فقه الحج - رؤية جديدة 6
فقه الحج - رؤية جديدة – الجزء السادس
افتراءات سابقة مهمة جدا
- الأيكة هي ما يشبه عش الطائر، أي البيت الذي لا سقف له
- قام إبراهيم بإسكان من ذريته بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... (37)
- رفع إبراهيم (مع ولده إسماعيل) القواعد من البيت فقط، فكان على شكل أيكه
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
- تكاثر الناس حول ذلك البيت شيئا فشيئا:
... وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
- كان الذين هوت أفئدتهم من الناس إلى ذلك البيت من الأعراب
... رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
- كان قوم شعيب هم أصحاب تلك الأيكة
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)
- كانوا أصحاب الأيكة لظالمين لأنهم أخذوا ما ليس لهم بحق:
وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
- بعد أن تكاثر الناس هناك، انقسموا إلى فئتين، فئة مؤمنة وأخرى لم تؤمن
وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
- كانت الغلبة للذين لم يؤمنوا، فاعتبروا أنفسهم أولياء البيت، حتى وإن لم يكن لهم الحق في ذلك لأن أولياء البيت هم المتقون
وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34)
- أخذ هؤلاء يوعدون ويصدون عن سبيل الله، وكان ذلك على نحو أنهم قد قعدوا للآخرين بكل صراط
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
- ولما كانوا يوعدون، كانوا هم من يقومون (نحن نفتري القول) بالفعل الذي يقوم به الشيطان نفسه:
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)
وكان ذلك هو وعد الشيطان للإنسان منذ بدء الخلق:
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)
- أخذ هؤلاء الأعراب يقومون أيضا بفعل القعود بكل صراط، كما هي حال الشيطان نفسه الذي يقعد للناس صراط الله المستقيم:
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
- أخذوا يصدون عن سبيل الله بالضبط كما يفعل الشيطان بالناس عندما يصدهم عن السبيل:
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
- الخ
أما بعد،
لو تفقدنا الآية الكريمة التالية الخاصة بقوم شعيب، لوجدنا فيها – نحن نرى – ما يدعو إلى التدبر الحقيقي، قال تعالى:
وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
ليكون السؤال الذي نود أن نطرحه الآن هو: لماذا جاء النص على نحو أن هؤلاء القوم كانوا لَظَالِمِينَ؟ لماذا لم يكونوا ظالمين وكفى؟ فما فائدة هذه اللام التي ترد في بداية كلمة ظالمين (لَظَالِمِينَ)؟
جواب مفترى: لو تفقدنا النص القرآني كله، لما وجدنا أن هذه الصيغة قد جاء في كتاب الله إلا في الآية الكريمة التالية التي تتحدث عن جانب من قصة يوسف مع إخوته:
قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ (79)
ولو أمعنا النظر في ذلك، لوجدنا أن من جاء وصفهم في كتاب الله على نحو أنهم "لَّظَالِمُونَ" (أي باستخدام هذه اللام في بداية كلمة ظالمين) هم من أخذوا شيئا لا حق لهم فيه، فهذا يوسف (ومن معه) يرفض أن يأخذ غير من وجدوا متاعهم عنده (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ)، وبخلاف ذلك يصبح هو (ومن معه) لظالمين (إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ)، وهذا يدعونا إلى تقديم الافتراء التالي الذي هو لا شك من عند أنفسنا: من كانوا "لَظَالِمِينَ/ لَّظَالِمُونَ" هم من أخذوا شيئا لا حق له بهم أصلا، لذا نحن نتجرأ على الظن بأن أصحاب الأيكة كانوا لَظَالِمِينَ، لأنهم – برأينا- حازوا على ملكية شيء لا حق لهم به، فما هو ذلك الشيء؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن أصحاب الأيكة كانوا لَظَالِمِينَ لأنهم هم من ادعى ملكية الأيكة من غير حق. فبالرغم أن الأيكة (أي البيت الحرام) هو ملكية عامة مادام أنه قيام للناس:
جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
عمد هؤلاء إلى اعتباره ملكية خاصة بهم، فكانوا لَظَالِمِينَ:
وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
وهنا أخذ هؤلاء القوم يتعاملون مع الآخرين على هذا الأساس، أي أن الكعبة البيت الحرام (الأيكة) هي ملكية خاصة لهم. فمنعوا كل من يريد الوصول إلى الأيكة (البيت الحرام) إلا بشروطهم، فأصبحت شعائر ومناسك الحج تطبّق حسب شروطهم الخاصة وليس على ملة إبراهيم، فكانوا (نحن نفتري الظن) من الذين سفهوا أنفسهم لأنهم رغبوا عن ملة إبراهيم:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاًّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)
فلقد كانت ملة إبراهيم مبنية على عدم عبادة الأصنام:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)
لكن لو لاحظنا ما حصل بعد ذلك، لوجدنا أن عبادة الأصنام قد أصبحت حاضرة هناك عند البيت عند دعوة محمد، فما عاد القوم المتواجدون عند البيت الحرام على ملّة إبراهيم لأنهم رغبوا عنها ماداموا قد عادوا إلى عبادة الأصنام، فكانوا بذلك ممن سفهوا أنفسهم:
وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
ولقد كانت دعوة إبراهيم عند البيت على النحو التالي:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)
وما أن توالت السنوات حتى عاد الناس إلى عبادة الأصنام عند البيت حتى جاءت دعوة محمد لإعادة الأمور إلى نصابها، فيعود الناس إلى ملة إبراهيم من جديد. لكن كانت المفارقة العجيبة أن الأعراب لم يكن ليقنعهم الوضع كما بدأه إبراهيم وولده إسماعيل في تلك الأرض، وهم الأعراب أنفسهم الذين قاموا لاحقا (نحن نتجرأ على القول) بتحريف دعوة محمد، ولكن بشكل جديد.
الدليل: باب الحج على ملة إبراهيم
نحن نفتري الظن بأن أول التحريفات التي قام بها الأعراب بعد محمد تتعلق – برأينا- بما جاء في الآية الكريمة التي أنهينا بها الجزء السابق من هذه المقالة، وهي ما جاء في قوله تعالى:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
وقد قادنا النقاش حينئذ إلى ضرورة التمييز بين نوعين من الناس الذين فرضوا الحج في أشهر الحج، وهم الذين أحصروا (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) من جهة والذين أمِنوا (فَإِذَا أَمِنتُمْ) من جهة أخرى.
وقد حاولنا تسويق الظن بأن الذين أحصروا هم الذين منعوا من إتمام الحج والعمرة لأي سبب كان، أي حصل أمر ما منعهم من الوصول إلى مكان البيت العتيق، فما استطاعوا إتمام الحج والعمرة لله. فتوجب على هؤلاء (نحن نرى) ضرورة القيام بشعائر خاصة من أجل الظفر بالأجر (ربما) كأجر الحاج نفسه الذي أمِن فاستطاع الوصول إلى هناك في أشهر الحج. وزعمنا الظن بأن أهم ما يتوجب على من أحصر هو تقديم الهدي، قال تعالى:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ...
ويتزامن مع تقديم الهدي شعيرة أخرى هي عدم حلق الرؤوس حتى يبلغ الهدي محله، قال تعالى:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...
ليكون السؤال: كيف يمكن تنفيذ ذلك على أرض الواقع؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن التنفيذ العملي لهذه الشعائر هو على نحو أن يقوم كل من أحصر (فما استطاع أن يتم الحج والعمرة لله في أشهر الحج) تحضير الهدي (أي الأضحية) والكف عن حلق الرؤوس حتى يبلغ الهدي محله (أي حتى يوم النحر)، فيبقى الهدي معكوفا حتى يبلغ محله، قال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
السؤال: كيف يبلغ الهدي محلة؟ ومتى يبلغ الهدي محله؟ وأين هو أصلا محل الهدي؟
رأينا المفترى: لو تفقدنا الآيات الكريمة التالية:
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
لخلصنا إلى افتراء الظن بأن محل الهدي هو البيت العتيق:
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا (1): البيت العتيق هو محل الهدي
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا (2): مادام أن محل الهدي هو البيت العتيق، فإن الهدي الذي لا يبلغ البيت هو هدي معكوف (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ). انتهى
السؤال: ما هو العكوف؟ ومن هو العاكف؟ ومن هم العاكفين؟
باب العكوف
لو تفقدنا السياقات القرآنية لجميع مشتقات الفعل "عكف"، لربما حق لنا أن نفتري الظن بأن الآيات القرآنية التالية لها علاقة مباشرة بالموضوع قيد البحث:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ (91)
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
ولو تدبرنا هذه الآيات الكريمة، لوجدنا بأن العكوف يحمل في ثناياه الانتظار، فهؤلاء قوم موسى قد ظلوا عاكفين على العجل حتى يرجع إليهم موسى:
قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ (91)
ولا شك أن هذا العكوف قد حصل نتيجة مشكلة ما (كعجل السامري في حالة بني إسرائيل)، فما اتخذ بنو إسرائيل قرارهم بالعكوف إلا بعد أن أخرج لهم السامري عجلا جسدا له خوار:
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
فاتخذوه آلهة لهم:
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ (148)
كما نظن بأن العكوف لا يكون إلا من أجل غاية محددة بعينها (خاصة بالعبادة). فعادة ما يكون المؤمنون من الناس عاكفين في المساجد:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
ومادام أنك عاكف في المساجد، فإن من موجبات هذا العكوف هو عدم قرب النساء، أليس كذلك؟
السؤال: لماذا لا يحق لمن كان عاكفا في المساجد أن يقرب النساء؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: لمّا كانت المساجد لله:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
فإن العاكف في المسجد هو قائم هناك من أجل غاية محددة بذاتها وهي – برأينا- ملاقاة ربه، أو الوصول إليه. ولما كانت الغاية هي الوصول إلى الله، فإن من موجبات هذا العكوف هو الكف عن قرب النساء.
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: لأن الله حيّ (من الحياء):
اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)
فلا يجوز – برأينا- قرب النساء في حضرة الرب نفسه. انتهى.
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: نحن نفتري الظن بأن الإله لا يراقب بنفسه (أي مراقبة مباشرة) إلا المساجد. فبالرغم أن لله ما في السموات والأرض، وهو محيط بكل شيء:
وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا (126)
إلا أن المساجد على وجه التخصيص هي لله وحده:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
ومن هنا يأتي (نحن نرى) فضل إقامة الصلاة في المساجد عن إقامتها في أي مكان آخر. فمن كان قائما يصلي في المساجد فهو – برأينا- تحت المراقبة المباشرة من الإله نفسه. أما من أقام الصلاة في أي مكان آخر، فإن الله يعلم بها من خلال رسله. قال تعالى:
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
وقد تعرضنا لهذه الجزئية في مقالات سابقة وظننا أن الخطاب الإلهي بصيغة الجمع يختلف عن الخطاب الإلهي بصيغة المفرد. ففي الآية السابقة نجد أن الخطاب قد جاء على نحن (نَسْمَعُ) مادام أن رسل الله مشتركون في فعل السمع، أما في الآيات الكريمة التالية، فقد جاء الخطاب بصيغة المفرد:
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: مادمت قائما تصلي في المساجد، فإنك تحت سمع الله ورؤيته المباشرة، أما إن أنت أقمت الصلاة في مكان آخر غير المساجد، فإن علم الإله بما تقول وتفعل يصل إلى الله عن طريق رسله.
السؤال: لماذا أمرنا الله بعدم قرب النساء في أشهر الحج؟
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن بأن السبب الذي من أجله طلب الله منا عدم الرفث إلى نسائنا في أشهر الحج (العشرة) لأن الله يكون متواجدا فيزيائيا هناك. فعلى من فرض الحج في أشهر الحج ووصل إلى البيت العتيق، فعليه أن يستحي من الله فلا يقرب النساء في الفترة الزمنية وفي هذا المكان على وجه التحديد، مادام أنه قد أصبح في نطاق منطقة المسجد الحرام، وهي المنطقة التي لا يجوز القتال فيها (إلا عند الضرورة كأن يبدأ المشركون القتال عنده):
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191)
إن ما يهمنا من هذا النقاش هنا هو ظننا بأن العاكفين في البيت العتيق هم اللذين قدِموا من بعيد لملاقاة ربهم بنفسه، فتكون الصلة بينهما مباشرة. انتهى.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: لمّا كان البيت العتيق هو بيت الله:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
ولمّا كان هذا البيت هو بيت الله المحرم:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
فإن إبراهيم لم يسكن من ذريته في البيت العتيق وإنما أسكنهم عند البيت العتيق، أي على مقربة منه، فكان هناك مقام إبراهيم نفسه:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
وكان المكان كله (البيت العتيق) ومقام إبراهيم آمنا لكل من دخله:
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)
والسبب في ذلك هو – برأينا- لأن الإله يتدلى بنفسه في ذلك الوقت في هذا المكان، فيصبح حرما آمنا:
وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
فلا قتال فيه ولا رفث للنساء هناك ولا فسوق ولا جدال في حضرة الإله رب العالمين. لذا، نحن نتجرأ على الظن بأن الحجيج (من الناس) يبدءون التجهز من بعيد لملاقاة الرب هناك عند البيت العتيق، فيلبسون ملابس الإحرام من عند الأهلة التي هي مواقيت للناس من أجل ملاقاة ربهم بنفسه، فيمكثوا في البيت العتيق عاكفين فيه، منتظرين قدوم الإله بنفسه إلى هناك في وقت محدد.
السؤال: متى يأتي ربك إلى هناك؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنه مع بداية أشهر الحج العشرة (أي عشرة أيام بلياليها) تبدأ مراسم تدلي الإله (رب العالمين) بنفسه، فتبدأ مراسم السماء بتجهيز المكان على نحو أن تنزل الملائكة والروح بإذن ربهم أولا، فتسود السكينة في المكان، ويعم الأمن والسلام، فيصبح كل من دخل منطقة البيت العتيق بما فيها مقام إبراهيم في مأمن:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)
وأصبح كل من سكن عند البيت (كقريش مثلا) آمنا:
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)
فيبدأ الحجيج بالقدوم إلى البيت من الأماكن المخصصة لدخول البيت وهي المواقيت. ومن هناك يبدأ التجهز لهذا اللقاء العظيم بالإحرام:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
فتكون تلك المواقيت هي أبواب البيت العتيق، وما أن يقربوا من البيت حتى يكونوا قد اقتربوا من الصراط الذي يكون ربنا بنفسه عليه:
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)
وما أن يبدأ الناس بالوصول حتى يبدءوا شعائر الحج، فيقومون بفعل الطواف والعكوف ويكونون ركعا سجدا:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
فيقومون لحظة الوصول إلى هناك بفعل الطواف بالبيت العتيق:
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
ويكونون أيضا في حالات قيام وركوع وسجود:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
كما يكونون أيضا في حالة انتظار (أي عكوف) حتى يأتي ربهم بنفسه إلى هناك، فيكونون إذن في حالة عكوف ماداموا في حالة انتظار:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
السؤال: متى يأتي الله بنفسه إلى هناك؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الله يأتي بنفسه إلى ذلك المكان في يوم الحج الأكبر:
وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
ولو تدبرنا هذه الآية الكريمة، لوجدنا أنه على الرغم من أن الحج أشهر (وليس شهور) معلومات:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)
(للتفصيل انظر مقالتنا ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب الشهر)
إلاّ أن هناك يوم محدد بذاته أسمه يوم الحج الأكبر (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ)، أليس كذلك؟
السؤال: لماذا يسمى هذا اليوم على وجه التحديد يوم الحج الأكبر؟ أي لم يكون هناك يوم في الحج يسمى يوم الحج الأكبر أصلا؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن هذا هو اليوم الذي يأتي الإله فيه بنفسه، لأن الله هو أكبر، قال تعالى:
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)
السؤال: متى هو ذلك اليوم؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: إنه يوم الوقوف بعرفات.
السؤال: لماذا؟ وأين الدليل على ذلك؟
باب عرفات
نحن نظن أن يوم الوقوف بعرفات هو يوم الحج الأكبر، لأن هذا – برأينا- هو اليوم الذي يأتي فيه الإله بنفسه إلى هناك، ليقضي للناس حوائجهم، وليسبغ عليهم نعمه.
(دعاء: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن، إنك أنت السميع البصير – آمين)
السؤال: لماذا عرفات؟ وما هو عرفات أصلا؟ ولم اختير هذا المكان ليكون هو يوم الحج الأكبر؟
جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: نحن نفتري القول بأن عرفات هو ذلك الجبل الذي تجلى الإله له عند ملاقاة موسى في الميقات المحدد، وهو الجبل الذي جعله الله دكا. انتهى.
الدليل
قال تعالى:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
السؤال: كيف نفهم أن الله قد دك ذلك الجبل؟
رأينا المفترى: دعنا ندقق في الآية الكريمة التالية:
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
السؤال: ما الذي سيحصل للأرض عندما يدكها الله دكا دكا؟
جواب مفترى: نحن نظن أنه عندما يدك الله الأرض دكا دكا، فإن ذلك يؤدي إلى تسويتها أفقيا وعامودا، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
فنحن نظن أن دك الأرض دكا دكا (أي دكتين) يودي إلى تسويتها بطريقة أفقية فلا يكون فيها عوجا، وبطرقة عامودية أيضا فلا يكون فيها أمتا (أي بروز).
(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)
السؤال: ما علاقة هذا بدك الجبل الذي تجل له ربه؟
... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
رأينا المفترى: لمّا كان ما حصل للجبل هو عبارة عن دكة واحدة (جَعَلَهُ دَكًّا) فإن ذلك لم يؤدي إلى تسوية الأرض التي يقع عليها الجبل تسوية أفقية و عامودية معا، وإنما كانت تسوية واحدة، بدليل أنه تبقى للجبل (نحن نظن) بروز ظاهر فوق الأرض التي يقع عليها. ولو راقبنا جبل عرفات (أي جبل النور) وحاولنا مقارنته بما حوله من الجبال الأخرى القريبة منه، لما وجدنا أنه هو الجبل الأعلى، فهناك جبال أكثر علوا منه تقع حوله، وهو الأقل ارتفاعا من بينها جميعا، ليكون السؤال المثير هو: لماذا؟
رأينا المفترى: لأن هذا الجبل لم يدك إلاّ دكة واحدة:
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
لذا، نحن نفتري أنه مادام أن هناك دكة واحدة فهناك إذن دكة ثانية.
السؤال: لمن تحصل الدكة الواحدة؟ ولمن تحصل الدكتان الاثنتان؟
رأينا المفترى: نحن نرى أن الدكة الواحدة قد حصلت للجبل الذي تجلى له رب العالمين:
... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
بينما ستحصل الدكتان للأرض:
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: لأن الجبال كلها لا تدك إلا دكة واحدة ثم تنسف بعد ذلك نسفا:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
وهذا لا محالة حاصل عندما تقوم الساعة. أما قبل ذلك، فإن جلّ ما حصل هو أن هناك جبل واحد، محدد بذاته، قد وقع عليه فعل الدك مرة واحدة وكان ذلك نتيجة تجلي الإله له، فكان هو – برأينا- جبل النور:
... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
السؤال: لماذا يسمى جبل عرفات على وجه التحديد جبل النور؟
رأينا المفترى: لما كان الله هو نور السموات والأرض:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
فإن النتيجة الحتمية لتجلي الإله لهذا الجبل هو – برأينا المفترى- اكتساب ذلك الجبل شيئا من نور الله، فكان هو بذاته جبل النور.
(دعاء: اللهم ربنا اهدنا بالنور الذي أنزلت إلى نورك، فذرنا نقتبس من نورك، فنكن في أنصارك، لتجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمتك هي العليا، فتخرجنا بها من الظلمات إلى النور بإذنك، إنك أنت الحكيم العليم – آمين)
تلخيص ما سبق
عندما يتجهز الناس لأداء فريضة الحج من كل فج عميق، فإن واقع الحال لا تتيح للجميع إتمام فريضة الحج، فقد يحصر جزء من هؤلاء الناس فلا يستطيعون الوصول إلى البيت العتيق في أشهر الحج نتيجة لظرف ما، فما يكون على هؤلاء إلا (نحن نظن) القيام بما تنص عليه الآية الكريمة:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ...
ونحن نفهم ذلك على نحو أن يجهز المسلم الذي لم يستطع إتمام الحج والعمرة لله (لأنه كان من الذين أحصروا) ما تيسر من الهدي (أي الأضحية)، ثم عليه في الوقت ذاته أن يتوقف عن حلق رأسه طيلة فترة أشهر الحج وهي عشرة (أي عشرة أيام بلياليها)، فيبقى الهدي الذي جهزه هذا المسلم الذي أحصر معكوفا طيلة الفترة الزمنية كلها (أي فترة العشرة أشهر)، وما أن يأتي يوم النحر حتى يقوم هذا المسلم بتقديم هديه بعد الصلاة:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
وما أن يأتي ذلك اليوم ويقوم المسلم الذي أحصر بتقديم ما جهز من الهدي حتى يكون الهدي قد بلغ محله، وهنا يحق للمسلم الذي أحصر (نحن نفتري القول) أن يحلق رأسه بعد تقديمه لهذا الهدي الذي قد بلغ محله الآن.
ولو تفقدنا الآيات الكريمة السابقة لوجدنا بأنها تبين لنا أن الله قد أمر رسوله الكريم بالصلاة ثم النحر، وأن كل شانئ للنبي (الذي قام بهذا الفعل) هو أبتر. ونحن نرى (ربما مخطئين) أن كل أبتر هو الذي ليس له صلة بغيره. فما بالك بمن قد قطع صلته مع ربه، أليس هذا هو الأبتر؟ من يدري؟!
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن المسلم الذي يقدم هديه في يوم النحر هو الذي حافظ على صلته بربه، فلا يمكن أن يكون أبترا. انتهى.
(دعاء: اللهم أسألك وحدك أن أكون ممن لهم حظ عظيم في الكوثر، وأسألك وحدك أن أكون ممن يصلون لك ثم ينحرون، وأعوذ بك أن أكون ابترا، إنك أنت الغفور الرحيم – آمين).
كما نفتري الظن من عند أنفسنا بأن من الواجب على الذي أحصر أن يقوم بفعل آخر وهو الصيام، أي صيام الأشهر العشرة من الحج. فإن هو فعل هذه الأمور الثلاثة (تقديم الهدي، وعدم حلق حتى يبلغ الهدي محله وصيام أشهر الحج العشرة)، فإنه قد ظفر (نحن نظن) بالأجر الذي كان من الممكن أن يحصل عليه لو أنه كان من الذين أمنوا فوصلوا إلى البيت العتيق:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا جدا: نحن نظن أن تقديم الهدي في يوم النحر هو من أجل المحافظة على الصلة المباشرة مع الله، فلا يكون من فعل ذلك أبترا.
الدليل
لو تفقدنا هذه الآية الكريمة على وجه التحديد:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
لوجدنا أنها تفصل – برأينا المفترى من عند أنفسنا- بين نوعين من الحجيج وهم الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج من جهة مقابل الذين لم يتمتعوا بالعمرة إلى الحج من جهة أخرى. لتكون التساؤلات الآن هي:
- من هو الحاج المتمتع؟
- ومن هو الحاج غير المتمتع؟
- وما الفرق بين الاثنين؟
- وما هي الواجبات المفروضة على كل واحد منهما؟
رأينا المفترى: إن هذا النوع من التفكير (ربما المغلوط) يقودنا على الفور إلى طرح التساؤل المبدئي التالي: ما معنى التمتع؟ أي متى يمكن أن يطلق على الحاج صفة الحاج المتمتع؟ ومتى يمكن أن نصف الحاج على أنه حاج غير متمتع؟
باب التمتع
دعنا نتجرأ هنا على تقديم افتراء (ربما غير المسبوق) حول هذه القضية التي جاءت فيها أقوال العلماء أهل الدراية من قبلنا على أوجه كثيرة. ونحن أميل إلى الظن بأن افتراءنا هنا (إن صح طبعا) قد يقلب الأمور كلها رأسا على عقب. فبعيدا عن التراث السابق حول هذه القضية، نحن نرى (ربما مخطئين) أن التمتع فعل متعلق بوجود النساء، قال تعالى:
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
فلو تفقدنا هذه الآية الكريمة، لوجدنا أن الاستمتاع يكون في النساء، فالرجال هم الذين يتمتعون بالنساء (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ).
الدليل
لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا الفصل واضحا بين الأكل والتمتع واللهو (بالأمل):
ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
وهنا يبرز السؤال الحتمي وهو: كيف يختلف الأكل عن التمتع؟ وكيف يختلف التمتع عن اللهو (بالأمل)؟
رأينا المفترى: لو دققنا في السياق القرآني التالي: لوجدنا أن الطيبات هي خاصة بالرزق من جهة وبالنساء من جهة أخرى:
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
ولكن لو راقبنا الآيات القرآنية على مساحة النص القرآني، لوجدنا أنه عندما يأتي ذكر الأكل مع الطيبات، يأتي ذكرها صراحة:
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
لكن – بالمقابل-عندما يأتي الحديث عن النساء، فإن لفظ الطيبات تأتي منفردة لوحدها، قال تعالى:
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
لتكون المقابلة بين الطعام من جهة والنساء من جهة أخرى على النحو التالي:
الطعام
|
النساء
|
||
خبيث
وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ
|
طيب
أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
|
خبيث
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
|
طيب
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
|
ولو عدنا إلى الآية الكريمة السابقة، لوجدنا أن هناك فعل خاص بالأكل وفعل خاص بالتمتع:
ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
لتكون النتيجة التي نحاول أن نفتريها على النحو التالي: مادام أن ذكر الأكل قد جاء مستقلا عن فعل الأكل في الآية الكريمة نفسها (يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ)، فربما يحق لنا أن نستنبط القول بأن التمتع الوارد بالآية الكريمة (وَيَتَمَتَّعُواْ) ليس له علاقة بالأكل الوارد في الآية نفسها (يَأْكُلُواْ)، فما هو إذن فعل التمتع الوارد بالآية إن لم يكن خاصا (كما نزعم) بالطيبات من الرزق؟
رأينا المفترى (1): نحن نظن أن فعل الأكل خاص بالطيبات من الرزق
رأينا المفترى (2): نحن نظن أن فعل التمتع فعل خاص بالنساء، قال تعالى:
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
السؤال: ما علاقة هذا بقوله تعالى (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) في معرض الحديث عن الحج؟
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
رأينا المفترى من عند أنفسنا الخطير جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن من تمتع بالعمرة إلى الحج هو كل حاج اصطحب زوجاته من النساء معه إلى هناك، فكن حاضرات المسجد الحرام في وقت الحج. انتهى.
نتيجة مفتراة مهمة جدا: نحن نظن (ربما مخطئين) أن الحاج لا يسمى حاجا متمتعا إلا إن كان ممن أصطحب زوجاته من النساء معه إلى المسجد الحرام لإتمام فريضة الحج.
السؤال: فمن هو إذن الحاج غير المتمتع بالعمرة إلى الحج؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الحاج غير المتمتع بالعمرة إلى الحج هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. انتهى.
الدليل
دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة قيد البحث من هذا الجانب:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
ألا تجد أن هناك فصلا واضحا بين من كان أهله حاضري المسجد الحرام مقابل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام (ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)؟
رأينا المفترى: مادام أن الآية الكريمة تبيّن لنا أن هناك مجموعة من الحجيج وهم الذين لم يكن أهلهم حاضري المسجد الحرام (ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، فهناك إذن بالمقابل من كان أهله حاضري المسجد الحرام، فمن هم هؤلاء الذين كان أهلهم حاضري المسجد الحرام؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن من كان أهلهم حاضري المسجد الحرام هم الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج. انتهى.
ولو تفقدنا الآية الكريمة نفسها، لوجدناها تتحدث في جانب منها عن من كان أهله حاضري المسجد الحرام (مقابل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)، أليس كذلك؟
ولعل هذا يدعونا أن نخالف ما وصلنا من عند أهل الدراية في هذه الجزئية. فلقد كان ظن معظم أهل الدراية من قبلنا (كما نقل لنا أهل الرواية عنهم) على نحو أن المقصود هنا هم سكان البيت الحرام، أي أهل مكة، أليس كذلك؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نرفض جملة وتفصيلا هذا الرأي لأن الآية الكريمة (كما نفهمها) تتحدث عن حضور المسجد الحرام ولا تتحدث عن من كان ساكنا عند المسجد الحرام كما فعل إبراهيم مثلا عندما أسكن من ذريته هناك:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
فلو جاءت الآية على نحو:
ذلك لمن لم يكن أهله ساكني المسجد الحرام
لربما وافقناهم الرأي، وظننا أن المقصود هم كل من سكن عند البيت الحرام من أهل مكة. ولكن لمّا كانت الآية تتحدث عن حضور المسجد الحرام وليس عن السكن عند المسجد الحرام، فإننا نتجرأ على الظن بأن المقصود هم كل من حضر إلى البيت في أيام الحج سواء كان ممن يسكن عند البيت من أهل مكة أو قدم إلى هذا المكان من بعيد من أجل إتمام الحج والعمرة لله، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى:
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
فما دام أن الموت قد حضر يعقوب (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ)، فهو إذن قد وصل إلى المكان الذي كان يعقوب متواجدا فيه حينئذ، ولكن الموت – لا شك عندنا- لا يسكن ذلك المكان قبل أن يحضر يعقوب كما أنه لن يمكث فيه بعد أن يقضي على يعقوب. فالموت إذن قد حضر ليعقوب لأنه جاء إليه في مهمة خاصة ومحددة، أليس كذلك؟
وهذا المنطق (ربما المغلوط) يشجعنا على تقديم الافتراءات التالية عن الحضور:
- أن الذي يحضر في مكان ما لا يكون متواجدا فيه من قبل
- أن الذي يحضر في مكان ما لا يبقى متواجدا فيه بعد ذلك إلى الأبد
- أن الذي يحضر إلى مكان ما يصل إلى المكان من أجل إتمام مهمة محددة بعينها
- الخ
الدليل
لو تفقدنا الآية الكريمة التي تتحدث عن حضور الموتُ يعقوبَ، لوجدنا أن هذه الافتراءات متوافرة: فالموت حضر إلى يعقوب من مكان آخر، والموت حضر إلى يعقوب في مهمة خاصة (وهي أن يقضي على يعقوب)، والموت لم يبقى متواجدا في ذلك المكان بعد أن أنهى مهمته فيه.
ولا ينطبق هذا المشهد على يعقوب وحده، وإنما ينطبق على كل من حضره الموت كيعقوب، قال تعالى:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)
فالموت إذن (نحن نستنبط) ينتقل من مكان إلى مكان آخر مادام أن مهمته القضاء على كل من حضره، أليس كذلك؟
وهذا لا ينطبق فقط على الموت، وإنما ينسحب على الأشخاص العاديين من مثلي ومثلك، فعندما يحضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين، فهم إذن يقدمون من مكان آخر غير المكان الذي ستجري فيه القسمة، وهم يأتون إلى مكان القسمة من أجل طلب حصتهم من القسمة (فلولا ذلك ما حضروا أصلا)، وهم لا يستمرون في المكوث في هذا المكان بعد أن تنتهي القسمة:
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8)
ويبين الله لنا في الآية الكريمة التالية، بأن الكثيرين سيحضرون حول جهنم:
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
وربما ترشدنا هذه الآية الكريمة (إن صح فهمنا لها) أن الحشر يتم في مكان غير المكان الذي تتواجد فيه جهنم، وذلك لأنه ما أن يتم حشرهم في ذلك المكان (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) حتى يتم إحضار جزء كبير منهم بعد ذلك حول جهنم (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا).
والآية الكريمة التالية تبين لنا بأن الجميع سيحضر لدى ربهم في يوم الحساب:
وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
ولو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن هذا المنطق لا ينطبق على الأشخاص فقط بل ينسحب على الأشياء كذلك، فأعمال العباد تُحضر في يوم الحساب كما جاء في الآية الكريمة التالية:
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30)
السؤال: ألا يدل ذلك على أن الإحضار يتم بجلب الأشياء والأشخاص من مكان آخر؟ من يدري؟!
والآن، لندقق في الآية الكريمة التالية لتتأكد لدينا هذه الافتراءات التي قدمناها عن معنى الإحضار، قال تعالى:
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29)
فهل كان الجن متواجدون عند محمد على الدوام أم أن قدومهم كان من مكان آخر إلى هذا المكان الذي كان يتواجد فيه محمد ليستمعوا هناك القرآن؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا مهمة جدا جدا: نحن نظن بأن من يحضر مكانا ما، فهو الذي يأتي (أو يؤتي به) إلى ذلك المكان من مكان آخر. وليس أدل على ذلك – برأينا- مما جاء في نهاية الآية الكريمة نفسها. فالجن قد صرفوا إلى محمد ليستمعوا القرآن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)، وما دام أنهم جاء إلى هذا المكان من مكان آخر، فهم إذن قد حضروه (فَلَمَّا حَضَرُوهُ)، فظلوا حاضرين ماداموا ينصتوا للقرآن (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا)، وما أن انتهت مهمة سماعهم للقرآن حتى كان الأمر قد قضي (فَلَمَّا قُضِيَ)، وما أن قضي ذلك الأمر حتى ولوا إلى قومهم منذرين (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)، فما استمروا في المكوث في المكان نفسه الذي حضروا فيه لسماع القرآن.
السؤال: ما علاقة هذا كله بالآية الكريمة قيد البحث التي تتحدث عن من كان أهله حاضري المسجد الحرام:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن هذه الآية الكريمة تتحدث عن من كان أهله حاضري المسجد الحرام (ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، أي من قدموا إلى المسجد الحرام من مكان آخر، وكان ذلك من أجل غاية محددة بذاتها (وهي إتمام الحج والعمرة لله)، وأن مكوثهم في هذا المكان لن يكون على سبيل الدوام، بدليل أنهم لا محالة راجعون (إِذَا رَجَعْتُمْ). انتهى.
عودة على بدء
السؤال: ما الواجبات المفروضة على كل نوع منهما (أي من كان أهله حاضري المسجد الحرام مقابل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن على الحاج المتمتع بالعمرة إلى الحج (أي من كان أهله حاضري المسجد الحرام، أي كل الذين قدموا إليه من بعيد من أجل إتمام الحج والعمرة لله) القيام بفعل واحد وهو الهدي، وفي حال عدم استطاعة أي من هؤلاء تقديم الهدي، يشرع له حينئذ اللجوء إلى البديل، وهو الصيام:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
ولكن – بالمقابل- يجب على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام (أي الحاج غير المتمتع) القيام بفعل الصيام مباشرة دون الحاجة إلى الهدي. انتهى.
الدليل
دعنا ندقق في الآية الكريمة نفسها مرة أخرى من هذا المنظور المفترى من عند أنفسنا، قال تعالى:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
فنحن نطلب بداية من القارئ الكريم أن يقرأ الآية على النحو التالي:
... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ...
ونحن نفهم أن على كل حاج متمتع بالعمرة إلى الحج (أي كان أهله حاضري المسجد الحرام) أن يقدم ما استيسر من الهدي، ولا يحق له أن لا يفعل ذلك إلا في حالة واحدة وهي عدم استطاعته على ذلك (فَمَن لَّمْ يَجِدْ). أما إن هو وجد، أي كان قادرا على تقديم الهدي، فالهدي أولى، ولا يجوز له الصيام بدلا من ذلك (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)
والآن نطلب من القارئ الكريم أن يقرأ الآية الكريمة على النحو التالي:
... فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ...
وهنا بالضبط نتوقف لنطرح على الفور التساؤل المثير التالي: على ماذا يعود اسم الإشارة ذَلِكَ في الآية الكريمة؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: نحن نظن أن مفردة ذلك تعود على شيء واحد فقط، كما في قوله تعالى:
ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)
ولما يكون الحديث عن أكثر من شيء واحد، كأن يكون الحديث عن جزئين لأمر واحد، فنجد اسم الإشارة ذَلِكُمَا كما في قوله تعالى:
قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
كما نجد اسم الإشارة ذَلِكُمْ عند الحديث عن أكثر من شيء واحد، قال تعالى:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
فتصبح الصورة على نحو وجود ثلاث أسماء للإشارة هي ذَلِكَ و ذَلِكُمَا و ذَلِكُمْ، كما في الشكل التوضيحي التالي:
ذَلِكَ
|
تعود
على شيء واحد فقط
ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
|
ذَلِكُمَا
|
تعود
إلى شيء واحد يتجزأ إلى جزئيين
قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ
نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا
عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
|
ذَلِكُمْ
|
تعود
على أكثر من شيء واحد،
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم
بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
|
السؤال: ما علاقة هذا كله بمفردة ذَلِكَ في قوله تعالى؟
... فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ...
رأينا المفترى: ما دام أن المفردة هي ذَلِكَ، فإنها – برأينا- تعود على شيء واحد وهو (نحن نفتري الظن) الصيام، ولا تعود على الصيام والهدي اللذين يردان في الآية الكريمة معا. انتهى.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذَلِكَ (أي الصيام) مطلوب على وجه التحديد ممن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام (ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). انتهى.
فتصبح الصورة للتفريق بين الحاج المتمتع والحاج غير المتمتع عندنا على النحو التالي:
الحاج
المتمتع (من كان أهله حاضري المسجد الحرام)
|
مطلوب
منه الهدي، ويمكن له الصيام في حالة أنه لم يجد (القدرة عنده على) الهدي
|
الحاج
غير المتمتع (من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)
|
مطلوب
منه الصيام ولا يتوجب عليه الهدي إطلاقا
|
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن لهذا علاقة مباشرة بطهارة البيت، قال تعالى:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
لو دققنا في هذه الآيات الكريمة، لوجدنا أن الأمر الإلهي بتطهير البيت قد جاء مرة لإبراهيم، وفي هذه المرة كانت الطهارة من أجل الطائفين والقائمين والركع السجود:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
بينما جاء الأمر الإلهي مرة أخرى لإبراهيم وإسماعيل معا، وكانت الغاية من التطهير هذه المرة من أجل الطائفين والعاكفين والركع السجود:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
ولو لاحظنا الفرق بين الحالتين لوجدنا أن إبراهيم لم يؤمر بطهارة البيت من أجل العاكفين وإنما أمر بطهارة البيت للقائمين، ولكن إبراهيم وإسماعيل قد أمرا بتطهير البيت من أجل العاكفين.
إبراهيم
|
إبراهيم
وإسماعيل
|
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا
تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
|
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً
وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
|
السؤال: ما الغاية من ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن القائمين خاصة بالصلاة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
بينما العاكفين خاص بالحجيج (أي من حضر المسجد الحرام من أجل إتمام الحج والعمرة لله)، لذا نحن نتجرأ على الظن بأن إبراهيم وإسماعيل هما من أُمرا ليطهرا البيت من أجل الحجيج.
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: عندما أسكن إبراهيم من ذريته عند البيت، لم يكن يتواجد هناك أحد غير من أسكنهم إبراهيم هناك، ولم يكن البيت أصلا مرفوعا، لأن إبراهيم هو من عمد إلى رفع القواعد من البيت. ولم يقدم إبراهيم على هذا العمل إلا بعد أن اشتد ساعد ولده إسماعيل، لأنهما هما من رفعا القواعد من البيت معا:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
فنحن نتخيل أن ما حصل على أرض الواقع هو على نحو أنه ما أن بوأ لإبراهيم مكان البيت، حتى طلب منه أن يطهر البيت للطائفين والقائمين والركع السجود:
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
فكانت جل العبادة طواف (لِلطَّائِفِينَ) وقيام (وَالْقَائِمِينَ) وركوع سجود (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). ولكن ما أن بدأت أفئدة من الناس تهوي إلى من أسكنهم إبراهيم من ذريته هناك، وما أن اشتد ساعد إسماعيل، حتى بدءا برفع القواعد من البيت، وهنا جاء الأمر الإلهي لإبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج:
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
حتى أصبحت العبادة على نحو طواف (لِلطَّائِفِينَ) وكعوف (وَالْعَاكِفِينَ) وركوع سجود (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
وهنا بالضبط جاء الأمر الإلهي لإبراهيم وإسماعيل بطهارة البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
فبدأت مناسك وشعائر الحج تطبق منذ ذلك الوقت.
وهنا نتوقف على الفور لطرح التساؤلات التالية عن طهارة البيت:
- ما معنى طهارة البيت؟
- وكيف طهر إبراهيم أولا البيت للطائفين والقائمين والركع السجود؟
- وكيف طهرا إبراهيم وإسماعيل البيت بعد ذلك للطائفين والعاكفين والركع السجود؟
- وكيف يمكن أن تتم طهارة البيت؟
- ولماذا أصلا أمر إبراهيم وإسماعيل بطهارة البيت؟
- الخ
كما لا نتردد أن نطرح التساؤلات حول الشعائر الأخرى وهي الطواف والقيام والركوع السجود:
- ما هو الطواف؟
- ما هو القيام؟
- ما هو الركوع السجود؟
- ما الفرق بين كل واحدة من هذه الشعائر مع الأخرى؟
- وما علاقة كل واحدة منهما بالأخرى؟
- الخ
هذا ما سنتناوله بحول الله وتوفيقه في الأجزاء القادمة من هذه المقالة. وسنرى علاقة هذا كله بفريضة الحج، وخاصة ما يتعلق منها بالبيت العتيق، وخاصة مكان البيت وقواعده وسقفه، ثم سنعرج بعد ذلك على قصة شعيب على وجه التحديد، وعلاقة إبراهيم وموسى ومحمد بهذا المكان وبهذه الشعائر والمناسك الخاصة بفريضة الحج نفسها، في محاولة منا لفهم فقه هذه العبادة العظيمة التي شرعها الله لعباده المؤمنين. فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع العليم – آمين.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم د. رشيد الجراح 26 تشرين أول 2016