من هو "هو"؟ الجزء 2
من هو "هو"؟ الجزء الثاني
باب الماء - الهيدروجين والاكسجين (HO)
لو دققنا في الآيات الكريمة الخاصة بالماء، لوجدنا بأن الماء هو سبب انبات الجنات وهو في الوقت ذاته سبب إنشاء الجنات، قال تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
فالماء إذا له وظيفتين اثنتين: الانشاء والانبات. والإنشاء (نحن نفتري الظن) هو عمل الروابط الأفقية بين مكونات المادة بعد أن تنفلق، والمكون الأساسي في هذا الإنشاء هو عنصر الهيدروجين (H). للتفصيل انظر الجزء الثالث من سلسلة مقالاتنا تحت عنوان نظرية النشوء على الرابط التالي:
https://www.dr-rasheed.com/2019/01/blog-post_19.html
فالماء إذا له وظيفتين اثنتين: الانشاء والانبات. والإنشاء (نحن نفتري الظن) هو عمل الروابط الأفقية بين مكونات المادة بعد أن تنفلق، والمكون الأساسي في هذا الإنشاء هو عنصر الهيدروجين (H). للتفصيل انظر الجزء الثالث من سلسلة مقالاتنا تحت عنوان نظرية النشوء على الرابط التالي:
https://www.dr-rasheed.com/2019/01/blog-post_19.html
ولو ذهبنا إلى رسم الصوت في اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، لوجدناه يرسم بطريقتين كما في الشكل التوضيحي التالي:
وكلاهما يعبر (نحن نرى ربما مخطئين) عن عملية إنشاء وربط، يمثلان معا الإحاطة واللانهاية. فالأولى عبارة عن بيت أو مأوى (shelter) بينما الثانية هي عبارة عما يشبه لفة السلك الذي ينقل الإضاءة أو الطاقة (wick). أي هي مصدر الطاقة. وهذا يقودنا إلى تقديم افتراء خطير جدا يخص رسم هذه الأصوات، ويتمثل الافتراء بالظن بأن كل أمة من الأمم قد رسمت الصوت (كشكل) بالطريقة التي تعبر عما فهمته تلك الأمة من المعاني الحقيقية لهذا الصوت. فهذا الصوت (وهو صوت الهاء (H)) هو الصوت الأول في الوجود، وهو المسئول – برأينا- عن الإنشاء كمصدر الحياة، وهو كذلك الإحاطة والمراقبة، وهو – بالتالي- أصل كل شيء، ونستطيع افتراء القول بأن هذه المعاني موجودة كذلك في رسم الصوت في العبرية القديمة كما في الشكل التوضيحي التالي:
وهي ترسم بالأشكال التالية:
فهو الصوت الذي يعبر عن الإلهام وبدء الخلق والتنفس والإحاطة، وهو الصوت الخامس في الترتيب في الأصوات العبرية، ويرسم في العبرية القديمة على شكل من يرفع يديه إلى السماء داعيا قوة عظيمة – انظر شكل رسم الصوت الخامس في الأصوات العربية القديمة كما في الشكل التوضيحي التالي:
ونحن نفتري الظن (وقد سبقنا إلى ذلك كثيرون من أهل الاختصاص في هذا المجال) أن ترتيبه خامسا في جدول الأصوات العبرية قد جاء ليعبر عن أصابع اليد الخمسة والحواس الخمسة، ونحوها.
إن ما يهمنا طرحه هنا هو أن كل أمة من الأمم قد عمدت إلى تصوير جانب (أو ربما جوانب) من المعاني لهذا الصوت، فعكست ذلك الجانب (أو تلك الجوانب) في شكل الصوت عندما رسمته على الجدار، لتخلد هذا المعنى في ذاكرتها الأبدية.
إن ما يهمنا طرحه هنا هو أن كل أمة من الأمم قد عمدت إلى تصوير جانب (أو ربما جوانب) من المعاني لهذا الصوت، فعكست ذلك الجانب (أو تلك الجوانب) في شكل الصوت عندما رسمته على الجدار، لتخلد هذا المعنى في ذاكرتها الأبدية.
والملفت للانتباه أن الحضارة المادية الأولى (secular civilization) وهي الحضارة الإغريقية هي الأمة الأولى التي رفضت الموروث الديني كله وبدأت رحلة التحريف. فكانت هي الحضارة التي تفتقد لغتها لهذا الصوت، فلا وجود لصوت (الهاء) في مجموعة أصوات اللغة الإغريقية إلا اللهم كحركة ثانوية لا تكتب على السطر مع بقية الأصوات الرئيسية الأخرى، وسنرى لاحقا - بإذن الله- أن أكبر من حرف البشرية عن جادة الصواب هي تلك الحضارة الإغريقية ممثلة بمنظريها الكبار من أمثال أفلاطون وأرسطو وتلاميذهم. فهم من اخترعوا الحرف بدلا من الصوت، وهم من بدأوا رحلة التحريف في البحث عن الحقيقة، فقادوا البشرية في طريق الشيطان بعيدا عن مصدر النور الحقيقي (هو).
لكن ما نحاول جاهدين الوصول إليه هو حقيقة هذا الصوت منذ الأزل، ولعل أكبر الإشارات الدالة على أهمية هذا الصوت على وجه التحديد هو دخوله في مكونات اللغة الأساسية بشكل واضح جدا، فكان علامة مميزة فيما نسميه جدلا تقعيد اللغة (أو Grammaticalization باللسان الأعجمي). واحد هذه الشواهد الظاهرة للعيان على الحضور الفاعل لهذا الصوت في عملية التقعيد هو عملية التذكير والتأنيث، فاللغة العربية ومثلها العبرية – مثلا- تميز بين اللفظ المؤنث والمذكر بوجود أو عدم وجود الهاء كمقطع صوتي في نهاية المفردة.
واللغة العبرية نفسها تستخدم هذا الصوت أيضا في التعريف والتنكير، فالاسم معرّف مادام صوت الهاء قد أضيف في بداية الكلمة. فمفردة ملك – مثلا- هي نكرة (بمفردات اللغويين) في العبرية، لكنها تصبح معرفه إذا ما أدخل صوت الهاء على أولها لتصبح معرفة (مثل همّلك).
السؤال: لماذا؟ أي لماذا استخدم هذا الصوت على وجه التحديد في عملية الفصل بين المذكر والمؤنث في بعض اللغات كالعربية والعبرية أو في عملية التعريف في بعض اللغات كالعبرية؟
باب المذكر والمؤنث في القواعد
إن أول ما يمكن بدء النقاش فيه في هذا الجانب هو فهم آلية التذكير والتأنيث على حقيقتها، ومن ثم محاولة ربط ذلك باستخدام صوت الهاء على وجه التحديد. ونحن نتجرأ على تقديم الافتراء البسيط لكن الخطير جدا جدا في هذا المقام وهو أن الفرق بين المذكر والمؤنث هو الزيادة أو النقص. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: نحن قد لا نختلف إن قلنا بأن تأنيث الاسم (أو صفته) يتطلب زيادة صوت الهاء فيه (جميل = جميلة)، أما تذكير الاسم (أو صفته) فيتطلب حذف الهاء منه (جميلة = جميل). وهذا ما يسميه النحويون بالتأنيث اللفظي، أي وجود المقطع الصوتي الخاص بالتأنيث في نهاية المفردة. السؤال: ما معنى ذلك؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا المنطق تنطوي عليه الافتراءات البسيطة والمهمة – برأينا- التالية:
1. التذكير فيه نقص في اللفظ يقابله نقص في المعنى
2. التأنيث فيه زيادة في اللفظ تقابله زيادة في المعنى
3. النقص يعني اختفاء صوت الهاء والزيادة تعني وجود صوت الهاء. انتهى.
السؤال: لماذا اختفت الهاء من المذكر وظلت موجودة في المؤنث؟
نحن هنا أما سيناريوهين اثنين، وهما:
- أن الأصل هو المؤنث (وجود الهاء)، والتذكير هو طارئ حذفت منه هذه الهاء
- أن الأصل هو التذكير (عدم وجود الهاء)، والتأنيث هو طارئ زيدت عليه هذه الهاء
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن لهذا علاقة بقصة الخلق الأولى. مفترين القول من عند أنفسنا أن التذكير (ككينونة) له علاقة بالتذكر (كفعل). وأن الذَّكر هو المطالب بالتذكّر لأنه كان قد نسي، فالخطاب القرآني يبين بما لا يدع مجالا للجدل بأن آدم هو الذي نسي:
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
ولو راقبنا عبارات مثل "أفلا تذكرون" و "لعلكم تذكرون"، لوجدناها موجهة مباشرة للذكر (كالناس والقوم والذين آمنوا، الخ):
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30)
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: الذَكر هو المطالب بالتذكّر لأنه هو الذي نسي. انتهى.
لهذا نحن نتجرأ على افتراء الظن بأن الأنثى لم تنسى، لذا لم تطالب – نحن نفتري القول من عند أنفسنا- بأن تتذكر، مما يعني - بمنطقنا المفترى هذا- أن الأصل هو التأنيث (أي وجود الهاء)، وأن الحدث الذي طرأ هو النسيان من قبل الذكر، فسقطت الهاء من المفردات الخاصة به.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الله قد خلق آدم، ونفخ فيه من روحه، وهذا النفخ – برأينا- هو ذلك الصوت الأول (الهاء). فدبت الحياة فيه بتلك الروح التي نفخت فيه مباشرة من ربه، فكان ذلك الصوت (الهاء) هو الذي يقيم الحياة في آدم. وما أن خلق الله آدم وسواه ونفخ فيه من روحه حتى جاء خلق زوجه من تلك النفس الأولى، فكانت الحياة سارية بذلك الزوج بتلك الروح أيضا. فكان كلا الزوجين يحييان بروح الله (الهاء). لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟
رأينا المفترى: ما أن أُسكنا في الجنة كزوجين يحييان بروح الله (الهاء) حتى بدأت وسوسة الشيطان لهما، لكن الذي حصل على أرض الواقع هو أن آدم قد تقبل نصيحة الشيطان، وهو الذي عصى ربه، وهو الذي غوى، وهو الذي تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، الخ. لكن – بالمقابل- لم ترضخ زوج آدم لوسوسة الشيطان كما فعل زوجها. فماذا كانت النتيجة؟
جواب مفترى خطير جدا: في حين أن آدم قد خسر شيئا بسبب قبوله لوسوسة الشيطان ونزوله عند نصيحته، لم تكن زوج آدم قد خسرت مثل ذلك، وبكلمات أخرى أكثر وضوحا نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن آدم قد فقد شيئا من الصلة بربه، لكن – بالمقابل- لم تخسر زوج آدم مثل ما خسر زوجها، فبقيت صلتها بربها أكثر ثباتا وقوة. وقد انعكس ذلك في الكلمات الدالة عليهما، ففي حين أن الهاء (جزء من الروح) لم تسقط عن زوج آدم، سقطت تلك الهاء عن آدم نفسه. لقد خسر آدم تلك الصلة، فكانت المفردات الذكورية الدالة عليه خالية من ذلك الصوت (أي الهاء). ولو دققنا في المفردات الأولى الدالية عليهما، لوجدنا أن كلاهما كان زوجا. فآدم زوج، وزوجه هي زوج أيضا. ومفردة الزوج لا تعني التذكير ولا التأنيث، فكلاهما قد طُلب منهما السكن في الجنة على تلك الشاكلة (كزوج):
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
السؤال: لكن ما الذي حصل بعد ذلك (أي بعد أن كان آدم زوج وزوجه زوج كذلك)؟
رأينا المفترى: عندما تقبل آدم نصيحة الشيطان، بقيت زوج آدم زوجا، وخسر آدم شيئا، فما عاد على الشاكلة ذاتها قبل المعصية. السؤال: ما الذي فقده آدم؟
رأينا المفترى: لقد خسر آدم شيئا من الصلة بخالقه، فانعكس ذلك في المفردات الدّالة عليه بخسارته لذلك الصوت (الهاء)، فما عادت تلك الروح التي نفخها الله في آدم سارية فيه كما كانت عند النفخ. لقد خسر آدم شيئا من تلك النفخة الأولى فما عاد قادرا على ذلك إبقاء الصلة بربه كما كانت قبل معصيته، وبكلمات أكثر وضوحا نقول: لم يعد آدم قادرا على احداث النفخ، أي نقل تلك النفخة إلى غيره.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل، لابد لنا من إعادة ربط خيوط قصة الخلق الأول من جديد للخروج بتصورات مفتراة - من عند أنفسنا- قد تساعدنا على النظر للقصة ذاتها من زاوية جديدة تماما. لذا، نطلب من القارئ الكريم – إن شاء- أن يمنحنا الوقت الكافي لتمرير الفكرة قبل أن يحكم عليها مسبقا بناء عما وصله من عند الأقدمين. وإن هو وجد أن طرحنا هذا لا يعدو أكثر من محض هراء وخيال زائف، فله أن يضرب به عرض الحائط، وليرجع إلى الوراء عشرات الخطوات قبل أن يتقدم خطوة واحدة معنا إلى الأمام.
أما بعد،
كان القرار الإلهي الأول أن يكون آدم خليفة (انظر تاء التأنيث في كلمة خليفة)، فقد كان آدم خليفة (بصيغة التأنيث) بسبب – نحن نرى- تلك النفخة التي أودعها الله في ذلك المخلوق من روحه. فآدم إذا هو خليفة (بصيغة التأنيث) مادام أن تلك النفخة (وهي صوت الهاء) قد دخلت فيه مباشرة من ربه. وسيخسر آدم تلك الخلافة إن هو لم ينزل عند الإرادة الإلهية له بذلك. وبالفعل استطاع الشيطان أن يقلب الأمور رأسا على عقب، وذلك بأن تخلى آدم عن الخلافة في سبيل الملك:
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
رأينا المفترى: لو لم ينزل آدم عند نصيحة الشيطان له، لما خسر الخلافة، ليكون السؤال الآن هو: ما الذي خسره آدم عندما نزل عند نصيحة الشيطان تاركا الإرادة الإلهية له بالخلافة إلى غير رجعة؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن بأن الفرق بين الخلافة من جهة (الإرادة الإلهية) والملك (إرادة الشيطان) يكمن في طريقة التكاثر. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: ربما نستطيع التدليل على افترائنا هذا بطرح تساؤل آخر مهم جدا ألا وهو: لو لم ينزل آدم عند نصيحة الشيطان، كيف كان التكاثر في الجنة سيتم حينئذ؟ هل لو لم ينزل آدم عند نصيحة الشيطان كنا نحن (بني آدم) لن نأت إلى الحياة؟ هل كان آدم وزوجه سيمكثان في الجنة لوحدهما معا إلى الأبد؟ ألم يكن من الممكن أن نأتي نحن كذرية لهما؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن وجودنا كذرية لآدم وزوجه ستتحصل سواء نزل آدم عند نصيحة الشيطان أو لم ينزل، لكن الفرق في الحالتين سيكون بطريقة التكاثر وليس بحصوله أو عدمه. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأنه لو لم ينزل آدم عند نصيحة الشيطان لاستمرت الخلافة، ولكان التكاثر البشري سيتم بطريقة النفخ. لكن لمّا نزل آدم عند نصيحة الشيطان خسر آدم القدرة على النفخ، لكنه أصبح قادرا على الجماع، فكان الملك، وكانت الذرية وراثة ملكية بعد كان من المفترض أن تكون خلافة لا وراثة فيها. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما أسكن الله آدم وزوجه في الجنة، كان من المفترض أن يقوم آدم بما فيه من تلك الروح (الهاء) بالنفخ في زوجه، فتتحصل لهما الذرية، فلا تكون وراثة بالأنساب. فآدم لن يكون حينئذ والدا، وذريته لن تكون مولودة له. فتبقى الصلة بين آدم وتلك الذرية - كما هي في الجنة الحقيقية- لا أنساب بينهم ولا يتساءلون:
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ (101)
ولا يحتاج آدم أن يتحمل مسئولية ذريته لأنه ببساطة ليس والدا وإن كان أبا. للتفصيل حول الفرق بين الأبوين والوالدين انظر الجزء الخامس عشر من سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة يوسف على الرابط التالي:
السؤال: وكيف سيتم النفخ حينئذ؟
رأينا المفترى: من أجل فهم آلية النفخ التي كان من المفترض أن يقوم بها آدم كخليفه، ما علينا إلا أن نتصور طريقة ولادة المسيح عيسى بن مريم. فالمسيح هو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم وهو كذلك روح منه، فكان المسيح كن فيكون.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)
وجل ما حصل أن روح الله قد تمثل لمريم بشرا سويا، فنفخ في فرجها، فتشكلت تلك الكلمة في بطن مريم الطاهر، فخرج المسيح ينطق، فشهد على الفور بأنه عبد الله:
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
للتفصيل حول هذه الجزئية انظر مقالتنا تحت عنوان كيف تم خلق المسيح عيسى بن مريم على الرابط التالي:
ونحن نتجرأ على القول بأنه لو لم يخسر آدم الخلافة، لكان قادرا على النفخ في فرج زوجه، ولكانت الذرية (كل الذرية) ستتحصل بتلك الآلية ذاتها. لكن لما خسر آدم القدرة على النفخ، تحولت الذرية (نحن نظن) من الطريقة السهلة المباشرة التي لا تسبب الشقاء إلى الطريقة الأخرى، وهي الملك الذي لا يبلى، فأصبحت تناسلية (أي بالأعضاء التناسلية).
السؤال: كيف خسر آدم القدرة على النفخ بعد قبوله نصيحة الشيطان؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن آدم قد أصبح غير قادر على النفخ بعد نزوله عند نصيحة الشيطان، وذلك لأنه قد خسر الصلة بربه، لأنه أضاع شيئا من تلك الروح التي نفخها الله فيه يوم أن خلقه.
السؤال: وكيف ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما اتخذ الله قراره بأن يجعل آدم خليفة، أودع عنده شيئين اثنين يثبتان خلافته في الأرض، الأمر الذي يجعل الجن (بمن فيهم الملائكة) رهن إشارة منه. فتتجلى سيطرة آدم عليهم جميعا بأسهل وأبسط طريقة ممكنة.
السؤال: ما هما هذان الشيئان اللذان أودعهما الله مع آدم (أي عهدهما عنده) ليقوم بدور الخلافة على أكمل وجه وأحسن حال؟
جواب مفترى خطير جدا جدا (لا تصدقوه إن شئتم): إنهما العصا واللباس (لقميص). انتهى.
السؤال: لماذا العصا واللباس؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما جعل الله آدم خليفة في الأرض، كان لابد لآدم أن يثبت خلافته تلك على الخلق السابق، ألا وهو الجن (بمن فيهم الملائكة)، فكان لابد أن يسجدوا له، أي يأتمروا بأمره وينتهوا بنهيه، فكانت العصا – نحن نفتري الظن- هي بمثابة ما يوطّن خلافته، فلا تستطيع الجن (بمن فيهم الملائكة) أن يزيغوا عن أمره لأنهم لو فعلوا ذلك، لكان بمقدور آدم أن يذيقهم بتلك العصا من عذاب السعير (بالضبط كما كان يفعل سليمان بالجن بسبب المنسأة التي في يده وهي بقية تلك العصا – للتفصيل انظر سلسلة مقالتنا تحت عنوان ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته على الرابط التالي:
لكن يبقى التساؤل الغريب التالي مطروحا: هل كان استخدام تلك العصا لتلك الغاية فقط؟ أي هل كانت العصا مصممة فقط لتسخير الجن لآدم؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنه بالإضافة إلى تلك الوظيفة الجليلة (وهي تسخير الجن لآدم) كان للعصا وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن وظيفتها الأولى السابقة، ألا وهي أن يهش بها على غنمه. انتهى.
السؤال: ما معنى أن يهش آدم بالعصا على غنمه؟
رأينا المفترى: لقد حاولنا تفصيل استخدامات تلك العصا في قصة موسى خاصة عندما كلّم الله موسى في الواد المقدس كما وردت في الآيات الكريمة التالية:
السؤال الإلهي: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
جواب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
وقد افترينا الظن حينئذ أن موسى قد استخدم تلك العصا لكي يسكت ما يثور من غنمه، أي كانت تهدي الغنم عندما تثور. والغنم – برأينا – هي الحيوانات المنوية التي عندما تثور يجد الإنسان نفسه بحاجة أن يخرجها بالعملية الجنسية (بغض النظر عن طريقتها) – للتفصيل انظر مرة أخرى مقالتنا تحت عنوان ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب الغنم على الرابط التالي:
تلخيص ما سبق: عندما قرر الإله أن يجعل آدم خليفة أودع عنده تلك العصا التي تقوم – برأينا - بوظيفتين اثنتين، وهما:
- السيطرة على الجن، فلا يزيغوا عن أمره (كما فعل سليمان ببقية العصا – المنسأة)
- أن يهش بها على غنمه، فلا تثور، فيحتاج (إن هي ثارت) إلى القيام بالعملية الجنسية (كما كان يفعل موسى بالعصا فيهش بها على غنمه)
فآدم بالجنة يمتلك (نحن نرى) الأداة التي تمكنه من السيطرة على قوتين كبيرتين تنازعانه، وهما:
- طاقة خارجية ممثلة بالجن (الحكم)
- طاقة داخلية ممثلة بالغنم (الرغبة الجنسية)
والعصا هي – برأينا- ضمانة السيطرة على (وبالتالي التحكم بـ) تلك القوتين (أو لنقل الخطرين)، الخطر الخارجي والخطر الداخلي اللذان ينازعانه على الدوام. وهذا الخيال (ربما الخال من المنطق العادي) يحمل في ثناياه الظن بأن آدم يستطيع التحكم بهاتين القوتين اللتين تنازعانه على الدوام مادام يحمل تلك العصا بيده، وبالمقابل فهو - لا محالة- سيخسر السيطرة عليهما إن هو ألقى تلك العصا جانبا وتخلى عنها إلى الأبد.
السؤال: ماذا كانت خطة الشيطان؟
رأينا المفترى: لقد كانت خطة الشيطان تنطوي على الأقل على أمرين اثنين، وهما:
- أن يخرج الجميع من تحت سيطرة آدم، فلا يعد آدم يملك ما يمكّنه من السيطرة على الجن
- أن يثير غنم آدم، فلا يعد آدم يملك ما يهش به عليها، فيقع آدم حينئذ فريسة سهلة لرغبته الجنسية العارمة، فيحتاج أن يفرغها بالطريقة الجنسية
السؤال: كيف سينفذ الشيطان خطته تلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن الطريقة الوحيدة لذلك - كما يعلمها الشيطان- تتمثل (نحن نتخيل) أن يجعل آدم يتخلى عن تلك العصا التي بيمينه. انتهى.
السؤال: وكيف سيقتنع آدم بذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن آدم لن يقتنع ذلك إلا بالبرهان العملي.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: بالتجربة
السؤال: وكيف ذلك؟ لم أفهم. يقول صاحبنا ربما مستغربا ولكن - لا شك- مستعجلا الإجابة.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما أسكن الله آدم مع زوجه كخليفة عهد عنده تلك العصا، لتكون أداة الحماية له من خطر الجن ومن خطر غنمه، وجاء الأمر الإلهي لآدم وزوجه السكن في الجنة والأكل منها حيث شاءا رغدا. وبالفعل – نحن نفتري القول- أكل آدم وزوجه من الجنة حيث شاءا، لكن كان عليهما القيام بالمهمة الأخرى وهي التكاثر، أي التزاوج لإنتاج الذرية، فكيف كانا سيقومان بهذه المهمة حينئذ؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل (ربما مخطئين) بأنه كان على آدم وزوجه أن يقوما بالمهمة على النحو التالي: أن ينفخ آدم في فرج زوجه، فيتم الحمل والوضع بأقل جهد ممكن وبأفضل طريقة منشودة، فلا يسبب ذلك العناء والتعب لزوج آدم ولا الشقاء لآدم نفسه، بالضبط كما حصل لمريم عندما نفخ الروح فيها كلمة الله المسيح. لكن ما الذي حصل فعلا على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: كان على آدم وزوجه أن يلتقيا معا ليتم النفخ بطريقة غير تناسلية (ولنقل مثلا بطريقة شفوية – بالنفخ). لكن ما أن حصل اللقاء بينهما لهذه الغاية على وجه التحديد حتى بادرهما الشيطان بالوسوسة قائلا:
... مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
فالشيطان – نحن ما زلنا نتخيل- قد بادر آدم وزوجه بالنصيحة في تلك اللحظة التي كانا على وشك القيام بعملية النفخ. فهو قد جاءهما (نحن نتخيل) معا، وكان هدفه أن يبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما. انظر الآية السابقة من أولها:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
فما الذي حصل حينئذ؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: في هذه اللحظة (نحن نظن) أدخل الشيطان شيئا من الشك في قلبيهما بأن قدم لهما خيارا آخر لم يكن في الحسبان من قبل. فما كان من آدم نفسه إلا أن تلكأ (نحن ما زلنا نتخيل) عن القيام بمهمة النفخ التي كان عازما عليها مع زوجه حينئذ. وليس أدل على تلكئ آدم هذا من أن الشيطان قد انفرد به مرة أخرى قائلا له:
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
وهذا ربما يدلّنا بأن الشيطان لم ينجح في المرة الأولى عندما كان آدم في صحبة زوجه، بينما نجح في المرة الثانية عندما كان آدم قائما لوحده. والسبب في ذلك (نحن نظن) أن نصيحة الشيطان لم تلق أذنا صاغية عند زوج آدم، بينما وجدتها عند آدم نفسه. فآدم هو من نزل عند نصيحة الشيطان، وهو من عصى ربه، وهو من غوى، وهو من تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، لكن زوجه – بالمقابل- لم تقع في ذلك اطلاقا. فآدم إذا هو من يتحمل مسئولية ذلك كله، وما كان وقوع زوجه في الشرك إلا من باب أنها نزلت عند رغبة آدم وليس معصية لربها، فحبل صلتها مع ربها (الروح) لم ينقطع اطلاقا، ولكن حبل (صلة) آدم مع ربه هو الذي انقطع.
تلخيص ما سبق: عندما سكن آدم وزوجه الجنة كان عليهما أن يقوما بفعل التكاثر، وكانت الطريقة المصممة لذلك هي عملية النفخ، لتكون الذرية خلافة وليس ملكا وراثيا. لكن ما أن وضع الشيطان أمامهما خيارا آخر (وهو الملك الذي لا يبلى) حتى أصبح آدم في حيرة من أمره. فقد أصبح أمامه الآن خياران للقيام بهذه المهمة:
- النفخ (الخلافة) أو
- الجنس (الملك)
وفي حين أن الله قد رضي له خيار النفخ لأنه الأقل تكلفة والأسلم من شرك الشيطان، كان الشيطان قد وضع على الطاولة أمام آدم الخيار الآخر، وهو لا شك الأكثر خطورة. ليكون السؤال الآن: لماذا اختار آدم الخيار الآخر (أي النزول عند إرادة الشيطان)؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن آدم لم يكن لينزل عند إرادة الشيطان تاركا الإرادة الإلهية لولا أن الأمر يستحق المجازفة. انتهى.
السؤال: وما الذي جعل من خيار الشيطان خيارا مسوغا عند آدم؟
رأينا المفترى: إنها ثورة الغنم
السؤال: وكيف ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما وجد آدم نفسه واقعا بين الخيارين، كان عليه أن يتأكد منهما. فكان عليه أن يرى الفرق بين الخيارين بالتجربة. فكان آدم يحمل العصا التي يهش بها على غنمه بيده، ومادامت تلك العصا بيده (نحن نتخيل) ستبقى تلك الغنم هادئة لا تثور، فلا تتولد عنده الرغبة الجنسية، وبكلمات أكثر جرأة نقول كان العضو الذكري عند آدم في حالة ركود مادامت العصا بيده، لكن الشيطان الآن يدلّه على ما وري عنه من سوءته بأن يلقي العصا من يده، ويرى بأم عينه ما يحصل له عندئذ. وبالفعل ما أن وضع آدم العصا من يده (نحن ما زلنا نتخيل) حتى ثارت غنمه فانتصب عضوه الذكري. فكان عليه أن يهدئ ثورة الغنم تلك بواحدة من طريقتين:
- أن يمسك العصا بيده، فيكون بذلك قد هش على غنمه بها، أو
- أن يضع العصا جانبا، ويطلب زوجه ليمارس معها العملية الجنسية.
السؤال: ما الذي فعله آدم حينئذ؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: عندما وجد آدم نفسه في تلك الحالة غير المستقرة، كان عليه أن يتخذ قراره بأن يركن إلى واحد من الخيارين، إما أن يمسك العصا بيده ليهش بها على غنمه أو أن يدع العصا ويمارس العملية الجنسية مع زوجه. فما الذي حصل حينئذ؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: منذ تلك اللحظة بدأت مطاردة الذكر للأنثى. فالرجل هو الذي يطارد الأنثى من أجل شهوته، والأنثى هي التي تتمنع وتحاول الهروب من مخالبه. لكن ما أن تقع الأنثى تحت يديه، فيتمكن منها، حتى تكون ردة فعلها القبول التدريجي للأمر (يعني شوي شوي). فكان قرار آدم أن يلبي رغبته الجنسية الجامحة في غياب العصا. فكانت خسارته الأولى مقابل تلبية رغبته الجنسية. لكن السؤال المطروح هو: كيف سينفذ آدم العملية الجنسية على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: لم يكن يستطيع آدم تنفيذ ذلك على أرض الواقع إلا أن ينزع وزوجه لباسهما. فكيف سيتم ذلك؟ هل لو رضي هو أن ينزع عنه لباسه، هل سترضى هي بذلك؟
رأينا المفترى: كلا. لن ترضى بذلك، فقد حاول آدم معها (نحن ما زلنا نتخيل) أكثر من مرة، لكنها كانت تصده عنها كل مرة، فكيف سيضع آدم زوجه أمام الأمر الواقع بدعم لوجستي من الشيطان؟
رأينا المفترى: أن تنزع هي بنفسها لباسها عنها.
السؤال: وكيف سيتم ذلك؟
رأينا المفترى: أن تصبح بحاجة أن تنزع عنها لباسها.
السؤال: وما الذي سيضطرها إلى ذلك؟
رأينا المفترى: أن تكون بحاجة أن تجوع فتعرى وأن تظمأ فتضحى؟
السؤال: وما معنى ذلك؟
جواب مفترى: عندما تجوع فتأكل، فتكون بحاجة إلى أن تبرز، وعندما تظمأ فتضحى، فتكون بحاجة للتبول، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بنزع اللباس الذي يواري عنها سوءتها. (للتفصيل في ذلك انظر كثيرا من مقالاتنا السابقة).
السؤال: وكيف ستضطر إلى ذلك؟
رأينا المفترى: أن تأكل من تلك الشجرة. انتهى.
تلخيص ما سبق: عندما وضع الشيطان أمام آدم الخيار الثاني (التكاثر بالجنس)، دلّه أيضا على الطريقة التي يُنزل بها زوجه عند قراره لكن بطريقة شيطانة، تحقق لآدم رغبته، وفي الوقت ذاته تجُر رجل زوجه إلى رغبته شوي شوي. فالأنثى بطبيعتها تنفر من العملية الجنسية إن كانت مباشرة فضّة، وتتقبلها إن كانت تدريجية غير مباشرة ولطيفة (واللي مش مصدقني يشوف مشهد فهد مع ميرا في مسلسل جن). فميرا لم تكن ترفض فكرة التزاوج مع فهد في تلك الليلة، فهي قد وعدته بها منذ بداية الرحلة، لكن جاء رفضها لها في الليل عند التنفيذ الفعلي، وذلك لأن فهد – برأينا- قد عمد إلى تنفيذها بطريقة فضّة (رجولية)، ولو أخذها شوي شوي (كما كانت تطلب منه في تلك اللحظة) لتحصّل له ما أراد منها بكل تأكيد. منك لله يا فهد! ما علينا.
نرجع لموضوع آدم وزوجه بافتراء القول بأن خطة الشيطان كانت محكمة بأن يوقع زوج آدم في الشرك بالأكل من الشجرة، وعندها ستجد نفسها بحاجة لا محالة للتبرز والتغوط، الأمر الذي سيؤدي إلى أن تنزع عنها لباسها، فتصبح مكشوفة السوءة أمام نفسها وأمام زوجها، الأمر الذي وضعها أمام الأمر الواقع، فما يكون منها إلا أن تنزل عند رغبة زوجها، ليس حبّا في العملية الجنسية ذاتها ولكن لاستحالة القيام بالمهمة بالطريقة الأولى، أي النفخ كما كان ممكنا قبل الأكل من الشجرة. فالأنثى – نحن نظن- لا تتقبل العملية الجنسية شهوة ولكن تتقبلها كحاجة بيولوجية ضرورية لديمومة الحياة. انتهى.
السؤال: لماذا خسر آدم القدرة على النفخ كما كان ممكنا قبل العملية الجنسية؟ لِم لمْ يكن قادرا على القيام بالمهمة بالطريقتين مثلا؟ يسأل صاحبنا.
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن السبب في ذلك لا يعود إلى فقدانه العصا (وهي الشيء الأول الذي سلح الله به آدم من خطر الشيطان وخطر غنمه) وإنما لخسارته أيضا للشيء الآخر الذي كان آدم يملكه ليقوم بمهمة النفخ – إنه اللباس. انتهى.
تلخيص ما سبق: عندما اتحذ الله قراره بأن يكون آدم خليفة في الأرض، جعل معه العصا التي تقوم بمهمتين اثنتين، وهما تسخير الجن (بمن فيهم الملائكة) لسلطته، وكذلك التحكم بثورة غنمه. فالعصا هي بمثابة السلاح الدفاعي الذي يستطيع آدم استخدامه ليصد الخطران اللذان يتهددانه، لكن كان آدم بحاجة أيضا إلى ما يستطيع به تنفيذ أمر الخلافة بالتكاثر بالجنة. فكيف سيقوم آدم بذلك؟
رأينا المفترى: إنها الهاء، إنها الروح، إنها اللباس. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: عندما نفخ الله في آدم من روحه، تجلى ذاك النفخ الإلهي باكتساب آدم اللباس الذي يواري سوءته، فكانت ماهية ذلك اللباس ليس أكثر من النور الإلهي، وذلك لأن الله نفسه هو النور:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
فظهر آدم الذي خلقه الله من طين ويكأنه نورا بما اكتسب من النور الإلهي بتلك النفخة التي أودعها الله فيه، فكانت عبارة (نحن نتخيل طبعا) عن طاقة نظيفة كامنة فيه. ومادام تلك الطاقة موجودة فيه، فهو يستطيع أن ينفخها في زوجه، فيحصل التكاثر، بالضبط كما حصل عندما نفخ الروح في مريم. لكن هل لو نزع آدم ذلك اللباس عنه، هل كان يستطيع القيام بعملية النفخ؟
جواب مفترى: كلا وألف كلا. السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن آدم كان إذا أمام خيارين اثنين، وهما:
- أن يستخدم الطاقة الكامنة في اللباس (التي هي أصلا من النور الإلهي)، أو
- أن يستخدم الطاقة الكامنة في غنمه
وهو بالتأكيد – نحن نظن – لم يكن قادرا على استخدام كليهما في آن واحد. فاستخدامه لأحدهما تعني بالضرورة خسارته للأخرى. فلو استخدم آدم طاقة النور الإلهي، لما كان بحاجة أن يستخدم الأخرى. ولو استخدم الطاقة الكامنة في غنمه، لما كان سيستطيع بعد ذلك الرجوع إلى الأولى. وكان القرار بيد آدم نفسه، فهو مخير لا مسير في ذلك. فإرادة آدم مستقلة عن إرادة ربه. للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان مقالة في التسيير والتخيير على الرابط التالي:
لذا، لمّا نزل آدم عند مشورة الشيطان وفضل الطريقة الثانية التي قدمها له الشيطان، كان ذلك سببا في خسارته للنور الإلهي، وبالتالي خسارته للطريقة الأولى التي ارتضاها الله له. وبهذا القرار الذي اتخذه آدم بمحض إرادته، ضاعت منه تلك الصلة مع ربه، وأصبح من الظالمين.
وللحديث بقية بإذن الله
بقلم. د. رشيد الجراح
13 أيار 2020