قصة داوود – الجزء السابع
من هو داوود – الجزء 7
انتهينا
في الجزء السابق من هذه المقالة عند تقديم الافتراء الاجرائي التالي: إن محاولة
فهم موضوع معين في كتاب الله يتطلب ايجاد التقاطعات بينه من جهة وبين كل ما في
كتاب الله من جهة أخرى. فكتاب الله محكم في تبيانه، وذلك لأن بعضه منسوج مع بعض كنسيج
شبكة العنكبوت. فهو وحدة واحدة () يساند بعضه بعضا، فيكون فيه تفصيل لكل شيء. لذا،
فإن الوصول إلى نقطة معينة (حبكة) في تلك الشبكة العنكبوتية محكمة النسيج والبناء يتطلب
المرور بغيرها من النقاط من أكثر من اتجاه، فعليك – عزيزي الذي تحاول تدبر هذا
النص العظيم- أن تسلك الطريق المؤدية إلى كل نقطة تتقاطع عندها الخيوط بالطريقة الاسهل،
فيكون الفهم الأفضل (والأمثل) هو الذي ينقلك بين تلك التقاطعات بأقل جهد ممكن
وبأعلى فائدة مرجوة (تقاس ببساطة الاستنباط). ونحن نظن في هذا المقام (ربما
مخطئين) بأن قصة نبي الله داوود تمثل العقدة (الحبكة) التي تتوسط قصص القرآن
الكريم كلها، ابتداء من قصة بداية الخلق (عند آدم وزوجه) وانتهاء بالتنزيل الكريم
على محمد. لذا، ستتقاطع هذه القصة (قصة آل داوود) التي تكتنفها "الألغاز
المحيرة" مع بقية القصص القرآني التي ربما تكون أكثر يسرا (وسهوله) في الفهم على
القارئ العادي (من مثلنا). فلو تدبرنا الآيات القرآنية التي جاءت لتبين لنا قصة آل
داوود التي نحن بصدد تقديم افتراءاتنا حولها، لوجدناها مليئة بما يسميها أهل
العقائد السابقون بـ "المعجزات". وهنا نجد أنه من الضرورة بمكان أن نستعرض
مع القارئ الكريم – إن شاء- الآيات التي جاء فيها اسم نبي الله داوود صراحة، والتي
بظننا ربما أشغلت فكره حتى الساعة، وهي التي مازلنا (نحن نرى) بعيدين كل البعد عن الامساك
بخيوط فهمها فهما حقيقيا. لذا، سأدعو القارئ الكريم أن يحاول أن يتدبر هذه الآيات
معنا، ليرى بأم عينه كيف تشكل كل واحدة منها لغزا مازال محيرا لنا. قال تعالى:
فَهَزَمُوهُمْ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْعَالَمِينَ (2:251)
إِنَّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ
بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ
وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (4:163)
لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (5:78)
وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ
ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ
وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (6:84)
وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ
النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (17:55)
وَدَاوُودَ
وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (21:78) فَفَهَّمْنَاهَا
سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ
الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (21:79)
وَلَقَدْ
آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (27:15) وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
(27:16)
وَلَقَدْ
آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ
وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (34:10)
يَعْمَلُونَ
لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ
رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ (34:13)
اصْبِرْ
عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ
أَوَّابٌ (38:17)
إِذْ
دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ
بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ
وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (38:22)
قَالَ
لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا
فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (38:24)
يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
يَوْمَ الْحِسَابِ (38:26)
وَوَهَبْنَا
لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (38:30)
لو
حاولنا تدبر مفردات هذه الآيات القرآنية، لوجدنا على الفور أنّ محاولة فهم كل
واحدة منها تتطلب إثارة عشرات (وربما مئات) الاسئلة التي مازالت تنتظر الاجابات
الحقيقية. وسنحاول التعرض لجميع هذه الآيات في سلسلة المقالات هذه بما يأذن الله بما
يشاء لنا فيها من علمه (فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني
علما، وأن يهديني لأقرب ن هذا رشدا؛ وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب،
أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العلي العظيم).
لكن ما
يجدر بنا التنبيه له الآن هو أن محاولة فهم مفردات هذه الآيات يضطرنا إلى الانتقال
بطريقة منظمة ومنضبطة في كتاب الله من أوله حتى آخره، ويكون أول (وأهم) دواعي
الانتقال هو توافر مفردات الآية الواحدة في سياقات أخرى من كتاب الله. وتكون فوائد
هذا الانتقال على الأقل اثنتين:
-
الوقوف على
معاني المفردات كما يبينها كتاب الله (لا كما نريدها)
-
محاولة تقديم
الافتراءات، وذلك باستنباط العلاقات بين السياقات القرآنية التي ترد فيها المفردة
الواحدة
والآن
لننتقل إلى التطبيقي العملي لهذا الإطار النظري المبسط. فقد انتهينا في الجزء
السابق من هذه المقالات مع الآية القرآنية التي بيّنت لنا بأن داوود قد جُعِل
خليفة في الأرض. قال تعالى:
يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
يَوْمَ الْحِسَابِ (38:26)
فكان
لزاما علينا أن ننتقل على الفور إلى قصة الخلق الأولى مع آدم الذي كان أيضا خليفة.
فبعد محاولة استقصاء مفردة "خليفة" في القرآن كله، وجدنا بأن داوود وآدم
فقط هما (دون خلق الله جميعا) كانا خليفة. فجاء ذكر "خلافة آدم" في سورة
البقرة في قوله تعالى:
وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (2:30)
وجاء
ذكر "خلافة داوود" في سورة ص في قوله تعالى:
يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
يَوْمَ الْحِسَابِ (38:26)
وكان
السؤال الذي انهينا به الجزء السابق هو: لماذا كان آدم وداوود فقط (دون خلق الله
جميعا) خليفة (كأشخاص)؟
رأينا
المفترى: لما كنا نؤمن يقينا بأن لا شيء في كتاب الله يقع في باب المصادفة، أصبح
لزاما علينا أن نتفكر في السبب أن يكون آدم وداوود فقط هما (كأفراد) خليفة. وبالمنطق
ذاته، وجب علينا التفكر في السبب أن الخلافة لم تتح لشخص آخر غيرهما، فما كان أحد
من رسل الله (السابقين أو اللاحقين) أو أحد من عباده (الصالحين أو الظالمين
لأنفسهم) خليفة إلا هذين الشخصين على وجه التحديد. لذا، سنتجرأ على الظن بما يلي:
-
لمفردة
الخلافة معنى محدد في كتاب الله، وجب البحث عنه؛
-
لا يثبت كتاب
الله الخلافة لاشخاص إلا لـ آدم وداوود؛
-
هناك علاقة
بين آدم من جهة وداوود من جهة أخرى، وجب البحث عنها؛
-
هناك ظروف
محيطة بقصة آدم تتقاطع مع الظروف المحيطة بقصة داوود؛
-
الخ
نتيجة
مفتراة: هناك (نحن نظن) مسوغ يدعونا أن ننظر لقصة داوود (كخليفة) ضمن الاطار العام
لقصة آدم (كخليفة) كما يبينها النص ذاته، والعكس صحيح. فالتقاطع بينهما (بالخلافة)
يلزمنا محاولة تقديم الكثير من الاستنباطات التي تنطبق في الحالتين. فتكون التساؤلات المبدئية في هذا
المجال على النحو التالي:
-
لماذا كان آدم وداوود فقط هما خليفة؟
-
لماذا لم يكن أحد من العالمين (غيرهما)
خليفة؟
-
كيف تتشابه خلافة آدم مع خلافة داوود؟
-
كيف تختلف خلافة آدم عن خلافة داوود؟
-
ما أهمية أن يكون آدم وداوود على وجه
التحديد خليفة؟
-
الخ
باب خلافة آدم وداوود
لو تدبرنا السياقين القرآنين الخاصين
بخلافة آدم من جهة وخلافة داوود من جهة أخرى، لوجب علينا جلب انتباه القارئ إلى ملاحظة غاية
في الأهمية تتعلق بدقة اللفظ في النص القرآني، ألا وهي ترتيب المفردات في الآيتين
الكريمتين. ففي حين أن آدم كان في
الأرض خليفة، كان داوود خليفة في الأرض:
·آدم : فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
·داوود: خَلِيفَةً
فِي الْأَرْضِ
السؤال: ما الذي يمكن أن
نفهمه من "التناوب" اللفظي بين الحالتين؟
جواب مفترى: لو دققنا في هذا
الاختلاف في ترتيب المفردات بين الحالتين، سنجد بأن آدم كان فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وذلك لأن خلافته كانت (نحن نظن) في
الأرض كلها. فلم يكن هناك بشر يشاركونه الخلافة
في الأرض حينئذ. فهو من بدأت به رحلة البشرية
على الأرض. فكان هو أول البشر، أليس
كذلك؟
لكن كانت خلافة داوود – بالمقابل- مقتصرة على أرض محددة بعينها، فلم
تشمل الأرض كلها، وإنما كانت على جزء منها، وذلك لأن كثيرا من أجزاء الأرض كانت
معمورة بالجنس البشري في زمن داوود، فكان داوود خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ.
وبكلمات أخرى، نحن نفتري الظن
بأنه لمّا كانت الأرض معمورة من بعد آدم، ولما
كانت هناك أمم كثيرة منتشرة فيها، لم تكن الخلافة في الأرض كلها لأمة واحدة، وإنما
كان لكل أمة (في فترة زمنية محددة) خلافة في جزء من الأرض. لذا
نجد عبارة فِي
الْأَرْضِ لاحقة
لمفردة الخلافة (كما في حالة خلافة داوود)، وليست سابقة لها كما في حالة خلافة آدم. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- الآية الكريمة التالية التي
تصور لنا خلافة الأمم في الأرض على هذا النحو:
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ
فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (10:14)
لذا، نحن نكاد نجزم الظن (ربما مخطئين) بأنه
لو كانت لأي من تلك الأمم خلافة الأرض كلها في فترة زمنية محددة، لكان النص على
نحو أن يسبق الجار والمجرور مفردة الخلافة (ثم جعلناكم في الأرض خلائف)، وهو ما لا نجده
على مساحة النص القرآني عند الحديث عن خلافة الأمم المتعددة في الارض في الحقبات
الزمنية المتعاقبة.
فقوم نوح كانوا خليفة على جزء من الأرض ولم يكونوا خلائف في الأرض كلها، وكذلك
كانت حضارة عاد في فترة لاحقة، وكذلك كانت حضارة ثمود، وهكذا.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: الخلافة تكون لمن خلا له المكان،
ليكون هو صاحب الأمر والنهي فيه.
فإذا كنت أنت الوحيد في الأرض كلها (كـ آدم)، كنت (فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ولكن إذا لم تكن أنت الوحيد فيها،
وشاركك فيها آخرون (كـ داوود)، فكانت خلافتك على جزء من الأرض، كنت (خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).
السؤال: لماذا كان داوود
خليفة بالرغم من أن كثيرا من أجزاء الأرض كانت معمورة من قبل أمم أخرى في زمنه؟
رأينا المفترى: لمّا كان داوود بشخصه خليفة على جزء
من الأرض، كان هو صاحب الأمر والنهي في ذلك المكان الذي خلا له في الأرض على وجه التحديد. فالذي يجعل خلافة داوود تختلف عن
خلافة آدم – كما أسلفنا- هو أن خلافة داوود لم تكن تشمل الأرض كلها (كما كانت
خلافة آدم). لذا، نحن نتخيل توافر مكان محدد
بعينه خلا لداوود وحده، فكان هو الخليفة فيه - إنها
الأدغال. وفي ذات الوقت، علينا أن
نتصور بأن أجزاء أخرى من الأرض كانت معمورة بالناس، وما كانت خلافة داوود لتشمل
الجميع.
تخيلات أغرب من الخيال: عندما نشأ داوود بين أحضان الطبيعة،
ترعاه العناية الإلهية التي سخرت له مخلوقات الغابة لتحفظ حياته، نشأ هذا الفتى
بينها، فتعلم سلوكياتها، وطرق التواصل معها، وبالتالي سنحت له الفرصة الكافية لمعرفة
الكثير من أسرارها، فأصبح هو قائد تلك المخلوقات، فكانت تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه. انتهى.
لكن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا سيقودنا
إلى طرح السؤال التالي: هل الخلافة تقتضي
فقط وجود الشخص في مكان لا يشاركه فيه غيره؟
رأينا المفترى: نعم، نحن نظن بأنه حتى
يتعين لشخص ما حيازة الخلافة على أرض محددة، فإن من الضرورة بمكان أن لا يشاركه
ذلك المكان شخص مثله في المكان، فلا ينازعه الأمر فيه. لكن هذا لا يمنع وجود
كائنات ليست مثله في ذات المكان. فلقد كان آدم خليفة في مكان لا يوجد فيه من جنسه
غيره، لكن كان يتواجد في ذات المكان مخلوقات أخرى ليست من جنسه. ألا وهم الجن (بمن
فيهم الملائكة)، فكان آدم خليفة لهم (للتفصيل في هذا الموضوع انظر مقالاتنا
السابقة عن قصة الخلق الأول). فأصبحت الملائكة (وهم جزء من الجن) تأتمر بأمره
مادام أنها أصبحت مكلفة بالسجود له:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (2:34)
فكان لآدم (الخليفة) كامل السيطرة على
تلك المخلوقات (من غير جنسه)، المتواجدة معه في ذات المكان. فالخليفة (نحن نرى) هو
الذي يكون له الأمر (السلطة) من بعد من جاء قبله، كما في حال الأمم التي تخلف بعضُها
بعضا:
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ
فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (10:14)
نتيجة مفتراة: الخلافة تقتضي أن تحل
كينونة جديدة (فردا أو مجموعة) مكان كينونة قديمة، فيكون الأمر للكينونة الجديدة
بعدما كان للكينونة القديمة قبلها. ولو أسقطنا ذلك على أرض الواقع، لوجدنا بأن أبا
بكر – مثلا- كان خليفة محمد. وكان عمر خليفة أبي بكر، وهكذا. وكانت عاد (كأمة)
خليفة لقوم نوح، كما كانت ثمود – مثلا- خليفة لأمة عاد. وهكذا.
السؤال: ما هي مقومات الخلافة؟
راينا المفترى: نحن نظن أنه من أجل أن
تستقيم الخلافة لشخص (أو لأمة)، فلابد من توافر أدوات الخلافة التي تمكن ذلك الشخص
من استتباب الأمر (السلطة) له على المخلوقات الأخرى التي تسكن المكان ذاته معه. فالخليفة
(كشخص أو كأمة) هو صاحب القول الفصل الذي يجب على الآخرين النزول عنده. لذا يحتاج
الخليفة إلى مقومات الخلافة التي تتمثل بقدرته (أي الخليفة) على أن يستتب الأمر له
على المخلوقات الأخرى الذي أصبح هو خليفة فيهم، فلا يخرج عن سلطانه من كان تحت
إمرته من تلك المخلوقات.
السؤال: ماذا كانت مقومات (أدوات)
خلافة آدم وداوود؟
جواب مفترى: كان آدم يملك مقومات
الخلافة التي تجعل الملائكة (وهم جزء من الجن) تحت إمرته. وكذلك كان داوود يملك
مقومات الخلافة التي تمكنه من السيطرة على مخلوقات الغابة التي أصبحت تمتثل بأمره،
فلا تخرج عن سيطرته.
السؤال: ما هي تلك الأدوات؟
رأينا المفترى: إنها التابوت ومقتنياته
(اللباس والعصا).
الدليل
لو جلبنا السياق القرآني السابق الخاص
بخلافة داوود، فربما نستطيع أن نثير انتباه القارئ الكريم حول جزئية في النص ربما
لم تكن بالحسبان من قبل. قال تعالى:
يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ (38:26)
فالمدقق في النص سيجد بأن داوود قد أُمر
أن يحكم بين الناس (فَاحْكُمْ
بَيْنَ النَّاسِ)
بالحق، ليكون السؤال الآن: لماذا جاءت مفردة الناس هنا؟ فهل من الضروري وجودها في
هذا السياق؟ ألا يكون الحكم أصلا بين الناس؟ وهل هناك حكم بين كائنات أخرى غير
الناس حتى يأتي تحديد هوية من يُطلب من داوود الآن أن يحكم بينهم (ألا وهم الناس)؟
جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن من أهم
مواصفات من أراد أن يكون حكما بين الناس أن ينظر إليهم بعين المحايد، حتى
يستطيع أن يحكم بينهم بالعدل. الأمر الذي يدعونا إلى تقديم الافتراء التالي: لمّا كان داوود قد قضى طفولته وصباه بين كائنات الغابة، كان
خليفة هناك. فكان يحكم بين كائنات الغابة، فقد اعتاد على أن يكون قراره هو النافذ
فيها، فكان على دراية تامة بكيفية الحكم بين هذه الكائنات في تلك البقعة الجغرافية
من الأرض. لكن ما أن انتقل إلى المجتمع البشري، وأصبح هو صاحب الأمر من بعد قتله جالوت، وبعد أن آتاه الله الملك
والحكمة وعلمه مما يشاء:
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ
وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ
مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (2:251)
حتى جاءه الأمر بأن يحكم الآن بين
الناس الذين هم بالنسبة له مختلفين عنه بالحق، فكان الناس جميعا في عينه سواسية،
فهو لا يعتبر نفسه منتميا لفئة منهم، يميل إليها، أو تجذبه العاطفة نحوها. لذا،
وجب عليه أن يحكم بينهم فلا يتبع الهوى، كما جاء في قوله تعالى:
يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا
تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ (38:26)
ولو راقبنا ما قاله الخصم لداوود عندما
طلبوا حكمه لاحقا، سنجد أنهم طالبوه بالشي ذاته، ألا وهو أن يحكم بينهم بالحق، وبأن
لا يشطط، وأن يهديهم إلى سواء الصراط:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ
إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (38:21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ
مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ
فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ
الصِّرَاطِ (38:22)
ولو دققنا أكثر في مفردات الآية، لوجب
علينا أن نتنبه بأن داوود قد أمر أن يحكم بين الناس الحق. لكن المتتبع لمفردة
الحكم بين الناس في سياقات القرآن الأخرى، سيجد أن الحكم يكون بين الناس بالعدل.
قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (4:58)
فيكون السؤال المطروح الآن هو: لماذا
طلب من داوود الحكم بين الناس بالحق (وليس بالعدل)؟
رأينا المفترى: إن محاولة الإجابة على
هذا السؤال الذي ربما يبدو للبعض غير ضروري، لكن لو جلبنا السياق القرآني التالي:
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ۗ
وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (21:112)
لربما حق لنا أن نقول أن الحكم بالحق
يتطلب توافر مصادر حكم معينة، ربما غير تلك التي يمكن أن تتوافر للحكم بين الناس
بالعدل. ولكي نستطيع أن نضع خطا فاصلا بين الأمرين، فإنه يتوجب علينا طرح تساؤلات أولية
كثيرة في هذا السياق، نذكر منها:
-
كيف يكون الحكم بالحق؟
-
هل كان من الممكن أن لا يحكم داوود بالحق؟
-
كيف يمكن أن يحكم فيتبع (أو لا يتبع) الهوى؟
-
هل كان من الممكن أن يتبع داوود الهوى؟
-
كيف يمكن أن يحكم فيشطط (أو لا يشطط)؟
-
هل كان من الممكن أن يشطط؟
-
كيف يمكن أن يحكم فيهديهم إلى سواء الصراط؟
-
الخ.
لنخرج بالاستنباطات الأولية التالي:
-
الذي يحكم بالحق لا يتبع الهوى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ
خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ
الْهَوَىٰ)
-
الذي يحكم بالحق لا يشطط (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ)
السؤال: كيف يمكن لمن يحكم بالحق أن لا
يتبع الهوى؟ وكيف يمكن لمن يحكم بالحق أن لا يشطط؟
رأينا المفترى: أن يكون متوافرا بين
يديه مصدر معلومات لا يمكن أن يكون فيه شائبة.
السؤال: ما هو مصدر المعلومات الذي
توافر بين يدي داوود فكان يستطيع من خلاله أن يحكم بين الناس بالحق؟
جواب مفترى: إنه الزبور الذي انفرد به
داوود على وجه التحديد:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا
أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ
وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
(4:163)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ
بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (17:55)
لا شك عندنا بأن هذا موضوع هائل لا
نستطيع أن نقحم أنفسنا به الآن ما دمنا لم ننته بعد من التعرض لجوانب حياة داوود
في مراحلها المختلفة، لذا، علينا العودة قليلا إلى الوراء لجلب تفاصيل عظة لقمان
(الأب) لابنه (داوود)، قبل أن ننطلق إلى تفاصيل ما كان لداوود كخليفة في الأرض
يحكم بين الناس بالحق بما كان متوافرا بين يديه، ألا وهو الزبور.
فلنستعرض بعض أجزاء العظة التي ترد على
لسان لقمان لابنه وهو يعظه، لظننا أن فيها من التفاصيل المهمة التي قد تسعفنا
لاحقا عند الحديث عن حياة داوود كخليفة في الأرض. فما زلنا حتى الساعة مضطرين
للبحث في مراحل حياته الأولى التي نحاول استنباط كثير من أحداثها من عظة لقمان له بعد
أن كان مفقودا في الغابة البعيدة، قال تعالى:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ (31:18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ
الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (31:19)
فالمدقق في هذا السياق القرآني سيجد مرة
أخرى بأنه يبرز مفردة الناس. فهذا لقمان يقول لابنه (وَلَا
تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)،
الأمر الذي يدعونا لطرح التساؤلات حوله
-
هل يمكن أن يكون هناك تصعير للخد لغير الناس؟
-
كيف يمكن لأحد أن يصعر خده لغير الناس؟
-
هل من الضرورة أن تأتي مفردة الناس في هذا السياق؟
-
لم لم يكن النص على نحو (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ ... وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) وكفى؟
-
الخ.
تخيلات مفتراة: لمّا كان داوود قد قضى
حياته السابقة بين مخلوقات الغابة، ولمّا كان هو الخليفة الذي يحكم بينهم، طور
طريقة تواصل مع تلك الكائنات، لا تخلو من استخدام تعابير الوجه التي لا شك لها
دلالات محددة. فنحن البشر العاديين نستخدم تعابير الوجه لارسال رسائل محددة لمن
حولنا من العالمين في طريقة خطابنا معهم. لذا، كانت تعابير وجه داوود (نحن نتخيل) لا
تخلو من الغرابة بالنسبة للبشر العاديين مادام أنها قد طُوّرت هناك في الغابة. لذا
جاءت موعظة لقمان لابنه داوود هنا بأن هذه الطريقة غير ملائمة مع البشر. لذا عليه
أن لا يستخدمها مع الناس على وجه التحديد بعد اليوم. لذا، جاءت – برأينا- مفردة
الناس صريحة في النص (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ضرورة لا يمكن استقامة النص بدونها.
ولو حاولنا إعادة النظر في العظة ذاتها،
لوجدنا الأب ينهى ابنه في ذات الوقت عن المشي في الأرض مرحا:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ (31:18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ
الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (31:19)
ليكون السؤال الآن هو: كيف يكون المشي
في الأرض مرحا؟
جواب مفترى: نحن نظن أن فهم هذه
الجزئية في العظة تتطلب منا ربطها مع جزئية أخرى جاءت في ذات السياق، ألا وهي
القصد في المشي (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ). ليكون السؤال الآن هو: ما الفرق بين
المشي في الأرض مرحا والقصد في المشي؟
رأينا المفترى: مادام أن الأب قد فصل
بين المشي في الأرض مرحا من جهة والقصد في المشي من جهة أخرى، وجب علينا الظن
بأنهما أمران مختلفان لزم التنبيه للفرق بينهما، بطرح سؤالين اثنين:
-
كيف يكون المشي في الأرض مرحا؟
-
كيف يكون القصد في المشي؟
نحن نظن أن من أبجديات فهم هذين الأمر
هو تنبيه القارئ الكريم - إن شاء- إلى أن هذه العظة قد قدمها الأب لابنه وما يزال
ذلك الابن شابا يافعا، ليكون طرح التساؤلين بشكل أكثر دقة على النحو التالي:
-
كيف يمكن لغلام يافع (على مقربة من سن البلوغ مثلا) أن يمشي
في الأرض مرحا؟
-
كيف يمكن لغلام يافع أن يقصد في مشيته؟
رأينا المفترى: سأحاول الآن تقديم
إجابة مفتراة من عند نفسي للسؤال الثاني (القصد في المشي) قبل السؤال الأول (المشي
في الأرض مرحا) لظني بأن الإجابة عليه ربما تكون أكثر يسرا من سابقه.
باب القصد في المشي
لو جلبنا السياقات القرآنية الخاصة
بمفردة "قصد" ومشتقاتها، سنجد الآيات الكريمة التالية حاضرة على الفور:
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ
مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (31:19)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ
وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (16:9)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا
وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ
أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (9:42)
ولو تدبرنا مفردة المشي (في الأرض) بحد
ذاتها، لوجدناها تشير إلى الذهاب بكل الاتجاهات الممكنة:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (67:15)
وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ
يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ
فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (25:7)
لكن لو جلبنا السياق الخاص بالقصد في
المشي، لربما حق لنا ان نفتري القول بأن المشي في الأرض في أي تجاه يجب أن يكون
مقصودا، أي وجب وجود القصد (أي الغاية والهدف) عند الذهاب بأي اتجاه في الأرض، فيصبح
كل مشي في الأرض محكوما بغاية محددة بعينها. لذا، أنا أتجرأ على أن أتخيل بأن ذاك
الغلام (داوود) كان لا يقصد في مشيته عندما وجده والده، فكان (أنا ما زلت أتخيل) يذهب
في الأرض بكل اتجاه دون غاية محددة. وذاك سلوك كان ربما يبدو للناظر غير منضبط
بظروف المكان والحال، ويكأن الغلام كان يتمتع بمشيه في الأرض لكن دون هدف محدد
بعينه. ليكون السؤال الآن: لماذا؟
رأينا المفترى: لما كان هذا الفتى يعيش
في الغابة مع المخلوقات المتعددة فيها، كان يذهب معها في كل اتجاه، ليس لغاية
محددة وإنما من قبيل اللعب واللهو. فجاء طلب الوالد من ابنه أن يغير هذا السلوك مادام
أنه أصبح منخرطا في المجتمع البشري الجديد عليه، طالبا منه أن يكون مشيه في الأرض من
الآن فصاعدا مقصودا، فما عاد زمن اللهو واللعب مع تلك الكائنات الخيار الأمثل في دائرة
حياته الجديدة التي تتطلب منه الانخراط مع الناس من حوله.
تخيلات مفتراة: أنا أتخيل (ربما مخطئا)
بأن هذا الغلام كان يصاحب الكائنات الحية في طريقة مشيها في الأرض التي كانت بكل
اتجاه في تلك الغابة، فيمشي معها في الأرض لا تشغله الغاية في الانتقال من مكان
لآخر، لكن كان أكثر ما يميز انتقال تلك الكائنات (أنا مازلت أتخيل) هما عنصرا
السرعة والمفاجأة في الحركة (دون تخطيط مسبق). ولو جلبنا السياق القرآني الذي
يتحدث عن داوود لاحقا بعد أن عاش في مجتمع بشري، سنجده على النحو التالي:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ
إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (38:21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ
بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ
(38:22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ
وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (38:23) قَالَ لَقَدْ
ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا
فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (38:24)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ
(38:25)
لنطرح التساؤلات التالية: لماذا تسور
القوم المحراب عندما أرادوا أن يدخلوا على داوود هناك؟ ولماذا فزع منهم داوود؟
وكيف يمكن أن نتخيل المشهد كما حصل على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: لقد تعرضنا في واحدة من
مقالاتنا السابقة لهذا السياق القرآني، وافترينا الظن من عند أنفسنا بأن عملية
تسور المحراب من قبل الخصم كانت على شكل أن يضربوا ما يشبه السور البشري حول
المحراب الذي كان يتواجد به داوود حينئذ، كما افترينا الظن بأن القوم كلهم كانوا
خصما واحدا، وكان الخصم الآخر لهم هو داوود نفسه. فلقد كانت حاجتهم المنشودة هي
عند داوود الذي ظنوا بأنه قد بغى عليهم (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة تحت عنوان
قصة سليمان). لذا، عندما جاءوا ليطلبوا حقهم من داوود نفسه هناك، كان عليهم أن
يتسوروا المحراب حتى لا يدعوا فرجة أو فسحة لداوود أن يهرب من خلالها من المكان
كله، وذلك لأنهم لو لم يفعلوا (أي لو أنهم لم يتسوروا المحراب)، لربما استطاع
داوود (أنا أتخيل) ببعض الحركات البهلوانية في الانتقال (التي تعلمها في الغابة)
أن يفلت من قبضتهم، وذلك لأنه قد فزع من وجودهم، فالذي يفزع من خطر ما، سيحاول أن
يهرب منه قبل أن يقع في قبضة الخصم المقابل. لذا، كانت قدرة داوود على الانتقال
غريبة في طريقتها وفي هدفها. ومن هنا، جاء طلب الأب من ابنه أن يقصد في مشيته، فلا
يعود يتنقل في الأرض دون هدف محدد. فطلب منه أن يقصد في مشيته.
ولو تدبرنا مفردة القصد أكثر، لوجدنا
بأن لها علاقة أيضا بمفردة "مقتصد" التي ترد في الآيات الكريمة التالية:
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا
مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (5:66)
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ
كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ
خَتَّارٍ كَفُورٍ (31:32)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ
ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (35:32)
فالمقتصد هو - برأينا - من لا ينفق (أو
لا يفعل) أكثر مما يجب. ومن هنا جاءت مفردة الاقتصاد التي نتداولها كثيرا في يومنا
الحاضر. فهي إذًا تدبير الانفاق بطريقة سليمة لتقليل الخسائر التي لا طائلة منها.
لذا، نحن نظن بأنه عندما طلب لقمان من ابنه أن يقصد في مشيته، فهو إذًا يطلب منه
أن يكون مشيه في الأرض محكوما بضابطين اثنين على الأقل:
-
الكمية: أن لا يكثر منه، فيكون محسوبا حتى في عدده (مقتصد)
-
النوعية: أن يكون مقصودا بغاية محددة بذاتها (قاصدا)
وربما يثبت مثل هذا الظن ما جاء في الآية
الكريمة مباشرة بعد عبارة القصد في المشي، ألا وهو طلب لقمان من ابنه أن يغضض من
صوته:
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ
مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (31:19)
فلو لم يكن هناك مشكلة في صوت الابن،
لما جاء جزء من تلك الموعظة خاصا بصوته. فالغلام (نحن نرى) قد جلب معه من تلك
الغابة طريقة في الكلام لا يعرفها الناس العاديين، ألا وهي "عدم غض
الصوت". ومما لا شك فيه عندنا بأن غض الصوت هو ما يقابل رفعه كما جاء في
السياق القرآني التالي الذي يطالب المؤمنين بشئين اثنين:
-
عدم رفع أصواتهم فوق صوت النبي
-
غض الصوت عند النبي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ (49:2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (49:3)
لذا، نحن نتخيل بأن الغلام كان لا يغض
صوته، فطلب منه الأب الآن أن يغضض من صوته، فلا يرفعه عاليا كما كان معتادا على
ذلك بين مخلوات الغابة من ذي قبل. لكن لا يتوقف غض الصوت على رفعه بالكمية (volume) فقط، وإنما يتعدى أيضا إلى نوعيته. وليس
أدل على ذلك من مقارنة ذلك (عدم غض الصوت) بصوت الحمير على وجه التحديد.
وقد ذكرنا في مقالة سابقة لنا بأن الذي
يميز صوت الحمير عن بقية أصوات الكائنات الحية الأخرى هو ليس فقط مقدار أو حجم (قوة)
الصوت، وإنما أيضا نوعيته. فصوت الحمير هو الأنكر لأنه – برأينا- هو الصوت الوحيد
من بين جميع أصوات الكائنات الأخرى الذي لا يتغير مهما تغيرت الحاجة له. فالحمار
يطلق الصوت ذاته سواء كان جائعا أو كان خائفا أو كانت عنده غريزة جنسية يريد
التعبير عنها بالصوت. فهو إذًا ذات الصوت الذي لا يُعرف الغاية منه، لأنه لا يتغير
مهما تغيرت حاجة مطلقه (أي الحمار)، وذلك على غير بقية الكائنات الحية التي تتفاوت
نبرة أصواتها بتفوات الحاجة التي تريد. فقد تشعر – مثلا- أن القط مريض أو جائع أو ربما خائف من نبرة صوته،
وهكذا بقية الكائنات الأخرى (طبعا بنسب متفاوت بينها). لكن صوت الحمار من دونها
جميعا هو الأنكر (أي الذي لا يعرف غايته). لذا، عندما طلب لقمان من ابنه أن يغضض
من صوته، فقد أراد أن ينتبه لأمرين اثنين متعلقين بصوت ذاك الغلام:
-
الكمية (volume
or intensity): فلا يرفع نبرة
صوته أكثر مما يجب
-
النوعية (quality):
حتى يكون صوته مفهوما لمن حوله، فلا يكون كصوت الحمير الذي يصعب تمييز الغاية منه.
باب المشي في
الأرض مرحا
ولو تدبرنا عبارة "القصد في
المشي" أكثر، لوجدنا بأنها تختلف عن عبارة المشي في الأرض مرحا. ليكون السؤال
الآن هو: ما معنى المشي في الأرض مرحا؟ وكيف يختلف المشي في الأرض مرحا عن القصد
في المشي الذي حاولنا تقديم فهمنا المفترى له في الأسطر السابقة؟
رأينا المفترى: لمّا كانت هذه جزء من
العظة ذاتها، وتلك جزء آخر منها، أصبح لزاما أن نحاول التفريق بينهما. لذا، علينا
أن نحاول الآن البحث عن معنى المشي في الأرض مرحا حتى نستطيع أن نفرق بينها من جهة
وبين القصد في المشي من جهة أخرى. وهنا نستحضر السياقات القرآنية التي وردت فيها
عبارة "المشي في الأرض مرحا"، لنجدها حاضرة في الآيات الكريمة التالية:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ (31:18)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا
ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (17:37)
ففي حين أن الأولى قد جاءت في سياق
موعظة لقمان لابنه، جاءت الأخرى في سياق الحديث عن الحكمة التي تعرضنا لها في
الجزء السابق من هذه المقالة. فالمدقق في الآية الأولى سيجد بأن المشي في الأرض
مرحا أمر غير محمود لأن الله لا يحب كل مختال فخور، ليكون الاستنباط على النحو
التالي:
افتراء: من يمشي في الأرض مرحا سيكون
مختالا فخورا
لكن لو تدبرنا الآية الكريمة الثانية،
سنصل الاستنباط المفترى التالي: من يمشي في الأرض مرحا، ربما يكون كمن يحاول أن
يخرق الأرض أو أن يبلغ الجبال طولا.
نتيجة مفتراة: مادام أن لقمان يعظ ابنه
ألا يمشي في الأرض مرحا، فهو ينهاه صراحة أن يكون مختالا فخورا، ويرشده ضمنيا إلى
أنه مهما مشى في الأرض مرحا، فلن يستطيع أن يخرق الأرض ولن يستطيع أن يبلغ الجبال
طولا. ولو عدنا إلى قصة داوود بكل تفاصيلها في كتاب الله، لوجدنا السياق القرآني
التالي:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا
فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
(34:10)
الذي سيجلب معه حزمة كبيرة جدا من
التساؤلات، نذكر منها:
-
ما علاقة الجبال بـ داوود؟
-
ما قصة داوود مع الجبال؟
-
كيف كانت الجبال تؤوب مع داوود؟
-
لماذا كانت الجبال تئوّب مع داوود على وجه التحديد؟
-
لماذا لم تكن تئوب مع ولده سليمان مثلا؟
-
لماذا لم تكن تئوب مع والده هذا الذي كان يسدي له العظة؟
-
لماذا لا تئوب مع أحد غير داوود؟
-
الخ.
ربما لا نستطيع الإجابة على كل هذه
التساؤلات الآن، وسنحاول أن نتعرض لها لاحقا إن شاء الله عندما يأذن الله لنا بشيء
من علمه فيها (فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن
يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو العليم الحكيم). لكننا سنحاول التعرض لمفردة الجبال
في سياق عظة لقمان لابنه فقط، طارحين التساؤلات التالية:
-
ما علاقة المشي في الأرض مرحا بخرق الأرض أو بلوغ الجبال
طولا؟
-
لماذا جاءت فكرة استحالة خرق الأرض أو بلوغ الجبال طولا في
سياق الحديث عمن يمشي في الأرض مرحا؟
-
كيف يمكن أن تخرق الأرض (لو أن ذلك ممكنا)؟
-
ما أهمية بلوغ الجبال طولا (لو أن ذلك ممكنا)؟
لتكون أول النتائج المفتراة من عند
أنفسنا هي:
-
من الاستحالة بمكان أن تخرق الأرض
-
من الاستحالة بمكان بلوغ الجبال طولا
-
الذي يمشي في الأرض مرحا هو الذي يكون مختالا فخورا.
لنبدأ بهذه القضايا الواحدة تلو الأخرى
واضعين نصب أعين علاقة كل هذا بعظة لقمان لابنه، ليكون السؤال الأول هو: ما معنى
أن تخرق الأرض؟ ويكون السؤال الثاني هو: ما معنى أن تبلغ الجبال طولا؟
باب خرق الأرض
لو بحثنا عن مفردة "خرق"
ومشتقاتها في النص القرآني على مساحته، سنجدها حاضرة في قوله تعالى:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ
الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (6:100)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا
ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (17:37)
فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا
فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ
جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (18:71)
لنجد بأن مفردة
"خرق" ومشتقاتها تتمثل (نحن نرى) في أن تجعل في الشي ثقبا لاحداث عيب (خلل)
فيه، فيصبح معطلا. فهذا صاحب موسى يُحدِث في السفينة خرقا (فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا
فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا)، وكان
السبب من إحداث ذلك الخرق في تلك السفينة على وجه التحديد هو أن يعيبها (يحدث فيها
عطلا) ليعطلها عن الحركة، فما تكون - بسبب ذلك الخرق- قادرة على مقارعة ماء البحر،
وذلك لأنها لو أبحرت فيه وهي مخروقة، لربما أغرقها ماء البحر، فكان تبرير الرجل
لما فعل لاحقا لموسى على النحو التالي:
أَمَّا السَّفِينَةُ
فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (18:79)
فقد أسدى صاحب موسى معروفا
لؤلئك المساكين عندما خرق سفينتهم، فما
عادت صالحة للابحار، وبالتالي لم تمتد إليها يد ذلك الملك الذي كان يأخذ كل سفينة
غصبا. أليس كذلك؟
ولو جلبنا الآية الكريمة
الأخرى الخاصة بخرق البنين والبنات لله:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ
الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (6:100)
سنجد بأن الكافرين المعاندين
المتخذين مع الله إلها آخر، يحاولون إحداث فجوة في عقيدة الوحدانية التي لم يستطيعوا
تشويهها في أذهان اتباعهم إلا بهذه الطريقة الشيطانية. فهم لا ينكرون وجود الإله بذاته،
لكنهم يحاولون تعطيل عقيدة الوحدانية (المتمثلة بأن لا إله غيره) بخرق البنين
والبنات له. أليس كذلك؟
السؤال: ماذا لو تم خرق الأرض
مثلا؟
جواب مفترى: نحن نعتقد ابتداء
بأنه من الاستحالة بمكان أن تخرق الأرض، لكن دعنا نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو
أن ذلك كان ممكنا. فنحن نظن بأنه لو فعلا استطاع أحد أن يخرق الأرض، لأحدث فيها
ثقبا، فيكون بذلك قد أعابها، فعطل حركتها، كتعطيل السفينة التي خرقها صاحب موسى،
ولجعل الأرض كلها تغرق في بحر الظلمات (وسنتحدث عن تفاصيل ذلك لاحقا متى ما أذن
الله لنا بشيء من علمه فيها).
السؤال: ما علاقة ذلك بعظة
لقمان عندما نصح ابنه بأن لا يمشي في الأرض مرحا؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن
لقمان كان يرشد ابنه هذا – القادم إليه من بيئة طبيعية- بأنه مهما مشى في الأرض
مرحا، فلن يصل إلى أن يخرقها. ويكأنه يقول له (نحن نتخيل) لا تغتر بما لديك من
قدرات فائقة لا يملكها من هم حولك من الناس الآن، لأن تلك القدرات تبقى (مهما
عظمت) محدودة مادام أنه من الاستحالة بمكان أن تخرق الأرض. فأنت لا تستطيع أن تغرق
الأرض في هذا الكون الفسيح.
ولو انتقلنا إلى فكرة استحالة
بلوغ الجبال طولا، لوجدنا الآية الكريمة التالية:
وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (27:88)
التي ترشدنا إلى أن الجبال هي
الكينونة التي تحرك الأرض كلها. وقد افترينا القول في مقالات سابقة لنا بأن الجبال
هي "بطاريات الطاقة" التي تجعل الأرض تتحرك، فالجبال هي التي تمر مر
السحاب، فتجعل الأرض لا تتوقف عن المضي قدما في فلكها:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
(21:33)
لذا، نحن نعتقد (ربما مخطئين)
بأنه لولا حركة الجبال التي تمر مر السحاب لما تعاقب الليل والنهار. وذلك لأن حركة
الجبال هي التي تجعل النهار يجلي الشمس وهي التي تجعل الليل يغشاها:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
(91:1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (91:2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (91:3)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (91:4)
فالليل موجود بذاته، والنهار
موجود بذاته (ككينونات منفصلة ومستقلة)، وحركة الجبال (نحن نظن) هي التي تجعل
النهار يجلي الشمس (أي يظهرها)، وهي التي تجعل الليل يغشاها (أي يجعل على الشمس
غشاوة). (وسنتعرض لهذه التفاصيل لاحقا بإذن الله)
إن ما يهمنا طرحه هنا هو أن
خرق الأرض يؤدي إلى إحداث عيب فيها يكون سببا في إغراقها في بحر الظلمات، وأن
التطاول فوق الجبال سيؤدي إلى التحكم بحركتها. فمنطقنا المفترى من عند أنفسنا يقول
بأنه من أراد أن يغرق الأرض، فيوقفها، عليه أن يخرقها (كما فعل صاحب موسى بسفينة
المساكين)، ومن أراد أن يغير (أو أن يتحكم بـ) حركة مسير الأرض الذي تتوكل به
الجبال، فعليه أن يتجاوز طوله طول الجبال.
السؤال: لماذا قال لقمان
لابنه وهو يعظه بأن لا يمشي في الأرض مرحا؟
جواب مفترى: نحن نظن بأن
لقمان يريد أن يجلب انتباه ابنه إلى أمرين اثنين:
-
صراحة: لئلا يكون مختالا فخورا
-
ضمنيا: أن قدراته مهما عظمت ستبقى
محدودة، فهو لن يستطيع أن يخرق الأرض، ولن يستطيع أن يبلغ الجبال طولا.
السؤال: كيف كان الابن يمشي
في الأرض مرحا؟
جواب مفترى: لو بحثنا في النص
القرآني عن مفردة المرح، لوجدنا لزاما علينا أن نفرق بين المرح من جهة والفرح من
جهة أخرى، وذلك لأن المفردتين اجتمعتا في آية واحدة في قوله تعالى:
ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ
(40:75)
السؤال: ما هو المرح؟ وكيف
يختلف عن الفرح؟
جواب مفترى: عند محاولتنا
الإجابة على هذا التساؤل، علينا أن لا ننسى بأن الذي يمشي في الأرض مرحا، هو من
كان مختالا فخورا وهو كمن يحاول أن يخرق الارض أو يحاول أن يبلغ الجبال طولا، كما
حاولنا تبيان ذلك في الأسطر القليلة السابقة، لكن يبقى السؤال قائما: كيف يمكن أن
نتخيل (أو أن نتصور مشهد) من كان يمشي في الأرض مرحا، فيدو مختالا فخورا ويكأنه
يحاول أن يخرق الأرض أو أن يبلغ الجبال طولا؟
رأينا المفترى: إنه من تُعد
له المواكب العظيمة. انتهى.
الدليل
لو تدبرنا الآية الكريمة
التالية، لوجب علينا التفريق بين الفرح من جهة والمرح من جهة أخرى. قال تعالى:
ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ
فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (40:75)
وقد تعرضنا في واحدة من
مقالاتنا السابقة (قصة يونس الجزء الأربعون) لمعنى الفرح، فظننا أن الفرح في
الدنيا مذموما كما جاء في قوله تعالى:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ
قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ
مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ
لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (28:76)
بينما الفرح في الآخرة محمودا
كما جاء في قوله تعالى:
وَلَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (3:169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (3:170)
وظننا أن السبب في ذلك هو أن
الفرح ينطوي على اغترار الشخص بما لديه، كما في قوله تعالى:
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (30:32)
فالفرح في الدنيا سلوك غير
محمود لأنه مهما أوتيت من شيء، فلا يمكن أن تكون على يقين بأنه هو نهاية المطاف:
ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ
(40:75)
لكن أكثر ما يهمنا طرحه هنا
هو أن الفرح تكون نتيجته الاختيال والفخر:
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ
مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ (57:23)
(للتفصيل انظر مقالتنا
السابقة)
وكذلك هي نتيجة المشي في
الارض مرحا:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ
لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ (31:18)
السؤال: كيف تكون نتيجة المشي
في الأرض مرحا كنتيجة الفرح على نحو أن يكون الشخص مختالا فخورا؟
جواب مفترى: لو عدنا إلى قصة
قارون لوجدنا أنه كان من الفرحين، وكان ذلك بسبب زينته التي كان يخرج بها على
قومه:
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ
فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ
لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (28:79)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ
قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ
مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ
لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (28:76)
نتيجة مفتراة: كان سبب فرح
قارون هو المال (ما عنده من الكنوز)، لكن يبقى السؤال الآن: هل المال هو فقط ما
يجعل الإنسان فرحا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن
الذي يجعل الإنسان مختالا فخورا أيضا هي المكانة الاجتماعية. فلو راقبنا سلوك بعض
أهل السياسة، أصحاب المكانة الاجتماعية العالية في المجتمع، لوجدنا أن عملية
انتقالهم في الأرض (أي مشيهم في الأرض)، تتميز بعظم "المواكب" المرافقة
لهم، فيكون حجم الموكب مناسبا لدرجة صاحبه الاجتماعية ومكانته في المجتمع. فموكب
الملك – لا شك- أكبر حجما وأعظم هيبة من موكب رئيس وزرائه الذي (لا محالة) يختلف
عن موكب أحد وزرائه، وهكذا.
السؤال: ما علاقة هذا كله
بعظة لقمان لابنه بأن لا يمشي في الأرض مرحا؟
تخيلات مفتراة من عند نفسي:
لمّا كان هذا الفتى قادما من الغابة، كان موكبه بين الناس يتصف بالغرابة والعظمة في
آن واحد في أعين التاظرين. فقد كانت كائنات الغابة (نحن ما زلنا نستخدم الخيال) ترافقه
في تنقله على الأرض، الأمر الذي كان يبدو للناظر من بعيد بأن الغلام يبدو ويكأنه
مختالا فخورا. لذا، جاء تنبيه الأب لابنه بأن هذه الطريقة في التنقل بين الناس غير
محمودة. فما دام أن داوود قد أصبح يعيش بين الناس، فيجب أن تكون عملية الوصول إليه
من قبلهم سهلة ميسرة.
السؤال: كيف كان داوود خليفة
في الأرض؟ وكيف يمكن أن نستفيد من قصة خلافة آدم لتجلية بعض تفاصيل قصة داوود،
والعكس صحيح؟ من يدري؟!
المدّكرون: رشيد سليم الجراح
بقلم: د. رشيد الجراح
ناريخ النشر: