باب ملك اليمين - الجزء الأول
نحاول في هذه المقالة تسطير وجهة نظرنا الشخصية في قضية كانت على الدوام شاغلة لفكر العامة من الناس وأهل الاختصاص على حد سواء، ألا وهي قضية "ملك اليمين" أو "ما ملكت الأيمان":
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
وقبل سرد تفاصيل رأينا الخاص بهذه القضية، لابد (نحن نرى) أن نجلب انتباه القارئ الكريم إلى نقطتين رئيسيتين في هذا النقاش. أولهما، أن ما نسطره هنا ليس رأيًا شرعيًا يتطلب من العامة من الناس تبنيه أو حتى الأخذ به، لأنه لا يعدو أكثر من رأيي فكري قابل للتصويب على الدوام. والحالة هذه، فإننا ندعو الجميع إلى النظر إلى ما سنفتريه من عند أنفسنا بعين الناقد المتفحص، وبلسان حال المجادل من أجل الوصول إلى الحقيقة، وليس بلسان حال المقلّد المتّبع الذي يريد أن يزيح عن كاهله عبء المسئولية بإلقائها على عاتق غيره، ويكأنه يتذرع لنفسه بحجة عدم العلم أو حتى محاولة البحث عنه (ليس من اختصاصه)
وثانيهما، أننا لن نتطرق إلى رأي من سبقنا من أهل الدراية - كما نقلها لنا أهل الرواية - من "علمائنا الأجلاء"، وذلك لأن القارئ الكريم يستطيع (إن رغب في ذلك) البحث عن تلك الآراء في مؤلفات أهل العلم الوفيرة عن هذا الموضوع. انتهى.
أما بعد،
سيكون محرك البحث في هذا الموضوع آيتان كريمتان من كتاب الله. أما الآية الأولى فهي التي تبين أحقية الرجال في نكاح ما ملكت أيمانهم:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
وأما الثانية، فتبين لنا جواز أن تبدي النساء ما ظهر من زينتهن لما ملكت أيمانهن:
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
وسؤال البحث الأول هو: ما معنى "ما ملكت أيمانكم" كما نفهمها نحن من كتاب الله الكريم؟
بدايةً، نحن نرى أن الذي دفعنا للبحث في هذه القضية مجموعة من المعضلات التي شكّلت قلقًا لنا كباحثين عن الحقيقة بين سطور مؤلفات أهل العلم من المنتسبين للإسلام. وسنعرض تاليًا بعض هذه المعضلات التي أشكلت عليّ أنا شخصيًا بعد محاولتي الاطلاع على هذه القضية بين صفحات مؤلفات أهل الاختصاص المكتوبة منها، والمنقولة منها للعامة من الناس من مثلي بكل وسائل نقل المعلومة المسموعة والمرئية.
المعضلة الأولى: إن أول معضلة تواجه – برأينا - الفكر الإسلامي برمته في هذه القضية هو الحقيقة التي لا يمكن المجادلة فيها والمتمثلة بأن للنساء ملك يمين (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) كما للرجال ملك يمين (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). فغالبا ما ظن العامة من الناس (ربما مدفوعين بتفسيرات أولي العلم من بني جلدتهم) بأنّ ملك اليمين خاص بالرجال دون النساء. وهنا نتوقف لنطرح على مسامع الجميع التساؤل المربك التالي: هل تتقبل – عزيزي المؤمن – بأن يكون لمحارمك من النساء (أمك، أختك، ابنتك، الخ) ملك يمين كما تؤمن بحقك في ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نرى أنه من باب العدل في القول (على الأقل) ألا تغفل عينك عندما تضع مسألة ملك اليمين على طاولة البحث والتدبر عن الآية التي تثبت أن للنساء ملك يمين. فعليك أن تتذكر – عزيزي المؤمن - بأن القرآن الكريم يثبت ملك يمين النساء (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) كما يثبت ملك يمين الرجال (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). لذا، فإن حصر المسألة بالرجال فقط دون النساء يجعلك في دائرة من جعلوا آيات الله قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا منها:
وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
وهنا نعود لطرح السؤال ذاته على مسامعك - عزيزي المؤمن بكتاب الله كله - ألا وهو: هل تقبل أن يكون لأمك وأختك وابنتك ملك يمين (طبعاً بالمفهوم الشعبي الدارج) كما تتقبلها لنفسك ولأخيك وأبيك وابنك؟ من يدري؟!
عزيزي المؤمن، إذا كنت لا تتقبل ذلك لمحارمك (كما أظن)، فلم تحلّه لنفسك؟ هل هي ذكوريتك التي تمنعك بأن تعترف للنساء من حولك (خاصة محارمك منهن) بحقهن فيما ملكت أيمانهن، وهو الحق الذي أثبته الله لهن في كتابه الكريم (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ)؟
وإذا كنت ممن يتقبل ذلك (مثلي)، ألا ترى بأنك تدين لنا بتفسير مقنع لمثل هذا السلوك؟ فكيف يمكن للنساء من حولك (وخاصة محارمك) أن يكون لهن ملك يمين كما لك حق في ذلك؟ نحن نسأل.
المعضلة الثانية: إذا كان ملك اليمين كما روّج له بعض المفسرين خاصا بفترة زمنية محددة، أو بظروف اجتماعية معينة، فهل يعني ذلك أن القضية لم تعد تعنينا في هذا الوقت من الزمن؟ فهل تتصور – عزيزي المؤمن بكتاب الله- أن القرآن الكريم قد عالج هذه القضية لفترة زمنية بعينها، وما عادت قراءتنا لهذه الآيات أكثر من قراءة تعبديّة، نجلب بها الحسنات الكثيرة من قراءة القرآن فقط؟ فهل يمكن أن تكون تلك القضية غير مهمة لمن يعيش في هذا الزمن؟ نحن نتساءل.
المعضلة الثالثة: هل ما زلت تظن - عزيزي المؤمن – بأن الحروب والغزوات هي ما تجلب لنا ملك اليمين من النساء والغلمان؟ فهل تعتقد فعلًا أن الدين (أي دين) يشرّع لأتباعه أن يشنوا الغزوات على الناس من الملل الأخرى في عقر دارهم للاستيلاء على مقدراتهم، وأخذ نسائهم وأطفالهم "سبايا حروب" لمجرد أنهم قد رفضوا الدخول في دينك؟ نحن نتساءل فقط.
إذا كنت تقرّ هذا لنفسك (عكسي أنا)، فهل تتقبل أن تقوم الأمم الأخرى بالفعل ذاته معك؟ أي هل تتقبل أن تقوم الأمة الأقوى بغزو الأمم الأضعف لتأخذ نساءهم وأطفالهم سبايا حرب، فتكون أنت بنفسك (وأفراد عائلتك ذكورًا وإناثًا) ملك يمين لهم لمجرد أن ترفض – كمغلوب - الدخول في دين الأمم الغالبة؟ ماذا لو قام السيد ترامب المبجل (رئيس أمريكيا كقوة عظمى) بشن حرب على بلاد المسلمين، وطلب منا الدخول في دين آبائه وأجداده، وإلا فالعاقبة أن يسبي نساءنا وأطفالنا (وهو على ذلك قدير) ما دمنا لا نملك القدرة على الدفاع عن أنفسنا في هذا الزمن، فهل ستتقبل مثل هذا العمل اللاأخلاقي حتى في عالم شريعة الغاب؟ نحن نتساءل.
المعضلة الرابعة: هل ترى عزيزي القارئ أن الفكر السائد قد أفلح في تفسير الآيات الكريمة التي تعالج هذه القضية على وجه التحديد؟
رأينا المفترى: لما كنا نلقي – كعادتنا- بظلال الشك على التفسيرات المتوافرة حتى الساعة عن هذا الموضوع، فإننا نجد أن الساحة الفكرية ما زالت تتسع لبعض الأفكار الشخصية التي ربما تعالج القضية من منظور مختلف بعض الشي. وهذا ما سنحاول اقحام أنفسنا فيه في الصفحات التالية من هذه المقالة بإذن الله، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا، وأن يعلمنا من لدنه علما لا ينبغي لغيرنا، ونعوذ به وحده أن نكون ممن يفترون عليه الكذب، أو ممن يقول عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو السميع البصير.
أما بعد،
التساؤلات
- ما معنى ملك اليمين؟
- هل للرجال ملك يمين؟
- هل للنساء ملك يمين؟
- كيف يمكن حيازة ملك اليمين؟
- لماذا أقر الدين ملك اليمين للجنسين؟
- الخ
سنبدأ النقاش هنا بالتساؤل قبل الأخير، ألا وهو: كيف يمكن حيازة ملك اليمين؟
رأينا المفترى: نحن ننفي جملةً وتفصيلًا أن تكون حيازة ملك اليمين من خلال الحروب وشن الغارات من قبل الأمم الأقوى ماديًا (عسكريًا) على الأمم الأضعف في كل زمان ومكان. فالدين (أي دين) لا يمكن أن يشرّع – نحن نرى- لأتباعه السطو المسلح على الأمم الأخرى للاستيلاء على مقدرات هذه الأمم المادية والمعنوية. فنحن نرى بأنه ليس هناك اجبار على اعتناق الدين (أي دين)، مصداقًا لقوله تعالى:
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
لذا، فالدخول في الدين (أي دين) هو قرار فردي خاص بالشخص نفسه، بلا إكراه مهما كانت الأعذار.
نتيجة مفتراة 1: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا (ربما مخطئين) بأن الحروب وشن الغارات (على الأمم الضعيفة) ليست هي السبيل إلى وجود (أو الحصول) ملك يمين. انتهى.
السؤال: إذا كانت الحروب والغزوات ليست سبيلًا للحصول على ملك اليمين (كما تزعم)، فكيف يمكن إذا الحصول على ذلك؟ يسأل صاحبنا.
رأينا المفترى الخطير جدًا جدًا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن الحصول على ملك اليمين ممكن في كل وقت وحين، حتى داخل المجتمع المسلم ذاته. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل، نحن نرى أن الحاجة ملحة لإعادة تعريف عبارة "ملك اليمين" كما ترد في كتاب الله الكريم. ليكون السؤال المباشر هو: ما معنى ملك اليمين؟
جواب مفترى: دعنا بداية نستعرض جميع الآيات الكريمة التي وردت فيها عبارة "ملك اليمين"، لنتدبرها في جميع السياقات التي وردت فيها، في محاولة منا لاستنباط معنى العبارة بعد ذلك. وسنحاول عند استعراضنا لكل واحدة من هذه السياقات تقديم بعض الافتراءات الخاصة بفهمنا لكل سياق قرآني، ثم سنعمد بعد ذلك إلى تجميع تلك الافتراءات معًا، لنرى إن كانت ستشكل لنا في نهاية المطاف تصورًا جديدًا، يمكن أن يكون ذا قيمة بالنسبة للقارئ للنص القرآني.
أولًا، لو تدبرنا هذا السياق القرآني التالي:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3) وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5) وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا (6)
، لربما خرجنا (حسب فهمنا لهذا السياق القرآني طبعًا) بالافتراءات التالية:
- "ملك اليمين" هو كل ما يمكن أن يقع عليه فعل النكاح من قبل الرجل، فيمكن للرجال أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، كما يمكنه أن ينكح مما ملكت أيماننا (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). وبالتالي لا يمكن (نحن نظن) أن تكون المحارم من ملك اليمين حتى لو كنّ على غير دينك. فلا أستطيع كمؤمن – مثلًا- أن أتخذ ملك يمين من محارمي حتى لو كن على ملّة الكفر. وذلك لأن ملك اليمين يمكن أن يقع عليها فعل النكاح. كما لا يمكن أن يكون ملك اليمين من الأطفال، لأن الأطفال لا يقع عليهم (عليهن) فعل النكاح. قال تعالى:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
- ملك اليمين للرجال مرتبط بالخوف من أن نعول (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)
- ملك اليمين من النساء يمكن أن يطبن لنا نفسًا عن شيء، وفي هذه الحالة لا حرج أن نأكله هنيئًا مريئًا.
- الخ.
ثانيًا، لو تدبرنا قوله تعالى في الآيات الكريمة التالية:
لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50)
لوجدنا بأنه - كما للرجال ملك يمين- فللنساء "ملك اليمين" أيضًا (وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ)
- ملك اليمين إذاً ليس خاصًا مقتصرًا على الرجال، بل ينطبق كذلك على النساء
ثالثاً، لو تدبرنا الآيات الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)
لوجدنا بأن نكاح ملك اليمين يتطلب الإنفاق من المال (كمهر)، بدليل قوله تعالى:
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
- نكاح ملك اليمين من النساء يتطلب الإنفاق من المال، فهو يقع إذًا احصانًا وليس سفاحًا، وهو فريضة (تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً). ولا سطوًا مسلحًا على الضعفاء، واستحلال فروج نسائهم دون مقابل مادي.
رابعا، ولو تدبرنا الآيات الكريمة التالية:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36)
لوجدنا بأن القوامة للرجل تكون على النساء فقط، وسبب هذا التفضيل هو الإنفاق. فالرجل هو المكلف بالإنفاق على النساء.
- القوامة للرجل في حالة النكاح العادي، وليس في حالة نكاح ملك اليمين
(وقد حاولنا في مقالات سابقة لنا أن نفتري القول من عند أنفسنا بأن التفضيل لا يعني الخيرية، ولكنه يعني زيادة التكليف. فالرجال مفضلون على النساء ليس لخيريتهم عليهن، ولكن للتكليف الذي يقع على عاتق الرجال تجاه النساء (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة).
خامسًا، ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
لوجدنا أفضلية الرجال على ما ملكت أيمانهم قد اختفت تمامًا، وحل محلها التساوي بين الطرفين. فالرجال متساوون في الرزق مع ما ملكت أيمانهم، لذا تنتهي قوامتهم عليهن.
- بالرغم أن الرجال قوامون على النساء (بالتفضيل في الرزق)، فليس لهم قوامة (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) على ما ملكت أيمانهم لأنهم متساوون في الرزق.
سادسًا، ولو تدبرنا الآيات الكريمة التالية:
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
سنجد أن للنساء حق في أن يبدين بعضًا من زينتهن (ما ظهر منها) على ما ملكت أيمانهن كما يبدينها على بعولتهن أو آبائهن أو إخوانهن، الخ.
- يجوز للمرأة أن تبدي ما ظهر من زينتها على ما ملكت أيمانهن.
سابعًا، ولو تدبرنا الآيات الكريمة التالية:
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)
لوجدنا بأن نكاح ملك اليمين غير مرغوب به جدًا، والاستعفاف عن ذلك من أجل نكاح النساء أفضل. ونكاح ما ملكت اليمين يصبح ضرورة في حالة من لا يملك القدرة المالية عل النكاح من غير ملك اليمين. فالله يحث هؤلاء الانتظار حتى يغنيهم الله من فضله.
- إذا كان الرجل ذا قدرة مادية على النكاح من غير ملك اليمين، فهذا أفضل
- إذا لم تكن ذا قدرة مادية على نكاح من غير ملك اليمين، فإن ذلك يصبح متاحًا لك، ويكون ذلك مكاتبة وليس نكاحًا خالصًا.
- نكاح ملك اليمين مبني على عدم الاستطاعة المالية للرجل على نكاح غيرهن (أي من غير ملك اليمين). انتهى.
ثامنًا، ولو تدبرنا الآيات الكريمة التالية،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
لوجدنا الاختلاط بملك اليمين (دون استئذان) ممكن في أوقات العمل ولكنه غير ممكن في أوقات الراحة (إلا بالاستئذان).
- الاختلاط مع ما ملكت الأيمان ممكن للنساء في أوقات العمل وغير ممكن في أوقات الراحة إلا بالاستئذان
تاسعًا، ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
لوجدنا التشارك في ملك اليمين وارد. وكذلك الخيفة من شركاء ما ملكت الأيمان ممكنة الوقوع، وهي توازي خيفة النفس. فأنت قد تخاف الشريك فيما ملكت يمينك كما تخاف نفسك، وذلك لأن ملك اليمين هم تساوون معكم في الرزق.
- ملك اليمين فيه شراكة مع آخرين، ويمكن أن يحصل منك الخيفة من هؤلاء الشركاء
عاشرا، ولو تدبرنا الآيات التالية:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
لوجدنا التفريق لا لبس فيه بين الأزواج من جهة وما ملكت الأيمان من جهة أخرى. فالأزواج شيء وما ملكت الأيمان شيء آخر مختلف تمامًا.
- ملك اليمين لسن أزواج، والأزواج لسن ملك يمين. انتهى:
انتهت الافتراءات
السؤال الكبير: ما الفرق بين الأزواج وما ملكت الأيمان؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن طرح مثل هذا السؤال يتطلب منّا إعادة النبش من جديد في الملف كلّه، تاركين ما ألفيناه من عند آبائنا إلى غير رجعة بإذن الله، محاولين في الوقت ذاته تسطير رأينا الذي نظن أنه سيخالف كل الموروث. لذا، نطلب من القارئ الكريم الذي يؤمن بتراث آبائه ألا يكمل القراءة بعد هذه الأسطر التمهيدية للموضوع، لأنه سيجد – برأينا- ما قد لا تحمل أذنيه أن يسمعه من شخص مثلي، ولا قلبه أن يعقله مادام أهل العلم من بني جلدته (أو طائفته) لم يرخصوه له بعد. لذا، نرجو منه الخروج من الصفحة بأقصى سرعة ممكنة، متمنين له التوفيق في البحث عن ضالته في مكان غير هذا. سائلين الله وحده – في الوقت ذاته- أن يهدينا نحن رشدنا، وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، ونعوذ به وحده أن نكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الحكيم.
أما بعد.
دعنا بداية نعيد تسطير الافتراءات السابقة هنا جملة واحدة، لنحاول ربط بعضها ببعض في محاولة منا لنسج خيوط قصة جديدة مفتراة من عند أنفسنا عن قضية مفصلية في العقيدة التي نؤمن بها، ألا وهي قضية ملك اليمين من مصدر التشريع الأوحد وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الافتراءات السابقة
- "ملك اليمين" هو ما يمكن أن يقع عليه فعل النكاح من قبل لرجال. وبالتالي لا يمكن أن تكون محارم الرجل من ملك يمينه حتى لو كنّ على غير دينه. لذا، لا أستطيع كمؤمن – مثلًا- أن أتخذ ملك يمين من محارمي حتى لو كن على ملّة الكفر. كما لا يمكن أن يكون ملك اليمين من الأطفال، لأن الأطفال لا يقع عليهم (عليهن) فعل النكاح.
- ملك اليمين للرجال مرتبط بالخوف من أن نعول (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)
- ملك اليمين من النساء يمكن أن يطبن لنا نفسًا عن شيء، وفي هذه الحالة لا حرج أن نأكله هنيئا مريئا.
- ملك اليمين ليس مقتصرا على الرجال، بل ينطبق كذلك على النساء، فكما للرجال ملك يمين، فإن للنساء أيضًا ملك يمين
- نكاح ملك اليمين من النساء يتطلب الإنفاق من المال، فهو ليس سفاحًا، وإنما نكاح مدفوع الأجر، مرخص من قبل الأهل
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)
- القوامة للرجال على النساء المنكوحات كزوجات فقط
- ليس للرجال قوامة (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) على ما ملكت أيمانهم لأنهم متساوون في الرزق معهن.
- إذا كان الرجل ذا قدرة مادية على النكاح من غير ملك اليمين، فهذا هو الأولى. والشارع الكريم قد حث الرجال على الاستعفاف حتى يغنيهم الله من فضله، ليتمكنوا بعدئذ من نكاح الزوجات بدلًا من نكاح ملك اليمين.
- إذا لم يكن الرجل ذا قدرة مادية على نكاح الزوجات (من غير ملك اليمين)، فإن نكاح ملك اليمين يصبح متاحا له.
- نكاح ملك اليمين مبني على عدم الاستطاعة المالية للرجل على نكاح غيرهن (أي من غير ملك اليمين).
- يكون نكاح ملك اليمين بالمكاتبة.
- ملك اليمين لسن أزواج (زوجات)، والأزواج (الزوجات) لسن ملك يمين.
- يستطيع الرجل أن ينكح ملك اليمين مع غيرها من النساء
- لا تستطيع المرأة نكاح ملك اليمين مع غيره من الأزواج
- تستطيع المرأة أن تبدي ما ظهر من زينتها لما ملكت يمينها كما تبديه لبعولتهن وآبائهن وأبنائهن، الخ. أو للأطفال أو غير أولي الإربة من الرجال.
- الأزواج شيء وملك اليمين شيء آخر:
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
السؤال: كيف يمكن ربط هذه الافتراءات جميعا بعضها ببعض، لفهم ماهية ملك اليمين، في إجابة على سؤال واحد، ألا وهو: ما معنى "ملك اليمين"؟
رأينا المفترى الخطير جدا جدا (لا تصدقوه إن شئتم): نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن ملك اليمين هو "الرجل العامل أو المرأة العاملة"، أو لنقل - بمفرداتنا الدارجة - الشخص الموظَّف (بالفتح). انتهى.
الدليل
لو تدبرنا الآيتين الكريمتين التاليتين ابتداء:
فإننا سنجد أن هناك تميزًا واضحًا بين الزوج (الزوجة) من جهة وملك اليمين من جهة أخرى، وهما الفئتان اللتان يمكن أن يقع عليهن فعل النكاح:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
إن ما نود قوله هو جملة واحدة بسيطة جدًا، مفادها أن الرجل قد يتخذ من النساء زوجة له وقد يتخذ منهن ملك يمين. فالرجل غير مطالب بحفظ فرجه (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) على نوعين من النساء، وهن الأزواج أو ما ملكت أيمانهم (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ).
ليكون السؤال الآن هو: ما الفرق بين الزوجة من النساء (من جهة) وملك اليمين من النساء (من جهة أخرى)؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الزوجة هي الأنثى من النساء التي لا تعمل لتجلب دخلًا تستطيع من خلاله الاستقلال (أو لنقل الاستغناء) عن قوامة الرجل عليها بسببه، فيكون مقرها هو بيتها فقط، ويكون الرجل هو من له القوامة عليها بسبب هذا التفضيل في الانفاق:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
فللرجل إذا القوامة على النساء بما فضله الله بالرزق، وهو من ينفق من ماله عليها. فتتحصل له الأفضلية مادام قادرا على ذلك. فنساء النبي هن أزواجه، وليس ملك يمينه مادام أنه مطلوب منهن الاستقرار في البيوت:
يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
والإنفاق عليهن جميعًا تقع على عاتق الزوج مادام أنه طالب للقوامة على زوجاته جميعاً. وبالتالي، فإن ملكيته البيت تعود أولًا للمرأة (الزوجة) قبل الرجل (زوجها):
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
لنصل إلى النتيجة المهمة التالية في البحث هنا، ألا وهي أن قوامة الرجل على النساء تأتي من أفضليته، أي من تحمله مسئولية الإنفاق:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
وعليه أن يسكنها حيث سكن، وعليه يقع واجب الإنفاق:
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
ليكون السؤال المفاجئ الآن هو: هل تستطيع أن تطلب من المرأة الموظفة (التي ارتبطت بعقد عمل) أن تجبرها على الاستقرار في بيتها؟
وبالمقابل: هل أنت مكلف بالإنفاق عليها كزوجة لك مادامت تعمل وتسكب من المال (سواء أكثر منك بكثير أو أقل منك بقليل)؟
السؤال: هل نتوقع أن الدين الذي ينظم حياة النساء في كل صغيرة وكبيرة قد غفل عن تنظيم العلاقة بين الرجل وامرأته العاملة في وظيفة، وملتزمة بعقد العمل كالتزامها بواجباتها البيتية (وربما أشد التزاما)؟
السؤال: ما الذي يستدعي الرجل (طالب الزوجة) أن يتقبل فكرة التزام امرأته بعقد عمل ربما يكون في أغلب الأحيان على حساب واجباتها البيتية تجاهه شخصيا وتجاه بيته؟
السؤال: متى يتقبل الرجل أن تكون امرأته عاملة (ملتزمة بشروط العمل الذي يحد من حريته في التصرف بزوجته كما يريد أو كما يحلو له)؟
السؤال: متى تتقبل المرأة الخروج من بيتها (مهما كانت ظروفه) من أجل العمل وكسب المال؟
سيناريو محتمل: تخيل عزيزي القارئ أنك متزوج من امرأة عاملة في وظيفة ما، وعليها (حسب عقد العمل الموقعة عليه) أن تنفذ أوامر صاحب العمل المشغل لها، الذي يدفع لها أجرا مقابل هذا العمل، تخيل أنك احتجت امرأتك لظرف اضطراري وهي لازالت في عملها، وذهبت لتستأذن لها من صاحب بالمغادرة، وكانت ردة صاحب العمل الرفض المطلق، فما الذي تستطيع فعله حينئذ؟ هل تجد نفسك حينئذ صاحب الولاية التامة (القوامة) على امرأتك؟ ماذا لو منعك صاحب العمل حتى من فرصة دخول مؤسسته لطلب الإذن أصلا؟ هل تستطيع أن تجزم بأنك لا تخاف صاحب العمل كخوفك من نفسك:
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
دقق عزيزي القارئ جيدا – إن شئت- في هذه الآية الكريمة، ألا تجد بأنها تبين (كما نفهمها طبعا) وجود شركاء لك فيما ملكت يمينك؟ فمن هو شريكك فيما ملكت يمينك؟ وكيف تكون أنت وذلك الشريك سواء فيما ملكت يمينك؟ ولماذا تخافهم كخيفتك نفسك؟ وما هو سبب حصول الخيفة منهم؟ من يدري؟!!!!!
افتراء خطير جدا: إن نكاح ملك اليمين مبني على أساس الشراكة، فأنت لست الولي صاحب القوامة المطلقة (أو لنقل "المالك" الوحيد)، فهناك من يشاركك القوامة عليها، وأنتم في ذلك سواء، فكما هو مطلوب مما ملكت يمينك أن تطيع أمرك (كزوجة)، مطلوب منها أن تطيع أوامر من يدفع لها المال مقابل العمل (شريكك فيها).
ولا شك – عندنا- أن إقرارك (كزوج) بتلك الشراكة مبني على الحاجة في طلب المال الذي تجنيه لك تلك المرأة، لتكونوا فيه سواء:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في هذه الآية الكريمة جيدا. ألا تجد بأن تفضيلك في الرزق ينتهي في حالة ملك اليمين، ألا تصبح أنت في شراكة المال سواء مع ما ملكت يمينك، مادامت أنها تعمل وتجني من المال ربما بمقدار ما تجني أنت أو ربما أكثر أو أقل؟ هل أنت قادر على رد هذا الرزق؟
فما الذي دفعك أصلا إلى نكاح ملك اليمين (مادام أن لك فيه شركاء)؟
رأينا المفترى: دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة التالية:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
ألا تجد أن نكاح ملك اليمين مبني على الخوف من أن تعول؟ فما معنى ألا " أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ " أصلا؟
دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
ألا تجد أن العيلة هي انعدام الغنى؟ هل من كان غنيا يخاف العيلة؟ فمن الذي يخاف العيلة أصلا؟ أليس هو الذي لا يكون من الأغنياء؟ ألا تجد أن مفردة العائلة (الدارجة على ألسنة العامة من الناس) مشتقة من هذه الألفاظ (عَيْلَةً، تَعُولُواْ)؟ فما الذي يمكن أن يعول؟ أليس هو من يجد أن نفقات عائلته تفوق قدراته المادية المتاحة؟
السؤال: لماذا أمرنا الله بالاقتصار على نكاح واحدة من النساء فقط أو ما ملكت أيماننا؟
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
ألا نجد أن نكاح الواحدة فقط من النساء قد جمعت مع نكاح ما ملكت الأيمان؟ ألا نجد أن الجمع بينهما مبرر بتقليل العيلة (أي تخفيف أعباء نفقات العائلة)؟ ألا نجد أن من ينكح واحدة من النساء تقل نفقات اعالته كثيرا عمن ينكح أكثر من واحدة؟
السؤال: كيف يمكن أن تخفف أعباء العيلة عند نكاح ملك اليمين؟ ألا تجد أن نكاح ملك اليمين يخفف كذلك من أعباء العيلة كما لو أنك نكحت واحدة من النساء فقط (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)؟
رأينا المفترى: نعم، نحن نظن بأن من يقدم على نكاح ملك اليمين يكون دافعه تقليل العيلة (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)، لأن الرجل لا يكون له في هذه الحالة أفضلية على من نكحها مما ملك يمينه، لأنه ببساطة (نحن نظن ربما مخطئين) ليس مكلفا بالقوامة (الإنفاق) مادام أن ملك يمينه تجني المال من العمل وتستطيع أن تتشاركه سواء مع ناكحها:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
فالذين فضلوا (وهم الرجال) لا يردون رزقهم على ما ملكت أيمانهم، ولكنهم يتقبلون هذا المال ليكون دخلا ينفق على العائلة ككل. فالتفضيل للرجال ينتهي إذا ما انتهت قدرتهم على القوامة التامة:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
تلخيص ما سبق: إذا كان الرجل هو المعيل الوحيد لعائلته، فله حق القوامة على نسائه جميعا. وعليه واجب الإنفاق عليهن جميعا. أما إذا تقبل أن تقوم احدى نسائه بالعمل من أجل جلب المال ليسانده في إعالته، فإن قوامته عليها "تتبخر"، ليحل محلها التشارك في المسئولية المالية على حساب القوامة الفعلية له.
السؤال: ما الذي أرشدنا إليه الشارع الحكيم فيما يخص نكاح ملك اليمين؟
رأينا المفترى: دقق عزيزي القارئ في الآية الكريمة التالية:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)
ألا تجد – أيها الرجل- بأن الله قد أرشدنا إلى الاستعفاف عند النكاح حتى حصول الغنى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)؟ لكن، ماذا لو أراد هذا الشخص (الرجل) ألا يستعفف حتى يجد الغنى وأراد النكاح مع خيفته العيلة (عدم قدرته على الإنفاق)؟ ألا نجد بأن هؤلاء هم ممن يبتغون الكتاب مما ملكت الأيمان (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)؟ ألا نجد أن نكاحهن يكون مبني على المكاتبة (فَكَاتِبُوهُمْ)؟
علينا أن نميز إذا بين نوعين من النكاح. أما النوع الأول فهو النكاح الذي يكون الرجل قادرا بنفسه على تحمل اعبائه، فهو نكاح المستطيع:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ...
وأما النوع الثاني، فهو النكاح الذي يكون الرجل غير مستطيع على تحمل أعبائه المالية، فهو نكاح غير المستطيع. وهؤلاء هم من يبتغون الكتاب:
... وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ
إن ما نود قوله هنا هو أن نكاح المرأة كزوجة يتم بالنكاح العادي (الذي لا مكاتبة فيه) إذا كان الرجل قادرا على تحمل أعبائه بنفسه، ويكون له بذلك حق القوامة على نسائه التي نكحهن بهذه الطريقة:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
أما نكاح النساء كـ "ملك اليمين" فيتم بالمكاتبة فقط. وفي هذه الحالة تنتهي أفضلية الرجل، فلا قوامة له على ملك يمينه لأنه غير مكلف بتحمل المسئولية المالية بنفسه فقط:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
ليكون السؤال المحوري الآن هو: لماذا يتم نكاح الزوجة (غير الموظفة) في حالة غنى الرجل وتحمله بنفسه عبء الأفضلية بـالإنفاق على زوجته؟ ولماذا – بالمقابل- يتم نكاح ملك اليمين بـ "المكاتبة"؟
رأينا المفترى: لا شك عندنا أن الشرع الحنيف هو الشرع الذي ينظم حياة الناس بطريقة تحد من حصول المشاكل حتى بعد حين. ولا شك أن مشاكل النكاح من أكثر القضايا العالقة التي يجب حلها جميعا (متى وقعت) بأقل الخسائر الممكنة وأكبر فائدة مرجوة تعود على جميع الأطراف، بطريقة سليمة ينتفي فيها تسلط طرف على (أو ظلم لـ) طرف آخر. فهناك حقوق وهناك واجبات لكل طرف، وعلى الطرف الآخر أن يقدر يحترم هذه الحقوق وأن يقدر تلك الواجبات في جميع الأحوال وتحت جميع الظروف، فلا يحاول مع تقلب الزمان وتغير الأحوال أن يغلّب مصلحته الشخصية (أو رأيه الفردي) بطريقة تؤدي إلى هضم حقوق الطرف الآخر. فحتى أعقد المشاكل في قضايا النكاح (كتسوية الطلاق مثلا) يجب أن يتم عن تراض بين الطرفين وتشاور منهما:
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
السؤال: كيف يمكن الحد من وقوع مشاكل النكاح ابتداء؟ وكيف يمكن حل تلك المشاكل (إن وقعت) بالطريقة الأمثل للطرفين؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن بأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالمكاتبة. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: لا شك عندنا من القول – ابتداء- بأن النكاح مبني على أن تكون القوامة للرجل، قال تعالى:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
ومصدر هذه القوامة هي – كما أسلفنا- أفضلية (أو لنقل مسئولية) الرجل بالإنفاق. فالله فضل الرجال على النساء بالإنفاق (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ). ومادام الرجل مستعدا قادرا على أن يتحمل هذه المسئولية، فلا أحد يشاركه في زوجته. فهو صاحب القرار الأول والأخير بكل ما يتعلق بشئون زوجته وبيته. فحتى والد المرأة أو أخيها ليس له الحق في أن يكون صاحب الولاية على المرأة مادام أن زوجها يتحمل هذا العبء بكل جدارة واستحقاق.
لكن، ما الذي يمكن أن يحصل لو أن هذا الرجل قد أقدم على نكاح من هي من النساء ووجد بأنها موظفة، موقعة على عقد عمل مع صاحب العمل الذي يدفع لها أجرا مقابل قيامها بهذا العمل، هل يصبح هو الشخص الوحيد صاحب الولاية على امرأته تلك؟
رأينا المفترى: في هذه الحالة على الرجل (الناكح) أن يتخذ قراره في واحدة من أمرين اثنين لا ثالث لهما: إما أن يرفض ذلك (أن تكون امرأته عاملة) ليتحمل هو بنفسه مسئولية الإنفاق (وبالتالي القوامة) على زوجته أو أن يرضخ لذلك (أن يتقبل عمل امرأته) لكن يصبح حينها مضطرا لأن يتنازل عن ولايته المطلقة عليها ليشاركه في ذلك غيره، ألا وهو صاحب العمل.
ولا شك أن الذي يلجأ من الرجال إلى الخيار الآخر هو شخص يحتاج ما تجلبه زوجته له من مال في نهاية المطاف نتيجة عملها ذاك. فالعملية ليس أكثر من تبادل للأولويات. فإذا كانت أولويتك الأولى هي الولاية المطلقة على زوجتك (مثلي)، فعليك أن تتنازل عن رغبتك في المال الذي قد تجلبه لك امرأتك من عمل ما. أما إذا كانت أولويتك الأولى هي كسب المال خوفا من العيلة (مثل جارنا)، فعليك أن تتنازل عن حقك الكامل في ولايتك عليها وأن تتقبل مشاركة غيرك فيها. فالأمر في نهاية المطاف ليس أكثر من تبادل مصالح.
مثال شخصي: ربما دارت رحى المعركة الكلامية طاحنة بين من يؤيد عمل المرأة مقابل من يعارضه. وجلب كل طرف حجته التي قد تدعم موقفه. ليكون السؤال الحتمي هو: ألا نجد في الشرع الحكيم ما يرشدنا إلى حل هذه المعضلة التي أصبحت من سمات المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية. فلربما نجد أن رحى المعركة قد حسمت في بلاد الغرب لصالح عمل المرأة، بينما لا تزال رحى المعركة دائرة في بلاد الإسلام على وجه التحديد. فنجد الفكر السلفي المتشدد يرفض حتى فكرة خروج المرأة من بيتها لأي سبب دون محرم، بينما نجد الفكر غير السلفي يتقبل الفكرة، وربما يطبقها على أرض الواقع. فهل إلى خروج من تلك المعركة من سبيل يرضي الجميع (بمن فيهم النساء أنفسهن)؟
رأينا المفترى: نحن نرى (ربما مخطئين) بأن عمل المرأة، والتزامها بشروط عقد العمل، وبالتالي اختلاطها بالرجال في مجال العمل، أمرا لا مفر منه، لأسباب لا داع أن نعرج عليها الآن. لكن يجب التنبيه على أن هذا الخروج للمرأة من أجل العمل يجب أن يكون مرخصا من قبل الرجل. ليكون السؤال الآن: كيف يمكن للرجل أن يرخص عمل نسائه؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هذا ممكنا شريطة أن يتنازل الرجل عن قوامته على امرأته العاملة، وذلك لأنها ملتزمة بشروط عقد العمل الذي وقعته مع صاحب العمل، مقابل المال الذي تجنيه، وتتشارك به مع بعلها للإنفاق عليهما منه، فهما فيه سواء. فمن غير الممكن أن تستمر قوامة الرجل على امرأته العاملة مادامت أنها ملتزمة بعقد عمل يملي عليها الالتزام بواجباتها في العمل. فقوامة الرجل المطلقة تتعارض تماما مع التزام امرأته بشروط عقد عملها. فهي (ككائن بشري) لا تستطيع تنفيذ أمر الطرفين في آن واحد. فلا يجب أن نضع المرأة العاملة بين مطرقة بعلها وسندان صاحب العمل، فهذا مما يشق عليها فعله. فعلى الزوج أن يكون مطلعا على شروط العقد الذي أبرمته من يريدها ملك يمين له، وعليه أن يعرف حدود ولايته على امرأته في ذلك.
فمسألة عمل المرأة لا يجب أن تكون في ضمن سياق إقرار أو انكار، فهذا حق لها هي الشخص الوحيد المخول بقبوله أو رفضه. فإن هي آثرت ألا تعمل فله ذلك، وإن هي آثرت أن تعمل فلها ذلك. لكن على من يريد أن ينكح العاملة منهن أن يكون مقرا بذلك عند كتابة العقد، فلا ينكص على عقبيه بعد ذلك.
والقضية لا علاقة لها بالنسبة للرجل بمشروعية عمل المرأة، ولكن هي قرار فردي منه، على نحو أن يتقبل ذلك أو لا يتقبله بناء على أوليته في المفاضلة بين المال الذي تجنيه امرأته العاملة أو قوامته المطلقة على امرأته. فمن أراد المال فعليه أن يتنازل عن القوامة المطلقة، ومن أراد القوامة المطلقة، فعليه أن يتنازل عن الرغبة في الحصول على المال الذي قد تجنيه له امرأته العاملة.
قرار شخصي: فأنا على سبيل المثال لا أعارض أن تكون امرأتي عاملة، لكني أفضل أن تكون قوامتي عليها مطلقة. لذا، عندما يطرح موضوع عمل امرأتي، تجدني غير مشجع لها على ذلك، لأني أفضل ألا يشاركني أحد فيها. فأنا شخصيا لا أتحمل أن أجد زوجتي تتلقى أوامر وطلبات من شخص غيري حتى لو كان أبوها أو أخوها أو ربما ابنها (ابني). لذا، أجد الرغبة عندي أكثر ألا تعمل بوظيفة مشروطة بعقد عمل يحد من حرية تصرفي معها. ويجب ألا ينظر إلى أن موقفي يقع في باب كره العمل للمرأة، وهو ليس رغبة في الحد من حريتها الشخصية، ولكن تجنبا لأن يشاركني أحد من الناس في قوامتي المطلقة على زوجتي. فربما لا أطيق أنا شخصيا أن أطلب من شخص آخر (كائن من كان) أن يأذن لزوجتي بأن تنصرف من العمل معي في ساعة من نهار.
نتيجة مهمة جدا: عليك أيها الرجل أن ترتب أولياتك فيما يتعلق بقوامتك المطلقة على زوجتك أو جني المال من عمل ما ملكت يمينك.
السؤال: ما معنى ملك اليمين؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن ملك اليمين من النساء (وليس الأزواج) هن اللاتي وقع عليهن فعل النكاح بالمكاتبة:
... وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ
السؤال: لماذا يتم عقد النكاح على هؤلاء بطريقة المكاتبة وليس بالنكاح العادي؟
رأينا المفترى: لأن ذلك العقد هو عبارة عن عملية اتفاق مسبق يحفظ الحقوق ويحدد الواجبات مسبقا، درء لوقوع المشاكل لاحقا. انتهى.
الدليل
باب الملائكة، الملك، التملك، الخ.
لعلّ المتدبّر للنص القرآني لا يتوقف عن طرح التساؤلات حول كل شيء مهما كان غريبا أو ربما غير مألوف عند العامة من الناس، فنحن نتجرأ هنا على طرح التساؤل المثير التالي: ما معنى مفردة "الملائكة"؟ أو لنقل: لماذا سُميّت هذه المجموعة من عباد الله المكرمين بـ "الملائكة"؟
رأينا المفترى: لو دققنا في اللفظ جيدا، لوجدنا بأن مفردة الملائكة لها علاقة بالجذر "ملك" ومشتقاتها. ليكون السؤال الآن هو: ما الذي يمكن أن نستفيده من ذلك في سياق الحديث عن ملك اليمين؟
رأينا المفترى: لو أمعنا التفكير في هذه المخلوقات الإلهية، لوجدنا على الفور أنها مخلوقات مكلّفة بالقيام بمهام محددة:
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
فهم إذا يعملون بأمر ربهم، فلا يعصونه فيما أمرهم، ومن يعص منهم أمرا من ربه، سيخرج – لا محالة - من هذه الفئة فورا ليصبح من الشياطين، كما حصل مع إبليس (مثلا). فقد افترينا سابقا الظن بأن إبليس كان من ضمن جمع الملائكة الذين صدر لهم الأمر الإلهي بالسجود لآدم، ومادام كذلك، كان عليه أن ينفذ القرار الإلهي، لأنه وافق (نحن نتخيل) أن يكون من جند الله الذين يعملون بأمره وينتهون بنهيه. ولكن عندما رفض إبليس الأمر الإلهي:
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
أصبح شيطانا رجيما. فأُخرِج منها مذموما مدحورا.
وهنا نتوقف لنحذر الجميع من خطورة عدم الالتزام بالعقد المبرم بين الطرفين ما دمت قد وافقت على شروطه مسبقا. ومن يخل بشروط العقد بعد الموافقة عليه، يتحمل تبعات الشروط الجزائية التي نص عليها ذلك العقد على المخالف. فإذا حصلت المكاتبة من طرف، ووافق الطرف الآخر عليها، يصبح هو من الفاسقين إن هو لم يراع شروط العقد حق الرعاية كما تبين لنا الآية الكريمة التالية (كما نفهمها طبعا):
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
فالذين لم يراعوا الرهبانية التي كتبها الله عليهم حق الرعاية، كانوا من الفاسقين. وكذلك كان إبليس عندما فسق عن أمر ربه:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نرى (ربما مخطئين) بأن الملائكة عباد الله المكرمين لأنهم يعملون بأمر ربهم، ولأنهم لم يفسقوا عن أمره. انتهى.
فحتى المحكمة في القضاء البشري تعاقب من يخل بشروط العقد المبرم بين طرفين. فلا أستطيع أنا شخصيا أن أحاول التنصل من شروط العقد الذي أبرمته مع طرف آخر في أي وقت أشاء إذا ما وجدته لاحقا في غير صالحي، فالتنصل من أي جزئية في العقد (أو العقد كله) لا يمكن أن يتم إلا برضى الطرف الآخر، وموافقته على ذلك من جديد، وذلك لأن عقد المكاتبة ملزم للمتكاتبين. انتهى.
ولو دققنا في مفردة المُلك، لوجدنا بأن المُلك لا يتحصل إلا بالاتفاق بين طرفين، أي موافقة الطرف الأول على حيازة شيء ما من طرف آخر ليكون ضمن تصرفه. فلا أستطيع أن أحوز على قطعة أرض تعود ملكيتها لك – مثلا- إلا بموافقتك وتوقيعك على عقد التملك. وبهذا فإنك تتنازل عن حقك في التصرف بذلك الملك (لنقل العقار)، ليصبح حق التصرف فيه لي بدلا منك. فالمالك له حق التصرف فيما يملك. فالله هو نفسه مالك يوم الدين، لأن له وحده حق التصرف في ذلك اليوم. فلا ملك لغيره حينئذ.
وحتى المَلِك الأرضي، فهو صاحب الحق في التصرف في مملكته، فالأمر أمره فيها، والنهي نهيه، ومالك العقار هو من له حق التصرف في عقاره، كما لمالك المال حق التصرف في ماله. وهكذا.
وكذلك هو حال الشخص الذي يوقع عقد عمل مع المؤسسة أو الشركة ليعمل فيها مقابل أجر معين، فهو إذا قد تنازل عن شيء من حريته، لتكون في يد صاحب العمل مقابل المال المدفوع له من قبل صاحب العمل ضمن شروط العقد المبرم والموقع من الطرفين. وبالتالي فهذا الشخص هو موظَف (بالفتح) من مُلك تلك المؤسسة أو الشركة الموظِفة (بالكسر) له ضمن شروط معلنة، متفق عليها من قبل الطرفين ابتداء. والذي يخل بهذه الشروط من كلا الطرفين، يتحمل المسئولية الجزائية جراء ذلك. فأنا لا أستطيع أن أكون من ملك جامعة اليرموك (كموظَف فيها) وقد وقعت على عقد العمل معها، ثم لا أنفذ القوانين والتعليمات والتشريعات المعمول بها في الجامعة كما يديرها رئيسها. فلو تطلب الأمر أن يستدعيني رئيس الجامعة أو عميد الكلية أو رئيس القسم في ساعات العمل لأي أمر يخص العمل، لا أستطيع (ولا يجب) أن أتلكأ عن تلبية النداء على الفور. ولكن لا يستطيع رئيس الجامعة – مثلا- أن يكلفني بعمل لا تنص عليه قوانين وأنظمة وتعليمات الجامعة المعمول بها، كأن يطلب مني مثلا ألا أدخن خارج أوقات الدوام مادام ذلك ليس منصوصا عليه في العقد الأول الذي وقعته مع الجامعة عندما قبلت العمل فيها. كما لا يجب على صاحب العمل أن يغير القوانين والأنظمة والتعليمات التي وقعت عليها ابتداء إلا بموافقتي. فإذا كنت قد وقعت على عقد عمل ينص على تعليمات محددة بالنسبة للترقية الأكاديمية، فلا يحق لصاحب العمل تغيير هذه التعليمات إلا بموافقتي المسبقة. وإن هو فعل ذلك (كما يحصل في بلاد الأعراب)، فهو بذلك يتعسف في استخدام سلطته، ولا يستطيع اجباري على ذلك إلا من باب سلطة القوي على الضعيف. لكن هذا لا يعني بأنه لن يحاسب عليها عند ربه عندما تجتمع الخصوم. ومالك العقار المؤجر لا يستطيع شرعا (نحن نظن) أن يغير شروط الإجارة المنصوص عليها في عقد الإجارة الموقع مسبقا دون موافقة الطرفين. وهكذا. وبكلمات بسيطة جدا نحن نردد القاعدة المعروفة في كل قضاء محترم: "العقد شريعة المتعاقدين". فعلى المتعاقدين أن يلتزموا جميعا التزاما تماما بشروط العقد المكتوب الذي وقع عليه الطرفان. والمسئولية الجزائية تقع على الفور على كل من أخلّ بشروط العقد من الطرفين.
السؤال: ما علاقة هذا بنكاح ملك اليمين؟
رأينا المفترى: عندما لم يستعفف الناكح حتى يغنيه الله من فضله، لينكح زوجة له يكون له القوامة التامة عليها، وتعجل في طلب النكاح بالرغم من عيلته، وآثر أن يبحث على من تجلب له بعض المال ليسد حاجته (لخوفه أن يعول)، فإن عقد نكاحه يكون على ما ملكت اليمين:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
وعليه أن يلتزم (لا بل ويحترم) شروط عقد النكاح (المكاتبة):
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)
الذي يجب أن ينص على احترامه وقبوله بعقد العمل الذي أبرمته مخطوبته (مع صاحب العمل) قبل أن ينكحها. فعليه أن يفهم بأن هذه المرأة ليست حرة تماما، جاهزة لأمره في كل وقت وحين، متى شاء وكيفما شاء، فعليه أن يكون مدركا تماما منذ لحظة عقد نكاحه عليها بأن حريتها مقيدة بشروط عقد عملها، وعليه أن يتقبل مشاركة غيره لها في تنفيذ الأوامر الصادرة لها من صاحب العمل. فعليك عزيزي الرجل أن تتقبل فكرة أن يمنعك صاحب العمل من الوصول إلى امرأتك (ما ملكت يمينك) في أوقات العمل الرسمي، وعليك أن تتقبل فكرة أن يرفض صاحب العمل أن يرسلها معك (أو إليك) في يوم العمل إن كان يري صاحب العمل أن ذلك من ضرورات العمل التي تقوم بها امرأتك مقابل الأجر الذي تتقاضاه من ذلك العمل، وعليك أن تتقبل أن تكون شريكا (وليس متفردا) في حرية امرأتك مادام أنك آثرت أن تجلب لك المال الذي تشاركك إياه في نهاية اليوم أو الشهر أو العام.
السؤال: إذا كان هذا ما يتوجب على الرجل أن يقرّ به لامرأته المملوكة (كملك يمين وليس كزوجة) أيضا من غيره، فماذا له؟
رأينا المفترى: عليك أيتها المرأة المملوكة لناكحك ولصاحب العمل معا أن تقدّري ذلك، وأن تعي متطلبات ذلك العقد المكتوب (عقد المكاتبة) وتبعاته، ليس فقط معنويا وإنما ماديا أيضا، فتنازل ناكحك عن ولايته الكاملة عليك (القوامة) لا يكون بالمجان، فالمال الذي تجلبينه من ذلك العمل هو على حسابه كما هو على حساب بيتك، لذا فأنتم جميعا في ذلك المال شركاء بالتساوي:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
فذلك المال ليس فضلا ولا منّة منك على ناكحك، ولكن لناكحك بالمكاتبة حق فيه يساوي حقك فيه. فلا تمنّي على الرجل (الناكح مكاتبة) بذلك المال ويكأنه فضل منك عليه، بل له حق فيه جراء تنازله عن حقه فيكِ أنت شخصيا.
السؤال: كيف يدرئ عقد المكاتبة وقوع المشاكل لاحقا؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لا شك أن هناك من الرجال من يقومون بالضغط على نسائهم (المنكوحات كملك يمين) بترك العمل بعد الزواج بالمكاتبة، متعذرين بحاجة البيت للمرأة، أو ربما لانتفاء حاجته للمال (الذي كانت تجلبه امرأته من عملها) بعد حين من الزمن. ولا شك أن بعض النساء يرفضن ذلك، وقد يصل الخلاف بين الطرفين حول هذه الجزئية إلى نتائج كارثية على طبيعة العلاقة بينهما، ربما تصل إلى حد الطلاق. وهنا قد يظن كل طرف أنه على حق، فالرجل يتعذر بحاجة بيته، والمرأة تتحجج بأهمية العمل بالنسبة لها، فإلى صالح مَنْ يجب أن يكون قرار الحكم (القاضي) بينهما؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ربما نجد أن أحدا من الرجال قد آثر أن ينكح من هي من ملك اليمين (الموظَّفة) خوفا من العيلة لأنه ليس غنيا لينكح زوجة له بدلا من ملك يمين، ثم ما هي إلا سنوات (قليلة أو كثيرة) حتى تتحسن ظروفه المادية، وعندها يقوم بالضغط على امرأته (المملوكة) لترك العمل، وربما يبدي استعداده لأن يدفع لها كل ما تدفعه الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها امرأته، ليكون السؤال الآن: ماذا لو رفضت المرأة مثل هذا العرض؟ فإلى صالح مَنْ يجب أن يكون قرار الحكم (القاضي) بينهما؟
تخيلات مفتراة: ماذا لو وافقت ملك اليمين أن ينكحها رجل، ثم ما لبثت أن رفضت أن تدفع لناكحها شيئا من المال الذي تجنيه من العمل؟ فإلى صالح مَنْ يجب أن يكون قرار الحكم (القاضي) بينهما؟
الخ
رأينا المفترى: نحن نظن بأن الإجابة على كل تلك المشاكل المتوقعة (محتملة الحدوث) تكمن في مفردة واحدة فقط، إنها الكتاب (أو المكاتبة)، أي التوقيع على الشروط الملزمة للطرفين لحظة إبرام عقد المكاتبة بينهما. انتهى
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية جيدا:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)
لوجدنا بأن الذي كان غنيا، ينكح زوجة وليس ملك يمين، وله حق القوامة عليها بالإنفاق. لكن الذي لم يستعفف حتى يغنيه الله من فضله، وتعجّل النكاح بالرغم من عدم قدراته على القوامة التامة، فهو إذا ممن يبتغون الكتاب (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ)، فيكون نكاحه مما ملكت الأيمان (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)، وعليه إذا أن يوقع عقد المكاتبة (فَكَاتِبُوهُمْ)، فيكون الاتفاق المسبق بينهما يسطّر شروط المكاتبة جميعا حول القضايا في عقد المكاتبة (الكتاب). وعلى الطرفين الالتزام الحرفي بتلك الشروط، ولا يمكن التنازل عن (أو تغيير أي) جزئية فيه إلا عن تراض وتشاور منهما. انتهى.
ولو دققنا في الآية الكريمة التالية:
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61)
لوجدنا فيها ما يمكن أن تطير له الألباب خاصة في قوله تعالى (وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ)، ليكون السؤال هو: هل هناك داع أن ينفي الله الحرج أن نأكل من بيوتنا؟ أليس من الطبيعي أن يأكل الشخص من بيته؟ هل نحتاج إلى رخصة في ذلك؟ ومن أين يمكن أن نأكل إن لم نأكل من بيوتنا؟ هل ترى في ذلك معلومة ذات فائدة مرجوة أصلا؟!
جواب مفترى: لو دققنا في الآيات الكريمة على مساحة النص القرآني الخاصة بالبيوت، لوجدنا بأن ملكية البيت تعود بالأصل إلى المرأة وليس للرجل:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
فحتى عند حصول الطلاق، فالبيت للمرأة، ولا يجب إخراجها من بيتها.
وها هي امرأة العزيز تراود يوسف في بيتها (وليس بيت بعلها):
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
والله طلب من نساء النبي أن يقرن في بيوتهن:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
وكانت آيات الله تتلى في بيوتهن:
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
السؤال: لماذا هو بيتها (وليس بيت بعلها أو زوجها)؟
رأينا المفترى: لأنهن غير عاملات، لا يكسبن المال من أجل الإنفاق. فالرجل في هذه البيوت هو صاحب القوامة التامة، والزوجة فيه معتمدة بالكلية على زوجها في الإنفاق على ذلك البيت. ومادام أن الرجل مستعد للإنفاق على بيت زوجته، فهي التي تملك ذلك البيت بما استحل من فرجها. فالرجل يكون عنده القدرة في الاستقلال المادي، فيستطيع أن يتخذ بيتا غير هذا البيت. أما الزوجة فهي غير قادرة على الاستقلال المادي، فلا تستطيع أن تتخذ لنفسها بيتا غير هذا البيت. فهو بيتها ومقرها الوحيد، لذا لا يجب أن تخرج منه حتى لو حصل الطلاق بينهما.
أما في حالة نكاح ملك اليمين، يصبح البيت مشاركة بين الطرفين، وقد لا تكون عند الرجل القدرة على الاستقلال المادي واتخاذ بيت غير هذا البيت. فيصبح البيت له كما هو لامرأته. وهنا يوجهنا الشارع العزيز في كتابه الكريم (كما نفهمه طبعا) بأنه ليس علينا جناح أن نأكل من بيوتنا (ما دمنا لا نستطيع اتخاذ بيتا غيره):
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61)
فلا حرج إذا على الرجل أن يأكل من بيته الذي ينفق عليه من ماله ومال ملك يمينه بالتشارك أو أن ينفق عليه من مال ملك يمينه بالكلّية. فحتى لو كانت المرأة المنكوحة بالمكاتبة (ملك اليمين) هي المعيل الوحيد للبيت ماديا (bread winner)، فلا جناح على ناكحها أن يأكل من بيته. فعقد المكاتبة بينهما مبني على أن تستمر المرأة بالعمل وجني المال، ليكون الجميع متشاركين فيه سواء:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
فالمال الذي تجنيه المرأة العاملة (ملك اليمين) هو مال يتشاركه الرجل مع المرأة سواء (فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء). فلا جناح على الرجل إذا أن يأكل من بيته في هذه الحالة.
نتائج مفتراة
- البيت مكان إقامة
- البيت ملك للزوجة (والزوج طارئ عليه)، يستطيع أن يتخذ بيتا غيره لقدرته المالية على ذلك
- البيت ملك للرجل إذا كان ناكحا ملك يمين، فلا يستطيع أن يتخذ بيتا غيره لعدم قدرته المالية على ذلك
- لا جناح على الرجل أن يأكل من بيته حتى وإن كان معتمدا بالكلية على ما تنفقه فيه امرأته (ملك يمينه) مما تجنيه من العمل
- الخ.
دروس مستفادة من مثل هذا الطرح
إن هذا الطرح على ركاكته، يدعونا إلى إعادة النظر في كل الموروث الخاص بقضية ملك اليمين. فنحن نفتري بأنه لا رابط على الإطلاق بين مسألة ملك اليمين وقضية العبودية. فغالبا ما تساءل العامة من الناس فيما إذا كان الإسلام قد شرّع العبودية، وعن سبب عدم وجود آية واحدة في كتاب الله تلغي بصريح اللفظ مسألة استعباد الناس.
وقد شرع أهل العلم قضية العبودية من باب فهمهم لمسألة "ملك اليمين"، حتى وصلت الجرأة بهم إلى تشريع السطو المسلح على الأمم الضعيفة لجلب نسائهم سبايا وأطفالهم عبيدا للمؤمنين منهم. ولا شك أن هذه القضية على وجه التحديد قد كانت على الدوام بوابة للقدح في عدالة هذا الدين السماوي. فالمخالف ينظر إلى الأمر بغير العين الذي ينظر بها أهل العقيدة خاصة المتمسكين بإرث الآباء والأجداد. ليكون السؤال المحوري هنا هو: ما هو موقف الإسلام (كما نفهمه نحن) من هذه القضية؟ فهل أباح الإسلام استرقاق الناس وسبي نسائهم واستعباد أطفالهم؟
رأينا المفترى: كلا وألف كلا. نحن نظن أن هذا سلوك نفاه القرآن الكريم، لأنه ببساطة لم يكن إلا من شرع فرعون وأمثالهم:
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نعتقد جازمين (ربما مخطئين) بأنه لم يمكن ليستعبد المستضعفين من الناس إلا من كان على شريعة فرعون ودينه.
وقد كان تعبيد فرعون للمستضعفين من بني إسرائيل على نحو تقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم:
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
فالذي يستضعف الناس، فيذبح ابناءهم ويستحي نساءهم ليس أكثر من متبع لشريعة فرعون ودينه. انتهى.
ولا شك أن الله سيمنّ على المستضعفين في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت – تتمة سياق الآيات الكريمة السابقة:
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: إن الدين لا يمكن أن يشرعن استعباد العباد، ولا يمكن أن يقبل بتقتيل الأبناء واستحياء النساء إلا إن كان كدين فرعون ومن دار في فلكه. انتهى.
السؤال: لماذا لم يأت نص صريح في كتاب الله على تحريم ذلك بصريح اللفظ؟
رأينا المفترى: لأن ذلك لم يكن أصلا موجودا حتى في الجاهلية الأولى. فهذا السلوك لم يكن سلوكا لأي أمة على الأرض حتى يأتي تحريم لها في كتاب الله.
السؤال: وكيف ذلك؟ ألم يكن أهل مكة يستعبدون البشر؟
رأينا المفترى: كلا وألف كلا.
السؤال: وكيف ذلك؟ فما قصة بلال وعمار بن ياسر وأمثالهم؟ ألم يكونوا عبيدا لسادة قريش (كما تذكر الروايات التاريخية)؟ يسأل صاحبنا.
رأينا المفترى: كلا وألف كلا.
السؤال: فكيف إذا كان هؤلاء عبيدا؟
رأينا المفترى: إن هؤلاء لم يكونوا (نحن نجزم الظن) عبيدا بالمعنى الدارج في أذهان الناس الآن (كما روج له التراث الديني)، ولكنهم كانوا "ملك يمين"، بالمعنى الحقيقي للعبارة كما فصلها كتاب الله الكريم.
السؤال: وما الفرق بين العبيد (بالمعنى الدارج) وملك اليمين (بالمعنى الذي تحاول أن تروج له)؟ يسأل صاحبنا مرة أخرى.
رأينا المفترى: نحن نظن أن "ملك اليمين" ليس أكثر من نظام العمل المشغل للسوق.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: لما كان المجتمع الجاهلي ليس مجتمع دولة، ولما كان أي مجتمع يحتاج إلى عمال يقومون بتنفيذ العمل لصاحبه مقابل أجر مادي يدفعه صاحب العمل لهذا العامل، كان لابد من عملية المكاتبة (أي ابرام عقود العمل). فصاحب العمل هو الذي يدفع من ماله لمن يقوم له بالعمل، لذا كان لابد من عملية تنظيمية تحدد حقوق كل طرف وواجباته الموكلة إليه حسب بنود العقد المبرم بين الطرفين، حتى لا يحصل الخلاف بينهما، وحتى يفض الخلاف إن حصل لاحقا. فكان نظام ملك اليمين.
فحتى الدولة الحديثة تنظّم سوق العمل بين صاحب العمل (أرباب العمل) والمشتغلين فيه بنظام مكتوب، على شكل عقود واضحة البنود يتفق عليها الطرفان. فنحن الآن (كموظفين) ملك يمين للمؤسسة أو الشركة أو الدولة التي نعمل فيها. والعلاقة بين العامل ورب العمل يحكمه الاتفاق المسبق الموقع في عقد العمل.
لذا، لما كان بعض أهل مكة من الأثرياء بحاجة إلى اليد العاملة التي تشغل لهم مصالحهم مقابل أجر مادي يدفعه صاحب العمل لذاك العامل. كانت العلاقة بين صاحب العمل (الموظِف) والعامل (الموظَّف) تنظمها عقود مبرمة بين الطرفين. فيشار في ذلك العقد إلى أن الطرف الأول (صاحب العمل) هو رب (رب العمل) ويشار إلى الطرف الثاني ملك يمين. فهذا يوسف نفسه يطلب من صاحبه السجن أن يذكره عند ربه:
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
فهو ربه ليس لأنه يعبده، ولكن لأنه يعمل عنده، فهو الذي يسقي ربه خمرا. وانظر – إن شئت- الآية السابقة في سياقها الأوسع:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
نتيجة مفتراة: صاحب العمل هو الطرف الأول في عقد العمل يُشار إليه برب العمل
نتيجة مفتراة: العامل هو الطرف الثاني في عقد العمل يُشار إليه بملك اليمين
التفريق بين الغزوات والفتوحات
لعل من أكثر الإساءات – برأينا – لشخص النبي الكريم أن أهل العلم قد غرسوا في ذهن العامة أن الحروب التي شُنّت على النبي وأصحابه قد أسموها غزوات، ونسبوها للنبي، فتحدثوا في مؤلفاتهم عن غزوات النبي. بينما سموا حروب بني أمية وبني العباس بالفتوحات.
ففي حين أننا نعلم يقين بأن المكذبين برسالة محمد من قومه هم الذين حاولوا بكل السبل التضييق عليه لكيلا تنتشر دعوته، لدرجة أن أجبر على ترك مكة إلى يثرب ليكمل الرسالة هناك، وبالرغم أنهم لم يدعوه وشأنه هناك، فشنوا الغزوات عليه، إلا أن الفكر الإسلامي المتوارث قد قلب الأمور كما اشتهى المعتدين، فسمى غزوات المعتدين على محمد وصحبه بغزوات محمد وأصحابه. فأصبحنا نسمع عن غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق، ونظن – كعامة من الناس- أن محمد هو من شنها على الآخرين. وأصبحنا نعتقد (كعامة) أن محمدا كان يشن الغزوات (الغارات) على الآخرين يدخلهم عنوة في دينه، ليسبي نساءهم ويستعبد أبناءهم!!!
ولكن نجد – بالمقابل- أنه عندما عاد إلى مكة وإلى أهلها – وهم الذين آذوه وأخرجوه- كانت ردة فعله الأولى – كما صورتها لنا كتب الدين في أيام المدارس الابتدائية على نحو "اذهبوا فأنتم الطلقاء". فحتى قبل أن أبلغ الحلم تساءلت في نفسي: كيف تكون ردة محمد هكذا تجاه الناس الذي كانوا أكثر عداء له ولأصحابه؟ ولم كانت ردة فعله (كما صورتها لنا مؤلفات أهل العلم) قاسية جدا في حق غيرهم (كاليهود مثلا)؟
إن ما يهمنا طرحه هنا هو أن الحروب التي حصلت في زمن محمد كانت غزوات لأن محمدا كان هو المعتدي عليه. فهي غزوات الكافرين، لأنهم هم المعتدون. فالكفار هم الذين غزوا محمدا وأصحابه في عقر داره. فغزوة بدر هي غزوة ليس لأن محمد هو من شنها، ولكن لأنها شُنت عليه. فهم الذين قدموا من بعيد لحربه قريبا من مكان سكنه. وكذلك هي غزوة الخندق وحنين. أما أُحد، فقد كانت الهزيمة من نصيب أصحاب محمد لأنهم – برأينا- لم ينزلوا عند أمر النبي بأن لا يخرجوا من المدينة حتى لا يكونوا معتدين. ولكنهم عندما آثروا الخروج من ديارهم طالبين الحرب بأنفسهم، لُقنوا درسا قاسيا لن ينسوه ما عاشوا على الأرض. وهذا الدرس مفاده أن من كان مسلما، لا يشن حربا على غيره، وإن هو فعل، فالخسارة ستكون من نصيبه.
ولو تدبرنا ما آلت إليه حال البلاد التي دخلها الإسلام، لوجدنا أن الإسلام لم يستقر في بلد كان دخول المسلمين فيها بالسيف (كأوروبا)، بينما استقر الإسلام في البلاد التي لم يرفع فيها السيف في وجه أصحابها كالهند وجنوب شرق آسيا حتى حدود الصين وجزر اندونيسيا.
ولا شك أن هذا الموضوع كبير جدا، يحتاج إلى صفحات من التفصيل لجلب الدليل، وهو ما سنحاول أن نقحم أنفسنا فيه في مقالات قادمة بإذن الله وتوفيق منه. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا وأن يزدني علما. وأعوذ به وحده أن نكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس بحق إنه هو السميع البصير.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان & محمد معتصم المقداد
بقلم: د. رشيد الجراح
11- 3- 2020