قصة داوود – الجزء الثامن
من هو داوود؟ الجزء الثامن
باب: داوود وذو القرنين
(تنبيه: نود جلب انتباه القارئ الكريم إلى أن فهم ما سيرد في هذا الجزء من افتراءات ربما تكون غير مسبوقة يتطلب الاطلاع على افتراءات كثيرة سابقة، وردت في مقالات عديدية من ذي قبل. لذا، ربما يبدو الكثير مما سنقول بعد قليل غير مفهوم لمن فاته الاطلاع على المدونة الخاصة بمقالاتنا، والمتوافرة في الشبكة العنكبوتية، على الرابط التالي:
فهذه دعوة للمهتمين (ولا أخالهم كثيري العدد) للاطلاع على تلك المدونة، خاصة إذا ما وجدوا الحديث الجاري غير مفصل، مؤكدين في ذات الوقت أن كل ما جاء في تلك المدونة لا يشكل عقيدة إلا لمن ظن أنها مقنعة له. فالقارئ هو من يتحمل مسئولية الأخذ بهذه الافتراءات أو تركها، والأفضل بالنسبة لنا أن يتركنا وشأننا، فلا نحن ندعوه للأخذ بها، ولا هو مضطر لمحاسبتنا عليها. وبكلمات أكثر دقة نقول: المقالات مادة أكاديمية للبحث والنقاش، وليست مادة دينية للإيمان والاعتقاد).
أما بعد،
تحدثنا في الجزء السابق من هذه المقالة عن أول تقاطع بين قصة داوود مع القصص القرآنية الأخرى، وكان ذلك مع آدم. فظننا (ربما مخطئين) بأن أهم علاقة يمكن التركيز عليها عند دراسة قصة داوود في أطار قصة آدم تتمثل بفكرة الخلافة، وذلك لأن آدم وداوود هما فقط من كانا "خليفة" من بين عباد الله جميعا. لكن كان الفرق في الخلافة بينهما يتمثل (نحن نرى) بحجمها (SCOPE). ففي حين كان آدم في الأرض كلها خليفة، كانت خلافة داوود محدودة في حجمها، فكانت - حسب ظننا- سارية المفعول على جزء من الأرض. وأكاد أجزم الظن بأن محدودية الخلافة عند داوود كان سببها محدودية "إرث النبوة" الذي وصله كبقية (أي منقوصا) في ذلك التابوت الذي كانت تحمله الملائكة. قال تعالى:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (2:248)
نتيجة مفتراة: كان التابوت الذي جاء مع داوود، كآية على ملك طالوت، يحتوي على بقية مما ترك آل موسى وآل هارون. لذا، لعلي أجزم الظن (ربما مخطئا) بأن خلافة داوود لم تكن لتشمل الأرض كلها لسببين اثنين على الأقل:
- أولا، وجود الأمم الأخرى على أجزء من الأرض في ذات الوقت الذي كان داوود خليفة في جزء منها
- ثانيا، وصول أرث النبوة التي هي أدوات الخلافة كـ "بقية" (أي على غير ما كان عليه عند آدم)
وهنا سنطرح السؤال التالي: ما هي أدوات (أو لنقل مقتنيات) الخلافة (إرث النبوة) الذي وصل إلى داوود كبقية (منقوصا) في ذلك التابوت؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن أدوات الخلافة التي انتقصت هي محتويات التابوت الذي وصل ليد داوود كآية على ملك طالوت، وهو الذي كانت تحمله الملائكة، وتتمثل تلك المقتنيات بشيئن اثنين على الأقل:
- القميص
- العصا
السؤال: كيف يكون ذلك؟
رأينا المفترى: عندما كانت المشيئة الإلهية قد قضت بأن يكون آدم في الأرض خليفة، كان من أول متقضيات تلك الخلافة وجود الأداة التي تمكّن آدم من السيطرة على من كان خليفة لهم (ألا وهم الجن بمن فيهم الملائكة)، فكانت العصا. فأصبح الجن جميعا (بمن فيهم الملائكة) تسجد لآدم (أي تنفذ له أمره طوعا أو كرها) بسبب امتلاك آدم لتلك العصا (أداة الحكم). (للتفصيل في قصة العصا انظر مقالاتنا السابقة في قصة موسى والسامري وسليمان).
نتيجة مفتراة: كان حكم آدم في الأرض (التي كانت حينئذ جنة) خليفة مستتبا له بفعل تلك العصا التي كان يمكن أن يعذب بها من يزغ منهم عن أمره من الجن. فقد كانت الملائكة تأتمر بأمره بفعل تلك العصا، فما كانت لتعصي لآدم أمرا مادامت أنها قد سجدت له طواعية.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (2:34)
نتيجة مفتراة: عندما كان آدم خليفة في الأرض (يسكن تلك الجنة، ويأكل منها وزوجه رغدا)، كانت بيده أداة الحكم، ألا وهي العصا.
كما كان ثاني مستلزمات الخلافة في الجنة هو اللباس، فقد أُلبس آدم وزوجه ما يقيهما من تأثير عمل الشيطان الذي أبى السجود لآدم، فضُرب عليهما لباس التقوى، أي كواق لهما يحفظهما من أن يمسهم الشيطان بنصب وعذاب كما فعل – مثلا- مع أيوب لاحقا:
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (38:41)
فكان ذلك اللباس (نحن نفتري الظن) كفيلا بالتخلص من أذى الشيطان (حتى لو حصل). فكان ذلك اللباس بمثابة الواقي (shield) من أي ضرر قد يلحق بآدم وزوجه من جراء أكلهم من ثمار تلك الجنة التي أسكنهم الله إياها:
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (2:35)
لذا، فإن النتيجة الطبيعية أن أكلهم من الجنة كان رغدا (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا)، فلا يصيبهما "الضر"، أي مكروه من جراء ما يأكلون، وكان ذلك (نحن نرى ربما مخطئين) بسبب ما كانا يلبسان في الجنة. فما كانت سوءاتهما تُبدى لهما في الجنة لحاجات التغوط أو التبول بعد الأكل مما في الجنة. وذلك لأنه كان يتم استهلاك (أو التخلص من) كل ما يأكلانه بطريقة بيولوجية طبيعية نظيفة، فيتم استهلاك ما يأكلون بكامله بفعل ذلك اللباس، فما كان يجوع (فيتغوط)، ولا كان يظمأ (فيتبول):
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (20:118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (20:119)
الأمر الذي كان يجعلهما في غنى (نقول مرة أخرى) عن الذهاب إلى الغائظ للتخلص من فضلات ما يأكلون بالتبول أو التغوط. لكن، ما كان ذلك ليرضي الشيطان الذي هو عدو لآدم وزوجه كما أخبر الله آدم بذلك:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (20:117)
فما انفك يوسوس لهما حتى يبدي لهما سؤاتهما التي كانت موارة عنهما من ذي قبل بفعل ذلك اللباس:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (7:20)
وبالفعل نجح الشيطان في أن ينزع عنهما لباسهما:
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (7:27)
وبانتزاع ذلك اللباس عنهما، خسر آدم وزوجه واحدة من مقومات خلافتهما في الجنة - إنه اللباس.
نتيجة مفتراة 1: كان آدم خليفة للجن، فكانت تأتمر بأمره بسبب امتلاكه للعصا
نتيجة مفتراة 2: كان آدم وزوجه في وقاية من عمل الشياطين بسبب اللباس الذي هو لباس التقوى (أي وقاية)
لما كان آدم وزوجه يعيشان في الجنة حياة رغدا، بسب ذلك اللباس، كان لزاما أن تبقى سؤاتهما مواراة عنهما، لكن كان من الطبيعي أن تتم عملية الانجاب، والتكاثر في الجنة.
السؤال: كيف كان من الممكن أن يحصل التكاثر في الجنة مادام أن سوءة آدم وزوجه مواراة عنهما؟
رأينا المفترى: لمّا كان آدم وزوجه على وشك أن يقوما بمهمة التكاثر، كان من المفترض أن تتم العملية (نحن نتخيل) بطريقة لاجنسية (مادام أن سؤاتهما مواراة عنهما). لذا، كان من المتوقع أن يتم ذلك (نحن نتخيل) بطريقة النفخ. ونحن نتخيل الأمر على نحو أن يقوم آدم بالنفخ في فرج زوجه (كما حصل مع مريم ابنت عمران لاحقا)، فيحصل الانجاب بطريقة مختلفة عن الطريقة التي صرنا نعرفها نحن البشر ونطبقها في حياتنا الدنيا بعد الهبوط من الجنة. ولو حصل ذلك بالطريقة اللاجنسية (النفخ)، لكنا نحن خلائف في الجنة، فلا أنساب بيننا، ولا نحن نتسآءل عن ذلك. فيعلم الواحد منا من هي أمه، لكن يبقى النافخ في فرج والدته بعيدا عن الساحة، ولا يسمى بهذه الحالة والد. ولو حصل ذلك لما كانت المسئولية ستقع على عاتق آدم نفسه، فما كان آدم (الزوج) سيشقى:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (20:117)
فبالرغم أن الخروج من الجنة سيكون للاثنين (آدم وزوجه)، إلا أن التحذير من الخروج جاء على نحو أن آدم (الزوج) هو من سيشقى. (وقد تعرضنا لهذا المبحث في مقالات سابقة عديدة، فمن أراد الاستزادة في هذا الوضوع، فسيجد رأينا مسطرا هناك).
لكن ما يهمنا هنا هو الظن بأنه كان على زوج آدم (إن صح خيالنا المفترى هذا) أن تحضّر لهذا الحدث الذي هو بالنسبة لها حدث عظيم. فبدأت (نحن مازلنا نتخيل) التجهيز لاستقبال مولودها الأول بتحضير المهد له. فصدر الأمر من آدم (صاحب العصا) للملائكة للذين مازالوا يسجدون له باعداد ذلك المهد. وبالفعل جهّزت الملائكة ذلك المهد، وظلّت تحمله انصياعا لأمر آدم (الذي يحمل بيده تلك العصا التي هي تمثل سلطة آدم على الملائكة في ذلك الوقت).
نتيجة مفتراة 1: كان من المفترض أن تتم عملية التكاثر في الجنة بطريقة لاجنسية (asexual)، لأن السوءة كانت مواراة عن آدم وزوجه
نتيجة مفتراة 2: كان من المفترض أن تتم عملية التكاثر في الجنة بالنفخ (أي أن ينفخ آدم في فرج زوجه)
نتيجة مفتراة 3: تم تجهيز المهد في الجنة للمولود المتوقع قدومه جراء عملية النفخ المنتظرة
نتيجة مفتراة 4: أعدت الملائكة ذلك المهد، وظلت تحمله بناء على الأمر الذي صدر لها من الخليفة (آدم)
نتيجة مفتراة 5: كان آدم يملك عصا الخلافة التي تطوّع له الجن
نتيجة مفتراة 6: كان آدم وزوجه ما يزالان يلبسان ذلك اللباس الذي يواري عنهما سوءاتهما
نتيجة مفتراة 7: نجح الشيطان في أن يزلّ آدم وزوجه، فأكلا من الشجرة
نتيجة مفتراة 8: نزع الشيطان عن آدم وزوجه لباسهما، فبدت لهما سؤاتهما
نتيجة مفتراة 9: خسر آدم العصا التي كانت أداة حكمه على الجن
نتيجة مفتراة 10: ما عاد التكاثر ممكنا بطريقة لاجنسية، فأصبح التكاثر متاحا فقط بالطريقة الجنسية (sextual) التي نعرفها اليوم.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: وضعت مقتنيات الجنة (العصا واللباس) في ذلك التابوت الذي ظلت الملائكة تحمله.
*** *** ***
والآن لو حاولنا - بناء على هذا الفهم المفترى من عند أنفسنا عن قصة الخلق الأولى - أن نبحث أكثر في خيوط التقاط بين قصة آدم من جهة وقصة داوود من جهة أخرى، لربما حق لنا أن نحضر الآية الكريمة التالية إلى النقاش:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (21:78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (21:79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (21:80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (21:81)
وهنا سنطرح السؤال الكبير التالي الذي نظن أنه يتعلق بداوود، ألا وهو: ما هي الصنعة اللبوس الذي عُلِّمها داوود (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)؟
رأينا المفترى: إن أبسط ما يمكن أن نفتريه هنا - بناء على فهمنا لما جاء في الآيات الكريمة السابقة بهذا الموضوع - هو توافر عنصر صناعة اللباس عند داوود (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ)، ليكون التقاطع الجديد الآن بين داوود وآدم كـ "خليفة" له علاقة باللباس. فما يجمع الحالتين هو وجود اللباس الخاص بهما، وما يجعلهما مختلفين هو نوعية ذلك اللباس.
السؤال: ما وجه الاختلاف بين لباس آدم في الجنة من جهة ولباس داوود من جهة أخرى؟
رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) أنه في حين أن لباس آدم وزوجه كان وقاية لهما من عمل الشيطان. كان لباس داوو هو التحصين من باس الناس (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)، ليبدأ النقاش الآن عن ماهية لباس داوود، طارحين التساؤلات المثيرة التالية:
- ماذا كان لباس داوود كخليفة في الأرض؟
- ماذا كان لباس آدم (وزوجه) الذي كان في الأرض خليفة؟
- كيف يتشابه اللباسان؟
- كيف يختلف اللباسان؟
- ما أهمية كل لباس منهما؟
- الخ
باب لباس داوود
لو حاولنا التعرض للسؤال الأول الخاص بلباس داوود، لربما حق لنا أن نفتري الظن بأن لباس داوود كان له علاقة بالحديد. انتهى.
الدليل
لو دققنا في الآية الكريمة السابقة ذاتها، التي نعيدها هنا من أجل توضيح الفكرة التي نحاول تقديمها:
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (21:80)
لوجدنا بأن ذلك اللباس كان يقوم بفعل التحصين من البأس (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)، ولو حاولنا أن نبحث عن الشيء الذي يمكن أن يؤدي هذه المهمة، لوجدنا الحديد حاضرا على الفور:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (57:25)
فمادام أن الحديد فيه بأس شديد، فلربما حق لنا أن نقول بأن الغاية من الصنعة اللبوس التي تعلمها داوود من ربه (بطريقة محددة) كانت التحصين من بأس الحديد (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)، لنخرج من ذلك بالافتراء التالي: كان لباس داوود بمثابة الحصن (أو لنقل الدرع) الواقي من بأس الحديد. فلو حصل أن تم الهجوم على من يلبس ذلك اللباس (كداوود)، لتكفل اللباس بذاته أن يصد بأس الحديد، فلا يصيب المتحصن بذلك اللباس أذى من بأس الحديد، الذي لا شك هو شديد.
السؤال: كيف يكون ذلك؟ ما نوعية اللباس الذي كان يصنعه داوود، فيكون بمثابة الدرع الواقي من بأس الحديد؟
رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الحديد كان حاضرا في قصة داوود، والأهم من ذلك أنه حاضر بطريقة عجيبة تتمثل بأن الحديد قد كان لينًا بيد داوود، قال تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (34:10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (34:11)
لنخرج بعد قراءة هذه الآيات الكريمة التي جاءت مبينة لبعض تفاصيل حياة داوود بافتراءات عجيبة هي على النحو التالي:
افتراء 1: تمت إلانة الحديد لداوود (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)
افتراء 2: لمّا كان الحديد لينا بيد داوود، كان يستطيع أن يعمل سابغات (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)
افتراء 3: لمّا كان الحديد لينا بيد داوود، كان يستطيع أن يقدر في السرد (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)
الأمر الذي سيدعونا على الفور - كالعادة - إلى طرح العديد من التساؤلات، نذكر منها:
- كيف تمت إلانة الحديد لداوود؟
- لماذا كان الحديد لينا لداوود على وجه التحديد؟
- ما معنى أن داوود كان يعمل سابغات؟
- كيف كان يستطيع داوود أن يعمل سابغات؟
- ما معنى أن داوود كان يقدر في السرد؟
- كيف كان يقدّر في السرد؟
- ما علاقة كل ذلك بالصنعة اللبوس التي تعلمها داوود؟
- متى تعلم داوود تلك الصنعة؟
- كيف تعلم داوود تلك الصنعة؟
- كيف استخدم داوود تلك الصنعة؟
- الخ
(تنبيه: نحن نظلب من القارئ الكريم الذي لا يجد معنا صبرًا أن يترك النقاش هنا، ويذهب بعيدا ليطلب ضالته عند غيرنا. فما سنفتريه بعد قليل ربما يصعب تصديقة مهما حاولت أخي القارئ أن تجاريه. فدع عنك - يرحمك الله - افتراءاتنا لانها لا تخص أحدًا من العالمين غيرنا).
أما بعد،
نحن نرى بأنه من الممكن (إن أذن الله لنا بشيء من علمه) أن نجيب عن هذه التساؤلات بعد أن نحاول – ابتداء- ايجاد التقاطعات بين قصة داوود من جهة وقصة ذي القرنين من جهة أخرى، خاصة ما يتعلق بموضوع الحديد الذي يرد في القصتين، ثم محاولة ربط ما نخرج به من افتراءات في هذا الصدد بقصة لباس آدم في الجنة.
لو حاولنا أن نجلب قصة ذي القرنين إلى هذا النقاش، سيصبح لزاما (نحن نرى) أن نضع الآية الكريمة التالية على طاولة النقاش، قال تعالى:
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (18:93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (18:94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (18:95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (18:97)
فهذا ذو القرنين يطلب من القوم الذين طلبوا منه أن يكفّ عنهم فساد يأجوج ومأجوج في الأرض أن يؤتوه زبر الحديد (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ):
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96)
لذا، علينا – ابتداء- أن نميّز بين الحديد من جهة وزبر الحديد من جهة أخرى. فنحن نعرف (من خبراتنا البشرية ربما غير الدقيقة) بأنّ الحديد هو مادة تستخدم في الصناعات (خاصة العسكرية منها)، لكن الذي يجب أن نتذكره أيضًا في هذا المقام أنّ الحديد (كمادة خام) له – كما جاء في الآية الكريمة - زبر (زُبَرَ الْحَدِيدِ). وبالتالي تلزمنا الدقّة القرآنية في اللفظ أن نحاول الفصل بين الحديد ذاته من جهة وزبر الحديد من جهة أخرى. وقد نكون محقين إن نحن افترينا الظن بأنه يمكن أن يستخلص "زبر الحديد" من الحديد ذاته. فهو في نهاية المطاف زبر الحديد.
نتيجة مفتراة: هناك الحديد
نتيجة مفتراة: هناك زبر الحديد
السؤال: ما هي تلك المادة التي يمكن أن تسمى زبر الحديد؟ وكيف تختلف مادة زبر الحديد عن الحديد ذاته؟
جواب مفترى: لو حاولنا البحث عن مفردة "زبر" ومشتقاتها في النص القرآني على مساحته، سنجدها قد وردت في الآيات الكريمة التالية:
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (3:184)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (16:43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (16:44)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (18:94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (18:95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (18:97)
وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (23:52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (23:53)
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (26:193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (26:194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (26:195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (26:196)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (35:25)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (54:43)
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (54:52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (54:53)
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (4:163)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (17:55)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (21:105)
وقد افترينا الظن منذ أمد بعيد - بناء على فهمنا الخاص لهذه السياقات القرآنية بأن الزبور مشقة من مادة "زبر". فالزبور واحد، والزبر متعددة. وظننا بأن الزبور هو ما يشبه الدستور الذي توضع به القوانين الثابتة النافذة التي تمثل الحقائق المطلقة التي لا يمكن أن تبدّل أو أن تتغير. فالزبور هو - برأينا- المادة النقيّة التي لا يمكن أن تطولها شائبة.
ولو دققنا في الآيات الكريمة الخاصة بالزبور أكثر، لوجدنا بأنّ الكتابة في الزبور قد حصلت بعد الذكر. فهناك إذًا الزبور، وهناك الذكر، وأن الكتابة في الزبور قد جاءت لاحقة للذكر. ولو حاولنا تدبر الآيات الكريمة التالية:
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (16:44)
لوجدنا بأن الذكر هو أداة التبين. فهو الأدوات التي بواسطتها يستطيع الرسول الكريم تفصيل (أي تحويل) الكلام الذي أنزل عليه بلسان الوحي المحكم إلى كلام بلسان قومه الذي بعث فيهم (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة خاصة تلك التي تتحدث عن ما كتب في الزبور وسلسلة مقالات لوط).
ولو دققنا أكثر، لوجدنا بأنّ الزبور عبارة عن فصول يمكن أن تقطّع:
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (23:53)
وأن هذه الزبر (جمع زبور) قد جاء بها كثير من الرسل:
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (3:184)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (35:25)
وأن الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد موجود من ذي قبل في زبر الأولين:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (26:193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (26:194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (26:195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (26:196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (26:197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (26:198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (26:199) كَذَٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (26:200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (26:201)
وأن كل ما فعله من أهلكهم الله موجود كذلك في الزبر:
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (54:50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (54:51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (54:52)
لنصل من خلال هذا النقاش المبدئي عن مفردة "زبر" (ومشتقاتها) إلى النتيجة المفتراة التالية: هناك زبر كثيرة، جاءت بها رسل الله، وكان من نصيب داوود على وجه التحديد واحدة من هذه الزبر، فكان لداوود زبورا، قال تعالى:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (4:163)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (17:55)
ولمّا كان داوود قد أُوتي زبورا، كان بين يديه ما يشبه "كتاب ارشادي" (أي manual) فيه تعليمات (كقوانين) واضحة وثابتة يمكن استخدامها لعمل شيء ما، فوجّه الله له الأمر بأن يكون خليفة يحكم بين الناس بالحق:
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (38:26)
(انظر المقالة السابقة عن الفرق بين الحكم بالحق كما كان يفعل داوود والحكم بالعدل كما طلب منا نحن البشر أن نعمل).
نتيجة مفتراة: الزبور هو المادة النقية التي لا تشوبها شائبة، يرشد من تقع بين يديه إلى طريقة عمل شيء ما.
لذا، عندما طلب ذو القرنين من القوم أن يعينوه بقوة، جاء طلبه محددا على نحو أن يأتوه "زبر الحديد":
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96)
فكان ذلك سببا في أن يساوي بين الصدفين (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ)، أليس كذلك؟
افتراء خطير جدا جدا: نحن نظن بأن "زبر الحديد" هو المادة النقية المستخلصة من الحديد التي يمكن بواسطتها المساواة بين الصدفين.
السؤال: كيف كان "زبر الحديد" سببًا بأن يساوي ذو القرنين بين الصدفين؟
للإجابة على هذا التساؤل، نجد أنه من الضروري طرح سؤال آخر في هذا الصدد، ألا وهو: ما هما الصدفان اللذان يمكن مساواتهما باستخدام زبر الحديد؟
افتراء خطير جدا جدا: أنا أتجرأ على افتراء الظن من عند نفسي بإن الصدفين هما القطبان المغناطيسيان (السالب والموجب). فباستخدام زبر الحديد (أي المادة النقية المستخلصة من الحديد) تستطيع أن تخلق الحقول المغناطيسية (magnetic fields) شديدة القوة، فيكون الحديد فيه "بأس شديد"، كما جاء في سورة الحديد ذاتها:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (57:25)
فالمتفحص في دقة النص القرآني سيجد بأن البأس الشديد ليس هو الحديد ذاته، وإنما البأس الشديد الموجود فيه (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). أما الحديد بذاته فهو منافع للناس (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ). ولو كانت المنافع في الحديد (أي يمكن استخلاصها من الحديد)، لربما جاء النص على نحو (وفيه منافع للناس). وبكلمات أخرى نقول: لو أن الحديد فيه باس شديد وفيه منافع للناس، لتكررت مفردة "فيه" مع كل واحدة منها كما جاء - مثلا- في قوله تعالى:
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (12:49)
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (7:25)
وما يخرج من بطون النحل (أي ما نعرفه نحن تحت مسمى العسل) ليس شفاء للناس بحد ذاته، ولكن الشفاء موجود فيه، أي يمكن استخلاصه من مادة العسل:
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (16:69)
(وسنتحدث عن هذا الموضوع لاحقًا بإذن الله. فالله وحده أدعوه أن يعلمنا علما لا ينبغي لأحد غيري إنه هو العليم الحكيم).
إذا، علينا أن نفصل بين الشيء ذاته من جهة وما فيه من جهة أخرى، وذلك بمراقبة الدقة القرآنية في اللفظ في الآيات الكريمة. فهناك إذًا فصل بين إثم الخمر والميسر من جهة ومنافعهما من جهة أخرى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (2:219)
فالخمر والميسر فيهما إثم كبير (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، لكنهما بذاتهما منافع للناس (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) بالرغم أن اثمهما أكبر من نفعهما. أما الأنعام فهي بحد ذاتها منافع:
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (16:5)
وكذلك فيها منافع كثيرة
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (36:71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (36:72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (36:73)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (23:21)
والآن، لو عدنا إلى تدبر الآية الخاصة بالحديد بالدقة المطلوبة:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (57:25)
لربما حقّ أن نقدم افتراءين اثنين:
نتيجة مفتراة: 1: الحديد بذاته منافع للناس
نتيجة مفتراة 2: الحديد فيه بأس شديد
وقد تحدثنا عن منافع الحديد في مقالات سابقة لنا، ومن أراد الاطلاع على رأينا في ذلك، يستطيع أن يعود إلى مقالاتنا في قصة يوسف وقصة موسى عندما تعرضنا للآيات الكريمة التالية:
قصة يوسف: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (12:21)
قصة موسى: وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (28:9)
لكننا سنركز هنا على "زبر الحديد" فقط، لنحاول أن نربط ما تتحصل لنا من أفهام حول هذا الموضوع (زبر الحديد) بقصة الصنعة اللبوس التي تعلمها داوود، وكانت خاصة به.
أما بعد،
عندما طلب ذو القرنين من القوم أن يعونوه بقوة ليجعل بين الطرفين ردما (وليس سدا)، عمد القوم على أن يأتوه بما يمكن استخلاصه من الحديد، الأ وهو زبر الحديد (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، فاستخدمه (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) في المساواة بين الصدفين، فخلق بذلك (نحن نظن) حقولا مغناطيسية (سالب وموجب) معلقة في الفضاء الخارجي.
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96)
نتيجة مفتراة 1: استخدام ذو القرنين زبر الحديد الذي تم استخراجه من الحديد على يد من كان يحاورهم، فالقوم هم من آتوه زبر الحديد، الأمر الذي يدعوننا إلى الظن بأن القوم كانوا على درجة من التقنية (التكنولوجيا) يستطيعون باستخدامها استخلاص زبر الحديد.
نتيجة مفتراة 2: كانت مهمة ذي القرنين تتمثل في المساواة بين الصدفين (أي القطبين الشمالي والجنوبي)، فأصبح هناك حقل مغناطيسي ثنائي القطب (قطب سالب وآخر موجب).
ما أن ساوى ذو القرنين بين الصدفين (القطبين) حتى طلب من القوم أن ينفخوا (قَالَ انْفُخُوا)، حتى جعل ذلك نارا (حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا)، ثم عمد مباشرة إلى أن يفرغ عليه القطر (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)، الذي نظن بأنه الوقود المشغل له، فأحدث بذلك مجالًا مغناطيسيًا، يشتغل بطاقة القطر المفرغ على النار التي نفخت بعد المساواة بين الصدفين (أي القطبين). فاستعصى على تلك الكائنات الغازية للأرض (وهي الديناصورات) الاستمرار بالقدوم إلى الأرض من مكان آخر في الكون العامر. (للتفصيل انظر مقالاتنا حول ذي القرنين ورحلاته الفضائية، وقصة غزو الديناصورات للأرض في قديم الزمان).
لكن ما أن تنفذ المادة المشغّلة له (وهي مادة القطر) حتى يبدأ تفتح تلك المجالات المغناطيسية، بعد أن تبدأ قوتها تضعف شيئا فشيئا (بما أنها مصنعة تصنيعا)، وسيبدأ حينئذ يأجوج ومأجوج ينسلون من كل حدب نحو الأرض، ليعودوا إلى استعمارها في قادم الأيام بإذن الله كما استعمروها في سالف الزمان:
حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (21:96)
نتيجة مفتراة 1: زبر الحديد هو المادة النقية المستخلصة من الحديد
نتيجة مفتراة 2: زبر الحديد هو المادة المستخدمة للمساواة بين الصدفين
نتيجة مفتراة 3: الصدفان هما القطبان (السالب والموجب)
نتيجة مفتراة 4: القطر هو الوقود المشغل للصدفين (للقطبين).
الدليل
لو دققنا بمعنى "صدف" ومشتقاتها في النص القرآني على مساحته، لربما حقّ لنا أن نفتري الظن بأنّ الصدف هو ما يشبه "النفور"، أو ما نسميه بلغاتنا التي تعلمناها في دروس العلوم الأولى تحت مسمى "التنافر"(repel) ، كالذي يحدثه المغناطيس عندما تتساوى الشحنة في القطبين (سالب مع سالب أو موجب مع موجب). وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في قوله تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (6:46)
أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (6:157)
فحال الذين يصدفون عن آيات الله هي كحال المادة التي تتنافر إذا تساوت الأقطاب في شحناتها المغناطيسية (سالب مع سالب أو موجب مع موجب).
ولو دققنا في اللفظ أكثر، لوجب علينا التمييز بين النفور من جهة والصدف (أو ما نعرفه نحن بالتنافر) من جهة أخرى. فقد وردت مفردة النفور في السياقات القرآنية التالية:
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (17:41)
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (17:46)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ۩ (25:60)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (35:42)
أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (67:21)
فالمدقق بهذه السياقات القرآنية سيجد - حسب فهمنا طبعا - بأن الذي ينفر هو من كان قريبا من الشي لكنه يبتعد عنه. فستجد بعض الناس - عندما يكون النقاش كله من القرآن وحده - ينفرون على الفور، أي يتركون المكان ذاهبين بعيدا بعد أن كانوا يتواجدون فيه. فاقتصار أي حديث على كتاب الله وحده يسبب ردة فعل (عند بعض الناس) على نحو أن تكون "نفورا".
لكن - بالمقابل- فإن الذي يصدف عن آيات الله هو الذي لا يمكن أن يقترب منها من الأساس، فهناك عداء مستحكم له معها، تجعله على الدوام مبتعدا عنها، ويكأنهم قد أحدثوا مجالا مغناطيسيا (magnetic field) من حولهم، يبعدهم تلقائيا عن آيات الله. فيكون هناك تنافر (repel) بينهم من جهة وآيات الله من جهة أخرى.
نتيجة مفتراة: علينا أن نميز بين نوعين من السلوك عند بعض الناس تجاه آيات الله، فهناك من ينفر منها (أي يسمعها وربما يقترب منها، وربما يجادل فيها، لكنه يبتعد عنها بعد ذلك، فهذا الذي ينفر. وهناك - بالمقابل - من يصدف عنها، فلا يحاول أصلا الاقتراب منها، فهذا الذي – بمفرداتنا- يتنافر معها (يصدفون عنها).
ولما طُلب من البعض أن ينفر في سبيل الله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (9:38)
اثاقلوا إلى الأرض، فما رضوا بأن يبتعدوا عن المكان الذي كانوا متواجدين فيه. وكذلك فعل المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله، فقالوا لا تنفروا، أي لا تبتعدوا عن المكان الذي أنتم متواجدين فيه:
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (9:81)
ولما صرف الله لمحمد نفرا من الجن:
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (46:29)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (72:1)
جاءوه إلى المكان الذي كان متواجدا فيه، ومبتعدين عن المكان الذي كان قومهم متواجدين فيه، بدليل أنهم عادوا إليهم بعد أن قضي استماعهم للقرآن. وربما بمثل هذا المنطق نفهم مفردة "نفرا" في السياق القرآني التالي:
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (18:34)
فالذي هو أعز نفرا، هو القادر أن يجمع حوله مجموعة (تكبر أو تصغر) من الاشخاص الذين يمكن أن يساندوه لو أنه ذهب في مهمة معينة.
نتيجة مفتراة 1: النفر (النفور) هم من كانوا متواجدين في مكان ما، ويستطيعون أن يتركوا ذلك المكان ذاهبين في مهمة معينة.
نتيجة مفتراة 2: الصدف هو الذي لا يقترب من المكان ابتداء فيبقى بعيدا عنه بفعل وجود قوة خفية تجعله يظل مبتعدا، فلا يقترب، فتنشأ علاقة تنافر بينه من جهة وذلك الشيء الذي يصدف عنه (اي يتنافر معه) من جهة أخرى.
ولو جلبنا الآن الآية القرآنية الخاصة بذي القرنين، ربما نستطيع أن نتصور وجود صدفين اثنين، من الاستحالة بمكان أن يلتقيا، فيبقيا في حالة تنافر، بالضبط كحالة القطبين المغناطسيين متساويي الشحنة:
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96)
دعنا نتخيل – بناء على هذا الفهم المفترى من عند نفسي- ما فعله ذو القرنين باستخدام زبر الحديد.
أما بعد،
يطلب القوم من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا:
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (18:94)
يرد عليهم بالرفض، مقترحا ما هو أكثر فاعليه من السد، ألا وهو الردم:
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (18:95)
يطلب منهم أن يعونه بقوة، فيأتوه (بطلب منه) "زبر الحديد":
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ ...
يساوي بين الصدفين، فيطلب منهم أن ينفخوا، حتى يجعله نارا:
... حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا ...
يطلب منهم أن يفرغ عليه القطر (اي الوقود المشغل له):
... قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96)
تكون نتيجة ذلك كله على نحو احكام ذلك الردم الذي جعله ذي القرنين، فما عاد يأجوج ومأجوج قادرين أن يظهروا ذلك الردم، وما عادوا يستطيعون له نقبا:
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (18:97)
ويكون ذو القرنين – حسب ما نتخيله – قد أغلق بذلك الفعل التقني المتطور جدا السبب (الطريق السماوية) التي كانت تنسل منها تلك الكائنات (الديناصورات) إلى الأرض، وذلك - برأينا- بسبب إحداثه مجالا مغناطيسيا بسبب المساواة بين الصدفين:
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (18:96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (18:97)
افتراء من عند نفسي: ما أن يبدأ وقود ذلك "العمل التقني المتطور جدا" بالنفاذ شيئا فشيئا، حتى تبدأ تلك النار تخمد شيئا فشيئا، مما سيسبب (نحن نرى) تفتح يأجوج ومأجوج، الذين سيعودون غازين للأرض، يتناسلون من كل حدب مع اقتراب الوعد الحق:
حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (21:96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (21:97)
(دعاء: أعوذ بك ربك أن أكون ممن يقولون ياوليتنا قد كنا في غفلة، وأعوذ بك ربي أن أكون من الظالمين)
ولو رجعنا - بعد هذا النقاش في قصة ذي القرنين بما تحصل لنا من افتراءات من عند أنفسنا عنها - إلى الحقبة الزمنية التي كان يتواجد فيها آل داوود، لوجدناها هي حضارة العصر الحديدي، الذي برع أهله باستخدام الامكانات الكامنة في الحديد، وليس أدل على ظننا هذا من فهمنا المفترى للآيات الكريمة التي جاءت على لسان قوم المرأة التي اكتشف خبرها الهدهد في زمن سليمان. فهم من كانت ردة فعلهم على استشارة المرأة التي كانت تملكهم لهم على النحو التالي:
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (27:32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (27:33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (27:34)لذا،
نحن نتجرأ على الظن بأن الناس في ذلك الزمان (زمن آل داوود) قد برعوا باستخدام الطاقات الكامنة في الحديد، خاصة ما فيه من بأس شديد. وهذا الظن يعيدنا على الفور إلى السؤال الذي طرحناه في بداية هذه المقالة عن الصنعة اللبوس التي عُلِّمها داوود، وهو من أُلين له الحديد. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآيتين الكريمتين الخاصتين بداوود معا:
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (21:79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (21:80)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (34:10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (34:11)
لنخرج من هذا النقاش بالافتراء البسيط التالي: لقد كان داوود قادرا على الاستفادة القصوى من الطاقة الكامنة في الحديد الذي كان بالنسبة له صنعة لبوس تحصن (الناس) من البأس. فاللباس الذي كان يستخدمه داوود كان مصنعا بطريقة تمكنه من التحصين من بأس الحديد الذي هو زبره.
لذا، عندما ظن قوم المرأة التي في سبأ بأنهم أولوا قوة وأولوا بأس شديد، جاء ردها عليهم على النحو التالي:
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (27:34)
ويكأنها (نحن نتخيل) تقول لهم بأن استخدامكم لبأس الحديد الذي تملكونه لن يجدي نفعا مع هؤلاء الملوك، وذلك لأن لديهم أساس صنعة لبوس تقيهم من بأسكم. وهنا نضطر أن نجلب الآية قيد البحث إلى هذا النقاش مرة أخرى، لنربطها مع آية أخرى جاءت تبين لنا بعض جوانب قصة داوود الأخرى. ولنحاول أن نربط الآيتين معا:
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (21:79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (21:80)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (2:251)
فالمدقق في الآية الثانية، سيجد بأن ما آتاه الله لداوود يتمثل بأشياء ثلاثة هي على الترتيب:
- الملك
- الحكمة
- علمه مما يشاء
ولو دققنا في ثالث هذه الأشياء (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، لوجب علينا أن نظن بأن واحدة من تلك الأشياء التي تم تعليمها داوود كانت هي الصنعة اللبوس:
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (21:80)
السؤال: كيف يمكن أن نتخيل صنعة اللبوس التي كان داوود قد تعلمها كخليفة؟
رأينا المفترى: لما كان داوود خليفة في الأرض (كما كان آدم في الأرض خليفة)، وجد التقاطع في اللباس بينهما. ففي حين أن لباس آدم في الجنة كان بمثابة الوقاية له من عمل الشيطان الذي هو أساس عدو لآدم ولزوجه، فكان كما الدرع الواقي الذي يحد من وصول الشياطين له ولزوجه لاحداث الضرر فيهما، كان الدرع الواقي لداوود يحصنه من بأس الحديد الذي يستخدمه الناس لإيقاع الأذى بعضهم ببعض. لذا أنا أتجرأ على أن أتخيل بأنه لو حاول أحد من الناس أن يستخدم الحديد لمقارعة داوود عسكريا، لكان الدرع الذي يلبسه داوود بمثابة الحصن الحصين الذي يدفع الضرر عنه. وبمثل هذا الخيال المفترى من عند أنفسنا، يمكننا الآن أن نعيد مشهد المواجهة بين داوود من جهة وجالوت من جهة أخرى في تلك المواجهة الشرسة بين الطرفين، وهي المواجهة التي استطاع داوود (الشاب اليافع) فيها أن يطيح بجالوت الكافر الذي نظنه كان بارعا في استخدام بأس الحديد في المواجهة العسكرية ضد خصمه:
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (2:249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (2:250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (2:251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (2:252)
السؤال: من هو داوود؟ من يدري؟!!
المدكرون: رشيد سليم الجراح
بقلم: د. رشيد الجراح