قصة داوود - الجزء الخامس عشر
من
هو داوود –
الجزء الخامس عشر
افترينا
الظن في الجزء السابق من هذه المقالة بأن هناك فرق بين الكلمات التي تلقاها آدم من
ربه بعد هبوطه من الجنة من جهة والأسماء التي سميناها نحن وآباؤنا وما أن أنزل
الله به من سلطان من جهة أخرى:
قَالَ
قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي
أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ ۚ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (7:71)
فافترينا
الظن بأن الله هو من علم آدم الأسماء قل الهبوط:
وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ
أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (2:31)
ولكن
ذلك العهد قد نسيه آدم:
وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (20:115)
وما
أن أُهبط آدم من الجنة حتى تلقى من ربه كلمات:
فَتَلَقَّىٰ
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (2:37)
وكان
إبراهيم هو من أتم تلك الكلمات:
وَإِذِ
ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ (2:124)
وكانت
مريم هي من صدقت بتلك الكلمات:
وَمَرْيَمَ
ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا
وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ
(66:12)
وكان
محمد هو من آمن بتلك الكلمات:
قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (7:158)
فكانت
التساؤلات حينئذ تتعلق بماهية تلك الكلمات، وبكيفية وصولها إلى هؤلاء المصطفين من
عباد الله المؤمنين المخلصين. ولكي نصل إلى مبتغانا في هذه الجزئية، كان حديثنا في
ذلك الجزء السابق من هذه المقالة منصبا على محاولة إعادة تدبر بعض الآيات الكريمة
التي نظن أنها كانت من أول ما نزل على قلب النبي الكريم من الوحي، وخاصة ما جاء في
سورة العلق:
اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (96:1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (96:2)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (96:3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (96:4) عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (96:5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ
(96:6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (96:7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (96:8)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (96:9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (96:10) أَرَأَيْتَ
إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (96:11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (96:12) أَرَأَيْتَ
إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (96:13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (96:14)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (96:15) نَاصِيَةٍ
كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (96:16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (96:17) سَنَدْعُ
الزَّبَانِيَةَ (96:18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩ (96:19)
وحاولنا
جلب الانتباه إلى قضية محورية تتعلق بظننا بوجود شخصية مشار إليها في النص
باستخدام ضمير الغائب (انظر الجزء السابق). وقد حاولنا افتراء الظن من عند أنفسنا
بأن تلك الشخصية (المشار إليها دون التصريح باسمها) قد كانت حاضرة عند النبي
الكريم قبيل البدء باستقبال الوحي الذي طلب منه أن يبدأ منذ تلك اللحظة القراءة
بسم الرب الذي خلق:
اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (96:1)
وأن
لا يطع تلك الشخصية، فيسجد لربه ويقترب:
كَلَّا
لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩ (96:19)
وقد
حاولنا أيضا الترويج لفترائنا بأن محمدا كان قادرا قبل ذلك على أن يسقط السماء على
الكافرين كسفا:
أَوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (17:92)
وقد
ربطنا ذلك بما كان من أمر شعيب الذي طلب منه أيضا اسقاط السماء كسفا:
فَأَسْقِطْ
عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (26:187)
وانتهينا
بطرح التساؤل حول أن يكون اسقاط السماء كسفا قد جاء في سياق الحديث عن هذين
النبيين الكريميين: محمد وشعيب.
فكان
ظننا على نحو أن سبب اسقاط السماء كسفا كان مرتبطا بهذين النبيين الكريمين لأنهما
الرسولان اللذان كانا يسكنان مكة حيث البيت العتيق.
السؤال:
ما علاقة البيت العتيق باسقاط السماء كسفا؟
رأينا
المفترى: لقد
تحدثنا في سلسلة مقالات الحج سابقًا عن أصحاب الأيكة (قوم شعيب)، وقدمنا حينها
جملة من الافتراءات من عند أنفسنا نذكر منها:
-
أن الإيكة
هو البيت العتيق الذي رُفع سقفه،
-
أن قوم
شعيب كانوا يسكنون تلك الأرض،
-
أن شعيبا
حذرهم من التلاعب بقواعد البيت العتيق لأنه هو ميزان السماء والأرض،
-
أن قواعد
البيت هي التي تحدث التوازن في الكون،
-
أن
التلاعب بها سيؤدي إلى أن تسقط السماء كسفا،
-
أن العذاب
الذي لحق بقوم شعيب هو بسبب محاولتهم التلاعب بقواعد البيت العتيق،
-
أنهم
استخدموا الفيل للتلاعب بميزان السماء والأرض عندما حاولوا خلخلة قواعد البيت
العتيق،
-
أن الله
قد أرسل عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، للحفاظ على بيته العتيق، وحفظ
الميزان،
-
أنّ شعيبا
كان يعلم ذلك السر، وعنده العلم الذي يمكنه من ذلك.
-
وأن محمدا كان يعلم كذلك سر البيت العتيق،
وسر ذلك الميزان.
-
وأن خلخلة قواعد البيت العتيق سيؤدي إلى
اسقاط السماء كسفا.
-
الخ
الدليل
لو
حاولنا تدبر الآيات الكريمة التالية التي تصور لنا ما كان يجري بين الذين كفروا أنفسهم
في حديثهم عن ذلك المبعوث فيهم:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ
نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (34:7) أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ
بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ
وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (34:8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ
الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ
لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (34:9)
سنجد بأنها
تصور لنا ماهية النقاش الذي كان دائرا حينئذ فيما بينهم حول شخصية هذا الرجل
المبعوث فيهم. فهم حائرون في أمره، لا يعرفون كيف يصفونه، فكان ظنهم على نحو أنه
رجل إما أنه يفتري على الله الكذب (أَفْتَرَىٰ عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا) أو أنه رجل به جنة (أَمْ
بِهِ جِنَّةٌ). ولو حاولنا أن ربط هذا بما جاء في قوله تعالى:
قُلْ
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (114:1) مَلِكِ النَّاسِ (114:2) إِلَٰهِ النَّاسِ
(114:3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (114:4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي
صُدُورِ النَّاسِ (114:5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (114:6)
ويكأنهم
يحاولون القول (نحن نظن ربما مخطئين) بأن ما كان يقوله لهم يقع – حسب ظنهم طبعا-
في باب ما توسوس به الجِنّة، أي - بمفردات فضفاضة حتى الساعة- عالم الجن. وهو ما
سنحاول التفصيل فيه لاحقا متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك. (فالله وحده
أن يعلمني ما لم أكن أعلم، إنه هو العلي العظيم).
لكن
ما يهمنا أكثر هنا هو أن الآيات السابقة ذاتها تبين لنا أيضا قضية اسقاط السماء
كسفا مرة أخرى. فالعذاب الذي توعد الله به القوم الكافرين كان (على نحو) واحدا من
اثنين:
- خسف الأرض بهم (إِنْ نَشَأْ
نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ)
- اسقاط السماء عليهم كسفا (أَوْ
نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ)
ولو
دققنا في قضية اسقاط السماء كسفا، لوجدناها مشابهة تماما للسحاب المركوم الذي يخرج
من خلاله الودق:
اللَّهُ
الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ
كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ
خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ (30:48)
وَإِنْ
يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ
(52:44)
نتيجة
مفتراة: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن محمدا وشعيبا كانا يستطيعان اسقاط
السماء كسفا وذلك لعلمهم بسر قواعد البيت الذي هو ميزان السماء والأرض. فخلخلة
قواعد البيت تؤدي إلى اسقاط السماء كسفا.
ولربما
يفسر لنا مثل هذا الطرح (على ركاكته) قضية محيّرة في قصة موسى سنعرج عليها في
الحال لأهميتها في هذا النقاش، وإن كان البعض سيراها خروجا عن موضوع النقاش هنا.
استراحة
قصيرة في قصة موسى
نحن
نعلم بأنّ موسى قد قتل رجلًا من عدوه عندما استغاثه الذي من شيعته على الذي من
عدوه:
وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ
عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ
مُبِينٌ (28:15)
وفي
اليوم التالي كاد موسى أن يبطش برجل آخر من عدوه، ولكن الرجل حذر موسى من مغبة ما
يفعل:
فَلَمَّا
أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ
أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْمُصْلِحِينَ (28:19)
وفي
خضم ذلك الصراع المحتدم بين الطرفين، جاء رجل يسعى من أقصى المدينة ليحذر موسى من
تآمر الملأ به، فنصحه بالخروج من مصر:
وَجَاءَ
رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (28:20)
وبالفعل يقبل موسى نصيحة هذا الرجل، فيتوجه
تلقاء مدين:
فَخَرَجَ
مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (28:21)
وَلَمَّا
تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ
السَّبِيلِ (28:22)
وَلَمَّا
وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ
مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا
نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (28:23) فَسَقَىٰ
لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (28:24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى
اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ
لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ
مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28:25)
إن
ما يهمنا طرحه هنا هو سؤال استفزازي للعقل الذي يحاول أن يفهم ما حدث حينئذ، ألا
وهو: لماذا
كان خروج موسى من أرض مصر نحو مدين؟ أي لماذا لم يتوجه موسى إلى مكان آخر غير
مدين؟ والسؤال الأكثر إثارة للتفكير (نحن نظن) هو: لماذا لم
يحاول فرعون أن يجلب موسى من أرض مدين؟ هل كان ذلك ليعجز فرعون بالرغم بأن يده (نحن نتخيل) كانت تطال
كل المدائن؟ ألا نعلم بأن فرعون قد أرسل إلى السحرة في كل المدائن حاشرين؟
قَالُوا
أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (7:111)
قَالُوا
أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (26:36)
فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (26:53)
وهناك
سؤال أكثر إثارة من سابقيه لمن أراد أن يتدبر السياق القرآني ذاته، ألا وهو: كيف يقول
ذلك الشيخ الكبير في مدين (وهو الذي يرسل بناته لرعاية الماشية ربما بسبب
ضعف بنيته الجسدية) لموسى
بعد أن قصّ عليه القصص: لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ؟
السيناريو
المبدئي: هناك
فرعون في مصر، وسلطته تطال كل المدائن حينئذ. وهذا موسى
يخرج من مصر خائفا يترقب، فيصل إلى مدين. ليجد الشيخ الكبير فيها. فيستأجره
ذلك الشيخ بعد أن يقص عليه القصص لقاء أن ينكحه أحد ابنتيه.
المعضلة
1: لا
فرعون يبعث في مدين ليجلب موسى للعدالة،
المعضلة
2: لا الشيخ الكبير في مدين يقلق على موسى من بطش فرعون به (أو بهما)، لا بل
يطمئنه بالنجاة من القوم الظالمين.
السؤال: شو اللي
قاعد بصير (باللهجة
الأردنية العامية)؟
بداية،
لا بد من تسطير افتراءاتنا فبما يتعلق بحكم البلاد في زمن فرعون. فنحن
نتخيل تلك البلاد تتكون من مجموعة من المدائن (جمع مدين)، وهي
عبارة عن ما يشبه الولايات في عصرنا الحاضر (ولتقريب الصورة للأذهان يمكنك أن
تتخيل الولايات المتحدة الامريكية اليوم). فقد كان
حكم فرعون يمتد على المدائن (الولايات) كلها، بدليل أن فرعون كان قادرا على أن
يرسل في المدائن حاشرين، ليأتوه بكل سحّار عليم، فما تخلف عن دعوة فرعون أحد من
السحرة من جميع المدائن:
قَالُوا
أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (7:111) يَأْتُوكَ
بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (7:112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (7:113) قَالَ
نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (7:114)
قَالُوا
أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (26:36) يَأْتُوكَ
بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (26:37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ
مَعْلُومٍ (26:38)
فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (26:53)
إن
هذا الأمر يدعونا إلى افتراء القول (ربما مخطئين) بأن يد
فرعون كانت تطال كل المدائن حينئذ، لكن الأمر الذي يقلقنا الآن هو عدم إقدام فرعون
على ملاحقة موسى في مدين بالرغم من أن سلطته (نحن نظن) ربما كانت
نافذة فيها حينئذ.
رأينا
المفترى: للإجابة على هذا التساؤل ربما
يلزمنا الآن التعرض إلى طريقة إرسال فرعون للسحرة في المدائن: فكيف أرسل
(أو
بعث) فرعون
في المدائن ليحشر السحرة؟
رأينا
المفترى: لو
دققنا في الآيات الكريمة التي تبين إرسال فرعون في المدائن ليحشر السحرة:
فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (26:53)
فسنخرج
(حسب
فهمنا لمنطوق الآيات الكريمة طبعا) بالافتراء الغريب العجيب التالي: أن الذي
أرسل في المدائن هو فرعون نفسه.
السؤال: ما فائدة
هذا الافتراء؟
رأينا
المفترى: نحن
نظن بأن عملية الإرسال في المدائن كانت من شخص فرعون نفسه، فلم يكلّف فرعون (نحن نفتري
الظن) أحدا
ليقوم بمهمة الإرسال للسحرة، بل هو من قام بفعل الإرسال بنفسه. ولو قام فرعون بتكليف أحد
بالمهمة لربما جاء النص على نحو ما فعلت تلك المرأة في سبأ عندما أرسلت الهدية
لسليمان:
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ
بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (27:35)
نتيجة
مفتراة من عند أنفسنا: كان فرعون هو من قام بفعل الإرسال إلى السحرة بنفسه ولم
يكلف بها مرسلين كما فعلت المرأة في سبأ.
السؤال: لماذا
تكفّل فرعون بالإرسال للسحرة بنفسه؟
رأينا
المفترى: نحن
نظن بأن فرعون هو وحده من كان قادرا على الإرسال للسحرة.
السؤال: لماذا؟
رأينا
المفترى: نحن
نظن أن السبب في ذلك يتمثل في أنّ فرعون وحده هو من كان يملك القدرة على التواصل
مع السحرة بطريقة (ربما سرية) سريعة جدا.
السؤال: كيف أرسل
فرعون للسحرة، فحشرهم بالسرعة العجيبة؟
رأينا
المفترى: من
ركنه.
السؤال: كيف نتخيل
ذلك؟
رأينا
المفترى: نحن
نتخيل بأن فرعون كان لديه القدرة على التواصل – لنقل- اللاسلكي
السريع جدا مع السحرة في كل المدائن. لذا، ما أن أرسل فرعون (نحن نتخيل) من ركنه رسالة
– لنقل الآن- لاسلكية إلى السحرة أصحاب العلم بفنون السحر حتى حضروا جميعهم في
الحال، فعقدوا اجتماعا سريا ليتناجوا بينهم:
قَالَ
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (20:59) فَتَوَلَّىٰ
فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ (20:60) قَالَ
لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ
بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ (20:61) فَتَنَازَعُوا
أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ (20:62) قَالُوا
إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ
بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ (20:63) فَأَجْمِعُوا
كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ (20:64)
تخيلات
مفتراة لإعادة رسم المشهد: كانت سلطة فرعون تطال جميع المدائن ظاهريا،
لكن كانت واحدة من المدائن خارجة عن سلطة فرعون فعليا، ألا وهي مدين التي توجه
إليها موسى عندما خرج من المدينة خائفا يترقب، وربما يفسر هذا سبب اختيار موسى
لمدين عندما خرج من المدينة بعد أن حذره الذي جاء يسعى من أقصى المدينة من مغبّة
تآمر الملأ به:
وَجَاءَ
رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (28:20) فَخَرَجَ
مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (28:21)
وَلَمَّا
تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ
السَّبِيلِ (28:22)
فما
كان موسى (نحن نتخيل) سيتوجه إلى مكان تطاله فيه يد فرعون. والسبب في خروج مدين
تلك عن طائلة يد فرعون هو (نحن نظن) وجود ذلك
الشيخ الكبير فيها. ففرعون
يعلم يقينا بأن مدين التي يقطنها ذلك الشيخ الكبير خارجة عن سلطته الفعلية، وذلك
لوجود ذلك الشيخ الكبير فيها. لكن فرعون لم يكن ليفعل شيئا يكشف هذه
الحقيقة للعامة من قومه وملئه. فكان فرعون (نحن نظن) في هدنة
غير معلنة مع مدين تلك، لأنه لا يريد (نحن نتخيل) أن يجلب
لنفسه مشاكل حينئذ تشغله عما هو فيه، وربما تربك خططه المستقبلية. ونحن
نعتقد جازمين بأن موسى كان يعلم حقيقة العلاقة بين مصر التي خرج منها حينئذ من جهة
ومدين التي توجه لها حينئذ من جهة أخرى، لذا عندما خرج من مصر خائفا، توجه إلى
مدين:
فَخَرَجَ
مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (28:21)
وَلَمَّا
تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ
السَّبِيلِ (28:22)
نتيجة
مفتراة من عند أنفسنا: نحن
نظن بأن موسى كان يعلم بأن يد فرعون لن تطاله هناك في مدين حيث يتواجد ذلك الشيخ
الكبير. لذا،
نحن نتجرأ على الظن بأن موسى ذهب إلى مدين قاصدا أن يصل إلى ذلك الشيخ الكبير الذي
كان في مدين.
وبالفعل
وصل موسى أرض مدين، وكان أول ما فعل هناك هو أنه سقى للمرأتين اللتين كانتا
تذودان، ثم تولى إلى الظل، داعيا الله أن ينزل إليه من الخير الذي بيده:
فَسَقَىٰ
لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (28:24)
وما
هي إلا فترة وجيزة حتى تأتيه دعوة الشيخ الكبير على لسان إحدى ابنتيه اللتين سقا
لهما موسى. وما
أن وصل موسى إلى شيخ مدين حتى قصّ عليه القصص:
فَجَاءَتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ
لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ
الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28:25)
ونحن
نظن جازمين (ربما
مخطئين) بأن
تلك القصص كانت خاصة بذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها:
وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (7:175) وَلَوْ
شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ
تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (7:176)
وربما
لا نشك الآن بأن معرفة شيخ مدين بتلك القصص كانت مسبقة. لذا، كان
أول ما قاله ذلك الشيخ الكبير لموسى هو طمأنة موسى بأن لا يخاف، وأنه قد نجا فعلا
من القوم الظالمين:
...
ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28:25)
نتيجة
مفتراة مهمة جدا: نحن
نفتري القول من عند أنفسنا بأن شيخ مدين كان على يقين بنجاة موسى من القوم
الظالمين، ليكون السؤال الآن هو: لماذا كان ذلك الشيخ الكبير متيقنًا من نجاة
موسى من القوم الظالمين؟ وبكلمات أكثر بساطة نحن نسأل: ما الذي
كان يعلمه ذلك الشيخ الكبير حتى طمأن موسى بأن يد القوم الظالمين لن تطاله في
مدين؟
رأينا
المفترى: نحن
نفتري الظن بأن ذلك الشيخ كان قادرا على صدّ القوم الظالمين حتى لو حاولوا اللحاق
بموسى.
السؤال: ما الذي
يملكه ذلك الشيخ الكبير فيمكّنه من صدّ القوم الظالمين، وبالتالي التأكد من نجاة
موسى منهم.
جواب
مفترى خطير جدا جدا (لا
تصدقوه):
لأنه
كان يعلم سر الميزان واسقاط السماء كسفا. انتهى
السؤال: كيف ذلك؟
رأينا
المفترى: لقد
افترينا سابقًا بأن مدين التي كان يقطنها ذلك الشيخ الكبير تقع إلى الطرف الشرقي
من البحر الأحمر، أي المنطقة التي يقع فيها البيت العتيق. وأن تلك
الأرض هي البلاد التي كان يقطنها أصحاب الأيكة (قوم شعيب):
وَإِنْ
كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (15:78) فَانْتَقَمْنَا
مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (15:79)
كَذَّبَ
أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (26:176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ
أَلَا تَتَّقُونَ (26:177)
إِنِّي
لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (26:178) فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ (26:179)
وَمَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (26:180)
أَوْفُوا
الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (26:181) وَزِنُوا
بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (26:182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (26:183)
لذا،
نحن نتجرأ على الظن بأن الشيخ الكبير الذي وجد موسى نفسه عنده، وقص عليه القصص هو
نبي الله شعيب، وهو الرسول الذي نجا (ومن آمن معه) من العذاب الذي حق على أصحاب
الأيكة اللذين حاولوا التلاعب بالميزان. وقد افترينا في أكثر من مقالة سابقة لنا بأن
قواعد البيت هي ميزان السماء والأرض، وأن قوم شعيب حاولوا التلاعب به، فأخذهم عذاب
يوم الظلة:
قَالُوا
إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (26:185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (26:186) فَأَسْقِطْ
عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (26:187) قَالَ
رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (26:188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ
عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (26:189)
ونحن
نفتري الظن من عند أنفسنا بأن شعيبا هو ذلك الرجل الذي حاول أن يصدّهم عما أرادوا
أن يفعلون. ونتجرأ
على البوح بأنه كان يعلم كيف يمكن أن تُسقط
السماء كسفا، وذلك لعلمه بطبيعة قواعد البيت، واستطاعته تحريكها، وبالتالي خلخلة ميزان
السموات والأرض. انتهى.
السؤال: ما علاقة كل
ذلك بمحمد؟
رأينا
المفترى: نحن
نفتري الظن من عند أنفسنا بأنّ محمدا كان أيضا يعلم سر قواعد البيت، وأنه كان
يستطيع هو كذلك أن يسقط السماء كسفا وذلك بخلخلة قواعد البيت (الميزان). السؤال: أين
الدليل على ما تزعم؟ يسأل صاحبنا مستغربا.
رأينا
المفترى: لو
تدبّرنا ما يتعلق بعلاقة محمد بمن حوله كما تجليها بعض الآيات الكريمة، لوجدنا على
الفور بأن محمدا قد هدد قومه في سابق الزمان بأن يُسقط السماء عليهم كسفا، حتى
أصبح ذلك حديثا متداولا بينهم عن ذلك الرسول المبعوث فيهم عندما جاءته الرسالة:
وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا
مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (34:7) أَفْتَرَىٰ
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (34:8) أَفَلَمْ يَرَوْا
إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ
إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ
السَّمَاءِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (34:9)
وما
كان القوم لينسوا ذلك التهديد، فجاءوه معاجزين في آيات الله، يطلبون تنفيذ وعيده
السابق لهم:
أَوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (17:92)
ولو
دققنا في طلباتهم في هذه الآية الكريمة، لوجدناها طلبين اثنين:
-
اسقاط
السماء عليهم كسفا (أَوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا)
-
أن يأتي
بالله والملائكة قبيلا (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
قَبِيلًا)
لكن
المتدبر في الفرق بين الطلبين سيجد على الفور بأن الطلب الأول (وهو اسقاط
السماء كسفا) كان
متبوعا بقولهم (كَمَا
زَعَمْتَ)،
لكن طلبهم الثاني (بأن يأتي بالله والملائكة قبيلا) لم يكن متبوعا بمثل تلك
العبارة. وهذا
يدل (حسب
فهمنا طبعا) بأن
الطلب الأول كان قد هددهم محمد به فعلا، لذا قالوا (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا
زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا)، لكن الطلب الثاني لم يكن قد صدر من محمد
لهم، وإنما هو طلب تشديدي من عند أنفسهم لأنهم أصلا من المعاجزين في آيات الله،
المتحدّين لرسله باستعجال العذاب:
وَإِذْ
قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ
عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8:32) وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (8:33)
ولا
ننسى أن امطارهم بالحجارة هي ما كان فعلا قد حصل من ذي قبل مع أصحاب الفيل:
وَأَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (105:3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ
(105:4)
نتيجة
مفتراة مهمة جدا: كان
محمد وشعيب هما فقط من جاء طلب اسقاط السماء كسفا منهم من قبل أقوامهم، وذلك
لأنهما النبيان الكريمان اللذان كان يسكن قومهما في مدين التي فيها البيت العتيق. فاسقاط
السماء كسفا لا يتأتى (نحن
نفتري الظن)
إلا من ذلك المكان الذي فيه ميزان السماء والأرض (ألا وهي قواعد البيت العتيق). لذا، نحن
نطلب من القارئ الكريم – إن أراد- أن يقرأ
سورة الفيل التي جاءت لتصور لنا ما حلّ بمن حاول الاعتداء على قواعد البيت العتيق
على أنها تتحدث عن عذاب يوم الظلة الذي وقع على قوم شعيب الذين حاولوا أن يخسروا
الميزان:
أَلَمْ
تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (105:1) أَلَمْ
يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (105:2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ
(105:3) تَرْمِيهِمْ
بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (105:4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (105:5)
نتيجة
مفتراة مهمة جدا: عندما
رأى محمد ما حلّ بأصحاب الفيل، اكتسب ذلك العلم، فكان مما هدّد محمد به قومه من ذي
قبل:
أَوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (17:92)
السؤال: كيف رأى
محمد ما حلّ بأصحاب الفيل؟
رأينا
المفترى: لو
دققنا في الآيات الكريمة التي تبين لنا ما كان عند محمد من العلم، لوجدنا بأن الرؤية
كانت واحدة من أهم مصادر العلم عنده. لذا، وجب علينا أن نتفقد الآيات الكريمة
الموجة لمحمد بصيغة (ألم
تر) لنصل
من خلال ذلك إلى افتراء الظن من عند أنفسنا بأنّ محمدا قد اكتسب علم الذين سبقه من
المرسلين، وكانت الرؤية واحدة من تلك المصادر. فلنستعرض
أولا الآيات الكريمة الموجة لمحمد بهذه الصيغة:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ
مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (143)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ
لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (258)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (23)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا
السَّبِيلَ (44)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ
فَتِيلًا (49)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا
بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ
لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ
كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ
عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ
الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ
فَتِيلًا (77)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ
بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا
فِي السَّمَاءِ (24)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا
الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ
لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ
وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن
مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ (18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ (63)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (65)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ
لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ
عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي
سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ
خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ
بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ
يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ
مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ
عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ
وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي
فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ
لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ
وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ
سُودٌ (27)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ
زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ (69)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ
إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ
مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ (7)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا
عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ
بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا
قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ
عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا
أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ (11)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِعَادٍ (6)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
السؤال: كيف نفهم أن محمدا قد رأى ما جاء تفصيله في
الآيات الكريمة السابقة جميعها؟
رأينا
المفترى: بعيدا عن تفصيل معنى الرؤية هنا والتي
تحدثنا عنها في مقالات سابقة لنا، يمكن أن نتفق – حسب ما جاء في هذه الآيات الكريمة وفي غيرها
من الآيات التي يرد فيها الفعل رأى ومشتقاته - بأن الرؤية تتم بطريقتين اثنتين، ألا وهما:
-
الرؤية بالعين: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ
كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (3:13)
-
الرؤيا بالفواد: فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا
أَوْحَىٰ (53:10)
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (53:11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ
مَا يَرَىٰ (53:12)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (53:13) عِنْدَ سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَىٰ (53:14)
وأن
تلك الرؤية قد تكون في وضح النهار أو في المنام. وأن الفرق بين النوعين من الرؤية ظاهر في طريقة
رسم المفردة في المصحف المتوافر بين أيدينا. فالمفردة قد رسمت في المصحف بطريقتين اثنتين:
-
رءا: وَإِذَا رَءا الَّذِينَ
ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (16:85)
وَإِذَا رَءا الَّذِينَ
ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (16:85)
-
رأى: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ
مَا رَأَىٰ (53:11)
(ملاحظة: هناك فرق بين رسم المفردة بالمصحف الورقي مقابل
رسمها في المصحف الالكتروني.
فمن
أراد التأكد من الاختلاف في رسم المفردة، فلينظر في المصحف الورقي وليس المصحف
الالكتروني، لأن هناك فروقات في الرسم لا تظهر في المصحف الالكتروني).
بناء
على الرسم في المصحف الورقي، نجد المفردة الخاصة برؤية العين هي (رءا)
بينما
المفردة الخاصة برؤيا الفؤاد فهي (رأى). فرءا بالألف الممدودة هي رؤيا العين المتاحة
للجميع. فنحن نستطيع أن نرءا بأم أعيننا كثيرا من الأحداث الظاهرة، لكن رأى بالألف
المقصورة هي رؤيا فؤاد مقصورة على الخاصة من الناس. ونحن نتجرأ على الظن بأن محمدا قد رءا (بأم عينه) ورأى (بفؤاده). فالآيات السابقة التي خاطبت محمد بصيغة (ألم تر) ربما تكون رؤية بصر أو رؤيا فؤاد. لكنها – بلا شك- رؤيا فؤاد عندما يتعلق الأمر بآيات ربه، خاصة
ما جاء منها ليصور الأحداث التي حصلت في الأقوام السابقة وما حلّ بتلك الأمم
السابقة وطريقة إيقاع العذاب بهم، من مثل قوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ
مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (143)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ
لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (258)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ
الْعِمَادِ (7)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ
جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي
الْبِلَادِ (11)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ
رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ
كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ
مِنْ سِجِّيلٍ (4)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
نتيجة
مفتراة: نحن نكاد نجزم الظن بأن محمدا كان
قادرا أن يرى (بفؤاده) ما حصل في تلك الأمم السابقة. لكن تبرز هنا تساؤلات كثيرة حول هذا الموضوع،
نذكر منها:
-
كيف رأى محمد تلك الأحداث (الآيات)؟
-
متى رأها؟
-
أين رأها؟
-
لماذا رأها؟
-
الخ
للاجابة
على مثل هذه التساؤلات، نجد لزاما أن نجلب انتباه القارئ الكريم – إن أراد – لما جاء
في قوله تعالى:
سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (17:1)
لنخرج
منها باستنباط بسيط جدا يتمثل في أن الهدف الحقيقي للإسراء بمحمد من المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى هو أن يرى محمد من آيات ربه الكبرى. انتهى.
وهنا
يبرز سؤال مهم جدا، ألا وهو: كيف استطاع محمد أن يصل إلى مرحلة أن يسري
به الله بنفسه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليريه من آياته الكبرى؟
جواب
مفترى: إن
هذا السؤال يعيدنا على الفور إلى بداية حديثنا في هذا الموضوع، ألا وهو موضوع
هداية محمد بعد أن كان ضالا كما فصلته لنا سورة الضحى التي نعيدها هنا لنتدبر بعض
آياتها من هذا المنظور. قال تعالى:
وَالضُّحَىٰ
(93:1) وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَىٰ (93:2)
مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (93:3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ
الْأُولَىٰ (93:4)
وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (93:5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (93:6) وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَىٰ (93:7)
وَوَجَدَكَ
عَائِلًا فَأَغْنَىٰ (93:8)
فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (93:9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (93:10) وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (93:11)
باب
هداية محمد بعد الضلال
أما
بعد،
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا 1:
ما
أنْ كان محمد تحت الرعاية الإلهية طفلا يتيما (بسبب ما
كان من الخير الذي صنعه والده الصالح وأمه المؤمنة) حتى نشأ
بعيدا عن بيوت العالمين في ذلك المأوى في الجبل، فاكتسب مهارات التواصل مع
الكائنات الأخرى في الطبيعة، وكان عليه أن يتعامل مع الطبيعة بكل ما فيها، فتدرب
على التعامل مع الكينونات التي كانت تقطن ذلك المكان. ونحن
نفتري القول من عند أنفسنا بأنّه لم يكن لمحمد (اليتيم) في مأواه
ذاك خيارا إلا أن يتعامل مع المجموعات التالية على التوالي:
-
الدواب
والطيور
-
الجن
-
الروح
ومنذ
تلك اللحظة بدأ ذاك الصبي اليتيم في ذلك المكان المنعزل به عن الناس يكتسب بنفسه
نظام تواصل أولا مع هذه الكائنات المتوافرة هناك من الدواب والطيور، فأصبح قادرًا
على التواصل معها بالطريقة الطبيعية التي مكنته من التعامل معها بسهولة ويسر بعد
أن مر بتجارب مضنية معها في بادئ الأمر. ولكن حسب مبدأ المحاولة والخطأ، نجح ذلك
الصبي اليتيم في السيطرة على كل العوائق التي كانت تواجهه، وذهب عنه عامل الخوف
الذي قد يسيطر في بادئ الأمر على أي شخص يمر بمثل تلك التجربة. وبذلك
تطورت شخصية هذا الصبي بناء على تجربته القاسية في التعامل مع عناصر الطبيعة. فما عاد شخصا
عاديا كأقرانه من بني جيله.
تخيلات
مفتراة من عند أنفسنا
2: ما
أن نجح ذلك الصبي في اكتساب طريقة التواصل الفعّالة مع الدواب والطيور في البرية
حتى انتقل إلى مرحلة التعامل مع قوى الطبيعية غير المرئية مما نسميه نحن – بالمفردات
القرآنية - بعالم
الجن. ونحن
نفتري الظن بأن وادي مكة الذي كان يطلّ عليه المأوى (الغار) في ذلك الجبل مليئ
بالجن.
ليكون السؤال الآن هو: ما
سر تواجد الجن بكثافة في ذلك المكان؟
السؤال:
ما علاقة كل هذا بداوود؟
المدّكرون:
رشيد سليم الجراح وآخرون
بقلم:
د. رشيد الجراح