قصة يونس - الجزء التاسع والعشرون
قصة يونس – الجزء التاسع والعشرون
افترينا الظن من عند أنفسنا في الجزء السابق من هذه المقالة بأن عملك في هذه الحياة الدنيا سيتحول إلى نور في الآخرة بمقدار التقوى التي نالها الله منك من مجموع عملك كله:
لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
وسيكون ذلك النور (مصدر الطاقة النظيفة) هو المشغل الحقيقي لجنتك، وستنار جنتك بتلك الطاقة التي خزنتها لنفسك بعد أن يكون الله قد ضاعفها لك أضعافا كثيرة:
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
وستكون ماهية تلك الجنة على النحو الذي تصوره الآية الكريمة التالية:
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
وسيكون هناك تفاوت في الدرجات:
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)
أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)
وهو ما سنتحدث عنه لاحقا إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيها في مقالات مستقلة بحول الله وتوفيق منه. فالله وحده أدعو أن ينفذ مشيئته وإرادته لي الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين.
وسنعود في هذا الجزء من المقالة إلى التساؤل القديم الخاص بعلاقة هذه الافتراءات برؤيا إبراهيم ويوسف لتلك الكينونات (الكوكب والقمر والشمس)؟
أما بعد،
طار الخيال بنا في السابق إلى أن نتصور ما حلّ بإبراهيم بعد أن اعتزل قومه:
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)
ولمّا كان اعتزال إبراهيم قومه مرتبطا بالحاجة إلى دعاء ربه، ظننا (ربما مخطئين) أن الرجل قد آوى حينها إلى ما يشبه الكهف الذي أوى إليه الفتية (أصحاب الكهف والرقيم) بعد أن اعتزلوا قومهم:
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
فوجد إبراهيم نفسه (نحن لازلنا نتخيل) متواجدا لوحده في كهف، وقد حلّت عليه ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة الكهف، وظلمة الإبصار، بالضبط كحال الجنين في بطن أمه:
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
فكان الليل بذلك قد جنّ على إبراهيم:
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)
عندها لم يكن إبراهيم ليستفيد من حاسة الإبصار (رأي العين)، فما عادت العيون تبصر شيئا، وفي تلك الظروف استطاع إبراهيم أن يشغل فؤاده ليرى به بديلا عن رأي العين:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
ولما كان قلب إبراهيم سليما:
وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
ما كذب فؤاده ما رأى:
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
فـ تحت وطأة تلك الظروف المحيطة به حينئذ، استطاع إبراهيم (نحن نفتري القول) أن يرى تلك الكينونات:
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)
السؤال: كيف استطاع إبراهيم أن يرى تلك الكينونات؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: لمّا كان إبراهيم ممن يشاءون الهداية إلى نور الله، استطاع أن يرى تلك المشكاة المنبعث منها ذلك النور الأبدي:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
(دعاء: اللهم فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يا من تزيد في الخلق ما تشاء، أسألك نفاذ مشيئتك لي بالهداية إلى نورك الذي أبيت إلا أن تتمه ولو كره الكافرون، فأكن من أنصارك لتجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمتك هي العليا، فتخرجنا بها من الظلمات إلى النور بإذنك، إنك أنت السميع البصير، – أمين)
السؤال: كيف حصل ذلك مع إبراهيم؟
باب: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
لو تدبرنا هذه الآية الكريمة لوجدنا أن هناك ثلاث كينونات، يلف بعضُها البعضَ الآخر، لازمة لتصوير النور الإلهي، وهي على الترتيب من الخارج إلى الداخل على النحو التالي:
1. المشكاة
2. الزجاجة
3. المصباح
وهذا ما يشبه بالضبط كينونة تغليف الجنين في بطن أمه. ولو حاولنا تدبّر هذه الكينونات لوجدنا التقابل على النحو التالي:
النور الإلهي
|
الجنين
|
المشكاة
|
جدار بطن الأم
|
الزجاجة
|
غلاف الجنين داخل بطن الأم
|
المصباح
|
الجنين
|
ولو حاولنا إسقاط ذلك على إبراهيم في الكهف لوجدنا أن الصورة هي (في مخيالنا) على النحو التالي:
إبراهيم
|
النور الإلهي
|
الجنين
|
ظلمة الليل
|
المشكاة
|
جدار بطن الأم
|
الكهف
|
الزجاجة
|
غلاف الجنين داخل بطن الأم
|
البصر (إبراهيم)
|
المصباح
|
الجنين
|
فلقد كان الكهف يشكل على إبراهيم (وهو موجود بداخله) ما يشكله الغلاف الذي يتواجد به الجنين داخل بطن أمه، فكان عليه أن يبحث عن الهداية باستخدام فؤاده بدلا من بصره الذي لا يقوى على ذلك، فالجنين في بطن أمه يظهر مغلقا عينيه بكلتا يديه كما في الشكل التوضيحي التالي:
Source: https://www.google.jo/search?q=embryo+image&biw=1708&bih=770&tbm=isch&tbo=u&source=univ&sa=X&ved=0CBoQsARqFQoTCK_6mdeXzMgCFWK8cgodkgYITA&dpr=0.8#imgrc=R1EeZUdbe4tk5M%3A
باب: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء
في تلك الظلمة الحالكة بدأ إبراهيم يبحث عن النور الذي سيهديه إلى الصراط المستقيم، ولم يكن يملك إلا وسيلة واحدة وهي الدعاء:
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)
(دعاء: ادعوك رب أن أكون ممن يدعونك، وأعوذ بك أن أدعو من هم من دونك، إنك أنت العزيز الكريم – آمين)
فمكث إبراهيم (نحن نتخيل) في ذلك الكهف معتزلا قومه، داعيا ربه ألا يكون بدعائه شقيا. فكان على إبراهيم أن يشغل جميع حواسه للوصول إلى الغاية المنشودة، وكان الرجل على علم بأن أدوات الرؤية هما الأبصار والأفئدة:
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)
فهو على علم بأن الناس ينقسمون في ذلك إلى ثلاثة أصناف:
1. هناك من كان مشغلا لبصره، فيستطيع أن يرى بعينيه فقط، فيكون قد استفاد من بصره فقط
2. هناك من كان مشغلا لفؤاده، فيستطيع أن يرى بفؤاده فقط، فيكون بذلك قد استفاد من فؤاده فقط
3. وهناك من هو مشغل لبصره ولفؤاده، فيستطيع أن يرى بعينيه وبفؤاده، فيكون بذلك قد استفاد من بصره وفؤاده معا
فكان إبراهيم (نحن نكاد نجزم الظن مفترين القول من عند أنفسنا) من الفئة الثالثة التي تستطيع أن تشغل البصر والفؤاد معا، فكان يستطيع أن يري بعينه كما يستطيع أن يرى بفؤاده:
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
فعندما وجد إبراهيم نفسه في ذلك "الكهف" معتزلا قومه، وقد جنّ عليه الليل، أصبحت الأبصار وحدها لا تفيد في شيء، فكان على إبراهيم أن يشغّل فؤاده، ليستطيع أن يرى ما يدور حوله، وهناك بالضبط استطاع إبراهيم أن يشغّل فؤاده الذي هو جزء من قلبه السليم:
إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
فاستطاع إبراهيم أن يرى بفؤاده ما لم يراه الناس بأعينهم.
السؤال: ما الذي رءاه إبراهيم عندما شغل فؤاده؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نظر إبراهيم بفؤاده إلى ما حوله في ذلك الكهف شديد الظلمة حيث جن عليه الليل فيه، فرأى ما يشبه المشكاة:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
وكان في تلك المشكاة زجاجة وكان في تلك الزجاجة مصباح. ولو تفقدنا النص أكثر لوجدنا أن هذا كله جاء لتشبيه نور الله، فنور الله ليس كذلك ولكنه ما يشبه ذلك، فالأمر واقع في باب التشبيه لأنه من الاستحالة بمكان أن يحصل التطابق في هذه الحالة، وذلك لأن ما يتعلق بالإله يستحيل أن يكون هناك ما يطابقه لأن الله ليس كمثله شيء:
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
ولكن يمكن أن يكون هناك ما يشبهه:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ...
نتيجة مفتراة: نور الله لا يتطابق مع المشكاة ولكنه يشبه المشكاة
السؤال: كيف يمكن أن نتصور ذلك؟
تخيلات مفتراة: عندما يكون الله هو نور السموات والأرض، لذا يستحيل أن يكون هناك نور آخر يوازيه، ويستحيل في الوقت ذاته أن يكون هناك نور آخر يطغى عليه، لذا يصبح نور الله هو النور الأوحد للسموات والأرض، فلا وجود لمصدر آخر للنور في السموات والأرض غير نور الله.
منطقنا المفترى: إن صح منطقنا المفترى من عند أنفسنا هذا، يصبح النور الصادر من المشكاة هو النور الأوحد الذي يضيء المنطقة التي يسطع عليها، أليس كذلك؟
السؤال: كيف يمكن اسقاط هذا الخيال في حالة إبراهيم؟
رأينا المفترى: إذا تخيلنا أن الليل قد جنّ على إبراهيم وحده، يكون إبراهيم في مكان محدد بذاته لا يشاركه فيه أحد غيره، وهو في مخيالنا ذلك الكهف الذي اعتزل إبراهيم القوم فيه، فإن النتيجة الحتمية التي نظن أننا قد وصلنا إليها هي أن ذلك الكهف كان يسطع عليه النور من مصدر واحد وهي تلك المشكاة، فتكون النتيجة على النحو التالي: كان إبراهيم معتزلا قومه في ذلك الكهف، وكان مصدر الضوء الذي يسطع في ذلك الكهف هو تلك المشكاة، فيدخل منها النور لينير ما في داخل الكهف. فتكون المشكاة في ظننا ما يشبه الكوة التي يدخل منها النور من الأعلى إلى داخل الكهف كما تصور ذلك الجدارية التالية التي وصلتنا من عند صديقنا العزيز عصام درويش في أرض مصر الخالدة:
فالطرف الأيسر للقارئ من هذه الجدارية يبين دخول النور من مكان مرتفع إلى داخل المكان من خلال مسرب محدد، هو في ظننا تلك المشكاة التي يوجد بها النور.
السؤال: كيف استطاع إبراهيم أن يرى النور الإلهي؟
جواب مفترى: للإجابة على هذا التساؤل، نجد لزاما التعريج على قصة أخرى في كتاب الله تخص نبي الله إبراهيم في المحاجة الشهيرة، وهي قصته التي وردت في سورة البقرة مع ذلك الذي آتاه الله الملك كما جاء في الآيات الكريمة التالية:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
فربما سيبين للقارئ الكريم من خلال تعريجنا على هذه القصة أمورا عديدة، نظن (نحن نفتري القول) أنها ضرورية جدا من أجل الخروج بتصور ربما يكون أكثر واقعية لقصة إبراهيم الكلّية، المر الذي سيسهم – لا شك عندنا- في توضيح رؤياه لتلك الكينونات الثلاث التي هي مدار البحث في هذا المقام. فالله نسأل أن يهدينا رشدنا، وأن يزيدنا علما، وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم.
أما بعد،
قد يجد القارئ غير المتدبر لكتاب الله أن هذه الآية تشير إلى قصة بسيطة عابرة، ربما لا تستدعي منه التأمل كثيرا في مفرداتها ودلالتها وكيفية حدوثها على أرض الواقع، وذلك لأن العبرة منها (في ظن الكثيرين) جلّية، تتمثل بقدرة الله التي لا تضاهيها قدرة غيره. لذا دعنا نرجع أولا إلى بطون أمهات الكتب الصفراء لنرى ما خطت أقلام أهل الرواية عن عبقرية فذة من أهل الدراية عن هذه الآية الكريمة. فـ فيها – برأينا- ما يثير التعجب والاستغراب تارة والتهكم والاستهجان تارة أخرى، ولنبدأ النقاش بما جاء عن هذه الآية الكريمة في تفسير القرآن العظيم لشيخ المفسرين الإمام الطبري:
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك
القول في تأويل قوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } يعني تعالى ذكره بقوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } ألم تر يا محمد بقلبك الذي حاج إبراهيم ؟ يعني الذي خاصم إبراهيم , يعني إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم في ربه , { أن آتاه الله الملك } يعني بذلك : حاجه فخاصمه في ربه , لأن الله آتاه الملك . وهذا تعجيب من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم , من الذي حاج إبراهيم في ربه , ولذلك أدلت " إلى " في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج } . وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله , قالوا : ما ترى إلى هذا ؟ والمعنى : هل رأيت مثل هذا , أو كهذا ؟ وقيل : إن الذي حاج إبراهيم في ربه جبار كان ببابل يقال له نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح , وقيل : إنه نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . ذكر من قال ذلك : 4575 - حدثني محمد بن عمرو , ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } قال : هو نمرود بن كنعان . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن النضر بن عدي , عن مجاهد , مثله . 4576 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } قال : كنا نتحدث أنه ملك يقال له نمرود , وهو أول ملك تجبر في الأرض , وهو صاحب الصرح ببابل . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : هو اسمه نمرو , وهو أول ملك تجبر في الأرض حاج إبراهيم في ربه . 4577 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } قال : ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمرود , وهو أول جبار تجبر في الأرض , وهو صاحب الصرح ببابل . 4578 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : هو نمرو بن كنعان . 4579 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : هو نمرود . 4580 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , مثله . 4581 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : أخبرني زيد بن أسلم , بمثله . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : هو نمرود . قال ابن جريج : هو نمرود , ويقال إنه أول ملك في الأرض .
إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر
القول في تأويل قوله تعالى : { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت . قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } يعني تعالى ذكره بذلك : ألم تر يا محمد إلى الذي حاج إبراهيم في ربه حين قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت , يعني بذلك : ربي الذي بيده الحياة والموت يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء , قال : أنا أفعل ذلك , فأحيي وأميت , أستحيي من أردت قتله , فلا أقتله , فيكون ذلك مني إحياء له . وذلك عند العرب يسمى إحياء , كما قال تعالى ذكره : { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } 5 32 وأقتل آخر فيكون ذلك مني إماتة له . قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : فإن الله الذي هو ربي يأتي بالشمس من مشرقها , فأت بها إن كنت صادقا أنك إله من مغربها ! قال الله تعالى ذكره : { فبهت الذي كفر } يعني انقطع وبطلت حجته , يقال منه : بهت يبهت بهتا , وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى : بهت , ويقال : بهت الرجل إذا افتريت عليه كذبا بهتا أو بهتانا وبهاتة . وقد روي عن بعض القراء أنه قرأ : " فبهت الذي كفر " بمعنى : فبهت إبراهيم الذي كفر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4582 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة في قوله : { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت , قال أنا أحيي وأميت } وذكر لنا أنه دعا برجلين , ففتل أحدهما , واستحيا الآخر , فقال : أنا أحيي هذا , أنا أستحيي من شئت , وأقتل من شئت , قال إبراهيم عند ذلك : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } . 4583 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : أنا أحيي وأميت : أقتل من شئت , وأستحيي من شئت , أدعه حيا فلا أقتله . وقال : ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر : مؤمنان , وكافران , فالمؤمنان : سليمان بن داود , وذو القرنين ; والكافران : بختنصر ونمرود بن كنعان , لم يملكها غيرهم . 4584 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض نمرود , فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام , فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار , فإذا مر به ناس قال : من ربكم ؟ قالوا : أنت . حتى مر إبراهيم , قال : من ربك ؟ قال : الذي يحيي ويميت , قال : أنا أحيي وأميت , { قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } قال : فرده بغير طعام . قال : فرجع إبراهيم على أهله فمر على كثيب من رمل أعفر , فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدل عليهم ؟ فأخذ منه فأتى أهله , قال : فوضع متاعه ثم نام , فقامت امرأته إلى متاعه , ففتحته , فإذا هي بأجود طعام رأته , فصنعت له منه , فقربته إليه . وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام , فقال : من أين هذا ؟ قالت : من الطعام الذي جئت به . فعلم أن الله رزقه , فحمد الله . ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك ! قال : وهل رب غيري ؟ فجاءه الثانية , فقال له ذلك , فأبى عليه . ثم أتاه الثالثة فأبى عليه , فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ! فجمع الجبار جموعه , فأمر الله الملك , ففتح عليه بابا من البعوض , فطلعت الشمس , فلم يروها من كثرتها , فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم , وشربت دماءهم , فلم يبق إلا العظام , والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء . فبعث الله عليه بعوضة , فدخلت في منخره , فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق , وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه . وكان جبارا أربعمائة عام , فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه , ثم أماته الله . وهو الذي بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد , وهو الذي قال الله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } . 16 26 4585 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } قال : هو نمرود كان بالموصل والناس يأتونه , فإذا دخلوا عليه , قال : من ربكم ؟ فيقولون : أنت , فيقول : ميروهم ! فلما دخل إبراهيم , ومعه بعير خرج يمتار به لولده قال : فعرضهم كلهم , فيقول : من ربكم ؟ فيقولون : أنت , فيقول : ميروهم ! حتى عرض إبراهيم مرتين , فقال : من ربك ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت , قال : أنا أحيي وأميت , إن شئت قتلتك فأمتك , وإن شئت استحييتك . { قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } قال : أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا ! فخرج القوم كلهم قد امتاروا . وجوالقا إبراهيم يصطفقان , حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله , قال : ليحزنني صبياي إسماعيل وإسحاق , لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء فذهبت بهما قرت عينا صبيي , حتى إذا كان الليل أهرقته . قال : فملأهما ثم خيطهما , ثم جاء بهما , فترامى عليهما الصبيان فرحا , وألقى رأسه في حجر سارة ساعة , ثم قالت : ما يجلسني ! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا , لو قمت فصنعت له طعاما إلى أن يقوم ! قال : فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها , وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه . قال : فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها , فإذا حواري من النقي لم يروا مثله عند أحد قط , فأخذت منه فطحنته وعجنته . فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه , فقال : أي شيء هذا يا سارة ؟ قالت : من جوالقك , لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير . قال : فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله , فعرف من أين ذاك . 4586 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : لما قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت , قال هو , يعني نمرود : فأنا أحيي وأميت , فدعا برجلين , فاستحيا أحدهما , وقتل الآخر , قال : أنا أحيي وأميت , قال : أي أستحيي من شئت , فقال إبراهيم : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } . 4587 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما خرج إبراهيم من النار , أدخلوه على الملك , ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه , وقال له : من ربك ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت , قال نمرود : أنا أحيي وأميت , أنا أدخل أربعة نفر بيتا , فلا يطعمون ولا يسقون , حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا , وتركت اثنين فماتا ! فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك . قال له إبراهيم : فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق , فأت بها من المغرب ! فبهت الذي كفر , وقال : إن هذا إنسان مجنون , فأخرجوه ! ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها , وأن النار لم تأكله ؟ وخشي أن يفتضح في قومه - أعني نمرود - وهو قول الله تعالى ذكره : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } 6 83 فكان يزعم أنه رب . وأمر بإبراهيم فأخرج . 4588 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : قال : أنا أحيي وأميت , أحيي فلا أقتل , وأميت من قتلت . قال ابن جريج , كان أتى برجلين , فقتل أحدهما , وترك الآخر , فقال : أنا أحيي وأميت , قال : أقتل فأميت من قتلت , وأحيي , قال : استحيي فلا أقتل . 4589 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , قال : ذكر لنا والله أعلم : أن نمرود قال لإبراهيم فيما يقول : أرأيت إلهك هذا الذي تعبده , وتدعو إلى عبادته , وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره , ما هو ؟ قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : فأنا أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ قال : آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي , فأقتل أحدهما فأكون قد أمته , وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته . فقال له إبراهيم عند ذلك : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق , فأت بها من المغرب , أعرف أنه كما تقول ! فبهت عند ذلك نمرود , ولم يرجع إليه شيئا , وعرف أنه لا يطيق ذلك . يقول تعالى ذكره : { فبهت الذي كفر } يعني وقعت عليه الحجة , يعني نمرود .
والله لا يهدي القوم الظالمين
وقوله : { والله لا يهدي القوم الظالمين } يقول : والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة , لأن أهل الباطل حججهم داحضة . وقد بينا أن معنى الظلم : وضع الشيء في غير موضعه , والكافر : وضع جحوده ما جحد في غير موضعه , فهو بذلك من فعله ظالما لنفسه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق . 4590 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق : { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي لا يهديهم في الحجة عند الخصومة لما هم عليه من الضلالة
بداية، لابد – نحن نرى- من تفنيد هذا الفكر السائد، الذي يتسم – برأينا- بالسذاجة الممزوجة بالتخريف والتحريف، ومن ثم محاولة إيجاد فهم بديل ربما يكون أكثر وجاهة ومنطقية، وذلك لأن "تخريصات" أهل الدراية هذه لا تختلف (نحن نرى) في شكلها ومضمونها كثيرا عن ما جاء في بطون كتب بني إسرائيل، والقارئ الذي يريد المجادلة مدعو للبحث في المصدريين معا، ليرى رأي العين أوجه التشابه بينهما.
على أي حال، نحن نرى أن هناك منطلقات تفكير بسيطة جدا ربما تفند جلّ ما جاء في كتب التفاسير هذه، وهي التي تدعي أنها تفسّر ما جاء في كتاب الله، وهي في الحقيقة (نحن نزعم القول) "تسرق" من مؤلفات الأمم الأخرى، وتدعي أنها أفهام حقيقية لأهل الدراية من أبناء المسلمين لما في كتاب الله، نذكر منها:
أولا، ظن أهل الدراية – كما نقل لنا أهل الرواية- أن هذا الذي آتاه الله الملك هو ملك في العراق اسمه النمرود بن كنعان: نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ، أليس كذلك؟
السؤال: هل فعلا كان ذلك الرجل الذي آتاه الله الملك فحاج إبراهيم ملك من ملوك العراق؟
رأينا المفترى، نحن إذ لا نعلم من أين جاءهم العلم وكيف عرفوا اسم الرجل غير بطون كتب يهود، لنشكك بالقصة من برمتها، وذلك لأن قصة إبراهيم في قومه معروفة في كتاب الله، فالذي حآج إبراهيم هناك والذي أقدم على حرق إبراهيم هم قومه وليس ملك محدد من بينهم:
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: حصلت المحاججة في أرض العراق بين إبراهيم وقومه، ولم يحصل محاججة بين إبراهيم ومن آتاه الله ملكا في أرض العراق. لذا وجب التفريق بين محآججة إبراهيم قومه في أرض العراق ومحاججة إبراهيم هذا الذي آتاه الله الملك. وذلك لأنه لما حصلت المحاججة بين إبراهيم وقومه، كان إبراهيم حتى الساعة لازال (نحن نتخيل) فتى، غير معروف بين القوم، بدليل أنه لما سأل القوم عن من فعل هذا بآلهتهم، ذكروا إبراهيم بصيغة التنكير:
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)
ولو دققنا أكثر في السياق القرآني لوجدنا أن القوم كانوا يعبدون آلهة لهم، أليس كذلك؟
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
السؤال: ما الذي يمكن أن نستنبطه من ذلك؟
رأينا المفترى: لما كان القوم يعبدون آلهة لهم، لذا يستحيل (نحن نفتري القول) أن يكون الملك فيهم (إن وُجِد) يدعي أنه قادر على الإحياء والإماته، كما فعل من حاج إبراهيم في ربه:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
والأهم من هذا كله – برأينا- هو أنه ما أن خرج إبراهيم من النار (بفضل من ربه) لا يصيبه أذى، حتى كان قراره ترك المكان كلّيا والهجرة إلى ربه:
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
فكانت نجاته إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
لنخلص إلى التخيلات المفتراة التالية التي هي لا شك من عند أنفسنا عن ما حصل مع إبراهيم في أرض العراق: لما كان إبراهيم في أرض العراق كان لازال فتى غير معروف بين القوم، وكان القوم يعبدون آلهة لهم، هم يظنون (نحن نعتقد) أنها هي الكفيلة بالإحياء والإماته، ولم يكن القوم تحت سيطرة ملك محدد، وإلا لما غاب كليا عن الحاججة التي جرت بين إبراهيم من جهة وقومه من جهة أخرى بعد حادثة تجذيذ الأصنام. لأن المحاججة في هذا الوقت كانت بين إبراهيم من جهة وقومه من جهة أخرى. وما أن أخرج الله إبراهيم سالما لا يصيبه أذى من النار، حتى هاجر إبراهيم إلى الأرض المباركة، فما حصل لقاء (نحن نفتري القول) بين إبراهيم وملك في أرض العراق قط. انتهى.
وإن الذي يدعو إلى التندر والسخرية في مثل تفسيرات أهل الدراية من أبناء المسلمين هو افتراءهم القول بأن هذا "الملك" الذي حاج إبراهيم قد عاقبه الله أربعمائة عاما، ليكون السؤال هو: كم يا ترى كانت أعمار الناس في زمان إبراهيم؟ أهي نفس الكذبة التي ألحقوها بنوح؟ من يدري؟!
(انظر مقالتنا تحت عنوان: كم لبث نوح في قومه؟)
والذي يدعو إلى الضحك (بل التبسم ضحكا من قولهم) هو طريقة العقاب الإلهي لهذا "الملك":
ففتح عليه بابا من البعوض , فطلعت الشمس , فلم يروها من كثرتها , فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم , وشربت دماءهم , فلم يبق إلا العظام , والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء . فبعث الله عليه بعوضة , فدخلت في منخره , فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق , وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه . وكان جبارا أربعمائة عام , فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه , ثم أماته الله
السؤال: أين الدليل يا أهل الدراية على هذه ...؟
الفهم البديل
سنحاول تقديم تصورنا لهذه الحادثة كما فهمناها من منطوق النص القرآني، ثم نترك للقارئ الكريم مهمة المفاضلة بين تخريصاتنا هذه مع ما وصلهم من علم عظيم من عند سادتنا أهل الدراية كما نقلها لنا أهل الرواية. ونقول مسبقا للمنافحين عن إرث الآباء أن القول الفصل بيننا دائما هو قوله تعالى:
قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
أما بعد،
نحن نظن أن حياة إبراهيم في أرض العراق لم تستمر ساعة واحدة بعد أن أخرجه الله من النار سالما معافى، فكانت هجرته إلى ربه، وكانت نجاته إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين، ولم يصحبه إلى هناك من أهل العراق إلا لوطا:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
وهناك في تلك الأرض المباركة، بدأ إبراهيم حياة جديدة، فشكل إبراهيم بنفسه أمة هناك:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
السؤال: من هو هذا الذي حآج إبراهيم في ربه إذن، إن صح ما تزعم؟ يسأل صاحبنا.
جواب مفترى: نحن نعتقد أن الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن ملكا (كما ربما ظن الجميع) ولكنه كان هو الذي آتاه الله الملك.
السؤال: وما الفرق بين أن يكون ملكا أو أن يكون الله قد آتاه الملك؟
جواب مفترى من عند أنفسنا (1): نحن نظن أن من كان ملكا هو من جاءه الملك بالوراثة ممن سبقه. فالذي يرث ملكا من والده يكون ملكا، وذلك لأن المُلك قد جاءه تحصيل حاصل دون جهد يبذله من تلقاء نفسه.
جواب مفترى من عند أنفسنا (2): نحن نظن أن من آتاه الله الملك هو من تحصل على الملك بجهد منه، ولم يأتيه الملك بطريقة الوراثة.
خروج عن النص: لذا فإنني أعارض بشدة وأعيب على "شيخ مسجدنا" الذي يقرأ في الصلاة الجهرية في بعض الأحيان الآية الرابعة من سورة الفاتحة مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) على نحو "ملك يوم الدين" في مخالفة صارخة لصريح اللفظ والرسم القرآني، قال تعالى:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
افتراء خطير من عند أنفسنا: الله ليس ملكا ليوم الدين ولكنه مالك يوم الدين
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: لأن الملك لم ينتقل إلى الله انتقالا وراثيا، ولكن الله هو من له الملك الأبدي:
يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
وبهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا نحن نفهم لم كانت المرأة في سبأ تملك قومها، ولكنها لم تكن ملكة:
إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
فالمرأة لم ترث ملكا ممن سبقها ولكنها حازت على الملك بجهد شخصي منها، فأصبحت بذلك مالكة لقومها وليست فقط ملكة عليهم.
كما افترينا الظن من عند أنفسنا سابقا أن الملك له حيازة عامة بينما المالك هو صاحب الحيازة الخاصة. (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته)
عودة على بدء
كان الذي حاج إبراهيم في ربه هو شخص آتاه الله الملك (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)، لذا فهو قد حاز على الملك بجهد شخصي منه وليس بالوراثة عمن سبقه. ولو كان الرجل فعلا ملكا، لجاء اللفظ القرآني (نحن نكاد نجزم القول) على ذلك النحو كما هي الحال في قصة الملك أيام يوسف في أرض مصر:
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
فالرجل في زمن يوسف كان "ملكا" لأنه حاز على الملك بالوراثة عمن سبقه، ولو لتحصل له الملك بالجهد الشخصي لجاء اللفظ كما في حالة الذي حاج إبراهيم في ربه:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
السؤال: كيف تحصل لهذا الرجل الملك مادام أن والده لم يكن ملكا من قبله مثلا؟
جواب مفترى: كان الله هو من آتى هذا الرجل الملك، انظر الآية الكريمة مرة أخرى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
السؤال: لماذا كان كافرا مادام أن الله هو من آتاه الملك؟
جواب: نحن نظن أن هذا الرجل قد تصرف بنفس المنطق الذي تصرف به قارون. فبالرغم أن الله هو من آتاه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
إلا أن الرجل جحد وأنكر تلك النعمة الإلهية، ونسب الفضل بذلك لنفسه:
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
السؤال: لماذا أنكر قارون هذه النعمة التي كان الله هو من آتاه إياها؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: إنه العلم. انظر الآية مرة أخرى:
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
نتيجة مفتراة مهمة جدا: عندما يُؤتي الله بعض عباده نعمة من عنده، قد تكون النتيجة الجحود ثم الكفر، وذلك لأن الشخص قد يظن أن الفضل يعود فيما حصل عليه إلى ما عنده من علم. فلقد ظن قارون أن ما تحصّل له من الكنوز هو نتيجة العلم الذي كان عنده (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: بالمنطق نفسه، نحن نظن أن هذا الرجل الذي آتاه الله الملك قد اعتقد (مخطئا) أن ما تحصل له من الملك كان الفضل يعود فيه إلى ما عنده من العلم، فأنكر مصدر هذا العلم، ونسبه إلى نفسه بالضبط كما فعل قارون.
السؤال: ما هو العلم الذي كان عند هذا الرجل حتى أنكر فضل الله فيه؟
جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: إنه علم الحياة والموت:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ...
السؤال: أين الدليل على ذلك؟
رأينا المفترى: بداية، لابد أن نكف عن التخريفات والتخريصات التي وجدت في بطون أمهات الكتب التفسير التي صوّرت قدرة هذا الرجل على الإحياء والإماتة على النحو التالي:
قال : لما خرج إبراهيم من النار , أدخلوه على الملك , ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه , وقال له : من ربك ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت , قال نمرود : أنا أحيي وأميت , أنا أدخل أربعة نفر بيتا , فلا يطعمون ولا يسقون , حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا , وتركت اثنين فماتا ! فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك . قال له إبراهيم : فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق , فأت بها من المغرب ! فبهت الذي كفر , وقال : إن هذا إنسان مجنون , فأخرجوه
ألا ترى – عزيزي القارئ- أن في هذا القول من السخافة ما يدعو إلى الحنق والضحك في آن واحد؟ وهل هذا فعلا يستحق أن يكون موضوع حديث لمثل هذا الرجل الذي سطّر الله قصته في كتابه العزيز؟ ألا يستطيع أي ملك آخر أن يفعل ذلك؟ ألا يستطيع الإنسان العادي فعل ذلك؟ وماذا لو قررت أنا أن أصبح مجرما، ألا استطيع أن أقتل من أريد وأترك من أريد؟ من يدري؟!
السؤال: هل تظن - عزيزي القارئ- أن مثل هذا المنطق يمكن أن يُسكِت إبراهيم؟ فلِم لم يرد إبراهيم على ذلك بالقول بأن هذا ما يستطيع أي شخص أن يفعله؟ والتساؤل الأهم – برأينا- هنا هو: هل كان إبراهيم يقصد ذلك عندما قدّم هذه الحجة للرجل في بداية الحوار؟
... إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...
السؤال: ما الذي كان يقصده إبراهيم من حجته تلك؟ وهل اختلف اللفظ في رد الرجل؟
... قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ...
السؤال المربك: لماذا نقرأ فعلي الإحياء والإماتة في حالة الرجل بمعنى يختلف عن معناهما في حالة الذات الإلهية؟ فهل اختلف اللفظ في الحالتين؟
جواب مفترى من عند أنفسنا خطير جدا لا تصدقوه: نحن نظن أنه مادام أن اللفظ لم يتغير في حجة إبراهيم (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) عن رد الرجل (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بالنسبة للإحياء والإماتة، فإننا نفتري القول من عند أنفسنا أن ما كان يستطيع هذا الرجل أن يفعله بشأن الإحياء والإماتة هو بالضبط ما يستطيع الله نفسه أن يفعله بالإحياء والإماتة. انتهى.
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الرجل كان يستطيع أن يقوم بفعل الإحياء والإماتة كما لو أن الله نفسه هو من فعل ذلك.
الدليل
نحن نجد الدليل على افترائنا هذا من سلوك إبراهيم نفسه، وقد تمثل في أمرين اثنين:
1. سكوت إبراهيم عن الرد، والتحول إلى حجة أخرى، وهي مجيء الشمس من المشرق:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
2. طلب إبراهيم لاحقا من الله أن يريه كيف يحي الموتى:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
ولو تدبرنا السلوك الأول لوجدنا فيه العجب: فإبراهيم يقول بأن الله هو من يأتي بالشمس من المشرق، ويطلب من الرجل أن يأتي بها من المغرب، عندها يبهت الذي كفر، أليس كذلك؟
السؤال: أين العجب في هذا؟
جواب مفترى: لو صحّ منطق أهل الدراية ممن سبقونا، ولو كنت أنا مكان ذلك الرجل، لرددت على إبراهيم على النحو التالي: كلا، ذلك ليس ربك (يا إبراهيم) الذي يجيء بالشمس من المشرق، بل أنا من يجيء بها من هناك، فدع ربك هو الذي يأتي بها من المغرب.
السؤال: ما الذي يستطيع إبراهيم أن يفعل حينها؟ كيف سيقنع إبراهيمُ الرجلَ أن الله هو من يفعل ذلك؟
رأينا المفترى: كلا وألف كلا، نحن نظن أنه لما بهت ذلك الرجل لم يكن بمقدوره أن يرد على إبراهيم هكذا.
السؤال الخطير جدا جدا: لماذا؟
جواب: لأن المحآججة بين الرجلين قد تمت عن علم لا يمكن أن يرقى إليه الشك.
السؤال: ما معنى ذلك؟
جواب مفترى مهم جدا جدا (1): نحن نظن أن الرجل كان يستطيع أن يبرهن لإبراهيم أنه يحيي ويميت
جواب مفترى مهم جدا جدا (2): ونحن نظن أن إبراهيم كان يستطيع أن يقدم البرهان للرجل بأن الله هو الذي يأتي بالشمس من المغرب.
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: إن صح هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا، لم يكن من المحتمل أن يكذّب أحدهما الآخر. فلم يرد إبراهيم دعوى الرجل لأنه برهن له ذلك، ولم يرد الرجل حجة إبراهيم لأنه قدم له البرهان على ذلك.
تخيلات مفتراة: وبكلمات أخرى، نحن نتخيل ما جرى بين الرجلين على النحو التالي: يقدّم إبراهيم الحجة بأن ربه هو الذي يحيي ويميت (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، فتأتي المفاجأة كالصاعقة على رأس إبراهيم بأن هناك من يستطيع القيام بذلك غير الله، وهو هذا الرجل (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، فيقدم الرجل لإبراهيم الدليل العملي على قدرته تلك على الإحياء والإماته. وهنا يتحول إبراهيم إلى تقديم حجة جديدة هي أن الله هو الذي يأتي بالشمس من المشرق (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) ويطلب من الرجل أن يأتي بها من المغرب (فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)، ولما كان إبراهيم يستطيع أن يبرهن للرجل ذلك فعلا، لم يكن بمقدوره أن يرد حجة إبراهيم هذه، وهنا بالضبط يبهت الذي كفر (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).
الدليل
لو تدبرنا سلوك إبراهيم بعد هذه الحادثة لوجدنا فيه العجب. ويتمثل ذلك – برأينا- بالشك الذي أخذ يتسرب إلى قلب إبراهيم من جديد. فبالرغم أن إبراهيم قد خرج من أرض العراق بقلب سليم:
إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
إلا أن هذه الحادثة قد أعادت بذور الشك لتنمو في قلب إبراهيم من جديد، بدليل الحوار الذي دار بين إبراهيم وربه بخصوص إحياء الموتى في الآيات التي تلي ذلك:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
فالمتدبر لهذا السياق القرآني يجد أن قلب إبراهيم الذي كان سليما قد أصابه خلل من جديد، فأصبح بحاجة أن يطمئن. ونحن نفتري الظن بأن المحاججة التي جرت بين إبراهيم من جهة وهذا الذي آتاه الله الملك من جهة أخرى هي ما سببت عدم اطمئنان قلب إبراهيم.
لمّا أدرك إبراهيم أن هناك من يقدر على فعل الإحياء والإماتة (كما يفعل ربه)، تدارك إبراهيم الموقف بحجة أخرى، مفادها أن الله الذي يؤمن به له قدرات أخرى غير الإحياء والإماتة، فاستعان بها فورا، ليرى (نحن نظن) حجم قدرات الرجل الذي حآجّه، فكانت حجة إبراهيم الأخرى هي قدرة الله على أن يأتي بالشمس من المشرق، فطلب من الرجل أن يأتي بها المغرب، وهنا بالضبط بُهت الرجل وهو الذي كفر بنعمة ربه.
السؤال: لماذا بُهت الذي كفر هنا؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الرجل قد بُهت لعجزه عن القيام بمثل ذلك.
السؤال: لماذا أنصاع الرجل للأمر؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن سبب بهتان الرجل بعد هذه الحجة لأن إبراهيم (نحن نكاد نجزم الظن) قد قدّم له بالدليل العملي كيف يأتي الله بالشمس من المشرق، فما استطاع الرجل أن يكذّب دعوى إبراهيم.
ولو تفقدنا طريقة خطاب إبراهيم مع الرجل، لوجدنا فيها العجب باستخدامه للألفاظ. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية مرة أخرى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
السؤال: أين الدقة في الألفاظ في كلام إبراهيم؟
جواب مفترى: عندما كان الحديث جار بين الرجلين عن قضية الإحياء والإماتة، جاء اللفظ من إبراهيم على النحو التالي:
... إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...
ولكن عندما تحول الموضوع إلى قضية الشمس، جاء اللفظ على لسان إبراهيم على النحو التالي:
... قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ...
فالمدقق في اللفظ يجد على الفور أن إبراهيم قد نسب الفعل الأول (الإحياء والإماتة) إلى ربه، بينما نسب الفعل الثاني (مجيء الشمس من المشرق) إلى الله. انظر التقابل بين الحالتين مرة أخرى:
... إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...
... قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ...
السؤال: لماذا؟
جواب: لأن الأرباب متفرقون، بينما الله فهو الواحد القهار، كما جاء على لسان يوسف في خطابه صاحبيه السجن:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا لا تصدقوها: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن قضية الإحياء والإماتة متعلقة بقدرات الرب (أي من كان ربا)، ومادامت كذلك، فيمكن (نحن نستنبط القول) لكل من كان ربا (أو زعم أنه ربا) أن يقدر عليها، لذا هناك من يقدر على الإحياء والإماتة غير الله مادام أن هناك أرباب من دونه.
نتيجة مفتراة: الإحياء والإماتة من قدرات الرب، لذا فهي تقع في باب الإيمان بالربوبية
لكن مجيء الشمس من المشرق – بالمقابل- متعلقة (نحن نفتري القول) بقدرات الواحد القهار، أي الله، فلا يقدر على فعل ذلك أحد إلا الله.
السؤال: هل أدرك الرجل الذي حاج إبراهيم ذلك؟
جواب مفترى: نعم، بكل تأكيد، لقد أدرك الرجل أن هناك أفعالا يقدر عليها من كان ربا (كالإحياء والإماتة) ولكن هناك أيضا أفعال محددة لا يقدر عليها إلا من كان إلها. وهذا (برأينا) ما جعله يُبهت. انتهى.
وسنرى لاحقا (إن أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك) تبعات هذا الطرح على قدرات فرعون وهو من ظن أنه ربا:
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
وهو من زعم أيضا أنه إلها:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
(دعاء: فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لا ينبغي لغيري، إنه هو الواسع العليم، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو الغفور الرحيم – آمين)
التساؤلات:
- كيف برهن الرجلُ لإبراهيم أنه يستطيع أن يحيي ويميت؟
- كيف برهن إبراهيمُ للرجل أن الله هو من يأتي بالشمس من المشرق؟
جواب مفترى 1: نحن نظن أن الرجل كان بيده الآلية التي يستطيع أن يبرهن لإبراهيم (ولغيره) من خلالها أنه قادر على فعلي الإحياء والإماتة.
جواب مفترى 2: نحن نؤمن أن إبراهيم كان بيده الآلية التي يستطيع أن يبرهن للرجل (ولغيره) بواسطتها بأن الله هو من يأتي بالشمس من المشرق.
السؤال القوي: هل تستطيع أن تبين لنا الآلية التي استخدمها كل واحد منهما إن صح ما تزعم؟ يسأل صاحبنا.
جواب مفترى: نعم، استطيع ذلك.
التحدي: هات ما عندك إن كنت تستطيع ذلك إذن!
رأينا المفترى: لكي استطيع تبيان ذلك، فلابد بداية من الوقوف على المكان الذي حصلت فيه المحاججة بين الطرفين.
السؤال: لماذا نحتاج التعرف على المكان أولا؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: لأن الأدوات التي برهن بها كل طرف على صدق دعواه لا تزال موجودة حتى الآن في المكان نفسه.
السؤال: وأين ذلك المكان؟
جواب مفترى خطير جدا: إنها أرض مصر الخالدة. انتهى.
السؤال: وأين حصل ذلك في أرض مصر؟
جواب مفترى خطير جدا: في البقعة الجغرافية التي لازالت أثارها دالّة على ذلك.
السؤال: وأين هي؟
جواب: إنها أرض الأهرامات الخالدة
تخيلات مفتراة: نعم، في تلك البقعة الجغرافية حصلت المواجهة بين إبراهيم من جهة وذلك الرجل الذي آتاه الله الملك من جهة أخرى. وهناك لازالت تقبع أدوات العلم التي برهن بها كل طرف على صدق حجته للطرف الآخر. فالأدوات التي استخدمها الرجل لإثبات قدرته على الإحياء والإماتة لازالت موجودة هناك، وكذلك الأدوات التي استخدمها إبراهيم لإثبات حجته بأن الله هو من يأتي بالشمس من المشرق لازالت موجودة حتى الآن هناك.
السؤال الأول: ما هي أدوات العلم التي برهن بها الرجل الذي آتاه الله الملك على أنه قادر على الإحياء والإماتة؟
السؤال الثاني: ما هي أدوات العلم التي برهن بها إبراهيم على حجته بأن الله هو من يأتي بالشمس من المشرق؟
جواب مفترى 1 خطير جدا جدا: لقد برهن الرجل على صدق حجته بالأهرامات
جواب مفترى 2 خطير جدا جدا: لقد برهن إبراهيم على صدق حجته بأبي الهول
الدليل
السؤال: كيف استخدم الرجل الأهرامات لإثبات قدرته على الإحياء والإماتة؟
جواب مفترى: لما كنا نفتري الظن بأن الأهرامات هي أوتاد، بدليل قوله تعالى:
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
كانت هذه الأهرامات بمثابة الجبال بالنسبة للأرض:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
باب: الجبال أوتادا
لو عدنا إلى قصة إبراهيم مع ربه بخصوص كيفية الإحياء والإماتة، لوجدنا على الفور أن الله هو من طلب من إبراهيم أن يأخذ أربعة من الطير فيجعل على كل جبل منهن جزءا، ومن ثم يدعوهن بعد ذلك، لتكون النتيجة أن يأتينه سعيا:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
وهنا نتوقف لنثير تساؤلات (نحن نظن أنها) غاية في الخطورة لما سيترتب عليها من نتائج نظن أنها ربما غير مسبوقة، نذكر منها:
- لماذا طلب الله من إبراهيم أن يضع تلك الطير على الجبال؟
- لماذا لم يتم الأمر مباشرة؟
- ما دخل الجبال بقضية الإحياء والإماتة؟
- الخ
أما بعد،
نحن نطلب من أصحاب القلوب المؤمنة إيمانا مطلقا بدين الآباء أن يتوقفوا عن القراءة هنا فورا، فكلامنا القادم موجّه فقط للباحث عن الحقيقة ليتبع ما أنزل الله من الحق بغض النظر عن المقدمات والعواقب:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
(دعاء: اللهم أدعوك وحدك أن تنفذ قولك بمشيئتك لي بأن أكون متبعا لما أنزلت من الحق، وأعوذ بك وحدك أن أكون ممن يؤثرون ما ألفوا آباءهم عليه، وأسألك أن أكون ممن يعقلون فيهتدون، وأعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول عليك ما ليس لي بحق، إنك أنت العليم الخبير – آمين)
أما بعد،
نحن نجلب انتباه القارئ بداية إلى ضرورة أن يقرأ ما جاء في سلسلة مقالاتنا تحت عنوان ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود...لأن الافتراءات المتوافرة هنا تشكل – برأينا- أساسيات الفهم لما سنتجرأ عليه من افتراءات قادمة ربما تكون غير مسبوقة في هذا الجزء من المقالة.
السؤال: ما قصة الجبال في قضية الإحياء والإماتة؟
لما كنا نعتقد يقينا بأن كل شيء في كتاب الله مقصود بذاته، وهو ما لا يمكن أن يقع في باب المصادفة، لزم علينا طرح هذا التساؤل الخاص بعلاقة الجبال في قضية الإحياء والإماتة، فالله هو من طلب من إبراهيم أن يجعل على كل جبل من تلك الطير التي صرهن إليه جزءا، ومن ثم يدعوهن ليأتيهن من هناك سعيا. وهذا الواقع الذي حصل يجبرنا على طرح التساؤلات التالية:
- لم لم يري إبراهيم كيفية إحياء الموتى بطريقة أخرى؟
- لم كانت الطير هي فقط مجال التجريب العملي؟
- لم لم يطلب الله من إبراهيم أن يضع تلك الطير أمامه ليرى بأم عينه كيفية إحياء الطير في بث حي ومباشر من هناك؟
- لم لم يطلب الله من إبراهيم أن يضعهن في واد ثم يدعهن ليأتينه من هناك؟
- لم لم يطلب الله من إبراهيم أن يضعهن على صخرة أمام مجموعة من الناس ليشهدوا أيضا على الموقف؟
- الخ.
جواب مفترى: نحن نظن أنه لم يكن بالإمكان فعل أي من هذه السيناريوهات المقترحة، كما نؤمن أنه بالاستحالة بمكان أن يتم الأمر على غير ما تم عليه، ولكن لماذا؟
السؤال الول:
ذشِجبالالأول: لم لم يري إبراهيم كيفية إحياء الموتى بطريقة أخرى؟
جواب مفترى: لو رجعنا إلى النص القرآني لوجدنا أن قضية إحياء الموتى قد تمت بطرق أخرى، فهذا عيسى بن مريم مثلا يخلق لمن حوله من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا:
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)
فلم إذن (نحن نتساءل) لم تتم العملية لإبراهيم بهذه الطريقة؟ من يدري؟!
وهذا الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها يريه الله كيف يحيي القرية بعد موتها في بث مباشر أمام ناظريه:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
فلم إذن (نحن نتساءل) لم تتم العملية لإبراهيم بهذه الطريقة؟ من يدري؟!
رأينا المفترى: نحن نظن أنه لم يكن ممكنا أن تتم العملية لإبراهيم بهذه الطرق إطلاقا؟
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: لأن إبراهيم (نحن نظن) كان يريد أن يرى بأم عينه كيف يحيي الله الموتى ليتأكد مما فعله الرجل الذي حآجه؟
سؤال: لم أفهم شيئا، ما الذي تريد أن تقوله؟ يسأل صاحبنا مستغربا.
جواب مفترى: نحن نعتقد أن إبراهيم قد طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى بنفس الآلية التي قام بها الرجل الذي حاجه، ليتأكد بأن الفعل الذي قام به الرجل الذي حاجه يقع فعلا في باب إحياء الموتى. فإبراهيم (نحن نتخيل) يريد مقارنة ما فعله الرجل من إحياء الموتى بما يفعله الله نفسه في القضية نفسها.
السؤال: وهل فعلا قام الرجل (كما تزعم) بفعل الإحياء والإماتة أمام ناظري إبراهيم؟ يسأل صاحبنا مرة أخرى.
جواب مفترى: نعم، لقد فعل الرجل ذلك أما ناظري إبراهيم.
السؤال: وكيف حصل ذلك؟
جواب مفترى خطير جدا: نحن نظن أن الرجل قد فعل ذلك من خلال التقنية المتوافرة في الأهرامات، والتي استطاع الرجل أن يستفيد منه على علم منه.
السؤال: وما هي تلك التقنية؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن الأهرامات هي عبارة عن صروح عملاقة لالتقاط الطاقة من الفضاء. انتهى.
تخيلات مفتراة: كانت الأهرامات (نحن نظن) من صناعة عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وكانت الغاية من تشييد تلك الصروح العملاقة هي تجميع الطاقة من الفضاء الخارجي، ثم تخزينها في قواعد تلك الأهرامات، للاستفادة منها في أغراض كثيرة، أهمها علم الإحياء والإماتة.
السؤال: من أين حصلوا على العلم بذلك؟
جواب مفترى: من الجبال
السؤال: وكيف ذلك؟
جواب مفترى: لقد توصلت عاد إلى ما نعتقد أنه حقيقة قرآنية، مفادها أن الجبال بحد ذاتها (نحن نفتري القول) كينونة منفصلة عن الأرض، لها غاية محددة يمكن معرفتها والاستفادة منها، والآية الكريمة التالية تشير - حسب فهمنا - إلى الدليل الذي يمكن أن يثبت زعمنا هذا، قال تعالى:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)
فهذه الآية الكريمة تبين (كما نفهمها طبعا) حقيقة جلية تتمثل بأن الله تعالى قد عرض الأمانة (قبل أن يحملها الإنسان) على ثلاث كينونات هي:
- السماوات
- الأرض
- الجبال
رأينا المفترى: نحن نزعم القول أن الآية الكريمة تتحدث عن كينونات ثلاثة، مختلفة ومنفصلة عن بعضها البعض، اختلافاً يجعل كل واحدة منها مؤهلة لحمل الأمانة التي عرضها الله عليها لو أنها تقبلتها، فلو تقبّلت الجبال مثلاً حمل الأمانة، لكانت الجبال (ولا شيء غير الجبال) مسئولة عنها، ولما كانت الأرض حينها ستحاسب عليها، والعكس صحيح بالنسبة للسماوات والأرض، فلو تقبلت الأرض حمل الأمانة لما كانت الجبال أو السموات مسئولة عن تحمل تبعات قرار الأرض، وهكذا.
ولقد جاء هذا الفصل بين الأرض من جهة والجبال من جهة أخرى في أكثر من موقع في كتاب الله، قال تعالى:
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
فلو كان الأرض والجبال كينونة واحدة (أو كتلة واحدة) لما تطلب الفصل بينهما في هذه الآية الكريمة مادام أن المصير واحد (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ). إن أبسط ما يمكن استنباطه من هذه الآية الكريمة هو أن الجبال والأرض كينونتان متصلتان لكنهما منفصلتان و مختلفتان عن بعضهما، وإلاّ لانتفت – في ظننا- الحاجة إلى ذكرهما ككينونتين منفصلتين.
ولو أمعنا التفكر في الآية الكريمة التالية لربما تأكد الظن عندنا بضرورة الفصل بين هاتين الكينونتين، قال تعالى:
ويَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدً (47)
فالله يخبر عن ذلك اليوم الذي ستسيّر فيه الجبال ولا تسيّر فيه الأرض، ولكنها ستكون حينئذ بارزة فقط.
وقد وردت فكرة حركة الجبال (دون الأرض) في أكثر من سياق قرآني آخر:
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
وسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20)
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10)
ولا يتوقف الأمر عند تسير الجبال دون الأرض، ولكن مصير كل منهما يختلف عن مصير الآخر. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- إلى ما ستؤول إليه الجبال على وجه التحديد كما تصور ذلك الآيات الكريمة التالية:
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً (105)
والآيات الكريمة التالية تشير إلى أن مصير الأرض غير مصير الجبال، ففي حين أن الأرض ستنشق، فإن الجبال ستخر هدّا:
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90)
وفي حين أن الأرض سترجف فإن الجبال ستصير كثيباً مهيلا:
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً (14)
السؤال: ما هي الجبال؟
رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأن الجبال هي أوتاد:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
السؤال: ما هو الوتد؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الوتد هو ما يبرز إلى الأعلى بعد أن يكون هناك ما يثبته في باطن الأرض كما في وتد الخيمة (أو TENT PEG باللسان الأعجمي) كما في الشكل التوضيحي التالي:
SOURCE: https://en.wikipedia.org/wiki/Tent_peg#/media/File:Wooden_stake_holding_guy_rope.jpg
فما يظهر من هذا المثبّت فوق سطح الأرض فهو ما (نظن) أنه يجب أن يسمى وتدا. أما ما يدخل في باطن الأرض، فهو ليس وتدا وإنما هو (برأينا) مرساة، لذا فإن الجبال التي هي أوتاد قد تم إرسائها في داخل الأرض:
فأصبح هناك جبال (وهو الجزء الذي يظهر فوق الأرض)، وأصبح هناك رواسي (وهو الذي يغوض في باطنها) كما في الشكل التوضيحي التالي:
ونحن نرى ضرورة التفريق بين الكينونتين لما سيترتب على ذلك من أفهام مفتراة من عند أنفسنا لاحقا. فدعنا أولا نقرأ الآيات الكريمة ذات العلاقة، لنخرج (بحول الله وتوفيق منه) باستنباطات نظن أنها غاية في الأهمية لأغراض التفريق بين المفردتين.
أولاً، الجبال يمكن أن يراها الإنسان بأم عينه:
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
الجبال يمكن أن يتخذ الناس منها بيوتاً:
وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ. (82)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
ويمكن أن تتخذ منها الكائنات الأخرى كالنحل مثلاً بيوتا:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
ويمكن أن يؤوي إليه الإنسان برجليه كما ظن ابن نوح:
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
أما الرواسي فهي – بالمقابل- تلك الأجزاء الداخلية المتجذّرة في بطن الأرض حيث لا يمكن رؤيتها، ولا يمكن للنحل أن تتخذ منها بيوتا، ولا نستطيع نحن أن ننحت منها بيوتا لأنفسنا، ولا يمكن لأي شخص أن يؤوي إليها.
ولو دققنا النظر في الآية الكريمة التالية لوجدنا أن الجبال هي تلك الكينونة التي تظهر فوق السطح، فالآية الكريمة تؤكد أن ما يشبه "شكل الجبل" يمكن أن يتكون على سطح الماء كما كان الحال يوم طوفان نوح:
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42)
ولو تفقدنا الآيات الخاصة بالرواسي كما جاءت في كتاب الله، لوجدنا (حسب فهمنا لها) أنها (كما الجبال) ليست جزءا من الأرض. فعند استعراض الآيات الكريمة التي تتحدث عن الرواسي نجد الفصل واضحاً بين الأرض من جهة والرواسي من جهة أخرى:
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19)
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون (3)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: "ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته (4)"
افتراء من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن بأن الله قد خلق السموات والأرض خلقا، بينما جعل الرواسي والجبال جعلا.
السؤال: ما معنى ذلك؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الجبال والرواسي لم تكن موجودة عند مرحلة الخلق (أي لحظة أن خلق الله السموات والأرض)، فالله لم يذكر الجبال والرواسي عند خلقة السموات والأرض.
الدليل
جاء ذكر "خلق الأرض والسموات" في سياقات كثيرة من كتاب الله الكريم، فقال تعالى:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3)
وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )3)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ (44)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
إن ما نودّ أن نجلب انتباه القارئ الكريم إليه هنا هو أنّ العرش كان (قبل خلق السموات والأرض) على الماء:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
لم نجد آية واحدة في كتاب الله تشير بأن الجبال قد أوجدت بطريقة الخلق، ولكنها جاءت بصيغة الجعل، فما الذي يمكن أن نفهمه من ذلك؟
السؤال: لماذا لم تكن الجبال حاضرة عندما خلق الله السموات والأرض؟ وبكلمات أخرى نسأل: لماذا لم يجعل الله الجبال إلا بعد أن خلق السموات والأرض؟
جواب مفترى: يقودنا هذا التساؤل على الفور للحديث عن الهدف الذي من أجله أوجد الله الجبال أصلاً، فلا شك عندنا أن الله قد أوجد الجبال لغاية مهمة أنيطت بها.
السؤال: ما هي المهمة التي انيطت بالجبال؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الهدف من إيجاد تلك الكينونة (أي الجبال) بطريقة الجعل بعد أن خلقت الأرض كان –نحن نزعم القول- من أجل تثبيت الأرض، فجاء إيجاد الجبال- برأينا- لكي تحمي الأرض من الحركة العمودية (فلا تبرز إلى الأعلى). فإذا ما سيرت تلك الجبال حتى تصبح الأرض بارزة:
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
السؤال: ما دور الرواسي؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الرواسي (الجزء الداخلي من تلك الكينونة الكبيرة) تعمل على تثبيت الأرض فلا تتحرك حركة أفقية، فلا تميد بنا الأرض:
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
نحن نستطيع تبسيط الصورة بالقول أنه لو لم يكن هناك رواسي لتحركت الأرض بالاتجاهات الأربعة (شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً)، فالرواسي تشد كتلة الأرض معاً لتبقيها كتلة واحدة متماسكة، ولو دققنا في اللفظ أكثر لوجدنا أن مفردة الرواسي لم تفرد في القرآن الكريم (أي لم ترد بصيغة المفرد)، فهناك دائماً رواسي، ولو حاولنا ربط ذلك بحجم الرواسي (حيث أنها كثل ضخمة داخل الأرض)، لربما خرجنا بالاستنباط الذي مفاده أن الرواسي جميعها كتلة متصلة مع بعضها البعض، أي أنها جميعها تمثل كتلة واحدة مرتبطة ممتدة داخل الأرض، تمنع الأرض من أن تميد بنا، وبكلمات أخرى فهي تعمل على منع الأرض من التحرك أفقيا بأي اتجاه.
منطقنا المفترى: ما أن خلقت السموات والأرض، ودعت الحاجة إلى تثبيت الأرض بعد ارتفاع العرش عنها، حتى أنزل الله تلك الكينونة الهائلة التي عملت على تثبيت الأرض، وعندما دخل جزء منها في باطن الأرض حصل التحول، فجعل الجزء الذي ألقي في الأرض رواسي. وبقي جزء آخر فوقها فجعل جبالاً.
نتيجة مفتراة: نستطيع القول الآن أن الرواسي تعمل على حماية الأرض من أن تميد بنا (أي حتى لا تتحرك أفقياً), وأن وظيفة الجبال هي حماية الأرض من أن تبرز (فلا ترتفع إلى الأعلى).
والقرآن الكريم لم يفرد الرواسي (ويذكرها على الدوام بصيغة الجمع)، ولا يصورها على أنها أنواع متعددة، فهي على الدوام في كتاب الله على نوع واحد فقط. أما الجبال - بالمقابل- فجاءت في النص القرآني بصيغة الجمع (جبال) وبصيغة المفرد (جبل) كما بيّنت الآيات الكريمة، ونحن نكاد نجزم الظن أن هناك أكثر من نوع واحد من الجبال، فهناك ثلاث أنواع من الجبال كما نفهم ذلك من الآية الكريمة التالية:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
(للتفصيل أنظر مقالتنا السابقة: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)
عودة على بدء: لما كانت الجبال أوتادا، كانت هي عبارة عن لواقط للطاقة القادمة من الفضاء الخارجي، بالضبط كما يفعل لاقط الموجات الكهرومغناطيسية في الآلات الكهربائية كالتلفزيون والراديو والتلفون، الخ. وما أن يقوم الجبل بالتقاط تلك الطاقة حتى يعمد إلى تخزينها في الداخل، أي في الرواسي، فتصبح تلك الرواسي عبارة عن مجمعات للطاقة (أو بطاريات بالمفردات الدارجة).
السؤال: ما الفائدة من ذلك؟
جواب: لتدب الحياة في الكتلة كلها (أي الكرة الأرضية جميعها).
السؤال: وما الفائدة من ذلك؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن ذلك هو ما يجعل الكرة الأرضية كلها قادرة على الحركة.
السؤال: وكيف يتم ذلك؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الأرض لا تتحرك ولكن الحركة هي للجبال فقط، بدليل قوله تعالى:
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
السؤال: ما معنى أن الجبال ليست جامدة كما نحسبها؟
جواب مفترى: لأنها تمر مر السحاب، أي قادرة على الحركة.
السؤال: ما الذي يجعل الجبال على وجه التحديد قادرة على الحركة؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الطاقة التي تلتقطها الجبال من الفضاء الخارجي وتقوم بتخزينها في رواسيها هي ما يجعلها غير جامدة، قادرة على الحركة، فتمر مر السحاب، فهذا هو صنع الله الذي أتقن كل شيء.
السؤال: ما هي تلك الطاقة التي تلتقطها الجبال من الفضاء؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: إنها الروح
تخيلات مفتراة: ترتفع الجبال عن سطح الأرض على شكل لواقط للطاقة (أي الروح)، فتدب الحياة فيها، فلا تعود جامدة كما يحسبها الناظر إليها، فتقوم تلك الطاقة الروح، بتحريك تلك الكينونة في حركة منتظمة، تعمل على تحريك الكتلة كلها (أي الأرض جميعا) بفعل حركة الجبال نفسها.
السؤال: ما الذي سيحصل لو أن تلك الجبال قد نسفت كما سيحصل يوم القيامة:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
جواب مفترى: ستنتهي تلك الحركة، وستتوقف الكتلة عن الحركة كليا.
عودة على بدء
السؤال: ما علاقة هذا كله بقصة إبراهيم مع ربه في قضية إحياء الموتى:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
جواب مفترى خطير جدا: لما كانت الطاقة الروح هي ما تلتقطه تلك الجبال من الفضاء الخارجي، كان لزاما على إبراهيم أن يضع تلك الطير على رؤوس الجبال، وهناك يتم بث الطاقة (الروح) في تلك الطير التي صرهن إبراهيم إليه، وهناك تنبعث الحياة فيهن من جديد، فتكون النتيجة أن يأتين إبراهيم سعيا.
السؤال: ما علاقة هذا كله بقصة إبراهيم مع ذلك الذي حاجه في ربه؟
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن الرجل كان يستطيع القيام بذلك ولكن من خلال أوتاده هو، أي من خلال الأهرامات التي هي فعلا أوتادا:
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
السؤال: كيف كان يفعل ذلك؟
رأينا المفترى: كان الرجل يعلم أن تلك الأهرامات هي لواقط للطاقة، وأن رواسيها التي تغوض في داخل الأرض هي مخازن لتلك الطاقة (أي الروح) التي تم التقاطها، كما نفتري الظن بأنه كان يعلم كيف يستطيع استغلال تلك الطاقة في بث الحياة من جديد في الأشياء التي ماتت.
السؤال: وكيف يفعل ذلك؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أن الرجل كان يستطيع تفريغ تلك الطاقة في أدوات يتم من خلالها بث الحياة في الأجسام التي توضع بها
السؤال: ما هي الأدوات التي كان الرجل يستخدمها من أجل تفريغ الطاقة؟
جواب: إنه قضيب تفريغ الطاقة
السؤال: وما هو ذلك القضيب؟
جواب: إنه العصا.
تخيلات مفتراة: نحن نتخيل أن الرجل كان قادرا على تفريغ جزء من تلك الطاقة التي التقطتها الجبال وخزنتها في رواسيها في عصاه، التي نظن أنها تشبه في فعلها ما كانت عصا موسى تفعله بعد أن ألقيت في النار، فعادت سيرتها الأولى.
السؤال: كيف يمكن أن نتصور ذلك؟
رأينا المفترى: دعنا نقدم للقارئ الكريم الجدارية التالية التي وصلتنا سابقا من عند صاحبنا عصام درويش من أرض مصر، وهي الجدارية التي نظن أنها تصور تلك المحاججة الشهيرة بين إبرايهم (الفتى) وذلك الذي آتاه الله الملك، ثم نعود بعد ذلك للحديث عن تفاصيل آلية فعل تلك العصا المشحونة التي تظهر بيد ذلك الملك:
جواب: هذا ما سنحاول تبيانه بحول الله وتوفيق منه في الأجزاء القادمة من هذه المقالة (إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيها. فالله وحده أسأل أن ينفذ مشيئته وإرادته لي الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو العليم الخبير – آمين.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان بقلم د. رشيد الجراح