الحديث بألفاظ مختلفة منها
رواية مسلم : قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يقول : يا خيبة الدهر ، فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما .
الحديث كذلك أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
ورواه البخاري بلفظ: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار.
ومنها رواية للإمام أحمد : لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال : أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ) وصححه الألباني)
وسؤالنا هنا يتمركز حول الاستفسار التالي: هل من الممكن أن يكون النبي قد قال مثل هذا الكلام؟ هل فعلاً نهى النبي عن سب الدهر؟
إننا نفهم أنه من الاستحالة بمكان أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال مثل هذا الكلام، وقد يرد البعض بالقول: ولم لا؟ لم لا يكون الرسول قد قال هذا الكلام فعلاً؟ نقول أن هذا مستحيل لأن مثل هذا القول يتناقض بشكل صارخ مع ما ورد في كتاب الله، ولكن كيف ذاك؟
نقول: دعنا ندقق أولا بفحوى الحديث نفسه بصيغه المختلفة، النبي ينهى الناس عن سب الدهر، أليس كذلك؟ نعم، لأن الحديث نفسه يبين أن الإله (الله نفسه) هو الدهر (انظر صيغ الحديث المختلفة). والآن، إن كان هذا الكلام صحيحاً، ما الذي سنفعله إذن بما ورد في كتاب الله في الآيات الكريمة التالية:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قل اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) الجاثية
فسؤالنا هو: إذا كان الدهر هو الله كما جاء في الحديث المنقول، فما هي مشكلة الكافرين الذين ظنوا أن الذي يهلكهم هو الدهر كما جاء في الآية الكريمة (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)؟ ولم يحتاج الله أن يذكّر في الموقف نفسه بقوله "قلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ"؟!!
إن أهل الحديث مطالبون أن يبيّنوا لنا كيف يكون ذلك إن كان ما نقل عن النبي هو فعلاً قول صحيح يحتج به، ولا أخال أنهم يستطيعون ذلك دون التحليق في سماء المجازات (انظر تأويلات هذا الحديث عند النووي، وابن عثيمين، الخ.)، وهو ما نرفضه رفضاً قاطعاً لأن هذا سيجعل كل يغني على ليلى آه (للخوض في هذا الافتراض نطلب من القارئ الكريم مراجعة ما ورد في مقالتنا تحت عنوان: جدليةالحقيقة والمجاز).