قصة داوود - الجزء التاسع عشر
قصة
داوود – الجزء التاسع عشر
من
هو داوود؟ الجزء 19
افترينا
الظن في الجزء السابق من هذه المقالة بأن شخصية الإنسان مكوّنة من تفاعل عناصر
ثلاثة، هي:
-
الذات
-
والنفس
المنقسمة بين الفجور والتقوى
-
والشيطان.
فظننا بأن
الذات هي ما يشار إليه بمصطلحات علم النفس الفرويدي بمفردة EGO، بينما يشار إلى النفس بمصطلح SUPEREGO، ويشار إلى تأثير الشيطان على النفس بمصطلح ID، كما في الشكل التوضيحي التالي:
ولعل
الفرق الجوهري الذي حاولنا تقديمه للتمييز بين ما يصدر من الذات مقابل ما يصدر من
النفس يتمثل في ظننا بأن الذات تفعل بينما النفس تعمل. وظننا بأن الشيطان
يزين للنفس ما تعمل ولا يتدخل فيما تفعل الذات.
كما
افترينا القول بأن الذات هي الوسيط المطلوب منه أن يوازن بين شهوات النفس الفاجرة
التي يحثه عليها الشيطان ويزينها له من جهة وصوت الضمير conscience الذي تطلقه النفس المتقية التي
تصارع من أجل إحقاق قيم الحق والاستقامة.
وحاولنا تقديم مثال تطبيقي لهذا التصور المفترى من عند أنفسنا
بإعادة رسم مشاهد تخيلية سينمائية لما حصل مع موسى في بعض جوانب قصته في صراعه مع
آل فرعون. فظننا بأن هناك ثلاثة قوى تدخلت فيما حصل مع موسى في القصة التي جاء
ذكرها في كتاب الله في الآيات الكريمة التالية:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ
آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (28:14)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا
رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ
عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ
مُبِينٌ (28:15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ
ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (28:16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (28:17) فَأَصْبَحَ فِي
الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ
يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (28:18) فَلَمَّا
أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ
أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْمُصْلِحِينَ (28:19)
فظننا
– بناء على فهمنا لما جاء في هذه الآيات الكريمة – بأن القوى الثلاثة التي تدخلت
هي على النحو التالي:
-
أن موسى ذاته
هو من أحدث القتل، فكان فعل القتل الذي وقع فيه موسى مدفوعا من الذات
-
أن موسى يكون
بذلك الفعل قد ظلم نفسه،
-
كان هناك
تدخلا من الشيطان ليس على نفس موسى، وإنما على نفس الرجل الذي من شيعة موسى.
وبناء
على ذلك، ظننا بأن ما قام به موسى يقع في باب الفعل، لأنه صادر عن ذات موسى، بينما
ما جاء من عمل الشيطان يقع في باب العمل، لأنه صادر عن نفس الرجل الذي من شيعة
موسى. السؤال: كيف يكون ذلك؟
رأينا
المفترى: نحن نظن بأنه لمّا لم يكن موسى مدبرا أمر قتل الرجل الذي من عدوه من ذي
قبل، وأنه لمّا وجد أنه أمام مشهد مفاجئ لم يتحيط له سابقا، ظن على الفور بأن عليه
القيام بواجب نصرة المظلوم. فقد كان موسى يعلم أن بني إسرائيل مستضعفون في الأرض
على يد فرعون وآله. لذا، عندما استنصره الذي من شيعته، ظن موسى أن نصرته تقع في
باب الواجب، فما كان منه أن يتردد أن يقوم بذلك الواجب. فكان ذلك فعلا (وليس عملا)
من قبل موسى. وقد بيّن لنا النص ذلك صراحة في الآيات الكريمة التالية عندما أعيد
ذكر الحادثة في لقاء موسى مع فرعون لاحقا:
وَفَعَلْتَ
فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (26:19) قَالَ
فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (26:20)
لكن
– بالمقابل - لمّا كانت حادثة الاقتتال (نحن نرى) مدبّرة من قبل الذي من هو شيعة
موسى (وليس حدثا عارضا)، ولمّا كان الهدف منها (نحن نظن) إحداث الفتنة بين الطرفين
(بني إسرائيل وآل فرعون)، كانت عملا ساهم الشيطان في إذكاء فتنته:
...
قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (28:15)
وكانت
الغاية من تدبير حادثة الاقتتال من قبل من كان من شيعة موسى تتمثل في أن يستفيد
منها ذلك الرجل شخصيا كما سيستفيد منها من كان يسانده (كما سنرى بعد قليل). فكانت
حادثة الاقتتال (نحن مازلنا نتخيل) عملا مدبرا من شياطين الإنس الذين يبحثون عن
مصالح شخصية ومطامع دنيوية وأخروية، وبتأييد من شياطين الجن، فزيّن لهم الشيطان
(هامان) ما كانوا يعملون.
وقد
حاولنا التلميح - دون التصريح - في الجزء السابق إلى شخصية المستفيدين من تدبير
حادثتي الاقتتال بين الطرفين في اللحظة التي دخل موسى المدينة على حين غفلة من
أهلها. ونحن نكاد نجزم الظن هنا (ربما مخطئين) بأنه كان هناك على الأقل شخصان اثنان كان من مصلحتهم إقصاء موسى عن مسرح
الأحداث (ولو حتى حين)، وهما:
-
قارون
(الذي هو أصلا من قوم موسى)
-
وصاحبه الطامح
في كرسي الحكم، الذي سيصبح الفرعون (الجديد) بعد فترة وجيزة.
كما
نكاد نجزم الظن بأن هذان الشخصان (أو هذين الشخصين) كانا يتلقيان المساندة (اللوجستية)
من الشيطان هامان:، فجاء ذكر هذا الثلاثي الخطير مجتمعين في موضعين من كتاب الله
الكريم:
وَقَارُونَ
وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (29:39)
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (40:23) إِلَىٰ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (40:24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ
(40:25)
نتيجة
مفتراة مهمة جدا في النقاش تاليا: على الرغم أن قارون كان من قوم موسى، إلا أنه
كان من المؤيدين الداعمين لفكرة تقتييل أبناء من آمن مع موسى واستحياء نسائهم،
فكان من الكافرون الذين يكيدون.
السؤال:
ما هي مصلحة كل واحد من هذه الشخصيات في إقصاء موسى عن مسرح الأحداث (ولو حتى
حين)؟
رأينا
المفترى: أما قارون، فقد كانت مصلحته تتمثل – برأينا – في إقصاء موسى عن قيادة بني
إسرائيل، وبالتالي الظفر بها من بعده. فعلينا أن لا ننسى بأن هذا الرجل قد كان من
قوم موسى، لكنه لا شك بغى عليهم، كما جاء في قوله تعالى:
إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ
الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ
قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
(28:76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا
تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (28:77)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ
قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ
(28:78) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ
لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (28:79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
الصَّابِرُونَ (28:80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ
مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ
(28:81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ
اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا
أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ (28:82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا
يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ (28:83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ
جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ (28:84)
فالحديث
عن قارون في هذه الآيات الكريمات يبين لنا (كما نفهمها طبعا) بأن هذا الرجل قد أُوتي الكنوز العظيمة التي كان
يظن بأنها تؤهله لأن يكون هو قائد بني إسرائيل. فلقد كانت عقيدة بني إسرائيل – على
الدوام- بأن يكون من يبغي الملك عليهم ذا سعة من المال كما كان حديثهم واضحا في حالة
طالوت الذي آتاه الله الملك عليهم، فاحتجوا عليه بأنه لم يؤت سعة من المال:
وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا
أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ
وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ ... (2:247)
نتيجة
مفتراة: كان قارون ذا سعة من المال، فكان يظن أنه الأحق في قيادة بني إسرائيل.
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا: نحن ندعو القارئ الكريم أن يتخيل – إن شاء- بأن قارون كان
منافسا لموسى في قيادة بني إسرائيل
كما
يجد المتدبر للآيات السابقة التي تتحدث عن هذا الرجل بأنه كان من الذين يبغون
فسادا في الأرض، كما جاء صراحة على لسان من كان حوله في فترة ما من الزمن:
وَابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ
الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (28:77)
ولو
تفقدنا السياق أيضا، لوجدنا بأنه من المجرمين:
قَالَ
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً
وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (28:78)
ولو
ربطنا هذا الأمر بما قاله موسى يوم أن وقع في حادثة قتل الذي هو من عدوه، لوجدنا
موسى يقول بأنه سينأى بنفسه عن المجرمين:
قَالَ
رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (28:17)
نتيجة
مفتراة: يعلم موسى الآن (بعد أن وكز الرجل وقضى عليه) أنه قد ظاهر مجرما، وأنه لن
يكون ظهير للمجرمين بعد اليوم.
ولو
تفقدنا السياق ذاته، لوجدنا بأن قارون لم يكن من المنتصرين، وقد تلقى جزاء ما عمل
من سوء، لأنه كان من الذين يريدون علوا في الأرض ويريدون الافساد فيها:
فَخَسَفْنَا
بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (28:81)
تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (28:83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (28:84)
نتيجة
مفتراة: كان قارون من قوم موسى، وكان ذا مال، وكان طامعا في قيادة بني إسرائيل،
لكنه كان ممن يبغون الفساد في الأرض، كما كان من المجرمين. ولكن النقطة التي تجلب
الانتباه الآن هو أنه كان قد بغى على قومه (إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ).
ليكون
السؤال الأهم في هذا النقاش حول شخصية هذا الرجل هو: كيف كان قارون من قوم موسى
وأنه في ذات الوقت قد بغى عليهم؟ فما هو البغي الذي أوقعه هذا الرجل على قوم موسى؟
إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ...
جواب مفترى:
نحن نظن بأن قارون قد شارك فرعون وهامان في الكيد لموسى (والذين آمنوا معه)، فكان
من الكافرين، ولكن لما كان الله لا يهدي كيد الكافرين، كانت عاقبته أنه لم يكن من
المنتصرين:
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (40:23) إِلَىٰ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (40:24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ
(40:25)
السؤال: كيف
كانت تفاصيل الكيد الذي كاده قارون مع فرعون وهامان؟
رأينا
المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن واحدة من أهم أوجه بغي هذا الرجل على
قوم موسى (بالرغم أنه عرقيا منهم) هو أنه قد خطط بأن لا يخرج بنو إسرائيل من
الاستعباد في أرض مصر. لذا، نحن نتخيل بأن قارون قد تآمر مع شخص آخر حتى لا يخرج
بنو إسرائيل من الاستعباد من أرض مصر. لنطرح بناء على ذلك سؤالين اثنين هما:
-
من هو ذاك الرجل الذي
تآمر معه قارون على بني إسرائيل؟
-
كيف تآمر الأثنان على
بني إسرائيل في تلك الحقبة من الزمن؟
رأينا المفترى
(1): نحن نظن أن الشخص الذي تآمر معه قارون ضد بني إسرائيل هو الذي سيُنصب فرعونا
جديدا على عرش مصر بعد موت الفرعون السابق الذي لم يكن له ولد – إنه الفرعون
الجديد الذي سيعود له موسى بالرسالة. وهنا يبرز سؤال جديد هو: ما مصلحة هذا الذي
سينصب فرعونا جديدا في أن يتآمر مع قارون ضد بني إسرائيل في تلك المرحلة من الزمن؟
رأينا المفترى
(2): نحن نظن بأن هذا الذي سيكون فرعونا جديدا له غايتان اثنتان، أولهما غاية
دنيوية تتمثل في الابقاء على عدو خارجي ليوحد آل فرعون من حوله ضدهم (فيبقى على
قانون الدفاع فعالا بحجة الوقوف في وجه العدو الخارجي – أي بني إسرائيل)، ويستخدم
ذلك كذريعة له للوصول إلى كرسي الحكم، والأخرى غاية أخروية تتمثل في أن يحجز المنّة الإلهية عن موسى، وبالتالي خسران موسى السلطان
الذي بيده، ألا وهي العصا (الذي يعرف هذا الرجل قيمتها وأهميتها في الصراع بين
الطرفين). فمراد القول هو أنه لو أقدم موسى على وكز الرجل الآخر بعصاه كما فعل في
اليوم الأول، لما استحق موسى (نحن نظن) أن يتلقى المنّة الإلهية بأن ينجيه الله من
الغم، ويعيد تلك العصا سيرتها الأولى:
قَالَ
خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (20:21) وَاضْمُمْ
يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ
(20:22)
دعنا
نحاول تلخيص ما سبق بمشهد سينمائي هو في مخيالنا فقط: يموت الفرعون الأول الذي لم
يكن له ولد يرث العرش من بعده؛ يصبح كرسي حكم أرض مصر شاغرا من بعده؛ ينشغل الملأ من
آل فرعون بالخلاف على ذلك الكرسي؛ يقوم هذا الشخص (XY) الذي سيصبح فرعونا جديدا (الذي تحدثنا
مطولا عنه في مقالات سابقة لنا خاصة في الجزء السادس من فقه الزكاة) بعقد لقاء سري
مع قارون الذي هو من قوم موسى، ويتزين ذلك اللقاء بحضور الشيطان هامان معهما. يتناقش
الطرفان (قارون والفرعون الجديد) في المصلحة المشتركة بينهما في رسم الأحداث المستقبلية
بطريقة تخدم أهدافهما غير المعلنة على الملأ؛ تنتهي المشاورات بينهما بوضع تفاصيل
الخطة المحكمة على النحو التالي:
-
أن يبعث قارون
لموسى الذي كان خارج المدينة ليعود إلى إليها لقيادة مفاوضات الاصلاح مع آل فرعون
والخروج ببني إسرائيل من الاستعباد والعودة بهم إلى الأرض المقدسة.
-
يتفق
الطرفان (بمساندة من هامان) على الايقاع بموسى في الفخ؛ فيكون اتفاقهما على نحو أن
يفتعل قارون (الذي هو من شيعة موسى) قتالا مع واحد من أشد المعاديين لبني إسرائيل
لحظة وصول موسى إلى طرف المدينة في واحدة من جنتي قارون (التي سنتحدث عنهما لاحقا
بإذن الله). وبالفعل يصل موسى إلى المكان، ويفتعل قارون ذلك القتال مع من كان عدوا
لموسى:
وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ
هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ
شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ
قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (28:15)
لكن
ما يلفت الانتباه هنا في هذه الآية الكريمة هو بيان أن الذي قضى عليه موسى كان
عدوا له (أي عدوا لموسى فقط)، ليكون السؤال المحيّر الآن هو: لماذا كان ذلك الرجل
عدو له (أي لموسى) فقط وليس عدو لهما (أي الاثنين موسى والآخر الذي هو من شيعة
موسى)؟ ألم يجد موسى الرجلين يقتتلان معا لحظة دخوله المدينة؟ فكيف يكون (ذلك
الرجل الذي ليس من شيعة موسى) عدوا لموسى فقط (وَهَٰذَا
مِنْ عَدُوِّهِ)
وليس من عدو الاثنين معا (كأن يقول – مثلا - من عدوهما أو عدو لهما)؟
رأينا
المفترى: سيجد المدقق في النص الأمر العجيب الذي هو على نحو أن الذي سيقتله موسى
بعد قليل كان عدوا له، أي من الذين يعادون موسى مِنْ
عَدُوِّهِ (وليس
من عدوهما). فكيف لم يكن ذلك الرجل (نحن نكرر السؤال ذاته) عدوا لمن كان يقتتل معه
لحظة دخول موسى المدينة؟ فهل فعلا كان ذلك الرجل عدوا لموسى لكنه لم يكن عدوا لمن
هو من شيعة موسى ( وهو من نظن أنه قارون)؟ فكيف يمكن تبرير ذلك؟
رأينا
المفترى: نحن نظن أن ذلك الرجل الذي من آل فرعون كان عدوا فقط لموسى ولم يكن عدوا
لقارون الذي افتعل القتال معه لحظة دخول موسى المدينة، وذلك لأن قارون لم يكن يعاد
آل فرعون أصلا، كما نظن بأنه قد افتعل المشكلة مع شخص كان يعادي موسى شخصيا لكنه
لم يكن يعادي قارون نفسه. وبكلمات أخرى لقد أوقع قارون (بدهائه وبذكاء من يسانده
من شياطين الإنس والجن) شخصا من آل فرعون يعادي بني إسرائيل (خاصة موسى)، لكنه
صاحب مقرب من ذي قبل لقارون الذي كان يساند آل فرعون ضد بني إسرائيل.
افتراء
مهم جدا: كان الرجل الذي قتله موسى في اليوم الأول عدوا لموسى لكنه لم يكن عدوا
لمن كان يتقاتل معه لحظة دخول موسى المدينة.
وهذا
الظن يدلنا (إن صح طبعا) على أن أمر الاقتتال بين الرجلين في تلك اللحظة كان مدبرا
بليل. فلقد استدرج قارون مع من كان يسانده حينئذ (نحن نتخيل) واحدا من أصحابة المقربين
من آل فرعون إلى ذلك المكان الذي سيفتعل فيه القتال لحظة دخول موسى المدينة، وهو
يعلم يقينا أن هذا الرجل الذي من آل فرعون هو من الكارهين لبني إسرائيل بشكل عام
ولموسى بشكل خاص، لكنه لم يكن معاد لقارون شخصيا لأنه كان يعلم أن قارون منحاز كليا
لآل فرعون على حساب قومه (بني إسرائيل). وما أن استدرجه إلى ذلك المكان (ما زلنا
نتخيل) حتى افتعل معه قتالا في تلك اللحظة بحجة النصرة لبني إسرائيل على آل فرعون.
ويمكن
أن نتخيل المشهد ذاته من زاوية أخرى، فالاتفاق الذي دبّر بليل كان على نحو حصول
مفاوضات في طرف المدينة بين بني إسرائيل من جهة (يترأسه موسى) وآل فرعون من جهة
أخرى (يترأسه هذا الذي هو عدو لموسى). فجاء الرجل الذي من آل فرعون مبعوثا لهذه
المفاوضات، لكن ما أن حضر إلى المكان حتى وجد صاحبه قارون الذي ما تردد أن يفتعل
معه قتالا لحظة دخول موسى المدينة. فالاختصام بينهما كان لحظيا لأنه كان مدبرا من
ذي قبل. فهذا قارون (نحن ما زلنا نتخيل) ينقلب ظاهريا على الرجل الذي استدرج إلى
المكان لغاية التفاوض؛ فيتهمه قارون – دون سابق إنذار- بأنه معاد لبني اسرائيل
الذين هم قومه (أي قوم قارون)، ويظهر قارون حينها بأنه نصير لقومه (أي بني
إسرائيل) على آل فرعون، ويطلق نداء استغاثة بموسى لأن ينصره على الذي من عدوه (أي
عدو لموسى). وما أن يسمع موسى استغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه حتى سارع
إلى نجدته، ظانا أنه يقوم بواجب مفروض عليه، ألا وهو نصرة المظلوم على الظالم.
نتيجة
مفتراة 1: كان المقتول من آل فرعون على يد موسى عدوا لموسى
نتيجة
مفتراة 2: لم يكن المقتول من آل فرعون على يد موسى عدوا لمن كان يقتتل معه في تلك
اللحظة (أي قارون).
السؤال
الغريب: لماذا حصل الاقتتال مع هذا الرجل من آل فرعون على وجه التحديد؟
رأينا
المفترى الخطير والمهم جدا في هذا النقاش: نحن نظن بأن هذا المقتول من آل فرعون كان
من أشد المنافسين على السلطة للشخص الذي حاك قارون معه الخطة (وهو الذي سيصبح
الفرعون الجديد). وسنرى لاحقا (إن أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك) كيف استطاع ذلك
المخطط (الطامع في كرسي الحكم) أن يزيح هذا المنافس له عن السلطة على يد موسى،
وبذلك يكون قد اصطاد – كما نقول بالعامية- عصفورين بحجر واحد: فهو يكون قد أشعل
نار العداوة لموسى عند الملأ من آل فرعون (فموسى قد قتل رجلا ذا مكانة في قومه)،
وهو ما جاء الرجل من أقصى المدينة ليحذره منه:
وَجَاءَ
رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
(28:20)
فتآمر
الملأ بموسى في هذه اللحظة كان (نحن نظن) ردة فعل انتقامية ضد موسى لأنه قتل هذا
الذي هو في قومه من الملأ المقربين. فلن يقبل آل فرعون بعد هذه الحادثة التفاوض مع
موسى، وبالتالي نجحت الخطة في الإبقاء على بني إسرائيل في الاستعباد فترة من
الزمن، وهو يكون بذلك قد أزاح أيضا خصما عنيدا له على السلطة من آل فرعون.
تخيلات
مفتراة: تخيل عزيزي القارئ – إن شئت- أن قارون كان يرسم الخطة مع ذلك الذي سيصبح
الفرعون الجديد (وهو الذي لم يعتلي كرسي الحكم بعد) ليحققوا معا مصالح مشتركة.
فكانت واحدة من مصالح قارون تتمثل في إزاحة موسى عن قيادة بني إسرائيل، وكانت
مصلحة هذا الذي يخطط معه قارون هو إزاحة خصم عنيد له عن قيادة آل فرعون. فخطط
الاثنان لأن يقتل موسى (زعيم بني إسرائيل الفعلي) بعصاه هذا الذي يعاديه من آل
فرعون (الذي هو حتى الساعة الزعيم الأبرز لآل فرعون). وبالتالي تخلو الساحة لقارون
بأن يصبح موسى هدفا لآل فرعون ليأخذوا بثأرهم منه، ولا يقبلوا التفاوض معه، ويصبح
قارون هو المؤهل الآن لقيادة بني إسرائيل من بعد موسى. كما يصبح المكان - في ذات
الوقت- شاغرا لهذا الذي يخطط معه قارون لقيادة آل فرعون، فتخف المنافسة له على
كرسي الحكم، وتصبح طريقه ممهدة إلى اعتلاء الكرسي أكثر سهولة ويسر.
نتيجة
مفتراة: علينا أن نتخيل حسب فهمنا للقصة أن قتل موسى بعصاه الرجل الذي عدو له من
آل فرعون على النحو التالي: يقتل الزعيم المفترض لبني إسرائيل (وهو موسى) الزعيم
المفترض لآل فرعون.
نتيجة
مفتراة: ما أن قتل زعيم بني إسرائيل الحقيقي زعيم أل فرعون المفترض حتى خلت الساحة
لقارون لقيادة بني إسرائيل كما خلت الساحة لهذا الذي يخطط مع قارون لأن يصبح هو
زعيم آل فرعون. راقب عزيزي القارئ - إن شئت- كيف أصبح قارون بعد هذه الحادثة زعيما
لقومه، وكيف خرج عليهم:
فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (28:79)
السؤال:
كيف نفهم هذا السياق القرآني على وجه التحديد؟ ولماذا يصور لنا القرآن خروج قارون
على قوم؟
رأينا
المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن هذا الخروج من قارون على قومه كان مميزا، وذلك
لأنه يبيّن لنا (حسب زعمنا) ما حصل في اليوم الذي أصبح قارون هو الزعيم الفعلي
لبني إسرائيل بعد هروب موسى إلى مدين نتيجة قتله للذي هو عدو له من آل فرعون. فمن
يخرج على قومه (نحن نرى) يكون هو صاحب القول الفصل فيهم لأنه هو زعيمهم. وهذه
العبارة (فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ) لا نجدها وردت مرة أخرى في كتاب الله إلا
مع زكريا في قوله تعالى:
فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً
وَعَشِيًّا (19:11)
فكما
كان زكريا (نحن نتخيل) سيد بني إسرائيل وزعيمهم في فترة ما من تاريخهم، كان قارون
سيدا لبني إسرائيل في فترة سابقة من تاريخهم، بالرغم من اختلاف الاثنين في العقيدة
والتوجه.
المشهد
السينمائي: لو أردت تصوير حادثة خروج قارون على قومه في زينته في مشهد سينمائي،
لكانت على نحو يوم مميز في السيرة الذاتية لهذا الرجل (قارون) وفي تاريخ بني
إسرائيل في أرض مصر (عيد شم النسيم)، وهو اليوم الذي نُصِّب فيه قارون زعيما لبني
إسرائيل بعد هروب موسى. فكان (أنا أتخيل) يوما استعراضيا بكل ما في الكلمة من
معنى. فقد حضر بنو إسرائيل ذلك اليوم ليشهدوا تنصيب زعيم جديد لهم، ألا وهو قارون،
فالتم الجمع في مكان فسيح، وعمت الأفراح في يوم بهيج (زي اللي منعرفهم في تاريخنا
الحديث)، وخرج قارون عليهم لابسا الأوسمة الرفيعة، مستعرضا ما عنده من الزينة،
فكانت ردة فعل أكثر الحاضرين الذين يريدون الحياة الدنيا على النحو التالي:
فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (28:79)
ولكن
على الرغم من ردة الفعل هذه لأكثر الحاضرين، ظل هناك بين الجمع من لم ينخدع بتلك
الزينة من الذين أوتوا العلم، فكانت ردة فعلهم على نحو:
وَقَالَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (28:80)
وظل
هذا الاختلاف قائما بين من يريدون الحياة الدنيا، المنخدعين بزينة قارون من جهة،
والذين أوتوا العلم من جهة أخرى، حتى حُسِم الخلاف بينهم بما حلّ بقارون وبداره من
العذاب:
فَخَسَفْنَا
بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (28:81)
وفي
تلك اللحظة فقط أدرك الفريق الأول خطأ ما ظنوا، وعادوا إلى رشدهم، قائلين:
وَأَصْبَحَ
الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ (28:82)
*** *** ***
لكن،
لو عدنا إلى مشهد الاقتتال في المدينة في اليوم التالي لدخول موسى المدينة، لنرقب
ما حصل مع موسى في ذلك اليوم (أي بعد أن قتل الذي من عدوه في اليوم الأول)، سنجد
العجب العجاب. فالذي أراد موسى أن يبطش به في اليوم التالي كان عدوا لهما،
أي عدوا للاثنين (عدوا لموسى وعدوا كذلك للذي استصرخ موسى، وهو نفس الرجل الذي
استنصره بالأمس، وهو برأينا المفترى هنا قارون):
فَلَمَّا
أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا
مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ
تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ
مِنَ الْمُصْلِحِينَ (28:19)
السؤال:
لماذا كان هذا الذي من آل فرعون المشترك في الاقتتال في اليوم الثاني عدو لهما
(للاثنين)؟
تذكير
بالافتراء السابق الخاص بمن قتله موسى في اليوم الأول: لمّا كان ذاك الذي قتله
موسى في اليوم الأول من آل فرعون، كان لا شك عدوا لموسى، لكنه لم يكن عدوا لقارون،
لأن قارون كان من قوم موسى وقد بغى عليهم لصالح آل فرعون. لذا، لا أتردد أن أظن
(ربما مخطئا) بأن ذاك المقتول كان في سابق الأيام من المقربين لقارون بالرغم من
اختلافهم في العرق.
رأينا
المفترى اللاحق: أما الرجل الآخر الذي أراد موسى أن يبطش به في اليوم التالي، فقد
كان عدوا لموسى لأنه من آل فرعون، فالعداوة بينهما عرقية، وهو أيضا عدو لقارون
(الذي استصرخ موسى لينصره عليه) ليس عداوة عرقية وإنما عداوة من باب التوجه
والمقصد. ففي حين أن الرجل الذي من شيعة موسى (أي قارون) كان من المفسدين، كان هذا
الرجل الذي من آل فرعون ينشد الإصلاح ولا يبغ الفساد في الأرض، كما جاء على لسانه
عندما حذر موسى من مغبة قتله:
فَلَمَّا
أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ
أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْمُصْلِحِينَ (28:19)
فهناك
إذا (نحن نظن) نوعان من العداوة: عداوة عرقية وعداوه في التوجه والعقيدة. فأنت قد
تعاد شخص لمجرد أنه ليس من قومك، فتكون عداوتك معه عداوة عرقية. وأنت قد تعاد شخص
لأنه يختلف معك في التوجه (الايدولوجيا) كالعداوة بين من يحمل فكرا رأسماليا مع من
يحمل فكرا شيوعيا، أو عداوة من يحمل فكرا دينيا مع من يحمل فكرا علمانيا، وهكذا.
لنصل من خلال هذا النقاش إلى الافتراءات التالية:
افتراء
1: كان الرجل الذي قتله موسى في اليوم الأول عدوا لموسى عرقيا (لأنه من آل فرعون)
وعدوا لموسى في التوجه، أيديولوجيا (لأنه مفسد)، فكان عدوا لموسى فقط.
افتراء
2: لم يكن الرجل الذي قتله موسى في اليوم الأول عدوا لقارون عرقيا، لأنه بالرغم أن
قارون من قوم موسى إلا أنه بغى عليهم لصالح آل فرعون، ولم يكن عدوا لقارون في
التوجه (أيديولوجيا) لأن كلاهما كان مفسدا. فلم يكم عدوا لقارون.
نتيجة
مفتراة: كان الرجل الذي قتله موسى في اليوم الأول عدوا لموسى فقط، فجاء النص بصيغة
المفرد على نحو "من عدوه":
وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ
مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ
عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (28:15)
افتراء
3: كان الرجل الذي نبّه موسى في اليوم الثاني عدوا لموسى عرقيا (لأنه من آل فرعون)
افتراء
4: كان الرجل الذي نبّه موسى في اليوم الثاني عدوا لقارون في التوجه (أيديولوجيا)،
فهذا يريد الفساد في الأرض وذاك ينشد الإصلاح
نتيجة
مفتراة: كان الرجل الرجل الذي نبّه موسى في اليوم الثاني عدوا لقارون في التوجه،
لأنه كان يريد الاصلاح على عكس قارون الذي كان يريد الإفساد
نتيجة
مفتراة: كان الرجل الذي نبه موسى في اليوم الثاني عدوا لموسى (عرقيا) وعدوا لقارون
في التوجه (أيدولوجيا). فكان عدوا للاثنين، فجاء النص بصيغة المثنى (عَدُوٌّ
لَهُمَا):
فَلَمَّا
أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا
مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ
تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ
مِنَ الْمُصْلِحِينَ (28:19)
إعادة
إخراج المشهد السينمائي
يموت
الفرعون الأكبر، فلا يكون له وريثا للعرش، ينشغل الطامعون بكرسي الحكم في صراع
محتدم على السلطة. يقوم شخص طامح في أن يكون هو الفرعون القادم بتدبير مؤامرة محكمة
جدا مع شخص ثري جدا من بني إسرائيل اسمه قارون، ويساندهما في تلك المؤامرة الشيطان
هامان. تلتقي مصلحة الطرفين في ابعاد موسى عن قيادة بني إسرائيل وفي ابقاء بني
إسرائيل في الاستعباد أطول فترة من الزمن. ويكون من مصلحة الفرعون القادم إزاحة
منافس شديد له على السلطة. فيجتمعان معا (بحضور يزينه هامان) ليخططا معا كيفية
التخلص من موسى الذي من بني إسرائيل ومن هذا الخصم المنافس على السلطة من آل فرعون،
فتكون خطتهما على النحو التالي:
-
أن يرسل
قارون لموسى ليعود إلى المدينة وهي في غفلة (أي في فترة الفراغ السياسي)، طالبا من
موسى بأن يكون على رأس الوفد المفاوض لاجراء الصلح بين الطرفين.
-
أن يرسل
المخطط الآخر (الفرعون القادم) لأشد منافسيه على السلطة ليكون على رأس الوفد
المفاوض عن آل فرعون.
-
قارون
يرسل لموسى ليترأس وفد بني إسرائيل، وبالتالي يوهم موسى أنه يتقبل بسيادته على بني
إسرائيل
-
الفرعون
القادم المخطط مع قارون يرسل لشخص من آل فرعون ليكون على رأس الوفد المفاوض، وبالتالي
يوهمه بأنه يتقبل بسيادته على آل فرعون
-
هذان المخططان
(من شياطين الإنس) يعلمان (بمساندة شيطان الجن هامان) بأن موسى سيقتل هذا الذي من
آل فرعون مادام أن بيده العصا. فيتم التخلص من المنافسين لهما على يد غيرهما.
الأحداث
على أرض الواقع
ما
أن يقدم موسى في اليوم الأول ويدخل المدينة حتى يكون في لقاء مع الشخص المعادي
لبني إسرائيل بشكل عام ولموسى بشكل خاص، فكان ذلك الشخص من عدوه. ويقوم قارون الذي
من شيعة موسى بافتعال اقتتال مع هذا الشخص الذي لم يكن قارون نفسه يعاديه، ولم يكن
ذلك الشخص نفسه في عداء مع قارون من ذي قبل، ولكن قارون استخدمه (على الرغم من عدم
وجود العداوة بينهما) كأداة لتنفيذ مخططه الذي حاكه مع ذلك الفرعون القادم
وبمساندة وتزين من الشيطان هامان.
بالفعل،
يقع موسى في المحظور، ويقتل الرجل عندما وكزه بعصاه. فيكون موسى قد خسر قيادة بني
إسرائيل، ويكون قارون قد أبعد موسى عن قيادة بني إسرائيل فترة من الزمن، ليكون
المنصب شاغرا له في قادم الأيام. ويكون قد نجح في ابقاء بني إسرائيل في الاستعباد
فترة من الزمن، فيكون بذلك قد بغى عليهم.
وبالمقابل،
يكون في إبقاء بني إسرائيل في الاستعباد فترة أطول من الزمن مصلحة للفرعون القادم
الذي سيستخدمهم كعدو خارجي يجمع من حوله كل آل فرعون بعد أن يكون قد تخلص من
المنافس له على الكرسي على يد موسى. فهو سيوحد الجبهة الداخلية (آل فرعون) باشعال
العداوة على الجبهة الخارجية مع بني إسرائيل بشكل عام ومع موسى على وجه التحديد.
وانظر كيف استغل الفرعون الجديد عداوة بني إسرائيل عندما وصل إلى كرسي الحكم في
مصر:
وَقَالَ
الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ
وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (7:127)
في
اليوم التالي، يجهز قارون لقاءً لموسى مع المفاوض الآخر من آل فرعون الذي يريد
الإصلاح ولا يبغي الفساد، ويفتعل معه قتالا كما فعل بالأمس، وعلى الرغم من إدراك
موسى لطبيعة هذا الرجل الذي من شيعته، على أساس أنه غوي مبين، إلا أن الإرادة تتولد
عند موسى بأن يقتل الذي هو عدو لهما، فما يكون من ذلك الرجل إلا أن يحذّر موسى من
مغبّة ما قد يقع فيه من القتل مرة أخرى، وأن ذلك سيجعل موسى جبارا في الأرض، ولن
يعود من المصلحين إن هو فعلا أقدم على قتله كما قتل نفسا بالأمس. وهنا يتراجع موسى
عما كان يريد أن يفعله، فلا يقع في القتل مرة أخرى.
كانت
غاية الفرعون القادم (مشاركة مع قارون وبمساندة من هامان) هو أن يعطّل السلطان
الذي بيد موسى، فلا تتفعل من جديد بمنة إلهية أخرى على موسى. ولو فعلا أقدم موسى
على قتل ذلك الرجل في اليوم التالي، لما عاد مؤهلا للمنة الإلهية مرة أخرى:
وَلَقَدْ
مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (20:37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا
يُوحَىٰ (20:38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39) إِذْ
تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ
فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ
نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ
فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)
قصة
القتل التي وقع فيها موسى: نظرة جديدة
نحن
نطلب من القارئ الكريم – إن أراد – أن ينظر إلى واقعة القتل التي حصلت مع موسى
عندما دخل المدينة على حين غفلة من أهلها من خلال الافتراءات التالية:
-
أن القصة
لم تكن محض صدفة عابرة، ولكنها أحداث مدبرة
-
أن
الأشخاص المشتركين في تفاصيل تلك القصة لم يكونوا أشخاصا عاديين، وإنما شخصيات
مهمة ساهمت في رسم أحداث جسام حصلت في مسيرة بني إسرائيل في أرض مصر،
-
أنه كان
لتلك القصة انعكاسات كبيرة على تطور الأحداث كلها، كما بينها النص القرآني
بتفاصيلها الدقيقة.
-
الخ
لذا،
نحن نظلب من القارئ – إن أراد- أن يحاول إعادة تصوره للقصة بناء على وجهة نظرنا
(ربما المغلوطة في كليتها أو في بعض تفاصيلها) التي نحاول افتراءها، والتي هي على
النحو التالي:
-
يموت
الفرعون الأكبر الذي كان يذبح أبناء طائفة من بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، ولا
يكون له وريث للعرش، فتصبح المدينة في غفلة، وهنا يشغر كرسي الحكم لمن سيجلس عليه
من بعد الفرعون الأول.
-
يحتدم
الصراع في آل فرعون على ذلك الكرسي، فيكون هناك طامعين في ذلك الكرسي، ويكون بعضهم
مؤهلا لأن يكون هو الفرعون القادم.
-
يحتدم
الصراع (نحن نتخيل) على كرسي الحكم حينئذ بين اثنين من آل فرعون، أحدهما مفسد
والآخر مصلح.
-
يكون
هناك شخص ثالث يرقب عن بعد، ويخطط بدهاء منقطع النظير للوصول إلى كرسي الحكم، لكنه
لم يكن ليصل إليه لو أن أحد الرجلين السابقين من آل فرعون ظل منافسا له على السلطة.
-
كان
على هذا الطامع الطامح (المخطط من بعيد) أن يزيح منافسيه الآخرين عن الساحة، لكن
بطريقة لا ينقصها الدهاء الشيطاني
-
كان
هذا الطامع المخطط من بعيد يتلقى مساندة لوجستية مباشرة من الشيطان هامان
-
كان
هذا الطامع الطامح يخطط مع شخص من بني إسرائيل اسمه قارون
-
دبر
هذا الطامع المخطط من بعيد الأمر كله بطريقة تفسح له المجال لاعتلاء كرسي الحكم في
أرض مصر
-
كان
من أول ما رسم هذا الطامع أن يجعل قيادة بني إسرائيل في غير القائد الشرعي لهم
(ألا وهو موسى)
-
وجد
هذا الطامع أن أفضل من يتولى قيادة بني إسرائيل في تلك المرحلة هو الفاسد المفسد
قارون الذي هو من قوم موسى
-
عقد
هذا الطامع اجتماعاته السرية مع قارون بحضور يزينه هامان
-
أعد
الطرفان (هذا الطامع في كرسي الحكم مع قارون) الخطة التي تحقق مصالح الطرفين بكل
دقة وإحكام
-
كانت
الخطة تنطوي على التوسط في عقد مفاوضات صلح (شكلية في ظاهرها فاشلة في باطنها) بين
بني إسرائيل من جهة وآل فرعون من جهة أخرى
-
اتفق
الطرفان على المكان الذي ستنعقد فيه مفاوضات الصلح بين الطرفين
-
انطوت
الخطة على أن يقوم قارون باستدعاء موسى ليقود المفاوضات عن جانب بني إسرائيل، فأرسل
قارون إلى موسى ليعود إلى المدينة في تلك الفترة التي كانت كلها على حين غفلة من
أهلها
-
انطوت
الخطة أن يرسل هذا الطامع في الكرسي - بالمقابل- إلى شخص من آل فرعون، هو الأحق بكرسي
الحكم لتمثيل آل فرعون في تلك المفاوضات
-
عندما
أرسل قارون لموسى يطلب منه قيادة بني إسرائيل في المفاوضات، ظن موسى أن قارون
يتقبل موسى قائدا فعليا لبني إسرائيل
-
عندما
أرسل هذا الطامع المخطط من بعيد للرجل من آل فرعون ليقود المفاوضات، ظن الذي جاء
مفاوضا عن آل فرعون بأن هذا الوسيط (الذي يرتب اجراءات المفاوضات) يتقبل بأن يكون
هذا المفاوض من آل فرعون هو زعيم آل فرعون، صاحب الأحقية في كرسي الحكم.
-
انطوت
الخطة أن يفتعل قارون نفسه قتالا مع مندوب (أو لنقل ممثل) آل فرعون في اللحظة التي
يدخل موسى فيها المدينة
-
كان
هذا الذي يمثل آل فرعون من أشد المقربين لقارون، فلم يكن عدوا لقارون إطلاقا، لكنه
كان عدوا لموسى
-
تم
خداع الممثل لآل فرعون بأن يقبل أن تجرى المفاوضات (نحن نتخيل) في المكان الخاص
بقارون، ظانا أنه صديقه الذي لن يخذله. فالتاريخ المشترك القديم بينهما يجعله
يطمئن أن يكون في مكان خاص بصاحبه قارون.
-
يحضر
مفاوض آل فرعون (صديق قارون القديم)، فيجد المكان قد جهّز لاستقباله بكل حفاوة
وتكريم، لكن
-
ما
أن دخل موسى المدينة ووصل إلى المكان المحدد بين الطرفين على طرف المدينة حتى افتعل
قارون نفسه قتالا مع هذا الرجل الذي يمثل آل فرعون، فاشتعل الاقتتال بين قارون من
جهة وصاحبه هذا الذي من آل فرعون من جهة أخرى دون سابق إنذار.
-
آظهر
قارون بأنه المدافع المنافح عن حقوق بني إسرائيل في ذلك اللقاء حتى وصل الأمر إلى
افتعال القتال على ذلك الخلاف التاريخي
-
لكي
يتم السيناريو كما خطط له، ما تردد قارون في أن يطلب النصرة من موسى على هذا الذي
هو عدو لموسى بحجة نصرة المظلوم (بني إسرائيل) على الظالم (آل فرعون)
-
لما
رأى ممثل بني إسرائيل موسى (الذي هو فعلا عدو له) ما كان ليتردد أن يحاول قتل
موسى. فهذه بالنسبة له فرصة تاريخية للتخلص من عدوه الأكبر. فقد كان هذا الرجل
(نحن نتخيل) من أكبر المحرضين ضد موسى في بلاط الفرعون الأول، وهو من أوغر صدر
الفرعون الأول وصدور آل فرعون كلهم ضد موسى من قبل حتى أضطر موسى للخروج من
المدينة بعد موت امرأة فرعون التي كانت تحميه في القصر الفرعوني.
-
لا
يتردد موسى بأن يقتل ذاك الرجل لأن ذلك الرجل لم يكن ليتردد أن يقتل موسى لو
استطاع. فالوقت قد حان لتصفية الحساب القديم بينهما. لم يكن في آل فرعون من هو
أحرص على التخلص من موسى من هذا الرجل الذي كان فعلا يعادي بني إسرائيل كلهم بشكل
عام وموسى بشكل خاص.
-
كانت
الغلبة لموسى (نحن نرى) لأن موسى كان يملك بيده العصا التي وكزه بها، فقضى عليه
-
وهكذا،
تنجح الخطة في تفصيلاتها لليوم الأول، وذلك بإزاحة منافسين اثنين (شرعيين) على
السلطة. فيصبح لآل فرعون ذنب على موسى، فعلى موسى أن يخرج من المدينة، وما عاد آل
فرعون (الذي قتل موسى رجلهم الأول) يرضون بأن يكون موسى زعيما لبني إسرائيل،
مفاوضا عنهم مادام أنه قد قتلا زعيما كبيرا لهم، فكان جلّ همهم في هذه الأثناء هو
أن يأتمروا بينهم (أي أن يقطعوا الأمر فيما بينهم) بقتل موسى شخصيا، انتقاما منه
على قتل زعيمهم القادم. وهذا ما جاء الرجل الذي يسعى من أقصى المدينة ليحذر موسى
منه، ويطلب منه الخروج من المدينة كلها.
-
تنتقل
الخطة إلى اليوم التالي: فيبعث المخطط الطامح إلى الرجل الثاني صاحب الأحقية في
قيادة آل فرعون لأن يأتي ليقود المفاوضات مع بني إسرائيل على أساس أنه رجل مصلح. ويكأنه
يظهر صوت التعقل والرشد، فيخاطب هذا الرجل بما تميل له نفسه ألا وهو الإصلاح بين
الطرفين. ويكأني به يقول له (تعال أنقذ الموقف قبل أن يتدهور أكثر، فأنت رجل مصلح
تستطيع رأب الصدع الذي بدأ يتسع بين الطرفين، فمن غيرك يستطيع فعل ذلك؟)، لكن ما
أن يأتي هذا المصلح من آل فرعون – المخدوع بمعسول الكلام من ذلك الشيطان الإنسي - حتى
يفتعل معه قارون – كما خطط لذلك- قتالًا كما افتعله مع الرجل الآخر في البارحة.
-
ينشد
قارون مرة أخرى المساندة من موسى، ويعلم موسى أن صاحبه هذا غوي مبين، لكن تتطور
الأحداث لدرجة أن تتولد عند موسى الإرادة لقتل هذا الرجل أيضا.
-
يتدخل
الرجل المصلح من آل فرعون برفع صوته في وجه موسى ليحذره من مغبة قتله كما قتل نفسا
بالأمس، فيبدو (نحن نتخيل) ويكأنه متوسلا لموسى أن لا يقتله بعد أن أصبح في مرمى
عصا موسى.
-
يتوقف
موسى عن قتل هذا الرجل بعد أن تمكن منه في ذلك الصراع، لأنه لا يريد أن يكون جبارا
في الأرض ويريد أن يكون من المصلحين.
-
وهكذا
تنجح كثير من تفصيلات الخطة في يومها الثاني.
إن
صح هذا السيناريو (كما نحاول أن نتخيله)، يكون الطامع في حكم مصر الذي خطط هذه
الأحداث قد أقصى منافسه هذا (المصلح من آل فرعون) عن الكرسي للأسباب التالية:
-
أولا، لن
يكون هذا المصلح في عيون آل فرعون على قدر المسئولية، لأنه لم يستطع أن يقتل موسى،
فبان لهم بأنه رجل ضعيف، غير جدير بقيادة آل فرعون في هذه الظروف العصيبة، خاصة مع
الثورة المشتعلة مع بني إسرائيل حينئذ.
-
ثانيا،
بان لآل فرعون كذلك بأن هذا الرجل (المصلح) ليس معاد تماما لبني إسرائيل، لأنه
عندما حانت فرصة أن يقتله موسى، تعذر لموسى بفكرة الإصلاح بين الطرفين على الرغم
أن موسى قد قتل رجلهم الأول في اليوم السابق، فآل فرعون سيرون (وسيظنون) أن الرجل
قد جبّ عن نفسه القتل، لكنه ترك الفوقية لبني إسرائيل على آل فرعون. فمادام أن
زعيم بني إسرائيل (موسى) يصول ويجول، ولا يستطيع أحد من زعماء آل فرعون حينئذ أن
يوقفه عند حده، فالكفة في نظر العامة تميل لصالح بني إسرائيل. فإن بقي الأمر على
هذه الشاكلة، فسترتفع معنويات المقاومين من بني إسرائيل على المعتدين من آل فرعون
الذين ستبدأ معنوياتهم بالانخفاض.
-
ثالثا،
أصبحت الساحة متاحة للبحث عن رجل آخر يقبل التحدي، ويستطيع أن يقارع موسى، حتى لا
تكون الغلبة لبني إسرائيل على آل فرعون. فمن يستطيع أن يرجح كفة آل فرعون بعد هذا
العار الذي لحق بهم بقتل زعيمهم الأول ونجاة زعيمهم الثاني بالتوسل لموسى؟
-
في هذه
الاثناء أصبحت العيون تشرئب نحو رجل يستطيع مواجه موسى أولا، وإخماد ثورة بني
إسرائيل في أرض مصرثانيا، واثبات فوقية آل فرعون ثالثا، فمن سيكون (يا ترى)؟
وهذا
ما كانت الخطة المحكمة ستحققه عندما نفذت على أرض الواقع، فكانت النتيجة على هذا
النحو:
وَقَالَ
الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ
وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (7:127)
تخيلاتنا
بمشاهد سينمائية احترافية
في
هذه الاثناء بدأت الإشارات تأتي من هنا وهناك بأن لا أحد يستطيع فعل ذلك سوى (XY)، وهو الذي ما كان يعلم الجمع بأنه المخطط
الذي ما فتئ يرسم كل تلك الأحداث في الخفاء، إنه فرعونهم القادم، ذلك العتل الزنيم
الذي تربى مع موسى وهارون في كنف نبي الله ذي الكفل بعد مقتل أبيه ومصرع أمه على
يد الفرعون السابق الذي لم يكن له ولد (للتفصيل في هذا انظر الجزء السادس من مقالة
فقه الزكاة).
السؤال:
كيف سيقنع هذا الشخص (XY)
الجمع من آل فرعون بقدراته الاستثنائية للتصدي لموسى أولا، ولاخماد ثورة بني
إسرائيل ثانيا، واسترجاع فوقية آل فرعون ثالثا؟
رأينا
المفترى: نحن نتخيل بأنه مادام أن الرجل (XY) قد ضمن أن بني إسرائيل سيصبحون تحت قيادة
قارون، فلن يجد عناء في اخماد ثورتهم، فهو قد اشترى القائد قارون قبل أن يتم
تنصيبه (زي اللي صار أمام ناظرينا في العهد القريب). فالقائد لبني إسرائيل هو
قارون شريطة أن تتم إزاحة موسى عن مشهد الأحداث. لذا، كان آل فرعون يظنون أن هذا
الرجل هو الوحيد القادر على الوقوف بوجه موسى لا بل وقتله. ولو فعل ذلك، فلن يتردد
آل فرعون أن يقبلوا تنصيبه فرعونا جديدا عليهم. فكيف سيتصرف هذا الشيطان من الإنس
(XY)؟
رأينا
المفترى: لم تكن الفطنة لتنقص هذا الشيطان (XY) بأنه لن يستطيع القضاء على موسى لو حصلت
مواجهة فعلية بينهما، فهو يعلم أن العصا بيد موسى، ولا طول له بمقارعة موسى مادام أن
موسى يحمل تلك العصا بيده. لذا، عليه أن يتجنب المواجهة الفعلية مع موسى، لكن عليه
أن يظهر أمام الجميع بأنه هو المنتصر. فكيف سيخطط لذلك؟
رأينا
المفترى: ما كان هذا الرجل سيستخدم غير الحيلة (الكيد) التي تنقذه من المواجهة
الفعلية مع موسى، لكنها تظهره بأنه هو المنتصر، فما كان منه (نحن ما زلنا نتخيل) إلا
أن يرسل لموسى مندوبا يثق به موسى تماما، لينصحه بالخروج من أرض مصر:
وَجَاءَ
رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
(28:20)
تخيلات
مفتراة: نحن نتخيل بأن هذا الشيطان من الإنس (XY) هو من عمد إلى أن يرسل لموسى شخصا ليحذره
من تآمر الملأ به، وينصحه من الخروج من المدينة كلها. وقد سهل هذا الشيطان (XY) طريق الخروج لموسى دون أن يشعر موسى نفسه
أو أحد من حوله من بني إسرائيل بذلك.
السؤال:
ما فائدة هذا المكر الشيطاني بالنسبة لهذا الشيطان من الإنس (XY)؟
رأينا
المفترى: مادام أنه قد أخرج موسى من المدينة، فقد تأجلت إذا المواجهة الفعلية
بينهما حتى حين. وبالتالي ظهر أمام الجميع (خاصة آل فرعون) بأن موسى قد هرب من
المدينة خوفا منه. فهروب قائد بني إسرائيل (موسى) يجعل الكفة الآن تميل لصالح
الطرف الآخر. فلقد روج هذا الشيطان من الإنس (XY) قدرته الإعلامية الشيطانية لتنشر بين
الناس حينئذ بأن موسى قد خاف من المواجهة الفعلية معه، فخرج من المدين خائفا
يترقب، ويكأن لسان حاله يقول لهم: لماذا يهرب موسى من المواجهة معي، فليعد موسى
إلى المدينة إن كان يستطيع المواجهة! فظهر بذلك أنه هو المنتصر، الذي لا يستطيع
أحد (حتى موسى نفسه) الوقوف في وجهه. ويكون بذلك قد أقنع آل فرعون بأهليته للتصدي
لموسى، فهو يعلم أن موسى قد خرج من المدينة بسبب الغم الذي أصابه من قتله النفس،
وندم على ذلك، وطلبه الاستغار لذنبه (انظر سلسلة مقالاتنا السابقة عن قصة موسى).
لكن هذا الشيطان الإنسي (XY)
قد استغل الحادثة ليروج بين الناس عن قدراته الهائلة في التصدي لموسى، وبالتالي
أهليته لأن يكون زعيم آل فرعون القادم.
بعد
أن روج الرجل لقدراته في الوقوف بوجه موسى (زعيم بني إسرائيل)، لم يتبق أمامه إلا
أن يخمد ثورة بني إسرائيل حينئذ. ويثبت فوقية آل فرعون عليهم، فكيف سيفعل ذلك؟
رأينا
المفترى: كان أول ما فعل ذلك الرجل هو أن يعمد إلى تنصيب قارون زعيما على بني
إسرائيل بعد خروج موسى خائفا يترقب، فأعد التحضيرات اللازمة للحدث، وهناك خرج
قارون على قومه في زينته:
فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (28:79)
وما
أن تقبل بنو إسرائيل قارون زعيما لهم (في غياب موسى الذي خرج من المدينة خائفا
يترقب)، حتى أوكلوا لهم أمر التفاوض مع آل فرعون، وهنا أصبحت المهمة معروفة
النتائج:
إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ
الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ
قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
(28:76)
السؤال:
كيف كان بغي قارون على قومه؟
السؤال:
هل تذكركم هذه القصة كما افتريناها من عند أنفسنا بأحداث تجري على الساحة في يومنا
هذا؟
الجواب:
شوية عربان بدهم يقفوا في وجه دهاء علماء بني إسرائيل!
صدقوني
إذا ما تدخلت أنا ليجيبوكوا بحوض نعنع. فالله المستعان
قال
تعالى:
إِلَىٰ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ
بِرَشِيدٍ (11:97)
لكن
يبقى السؤال القديم الجديد هو: من هو داوود؟
المدّكرون:
رشيد سليم الجراح وآخرون
بقلم:
د. رشيد الجراح