قصة داوود - الجزء السابع عشر
من
هو داوود –
الجزء السابع عشر
من
هو داوود – الجزء 17
قدّمنا
في الجزء السابق من هذه المقالة مجموعة من الافتراءات حول مراحل تجهيز شخص النبي
الكريم ليكون للعالمين نذيرا، وليكون في ذات الوقت رحمة للعالمين. فظننا بأن النبي
الكريم قد قارع الطبيعة القاسية
منذ
نعومة أظفاره، فكانت له تدريبا بدنيا على تحمل المشقة وتخطي الصعاب، ثم ما لبث أن
بدأ بمقارعة بعض القوى الغيبية حتى كانت بمثابة تأهيل نفسي له ليتحمل شرف التكليف
الإلهي له بالرسالة.
وكانت
الافتراءات الأخيرة خاصة بالتأهيل النفسي له حتى استطاع أن يكبح جماح النفس الأمارة
بالسوء، وأن يكبح كذلك جماح ما يزيّن للنفس البشرية شهواتها. فزعمنا الظن من عند
أنفسنا بأنه ما أن خرج محمد من أن يكون يتيما بوصوله مرحلة البلوغ حتى أصبحت نفسه
تشتهي ما تشتهيه نفس أي شاب من جيله، كما زعمنا الظن بأن محمدا كان يملك من
المقومات ما يجعله قادرا على تلبية جميع شهوات النفس التي جاء ذكرها في قوله
تعالى:
زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (3:14)
لكن
لمّا كان محمد يطمح إلى ما هو خير من ذلك كله، اجتهد (ما استطاع إلى ذلك سبيلا) أن
يكبح جماع نفسه التي تحثّه على هذه الشهوات، كما استطاع أن يكبح جماح من يزيّن تلك
الشهوات للنفس، ألا وهو الشيطان.
وظننا
بوجود ثلاث مراحل أولية في حياة النبي في هذا المجال، ألا وهي:
-
مرحلة
مقارعة عالم الجن (التي تجليها سورة الجن التي جاء ترتيبها السورة 72 في المصحف الشريف)
-
مرحلة
الإعداد الشخصي للنبي الكريم (التي تجليها سورة المزمل التي جاء ترتيبها السورة 73)
-
مرحلة
التبليغ بالرسالة (التي تجليها سورة المدثر التي جاء ترتيبها السورة 74)
وقد
انتهينا في ذلك الجزء إلى تقديم افتراء هو من عند أنفسنا بأن الشيطان (هامان) قد
ظهر ظهورا علنيا لمحمد في مرحلة ما من حياته. لتكون التساؤلات الأولية في هذا
الصدد على النحو التالي:
-
هل فعلا
ظهر هامان لمحمد ظهورا علنيا؟
-
لماذا
أصلا ظهر هامان لمحمد ظهورا علنيا؟
-
كيف ظهر
هامان علانية لمحمد؟
-
متى كان
ذلك؟
-
أين كان
ذلك؟
-
هل تعامل
محمد مع هامان؟
-
لماذا
تعامل معه؟
-
هل استمر
محمد في التعامل مع هامان؟
-
هل توقف
محمد عن التعامل مع هامان؟
-
الخ
رأينا
المفترى: نحن نظن أنه من أجل تقديم بعض الإجابات المفتراة من عند أنفسنا على مثل
هذه التساؤلات، فلابد أن ننطلق من مقدمات بسيطة يمكن الاتفاق عليها حتى تكون لبنات
أساسية في النقاش القادم. لذا، سنعود مرة أخرى إلى بعض الافتراءات القديمة التي
ناقشناها في مقالات متفرقة سابقة لنا، لنستذكر
منها هنا الافتراءات التالية:
-
أن محمدا
ليس استثناء عن الرسل الآخرين، فما هو إلا رسول قد خلت من قبله الرسل:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ
شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (3:144)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ
إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (46:9)
-
هناك فرق
بين الشيطان الرجيم (إبليس) من جهة والشيطان (هامان) من جهة أخرى
-
أن
الشيطان الرجيم هو إبليس وهو من رفض السجود لآدم، وأنه مرجوم في السماء
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا
تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (15:32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ
خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (15:33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (15:34)
-
أن
الشيطان (وليس الشيطان الرجيم) المذكور في القرآن هو هامان، وهو الذي وسوس لآدم
وزوجه في الجنة ليأكلا من الشجرة:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ
لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا
نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ
أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (7:20)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ
يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ
(20:120)
-
أن الشيطان (هامان) هو الذي الذي أخرج آدم
وزوجه من الجنة
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا
لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (7:27)
-
أن
الشيطان (هامان) أُخرج من الجنة وأهبط مع آدم وزوجه:
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (2:38)
-
أن الجنة
التي أهبط منها آدم وزوجه ومعهم الجن وشياطينهم هي جنة المأوى في بيت المقدس
-
أن هبوطهم
جميعا كان إلى الواد غير ذي الزرع الذي بمكة
-
أن رحلة
البشرية بعد الهبوط من الجنة قد بدأت من مكة
-
أن مكة
أصبحت ذات بطن لأن كل القرى قد جاءت من هناك، فكانت مكة هي أم القرى:
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ
عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (48:24)
-
أن آدم قد
تلقى (بعد هبوطه من الجنة) كلمات من ربه، وكان ذلك (نحن نتخيل) عند عرفات:
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ
فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (2:37)
-
أن الله
قد أخذ من ظهور بني آدم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم عند المشعر الحرام الذي يقع بين
عرفات ومنى.
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (7:172)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا
هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (2:198)
-
أن تكاثر
آدم مع زوجه بالعملية الجنسية الأولى كانت في واد منى (فسميت "منى" نسبة
إلى المني الذي خرج هناك لأول مرة)
-
أن
الشيطان (هامان) قد أقام "عرشه" الأرضي هناك، وكانت مهمته هو أن يحدث
الرجز
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً
مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ
وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (8:11)
-
أن تطهير
البيت من رجز الشيطان وزمرته أصبحت فعلا متكررا من شعائر حج البيت
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً
لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ
وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (2:125)
-
أن تطهير
البيت من رجز الشيطان يكون بالذبح.
-
الخ
وبعد
استعراض جملة الافتراءات هذه التي هي لا شك من عند أنفسنا، نجد أن ما يهمنا طرحه
هنا هو السؤال التالي: لماذا
يقدّم الشيطان (هامان) خدماته الكبيرة لأشخاص محددين؟ وبكلمات أخرى: متى يظهر
الشيطان (هامان) لأي إنسان ظهورا علنيا وليس مجرد وسوسة (غير معلنة)؟
جواب
مفترى خطير جدا جدا (لا
تصدقوه):
نحن
نظن (ربما
مخطئين) بأن
الشيطان يظهر علانية "لشخص ما" إذا كان هذا الشخص عنده الآيات. انتهى.
نحن
نعتقد بأن مهمة الشيطان التي أوكلها لنفسه هي ايقاع الفتنة، والصد عن سبيل الله،
فهو يخوّف الناس، وهو الذي يزين لهم سوء أعمالهم،
وهو الذي يعدهم ويمنيهم، وهو الذي ينزغ بينهم، الخ:
وَجَدْتُهَا
وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ
(27:24)
إِنْ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا
مَرِيدًا (4:117) لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ
نَصِيبًا مَفْرُوضًا (4:118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (4:119) يَعِدُهُمْ
وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (4:120)
فَلَوْلَا
إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (6:43)
يَا
بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ
يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (7:27)
وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (7:200)
وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (41:36)
وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ
بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (17:53)
لكن
الشيطان (نحن نرى) يقوم بهذه المهمات دون الحاجة للظهور العلني للشخص، أي أنه
يوسوس لهم بطريقة لا يكون هو شخصيا ظاهرا علانية لهم. وهذا ما
يحدث مع مجموع الناس.
وليس أدل على ذلك - برأينا – مما حصل في حالة يوسف وإخوته:
وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ
بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ
أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ
لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (12:100)
أو
مما حصل في حالة موسى عندما وكز الرجل وقضى عليه:
وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ
عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ
مُبِينٌ (28:15)
لكن
المفارقة العجيبة التي سنحاول الترويج لها الآن تتمثل في أن الشيطان (هامان) قد
يظهر علانية "لشخص ما" إذا ما وجد بأن ذلك الشخص قد أصبح لديه من الآيات
ما لا يملكه شخص عادي.
الدليل
هذا هو هامان يظهر علانية
لفرعون ليقدم له خدماته، فيصبح خادما مطيعا لتنفيذ أوامر فرعون:
وَقَالَ
فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي
فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي
أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ
(28:38)
وَقَالَ
فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ
(40:36)
ونحن
نظن (ربما مخطئين) بأن الشيطان (هامان) ما كان ليقدم مثل هذه الخدمات الكبيرة
لفرعون لولا أنّ فرعون قد امتلك من الآيات ما جعله شخصا استثنائيا:
وَلَقَدْ
أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (20:56) قَالَ أَجِئْتَنَا
لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (20:57)
فكان
الشيطان تابعا لفرعون، ينفذ له ما يطلبه منه في الحال:
وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (7:175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ
بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ
ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (7:176)
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا: تأتي فرعون الآيات، يظهر له هامان، ينسلخ فرعون عن تلك
الآيات، ويصبح هامان تابعا لفرعون ليقدم له الخدمات التي يطلبها منه مادام أنه قد
انسلخ عن الآيات التي أوتيها.
ولنا
أيضا في قصة أب إبراهيم مثالا آخر على الظهور العلني لهامان لبعض الناس الذين كانت
لديهم من الآيات ما لم يكن للناس الآخرين من حولهم. فبالرغم أن القوم (في زمن
إبراهيم) كانوا يعبدون التماثيل التي اتخذوها أصناما:
إِذْ
قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ (21:52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (21:53) قَالَ
لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (21:54) قَالُوا
أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (21:55) قَالَ بَلْ
رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ
ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (21:56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ
بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (21:57)
إلا
أن كبير القوم (أب إبراهيم) كان بنفسه يعبد الشيطان كما جاء ذلك صراحة على لسان
إبراهيم عندما حاور أبيه بعيدا عن أعين الناظرين:
إِذْ
قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا
يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (19:42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (19:43) يَا أَبَتِ
لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا
(19:44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ
فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (19:45)
نتيجة
مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن الشيطان (هامان) قد تواصل تواصلا
علنيا مع أب إبراهيم كما تواصل علانية كذلك مع فرعون.
وليس
أدل على افترائنا هذا أيضا من تدخل الشيطان في الآيات التي آتاه الله للرسل أنفسهم. فهؤلاء
الرسل هم من كانوا مؤهلين للرسالة، وبالتالي كان لديهم الآيات الكثيرة، فما يكون
للشيطان إلا أن يتصدى لهم، ولكن ليس بطريقة غير مباشرة كما يفعل مع الناس العاديين،
وإنما بطريقة مباشرة لأن هؤلاء أناس استثنائيون، فتكون مهمة الشيطان مع هؤلاء
الناس الاستثنائيين تتمثل في ما جاء تفصيله في كتاب الله في الآية الكريمة التالية:
وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى
الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (22:52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (22:53)
وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22:54)
وإن
كنا لا نريد الدخول الآن في تبيان فهمنا لهذه الآيات الكريمة (متى ما أذن الله لنا
بذلك)، إلا أننا نحاول أن نسطر (حسب فهمنا لبعض ما فيها طبعا) افتراء
مهما جدا في سياق حديثنا هذا، ألا وهو: التدخل المباشر للشيطان (هامان) في الآيات
التي ينزلها الله على أحد من رسله. فكيف يكون ذلك؟
أما
بعد
لم
يكن محمد (كما أسلفنا) استثناء من الرسل، فقد جاءته الآيات كما جاءت الرسل من قبله،
فما كان لهامان (نحن مازلنا نتخيل) أن يتخلى عن مهمته التي أوكلها لنفسه منذ
القدم، وهي أن يلقي في أمنية الرسول. لذا جاء التحذير الإلهي لمحمد منه، فلا
يطعه، في أول سورة أنزلت عليه:
اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (96:1) خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (96:2) اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (96:3) الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (96:4) عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (96:5) كَلَّا
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ (96:6) أَنْ
رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (96:7) إِنَّ
إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (96:8) أَرَأَيْتَ
الَّذِي يَنْهَىٰ (96:9) عَبْدًا
إِذَا صَلَّىٰ (96:10) أَرَأَيْتَ
إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (96:11) أَوْ
أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (96:12) أَرَأَيْتَ
إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (96:13) أَلَمْ
يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (96:14) كَلَّا
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (96:15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (96:16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (96:17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (96:18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ ۩ (96:19)
ونحن
نفهم هذه الآيات على النحو التالي:
-
كان محمد
يقرأ بسم غير الرب الذي خلق في الفترة التي كان فيها ضالا يبحث عن الهداية (وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَىٰ)، فجاءه الأمر الإلهي بأن يبدأ من هذه
اللحظة القراءة بسم ربه الذي خلق:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (96:1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (96:2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (96:3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (96:4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (96:5)
-
إخبار
محمد بأن الإنسان سيطغى متى ما اتيحت له فرصة رؤية كينونة ما، ألا وهو ذلك الشيطان
(هامان):
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ (96:6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (96:7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (96:8)
-
اخبار
محمد بالمهمة التي يقوم بها ذلك الشيطان وهي نهي عباد الله عن الصلاة:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (96:9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (96:10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (96:11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (96:12)
*** *** ***
وسنرى لاحقا علاقة الصلاة
بالموضوع خاصة عندما أسكن إبراهيم من ذريته عند ذلك البيت لغرض إقامة الصلاة على
وجه التحديد:
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ
ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا
لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (14:37)
وسنجد بأن
واحدة من مهام الشيطان هو صدّ الناس عن ذكر الله وعن الصلاة:
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (5:91)
وتكون مهمته النهائية هو أن يستحوذ على الناس،
فينسيهم ذكر الله:
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ
أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (58:19)
ولو دققنا في شعائر الحج التي تجرى هناك عند
البيت، سنجد الآية الكريمة التالية:
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا
هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (2:198)
وسنرى كيف إن إقامة الصلاة عند البيت أولا وأن ذكر
الله عند المشعر الحرام ثانيا هما ما يُحبط به عمل الشيطان (هامان)
وبالرغم أن مهمة الشيطان على نحو الصدّ عن ذكر
الله وعن إقامة الصلاة:
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (5:91)
فقد تولى حزب الشيطان مساندة الشيطان بمهمته تلك
بالصد عن المسجد الحرام:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ
وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ
رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ۘ
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (5:2)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ
مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ
تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
ۖ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا
لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (48:25)
فكان هؤلاء هم من أستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم
ذكر الله:
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ
أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (58:19)
(فالله وحده
أدعوه أن ينفذ مشيئته لي الإحاطة بعلم في ذلك لا ينبغي لأحد غيري، وأن يعلمني ما
لم أكن أعلم، وأن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو
العلي العظيم)
-
إخبار
محمد بأن الله يرى ما يقوم به ذلك الشيطان
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (96:14)
-
إخبار محمد
بعاقبة ذلك الشيطان إن لم ينته، وسيكون ذلك على نحو أن يسفع بناصيته:
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا
بِالنَّاصِيَةِ (96:15) نَاصِيَةٍ
كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (96:16)
*** *** ***
وسنرى لاحقا (إن أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك) بأن
تلك الكينونة المشار إليها في هذا السياق القرآني لها ناصية، بالضبط كالدواب:
إِنِّي
تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ۚ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ
آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (11:56)
الأمر الذي
سيدفعنا – إن شاء الله - إلى إجراء تقابل بين هامان (من له ناصية) مع الدواب التي
لها ناصية، لنحاول فهم ما هي الناصية، وكيفية أن يسفع بالناصية، وعواقب السفع
بالناصية.
(فالله وحده
أدعوه أن ينفذ مشيئته لي الإحاطة بعلم في ذلك لا ينبغي لأحد غيري، وأن يعلمني ما
لم أكن أعلم، وأن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو
العلي العظيم)
-
إخبار
محمد بوجود الإرادة الإلهية في المواجهة المباشرة إن رغب الشيطان في ذلك:
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (96:17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (96:18)
-
ختم تلك
الرسالة الإلهية لنبيه الكريم بعدم اطاعة الشيطان والسجود والاقتراب من ربه الذي
خلق:
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ ۩ (96:19)
*** *** ***
وسنرى لاحقا
(إن أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك) كيف أن السجود هو ما يحقق الاقتراب من الله
والابتعاد عن الشيطان
(فالله وحده أدعوه أن ينفذ مشيئته لي الإحاطة
بعلم في ذلك لا ينبغي لأحد غيري، وأن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يعلمني ما لم أكن
أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو العلي العظيم)
وهنا
نتوقف قليلا عند افترائنا الذي مفاده إمكانية وجود تواصل مسبق بين محمد من جهة
والجن من جهة أخرى، ليكون السؤال الآن هو: كيف فُتح
باب التواصل بين محمد من جهة والجن من جهة أخرى؟ ولماذا انبرى هامان (حسب هذا
الخيال المفترى من عند أنفسنا) ليقدم خدماته لمحمد كما فعل (نحن نظن) مثلا مع
أب إبراهيم أو مع فرعون من ذي قبل؟ وسنرى كذلك كيف فشل هامان في
المهمة مع محمد، ولماذا فشل في المهمة مع محمد بينما نجح مع أب إبراهيم ومع فرعون.
رأينا
المفترى: نحن
نظن أن السبب الذي أدى إلى فتح قناة تواصل لمحمد مع الجن هو حيازته على علم الكتاب
الذي يحتوي في طياته على الآيات. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا
المفترى: دعنا
نحاول التدقيق في السياقات القرآنية التي تتعلق بتواصل الجن مع محمد كما تبينها
بعض الآيات الكريمة، ولنبدأ بقوله تعالى:
وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ (46:29) قَالُوا
يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (46:30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ
وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ (46:31) وَمَنْ
لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (46:32)
لو
دققنا في هذه الآيات الكريمة، ربما نستطيع تسطير (بنا
على فهمنا لها) بعض
الافتراءات التي قد تساعد في فهم الأمور بطريقة مختلفة. ولنبدأ
بالافتراءات الأولية التالية:
افتراء
1: كان صرف
ذلك النفر من الجن ليستمعوا القرآن قد حصل بأمر إلهي، وقد حدث ذلك - نحن نرى- بطريقة
مفاجئة (وَإِذْ
صَرَفْنَا). فمفردة (إذ) تفيد – كما ذكرنا
أكثر من مرة - بأن الحدث قد حصل بشكل فجائي، وأن هناك حدث سابق له أدى إلى حصول
هذا الحدث بطريقة مفاجئة. ولو دققنا في مفردة "صرفنا" سنجد أن مجيء الجن
إلى المكان كان بشكل متفرق فرادى وجماعات حتى تجمعوا كلهم معا في مكان واحد. فنحن
نستخدم هذا المفهوم لتسمية الشخص الذي يقوم بتبديل العملات وتحويلها من الحالة
المجتمعة إلى الحالة المتفرقة والعكس. فأنت عندما تصرف ورقة نقدية من فئة المئة
دولار، تقوم بتبديلها بعدة أوراق نقدية من الفئة الأقل، أي من فئة الخمسين أو
العشرين أو العشرة، وهكذا. وأنت عندما تقوم باعطاء ابنك مصروفا يوميا، أنت تقدم له
المبلغ المالي كاملا، وهو يقوم بانفاقه شيئا فشيئا، وهكذا هو مصروفك على أسرتك،
الخ. وبهذا الفهم المفترى يمكن أن نتخيل فعل تصريف الرياح والسحاب:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ
فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (2:164)
فالسحاب
(كما الرياح) يكون على شكل موجات أو كتل متفرقة، تتابع وتتكاثف بتجمعها فوق بعضها
البعض شيئا فشيئا حتى تصل إلى درجة أن يبدأ الماء ينزل منها في المكان الذي تجمعت
معا فوقه.
افتراء
2: الجن هم من
جاءوا محمدا وحده (بطريقة الصرف)، فما كان متواجد في المكان الذي صرفت الجن إليه
لاستماع القرآن أحد غير محمد، بدليل الضمير الواضح في هذا السياق القرآني (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ). فلو كان هناك أحد متواجدا مع محمد في تلك اللحظة،
لربما جاء النص على نحو (إذ صرفنا إليكم).
افتراء
3: كان الذين
حضروا من الجن نفر (وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ)
افتراء
4: كانت
الغاية من صرف أولئك النفر من الجن إلى محمد هي أن يستمعوا القرآن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ
الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)
افتراء
5: بالفعل
حضر أولئك النفر قراءة القرآن، ونحن نعتقد أن محمدا نفسه هو من كان يقرأ القرآن
بمفرده في ذلك المكان الذي حضره الجن (وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ)
افتراء
6: كان أول
ما فعله الجن عندما حضروا ذلك القرآن يقرأ من محمد هو قولهم أنصتوا (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ
الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا)
المشهد التخيلي حتى الساعة: الجن يُصرَفون (أي يتوافدون
فرادا وجماعات) حتى يجتمعوا معا في مكان واحد قريب من المكان الذي كان محمد يقرأ
فيه القرآن، هناك يطلب بعضهم من بعض الإنصات؛ وما دام أنهم قد أنصتوا، فهم قد
التزموا بالهدي الذي جاء في قوله تعالى:
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (7:204)
وبذلك استحقوا أن يكونوا ممن تصيبهم الرحمة الإلهية.
افتراء
7: استمر
وجودهم في المكان حتى انتهت قراءة القرآن من قبل محمد، فولوا إلى قومهم منذرين (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ
الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ۖ
فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)
افتراء
8: عندما
رجعوا إلى قومهم، أخبروهم بما حصل معهم (قَالُوا
يَا قَوْمَنَا)
افتراء
9: كانت
الرسالة التي نقلها أولئك النفر من الجن لقومهم هو سماعهم كتابا أنزل من بعد موسى (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا
كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ).
افتراء
10: تبيان
أولئك النفر لقومهم بأن ذلك الكتاب مصدّقا لما بين يديه (قَالُوا
يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)
افتراء
11: تبيان
أولئك النفر من الجن لقومهم بأن ذلك الكتاب يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا
كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
افتراء
12: دعوة
أولئك النفر قومهم أن يجيب داعي الله وأن يؤمنوا به (يَا
قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
افتراء
13: تذكير
أولئك النفر لقومهم بأن ذلك سيجلب لهم غفران بعض ذنوبهم وإجارتهم من عذاب أليم (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ
وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ).
افتراء
14: تذكير أولئك
النفر من الجن قومهم بعاقبة ألا يجيبوا داعي الله (وَمَنْ
لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
نحن
نظن بأن محاولة التدبر لهذه الآيات بهذه الطريقة التفصيلية ستجلب معها سيلا من
التساؤلات التي ربما تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين ربما يصعب في هذا المكان طرحها
كلها جملة واحدة. لذا، سنقف
هنا عند بعض التساؤلات التي قد تفيدنا في رسم صورة جديدة للاحداث (كما نفهمها
طبعا) من خلال هذا الطرح ربما غير المألوف للكثيرين.
تساؤلات
-
من هم
أولئك النفر من الجن؟
-
لماذا
كانوا نفرا؟
-
كم كان
عددهم؟
-
من أين جاءوا؟
-
إلى أين
ولوا؟
-
من هم
قومهم؟
-
لماذا صرف
الله ذلك النفر على وجه التحديد؟
-
لماذا
استمعوا؟
-
لماذا
انصتوا؟
-
لماذا
ولوا جميعا إلى قومهم منذرين؟
-
لماذا لم
يخرج من بينهم من لا يتفق معهم؟
-
لماذا
قالوا أنهم سمعوا كتابا (وليس
قرءانا)؟
-
لماذا
ذكروا أن ذلك قد أنزل من بعد موسى؟
-
لماذا لم
يأت ذكر لعيسى في هذا السياق بالرغم أن ذلك الكتاب المشار إليه في خطابهم قد أنزل
من بعد عيسى؟
-
كيف عرفوا
أنه مصدق لما بين يديه؟
-
لماذا أيقنوا
بأنه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟
-
لماذا
دعوا قومهم أن يجيبوا داعي الله؟
-
لماذا
حذروا قومهم من مغبة ألا يجبوا داعي الله؟
-
الخ.
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا 1: عندما
أنزل القرآن على قلب محمد، مُلئت السماء حرسا شديدا وشهبا، فما عاد الجن يستطيعوا
أن يقعدوا منها مقاعد للسمع كما كانوا يفعلون من ذي قبل، فأشكل الأمر (أي أمر
القعود من السماء للاستماع) عليهم فرادى وجماعات، فانبرى نفر منهم لمعرفة السبب. فقضت المشيئة الإلهية أن يصرف هؤلاء النفر (فرادى
ومجموعات) لمعرفة السبب الذي جعل السماءَ تُملأ حرسا شديدا وشهبا في تلك الفترة من
الزمن. فوصل
أولئك النفر من الجن (فرادى وجماعات) إلى المكان الذي يُقرأ فيه القرآن، فتجمعوا
في مكان واحد ربما دون تخطيط مسبق بينهم جميعا، فوجدوا شخصا يقرأ القرآن بمفرده في
مكان بعيد منعزل عن العالمين.
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا 2: حضر
أولئك النفر قراءة القرآن، فانصتوا حتى قضى ذلك الشخص قراءة ذلك القرآن، فتولى
أولئك النفر إلى قومهم منذرين. وأخبروا
قومهم بما حصل معهم، فنقلوا لهم الخبر بأنهم قد سمعوا كتابا أنزل من بعد موسى،
وطلب أولئك النفر من قومهم الإيمان بذلك الكتاب، وإجابة دعوة الداعي به، وحذروهم
من مغبة عدم الإيمان به.
نتيجة
مفتراة مهمة جدا جدا: لم يكن
محمد على علم بحضور النفر من الجن لسماع القرآن في تلك اللحظة، ولم يحصل تواصل بين
أولئك النفر مع محمد بعد أن قضى قراءته للقرآن، فالنفر من الجن ولوا إلى قومهم
مباشرة بعد أن قضى محمد من قرآءته للقرآن.
نتيجة
مهمة جدا: علم محمد لاحقا
عن طريق الوحي بأن نفرا من الجن قد حضروا، فاستمعوا القرآن، فجاءه ذلك الخبر في سورة كاملة هي سورة الجن:
قُلْ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ
فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (72:1) يَهْدِي
إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (72:2) وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا
اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (72:3) وَأَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (72:4) وَأَنَّا
ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (72:5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (72:6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ
أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (72:7)
وَأَنَّا
لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (72:8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا
مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (72:9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ
بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (72:10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا
دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (72:11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ
اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (72:12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ
آمَنَّا بِهِ ۖ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (72:13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا
الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (72:14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا
لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (72:15) وَأَنْ
لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (72:16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَنْ يُعْرِضْ
عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (72:17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (72:18) وَأَنَّهُ
لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (72:19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا
أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (72:20) قُلْ
إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (72:21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ
أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (72:22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ
وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (72:23) حَتَّىٰ
إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ
عَدَدًا (72:24) قُلْ
إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (72:25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ
غَيْبِهِ أَحَدًا (72:26) إِلَّا
مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَدًا (72:27) لِيَعْلَمَ
أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ
كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (72:28)
ليكون
السؤال الأول الذي يجب أن نتعرض له هو: من
هم أولئك الجن الذين حضروا سماع القرآن؟
جواب
مفترى: إنهم نفر
من الجن
السؤال: لماذا كانوا نفرا من الجن؟ لماذا لم يكن
الجن بمجموعهم؟ ولماذا لم يكونوا فرادى على فترات متباعدة؟ لماذا كان حضورهم هناك
كمجموعة واحدة (نفر) في ذات الوقت؟
رأينا
المفترى: نحن نظن
بأنه يمكن لنا أن نستنبط السبب في ذلك بعد استعراض الآيات الكريمة التي ورد فيها
مفردة "نفر" ومشتقاتها. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا
جَمِيعًا (71)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ
الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
(38)
إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ
وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ
نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا
نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
(122)
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ
وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ
فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
فالمدقق
في الآيات الكريمة هذه التي ترد فيها مفردة "نفر" ومشتقاتها، سيجد بأنها تتحدث بمجملها عن
النفور في سبيل الله. لكن لو
تدبرنا الآية الكريمة التالية على وجه التحديد:
وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (9:122)
لوجدنا
بأن واحدة من أوجه النفور في سبيل الله هو أولا التفقة في الدين ثم أن ينذروا
قومهم إذا رجعوا إليهم ثانيا.
السؤال: ماذا فعل نفر الجن عندما حضروا استماع
القرآني؟ ولماذا إذًا صرفهم الله لمحمد ليسمعوا القرآن؟
نتيجة
مفتراة: كان النفر
من الجن الذين حضروا سماع القرآن من محمد هم طائفة من الجن وهم من تقع على عاتقهم
مسئولية التفقه في الدين وإنذار قومهم. إنهم
- بكلمات عامة - رسل من الجن. ولو دققنا
مليّا في الآية التي تتحدث عن هؤلاء النفر من الجن، لوجدنا أنهم استطاعوا التمييز
بين ما يسمعونه الآن من الحق مقابل ما كان يقوله سفيههم على الله شططا من ذي قبل.
السؤال: كيف استطاع الجن التمييز بين ما سمعوه من محمد وهو يقرأ القرآن عمّا كان
يقوله سفيههم على الله شططا؟
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ
شَطَطًا (72:4)
رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل نجد لزاما طرح تساؤل آخر له علاقة بالموضوع ألا وهو: من
هو سفيههم الذي كان يقول على الله شططا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن بأن سفيههم الذي كان
يقول على الله شططا هو الشيطان هامان. انتهى.
السؤال: أين كان هامان متواجدا عندما حضر نفر من الجن
قراءة القرآن؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن هامان لم يكن موجودا مع
أولئك النفر وذلك لأن كل الذين حضروا من الجن حينئذ قد ولوا إلى قومهم منذرين،
طالبين من قومهم الإيمان بما سمعوا، وترك ما كان يقوله سفيههم على الله شططا.
السؤال: لماذا لم يكن هامان متواجدا معهم حينئذ؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك هو أن محمدا كان
في تلك اللحظة قد طهّر ثيابه و هجر الرجز. فما عاد هامان يستطيع أن يثني محمدا عن
آيات ربه:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (74:4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
(74:5)
وأن ذلك قد حصل قبل أن يشرح صدر محمد، فيُنقذ ظهره،
ويُرفع عنه وزره:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (94:1) وَوَضَعْنَا
عَنْكَ وِزْرَكَ (94:2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (94:3)
السؤال: كيف يمكن أن نتخيل ما حصل حتى تلك الساعة؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن تواصل هامان
مع محمد قد كان سابقا لحصول محمد على النبوة. وكان ذلك في مرحلة حصوله على الكتاب.
انتهى.
الدليل
لو حاولنا البحث عن دليل قد يثبت هذا الافتراء الخطير الذي هو لا شك من
عند أنفسنا، سنجد بأننا ملزمون أن نجلب الآية الكريمة التالية لمحاولة تدبرها من
هذا الجانب. قال تعالى:
مَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ
تَدْرُسُونَ (3:79)
فالمتدبر لهذا النص القرآني، سيجد أن هناك ثلاثة أشياء
يحصل عليها أي واحد من البشر حتى لا تكون النتيجة أن يقول للناس كونوا عبادا لي من
دون الله، ألا وهي على الترتيب:
-
الكتاب
-
والحكم
-
والنبوة.
لذا، تبدأ مرحلة تأهيل هذا الشخص على نحو أن يؤتيه الله
الكتاب أولا ثم الحكم ثانيا وأخيرا النبوة. ليكون السؤال الآن لماذا يكون الحصول
على هذه الاشياء الثلاثة على نحو متتابع ومتسلسل؟
رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن المرحلتين
الأولى (الكتاب) والثانية (الحكم) هي مقدمات أساسية للحصول على النبوة. فلا يمكن
لمن يحصل على النبوة إلا أن يتخطى بنجاح المرحلتين السابقتين (الكتاب والحكم). لذا
يمكن أن يحصل أحد من البشر على الكتاب ولا يحصل على الحكم والنبوة، ويمكن لشخص آخر
أن يحصل على الكتاب والحكم ولا يحصل على النبوة. وبالمقابل يمكن أن يحصل شخص آخر
على الكتاب والحكم ثم يحصل بعد ذلك على النبوة.
السؤال: هل فعلا يمكن أن يحصل أحد من البشر على الكتاب
والحكم ولا يحصل على النبوة بعد ذلك؟
رأينا المفترى: نعم. نحن نعتقد (ربما مخطئين) بأن الكتاب
ابتداء يمكن أن يحصل عليه أحد من البشر ثم لا يكون من نصيبه الحكم والنبوة.
السؤال: هل هناك دليل على أن أحدا من البشر قد حصل على
الكتاب ولم يحصل بعد ذلك على النبوة؟
رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل، لابد أن نحاول
معرفة الكتاب الذي يمكن أن يحصل عليه أحد من البشر. فلو بحثنا في القرآن على
مساحته عن ذلك الكتاب الذي آتاه الله بعض عباده، سنجد الآيات الكريمة التالية التي
تبين لنا ماهية الكتاب.
أولا، الكتاب موثق (عقد مبرم بين طرفين)
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ
تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ
يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (2:235)
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ
بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (3:78)
ثانيا، الغاية من الكتاب هو الحكم بين الناس:
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ
خَصِيمًا (4:105)
ثالثا، يمكن الارتداد عن الحق بعد أن يأتي الله بعض
الناس نصيبا من الكتاب:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ
الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (3:23)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ
الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ
(4:44)
رابعا، يمكن لمن آتاه الله نصيبا من الكتاب الإيمان
بالجبت والطاغوت، وبالتالي الكفر:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ
الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (4:51)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ
الْبَرِيَّةِ (98:6)
خامسا، وجود الفصل الواضح بين الكتاب من جهة والقرآن
والتوراة والإنجيل من جهة أخرى:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ
حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (5:68)
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ
نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ
وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ
بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (5:110)
سادسا، وجود الفصل الواضح بين الكتاب والحكم والنبوة
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا
بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (6:89)
سابعا، يمكن أن ينتقل الكتاب بالوراثة، فأصبح هناك أهل
الكتاب
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ
يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ
الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا
فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (7:169)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا
مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ (35:32)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ
أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ
مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (42:14)
السؤال: ما هو الكتاب إذًا؟
جواب مفترى خطير جدا: الكتاب هو آيات من نوع خاص:
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (10:1)
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (12:1)
المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ
(13:1)
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ
(15:1)
طسم (26:1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (26:2)
الم (31:1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (31:2)
حم (43:1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (43:2)
حم (44:1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (44:2)
حم (45:1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ (45:2)
حم (46:1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ (46:2)
السؤال: ما هو القرآن؟
جواب مفترى خطير جدا: القرآن تفصيل لآيات الكتاب:
وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10:37)
السؤال: كيف يكون القرآن تفصيلا للكتاب؟
رأينا المفترى: لقد ذكرنا في أكثر من مكان في مقالاتنا
السابقة بأن التفصيل هو – بمصطلحاتنا الدارجة- الترجمة، أي نقل النص من صيغة إلى
صيغة أخرى. لذا، نحن نفهم (ربما مخطئين) بأن القرآن هو النسخة باللسان العربي لما
في الكتاب الذي هو أصلا غير عربي. انتهى.
نتيجة مفتراة: آيات الكتاب ليست بلسان بشري
نتيجة مفتراة: القرآن تفصيل (ترجمة) لآيات الكتاب بلسان
قوم محمد (عربي)
نتيجة مفتراة: التوراة تفصيل (ترجمة) لآيات الكتاب بلسان
قوم موسى (عبري)
نتيجة مفتراة: الإنجيل تفصيل (ترجمة) لآيات الكتاب بلسان
قوم الحواريين
السؤال: من الذي يستطيع التواصل مع الجن؟
رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن من يستطيع
التواصل مع الجن هو من كان يعلم آيات الكتاب بنسختها الأصلية. وذلك لأن الجن (نحن
نرى) لا يعرفون اللسان العربي ولا اللسان العبراني ولا الآرامي، الخ. ولكنهم
يعلمون الآيات التي في الكتاب بصيغتها الأصلية. فمن أراد التواصل مع عالم الجن،
ومن أراد أن يتواصل معه عالم الجن، فعليه أن يتخاطب معهم بالصيغة التي يفهمونها.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: مادام أن الجن قوم، فلهم
طريقتهم في التواصل فيما بينهم، ومن أراد أن يستفيد من الخدمات التي يقدمها الجن،
فعليه أن يتواصل معهم بتلك الطريقة التي يعرفونها. وسينبري الجن للتواصل مع الإنس
إذا ما وجودوا من يخاطبهم بالصيغة التي يفهمونها ويستجيبون لها.
السؤال: أين تجد الطريقة التي يمكن أن يتخاطب بها الجن؟
الجواب: هذا ما سنتناوله – إن شاء - في الأجزاء القادمة
من سلسة المقالات هذه التي تهدف للتعرف على شخصية نبي الله داوود إن أذن الله لنا
بشيء من علمه في ذلك.
السؤال: من هو داوود؟
(دعاء: فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن
يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأعوذ به أن أكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون
عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو السميع البصير).
المدّكرون: رشيد سليم الجراح وآخرون
بقلم: د. رشيد الجراح