قصة يونس - الجزء الثالث عشر
قصة يونس – الجزء الثالث عشر
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
حاولنا في الجزء السابق من هذه المقالة تفنيد إدعاء أهل الكتاب اللذين كانت مهمتهم تحريف الكلم من بعد مواضعه بأن أيام الأسبوع هي سبعة أيام كما هو معمول به في التقويم الجاري، وظننا أن هذا التقويم قد بدأ منذ تلك اللحظة التي حصل فيها الاختلاف في السبت. وافترينا الظن من عند أنفسنا بأن الأيام عند الله هي ستة فقط، كما جاء في الآيات الكريمة العديدة:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (7)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
وزعمنا القول بأن هدف اللذين اختلفوا في السبت كان مدفوعا بالحاجة للخروج من مأزق الحيتان التي كانت تأتي القرية حاضرة البحر يوم سبتهم ولا تأتيهم يوم لا يسبتون. وقد سوّق بعض أهل الكتاب من خلال ذلك افتراءهم على الله الكذب على نحو أن الله هو من كان بحاجة إلى راحة بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام، فكان يوم السبت. وقد سهّل عليهم هذا الافتراء المكذوب على الله - كما يظهر في النسخ المترجمة في نهاية الإصحاح الأول وبداية الإصحاح الثاني من سفر التكوين من العهد القديم (انظر الجزء السابق)- إقناع العامة من الناس بأن السبت هو اليوم الذي يلحق أيام الخلق الستة. فالله قد خلق السموات والأرض في ستة أيام، وكانت راحته – حسب زعمهم- في اليوم السابع. لذا ساد منذ تلك اللحظة منطقهم الكاذب على نحو أن أيام الأسبوع هي سبعة أيام بدلا من ستة فقط.
السؤال القوي: لماذا فعل أهل العلم فعلتهم هذه؟ أي لماذا نقضوا الميثاق الذي واثقهم الله به؟ هل كان ذلك من أجل اصطياد بعض الحيتان؟ وهل كان أهل العلم يشتغلون أصلا بمهنة اصطياد حيتان البحر؟
رأينا المفترى: نحن لا نظن بأن هدف اللذين أتوا الكتاب من أهل العلم كان اصطياد أو عدم اصطياد الحيتان، فذاك شأن العامة من أهل تلك القرية حاضرة البحر. لذا لابد أن أهل العلم (نحن نزعم الظن) كان هدفهم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، ليكون السؤال مرة أخرى هو: لماذا فعلوا فعلتهم تلك؟
منطقنا المفترى: نحن نظن أنه لما كانت العاقبة وخيمة (وهي جعل اللذين اعتدوا منهم في السبت قردة خاسئين)، كان الجرم – لا شك- شنيعا ليتناسب مع حجم العقوبة. فعاقبة اصطياد حفنه من حيتان البحر الذي أحل الله لنا صيده وطعامه حتى في حالة الإحرام كما جاء في الآية الكريمة التالية:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)
قد لا تكون – نحن نفتري القول- بهذا البطش الإلهي الشديد لو لم يكن الأمر حقا أكبر من ذلك بكثير. لذا لابد (حسب منطقنا المفترى هذا) من الظن (ربما مخطئين) أن ما فعله هؤلاء القوم من الجرم كان يواز حجم العقاب الذي نزل بهم:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
السؤال: فما الذي فعله هؤلاء حتى استحقوا هذا العقاب الأليم من الله؟
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167)
رأينا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن مثل هذا العقاب الإلهي الشديد لا يحل بقوم إلا إذا بدر من القوم أنفسهم ما يدعوا إليه. وهذا يعني بمنطقنا المفترى أن اللذين اعتدوا منهم في السبت قد فعلوا فعلة نكراء جعلتهم محل غضب الرب. ولو تدبرنا العقاب الإلهي الذي نزل بهم في سياقه الأوسع كما تصوره الآيات الكريمة التالية لربما استطعنا أن نخرج بافتراءات جديد حول الموضوع:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167)
لتكون الافتراءات الأولية على النحو التالي:
- أن القوم قد ذكروا بشيء ما
- أن القوم قد نسوا ما ذكروا به (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ)
- كان من بينهم من كان ينهى عن السوء، فحصلت لهؤلاء النجاة (أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ)
- كان من بينهم من كان ظالما، فوقع عليهم عذاب بئيس
- كان الفسق هو سبب هذا العذاب (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)
- حصل عن عتوا عن ما نهوا عنه (فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ)
- كان العذاب على شكل أن جعلهم الله قردة خاسئين (قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)
- حصل الإذن الإلهي من الله أن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)
- كان في ذلك دلالة على أن الله سريع العقاب (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ)
- كما كان في ذلك دلالة على أن الله غفور رحيم (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)
- الخ.
السؤال: إن صح ما تزعم، فما الذي فعلوه؟ يسأل صاحبنا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن اللذين اعتدوا منهم في السبت قد حاولوا الاعتداء على واحدة من آيات الله، وهي الحوت وصاحبه وهو (برأينا) الذي جعله الله آية للناس بعد أن أماته مئة عام ثم بعثه:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا خطيرة جدا: نحن نفتري الظن بأن اللذين ظلموا من أهل الكتاب وهم من أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) كان هدفهم الوصول إلى الحوت وصاحبه.
الدليل
لو راقبنا الآيات الكريمة جيدا لوجدنا أن هناك نوعان من العذاب وقعا على القوم، وهما:
- العذاب البئيس الذي أصاب اللذين ظلموا وهم اللذين كانوا يفسقون (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)
- عذاب أصاب اللذين اعتدوا في السبت بشكل محدد، وهو جعلهم قردة خاسئين، وهؤلاء هم اللذين عتوا عن ما نهوا عنه:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
السؤال: كيف حصل ذلك؟ وما الفرق بين العذاب البئيس الذي أخذ الذين ظلموا منهم وعذاب الجعل قردة وخنازير الذي أصاب اللذين اعتدوا منهم في السبت؟
رأينا: دعنا نتدبر الآية الكريمة التالية أولا:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
لنجد أنه كان هناك من كان ينهى عن السوء وهم اللذين أنجاهم الله من العذاب (أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ)، لكن كان هناك بالمقابل من كان ظالما وهؤلاء هم اللذين أصابهم عذاب بئيس، وكان سبب ذلك أنهم كانوا يفسقون (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)، وهؤلاء هم اللذين نسوا ما ذكروا به (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ).
السؤال: كيف حصل هذا كله؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الفسق لا يحصل إلا بعد صدور الأمر الإلهي، كما فعل إبليس يوم أن رفض الأمر الإلهي بالسجود لآدم:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
نتيجة مفتراة 1: لما كان بعض القوم من اللذين يفسقون، لذا فهم من اللذين رفضوا الامتثال للأمر الإلهي
السؤال: كيف حصل رفضهم للأمر الإلهي
رأينا: نحن نؤمن أن ذلك قد حصل بطريقة النسيان مصداقا لقوله تعالى: "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ"
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
التساؤلات التي يجب أن تطرح الآن هي:
- ما الذي ذكّروا به؟
- وكيف نسوه؟
نحن نؤمن أن من حلّت عليه نعمت الله ومن أنزل الله عليه الكتاب وآتاه الحكمة يجب أن يذكر:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
ثانيا، ونحن نؤمن أن الذكر يجب أن يكون بالطريقة التي علمنا إياه ربنا، وذلك لأن الله هو من علمنا ما لم نكن نعلم:
فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239)
والذكر يجب أن يكون لنعمة الله وميثاقه الذي واثقنا به:
وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
وهذا – برأينا- ما حصل مع بني إسرائيل بعد نجاتهم من فرعون وعذابه، ولكن حصل أن نقض بعضهم هذا الميثاق، وذلك بتحريف الكلم عن مواضعه:
وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
وكانت النتيجة أنهم قد نقضوا ميثاقهم (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ)، فلُعِنوا (لَعنَّاهُمْ)، وجُعِلت قلوبهم قاسية وذلك بسبب تحريفهم للكلم عن مواضعه (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ونسوا ما ذكروا به (وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ)، فأصبحت حالهم على النحو التالي:
فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)
مادام أنهم قد نسوا ما ذكروا به (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ)، فُتِحت عليهم أبواب كل شي (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)، فما أن أصابهم الفرح (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ)، حتى أخذوا بالعذاب بغتة فإذا هم مبلسون. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة مرة أخرى:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)
السؤال: من هم هؤلاء اللذين أصابهم هذا العذاب بغتة؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هؤلاء هم بعض من جاء ذكرهم في الآية الكريمة التالية:
وَإِذ نطقنا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
لتكون النتيجة المفتراة من عند أنفسنا على النحو التالي: أخذ الله ميثاق هؤلاء القوم من بني إسرائيل عندما نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، ولما كان هذا ميثاق، جاءت بنوده واضحة تماما. وكان هذا الميثاق غليظا، وكانت واحدة من بنوده تنص على أن لا يعدو في السبت:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
لذا كان هناك انكشاف للحقائق، فأصبحوا على علم بما لم يكونوا يعلمون من قبل، وأصبحت هناك علاقة من نوع خاص بين هؤلاء القوم وربهم، فتمت نعمة الله عليهم، وحصل أن نتق الله فوقهم الجبل كأنهم ظلة. فكان ذلك جزء من التفضيل الإلهي لهم. لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟
رأينا المفترى: نسي بعض هؤلاء ما ذكروا به (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ)
السؤال: كيف نسي القوم ما ذكروا به؟
رأينا المفترى: بداية لابد من التأكيد بأن النسيان لا يعني ما يخطر على بال العامة من معاني للمفردة، فالنسيان (كما نفهمه في السياق القرآني) لا يعني بأي حال من الأحوال غياب المعلومة عن الذهن، وذلك لأن الله نفسه ينسى. وانظر – عزيزي القارئ - الآية الكريمة التالية قبل أن تستشيط غضبا:
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
السؤال: هل يمكن أن تغيب المعلومة عن الإله الذي نسيهم عندما نسوه (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ)؟
ثانيا، لا شك عندنا أن القرآن الكريم يثبت إمكانية أن ينسى الإنسان نفسه:
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
السؤال: وهل يمكن أن ينسى الإنسان نفسه (فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) إذا كان معنى النسيان هو غياب المعلومة من الذاكرة؟
جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن النسيان (كما نفهمه) هو فعل مقصود لذاته، فالإنسان ينسى لأنه يريد أن ينسى، والله نفسه ينسى لأن ذلك كان قراره بنفسه:
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
السؤال: ما هو النسيان إذن؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن النسيان هو "تجاهل الأمر أو الموقف عن قصد" (أو هو "التطنيش" بلغتنا الأردنية الدارجة). فأنا قد أنساك إذا أردت ذلك، فيكون ذلك على نحو أن "أطنشك". ويكون النسيان عندها قرار نابع من تلقاء نفسي ولا يعني أنك غير حاضر في بالي (أي في الذاكرة) تماما. فأنا قد أنساك حتى عندما تكون حاضرا في ذاكرتي، وهذا ما سيحصل يوم القيامة مع من أراد الله نسيانهم:
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (34)
نتيجة مفتراة: النسيان فعل مقصود لذاته (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ)، لذا الإله نفسه ينسى.
فهؤلاء النفر من الناس (نحن نظن) لم ينسوا اليوم الآخر بمعنى أنه كان يغيب تماما من ذاكرتهم، ولكنهم نسوه (نحن نظن) لأنهم اختاروا أن يتجاهلوه "تطنيشه" عن قصد كلما ورد خبره في ذاكرتهم، فكان فعل النسيان عندهم مقصودا لذاته، وكذلك كان القرار الإلهي بحقهم وهو نسيانهم (الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ).
السؤال المعكوس: ما معنى غياب المعلومة تماما من الذاكرة؟ أو كيف جاء اللفظ القرآني بخصوص من غابت المعلومة تماما من باله (فلم تعد موجودة في ذاكرته)؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: إنها الغفلة:
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
نتيجة مفتراة: الغفلة تحصل بغياب المعلومة من الذهن تماما. لذا فالإله الذي قد ينسى لا يغفل.
الدليل
نحن نفتري القول أنه لما كان صاحب يوسف السجن (مثلا) لم يغفل عن يوسف ولكنه نسي يوسف بتحريض من الشيطان، فإننا نعتقد بأن صورة يوسف في السجن لم تفارق مخيلته يوما منذ أن خرج من السجن حتى لحظة "ادكاره بعد أمة" يوم أن طلب الملك تأويل رؤياه:
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)
ولو راقبنا السياق أكثر لوجدنا على الفور أن صاحب يوسف قد ادكر (ولكنه لم يتذكر).
السؤال: لماذا ادكر صاحب يوسف؟ ولم لم يأت النص على نحو أنه قد تذكر مثلا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أنه لو كان صاحب يوسف في غفلة عن يوسف لكانت حادثة رؤية الملك سببا لأن يتذكر (بالذال)، ولكن لما كان صاحب يوسف ناسيا (مطنش) كانت حادثة رؤية الملك سببا له لأن يدّكر (بالدّال) كما في الشكل التالي:
نسيان | غفلة |
ادكار (ادكر) | تذكُّر (تذكَّر) |
رأينا المفترى: لما كان القوم قد نسوا ما ذكروا به، فهم إذا قد تجاهلوا الأمر عن قصد ونية مسبقة بهذا القرار، لذا كان العقاب الإلهي الذي نزل بهم شديدا:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
السؤال: كيف إذن حصلت القصة برمتها؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن القصة قد حصلت على النحو التالي:
- ينجي الله بني إسرائيل من فرعون وقومه على يد موسى، فيتجاوز بهم البحر، ويغرق فرعون وجنوده:
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)
- ما أن تجاوز الله ببني إسرائيل البحر حتى أتى هؤلاء الناجين من فرعون وجنوده على تلك القرية التي كان القوم فيها يعكفون على أصنام لهم، فما كان منهم إلا أن يطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة:
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
فيأتي رد موسى على طلبهم هذا على النحو التالي:
إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
- ثم يحصل الميقات الإلهي لموسى أربعين ليلة، فيأتي موسى في اليوم الثلاثين متعجلا، لكن الله يتم ميقاته أربعين يوما:
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51)
- لما جاء موسى لميقات ربه، حصلت حادثة الجبل، الذي جعله ربه دكا:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)
- ما برح موسى لقاءه مع ربه ذاك حتى كتب الله له في الألواح موعظة وتفصيلا لكل شيء، فيطلب الله من موسى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها:
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
فيعود موسى إلى قومه غضبان أسفا، حاملا الألواح، وما أن يصل حتى يبدأ بمعاقبة أخيه هارون، ملقيا الألواح، آخذا برأس أخيه يجره إليه:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
- لكن ما أن يسمع موسى حجة أخيه هارون حتى يندم على فعلته، ويطلب المغفرة والدخول في رحمة ربه له ولأخيه:
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)
- فيتوجه موسى إلى السامري مخاطبا له، وينتهي الحوار بقرار موسى بتحريق العجل ونسفه في اليم:
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
- ما أن يسكت عن موسى الغضب حتى يعود ليأخذ الألواح التي كان قد ألقاها لحظة عودته:
وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
- يشيع الخبر في القوم أن موسى قد حظي بالنظر إلى ربه في ميقاته الأول، فتثور ثائرة بعضهم، مطالبين بالروية الإلهية، منكرين الإيمان بموسى حتى حصول ذلك:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55)
وهنا يكون موسى قد اختار لميقات ربه هذا سبعين رجلا:
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
- وما أن يبعث الله هؤلاء من بعد موتهم حتى يظلل عليهم الغمام وينزل عليهم المن والسلوى. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- السياق الأوسع لهذه الحادثة:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
ما أن يبعثهم الله من بعد موتهم حتى ينتق الجبل فوقهم كأنه ظلة حتى ظنوا أنه واقع بهم، وهناك بالضبط يأمرهم أن يأخذوا ما أتاهم الله بقوة وأن يذكروا ما فيه لعلهم يتقون:
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
نتيجة مهمة جدا جدا: في ظلة ذلك الجبل المنتوق فوقهم طلب الله من هؤلاء القوم أن يأخذوا ما آتاهم بقوة (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) وأن يذكروا ما فيه (وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ) لعلهم يتقون (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وعاد موسى إلى قومه مع هؤلاء السبعين رجلا من قومه، فيأمر القوم جميعا أن يأخذوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم. ويقطعهم الله اثنتي عشرة أسباطا أمما بعدد عيون الماء التي انبجست من الحجر الذي أمر موسى أن يضربه بعصاه:
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
- في هذه الأثناء يطلب الله منهم أن يسكون قرية محددة:
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)
- ولو تتبعنا السياق نفسه، لوجدنا أنه في هذه القرية بالذات حصل تبديل ما قد قيل لهم على يد الذين ظلموا منهم:
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ (162)
- وكانت هذه القرية (حسب فهمنا للسياق القرآني) هي نفسها التي حصلت فيها فتنة الحيتان:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
فانقسم القوم إلى فريقين، فريق مؤمن يهدون بالحق وبه يعدلون:
وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)
وفريق نسوا ما ذكروا به:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
التساؤلات
- من هم اللذين نسوا ما ذكروا به؟
- كيف حصل أن نسوا ما ذكروا به؟
- لماذا نسوه؟
- الخ
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن اللذين نسوا ما ذكروا به هم اللذين ظلموا منهم، وهم اللذين نتق الله فوقهم الجبل كأنه ظله حتى ظنوا أنه واقع بهم، وهم اللذين طلب منهم أن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة وأن يذكروا ما فيه كما جاء في قوله تعالى:
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
لكن نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن بعض هؤلاء النفر من بني إسرائيل اللذين كان عددهم سبعين رجلا لم يلتزم بالميثاق الإلهي الذي واثقهم بهم، وليس أدل على ذلك (كما نفهم القول) من قوله تعالى:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
لتكون النتائج المفتراة الآن على النحو التالي:
نتيجة مفتراة 1: كان هناك من رفع الله فوقهم الطور
نتيجة مفتراة 2: كان هؤلاء من طلب الله منهم أن يدخلوا الباب سجدا
نتيجة مفتراة 3: كان هؤلاء هم اللذين أخذ الله ميثاقهم بأن لا يعدوا في السبت
نتيجة مفتراة 4: كان ذلك الميثاق ميثاقا غليظا
عندما نقض بعضهم ميثاق الله، حصل العذاب الإلهي على النحو التالي:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
لكن المتدبر لهذا السياق القرآني يجد تناوبا في الألفاظ يجلب معه الحيرة والدهشة. فالمدقق في هذا النص يجد أن العذاب قد وقع على اللذين اعتدوا منهم في السبت، أليس كذلك؟
والآن دقق عزيزي القارئ في الميثاق الذي أخذه الله منهم:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
لتجد أن الميثاق كان على نحو أن (لَا تَعْدُوا) ولكن العذاب قد وقع على الذين اعتدوا (الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)
تساؤلات
- ما الفرق؟
- لماذا كان الميثاق على نحو أن لا يعدو (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)؟
- لماذا جاء العذاب على اللذين اعتدوا (الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)؟
- فهل اللذين طلب الله منهم أن لا يعدوا في السبت هم أنفسهم اللذين اعتدوا في السبت؟
- الخ.
رأينا المفترى: نحن نظن أن الميثاق الذي أخذه الله منهم كان على نحو أن لا يعدوا في السبت:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
وأن هذا الميثاق قد أخذه الله من الذين نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة:
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
وأن هؤلاء كان عددهم سبعين رجلا:
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
وأن هؤلاء هم اللذين أخذ الله منهم ميثاقا غليظا بأن لا يعدو في السبت:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
لذا، كان هؤلاء هم علماء بني إسرائيل الذين انكشف لهم من العلم ما لم ينكشف لغيرهم، وكان هؤلاء (نحن لا زلنا نفتري القول من عند أنفسنا) عالمين بالحكمة الإلهية التي حركت الطلب الإلهي منهم بأن لا يعدوا في السبت. فكان ميثاق الله الذي واثقهم به ميثاقا غليظا (وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا). لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأنه لم يلتزم كل اللذين أُخذ منهم الميثاق بذلك الميثاق كما واثقهم الله به، فظهر من بينهم من كان ظالما، فبدل هؤلاء اللذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم:
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ (162)
السؤال: ماذا كان عذابهم؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن عذاب هؤلاء كان هو العذاب البئيس، لأنهم هم اللذين فسقوا عن الأمر الإلهي:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
نتيجة مفتراة 1: كان هؤلاء قد نسوا ما ذكروا به، أي تجاهلوه عن قصد (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ)
نتيجة مفتراة: 2: كان هؤلاء هم اللذين ظلموا
نتيجة مفتراة 3: كان عذابهم هو عذاب بئيس
نتيجة مفتراة 4: كانوا هؤلاء يفسقون (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)
السؤال: إذا كان هؤلاء قد نسوا ما ذكروا به بأن تجاهلوه عن قصد، فكيف كانوا ظالمين؟
رأينا: نحن نظن أن هؤلاء قد ظلموا لأنه قد جاءهم العلم من قبل. فواحدة من أوجه الظلم تكون بكتمان الشهادة (التي يعلمها):
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
والظلم يكون بافتراء الكذب على الله أو بتكذيب آيات الله:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (15)
وعادة ما يحصل الظلم من الشخص الذي جاءه الحق:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68)
والغاية تكون من ذلك هو ضلالة الناس الذين لا علم عندهم:
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)
وليس أدل على ذلك مما فعل آدم وزوجه وهما اللذان ظلما أنفسهما بعد أن جاءهم العلم مباشرة من ربهم:
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
نتيجة: مفتراة: كان الذين وقع عليهم العذاب البئيس من الذين ظلموا لأنهم كانوا على علم.
السؤال: إذا كان هؤلاء قد ظلموا، فلم كانوا يفسقون؟ أو كيف كانوا يفسقون؟
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
رأينا المفترى: لما كان هؤلاء يفسقون لذا لابد أنهم قد فسقوا عن الأمر الإلهي كما فعل إبليس الذي فسق عن أمر ربه:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
نتيجة مفتراة 1: فعل هؤلاء ما فعل آدم وزوجه بأن ظلموا أنفسهم
نتيجة مفتراة 2: لما كان هؤلاء قد فسقوا، لذا فهم قد فعلوا ما يشبه ما فعل إبليس الذي فسق عن أمر ربه
السؤال: كيف إذن يمكن تصور ما حصل على أرض الواقع؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أنه لمّا كان العلم بالسبب الذي من أجله طُلِب منهم أن لا يعدوا في السبت، كانوا إذن عالمين بنبأ السبت، ولكن لمّا خالفوا ما كان من المفترض أن يلتزموا به كان ظالمين (كما حصل مع آدم وزوجه)، ولمّا لم يتوقفوا عند هذا الحد بأن فسقوا عن أمر ربهم، فهم إذا قد خالفوا الأمر الإلهي ليس عن رغبة جامحة عندهم (كما حصل مع آدم)، ولكن عن إصرار مسبق على ارتكاب الذنب كما فعل إبليس الذي أبى واستكبر:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
نتيجة مفتراة: لمّا وصل الحد بهؤلاء القوم أنهم قد ظلموا وأنهم قد كانوا فاسقين، كان العقاب الإلهي لا محالة نازل بهم. فنزل بهم على نحو أنه رجز من السماء، فكان عذابا بئيسا:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
السؤال: إذا كان هؤلاء الذين ظلموا هم اللذين أصابهم عذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فمن الذين وقع عليهم العذاب بأن جعلهم قردة خاسئين؟
رأينا المفترى: نحن نؤمن إنهم الذين اعتدوا في السبت:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
السؤال: وهل هناك فرق؟
رأينا المفترى: نعم، هناك فرق كبير جدا.
السؤال: ما هو؟
رأينا: نحن نظن أن الذين ظلموا هم بعض علماء بني إسرائيل، وهم مجموعة من السبعين رجلا الذين نتق الله فوقهم الجبل وجعله فوقهم كأنه ظله، وهم اللذين أخذ الله منهم ميثاقهم هناك، وهؤلاء هم الذين أصابهم العذاب البئيس بما كان يفسقون:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
أما الذين أصابهم العذاب بأن جعلهم الله قردة خاسئين فهم (نحن نؤمن) اللذين نفذوا الاعتداء على حيتان البحر في يوم سبتهم، وهؤلاء (نحن نظن) كانوا من عامة الناس اللذين لم يكونوا يعلمون، فهم اللذين أضلهم أهل العلم منهم:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
لذا وجب علينا (بناء على هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا) التفريق بين مجموعتين ممن وقع عليهم العذاب نتيجة ذلك الاعتداء:
- المجموعة الأولى وهم اللذين طُلب منهم أن لا يعدوا، وهؤلاء هم – برأينا- أهل العلم الذين كان هدفهم ضلالة الناس من حولهم لحاجة في أنفسهم
- المجوعة الثانية وهم اللذين اعتدوا، وهؤلاء هم – نحن نؤمن- اللذين نفذوا ما طلبه منهم أهل العلم اللذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.
باب لا تعدوا (مقابل لا تعتدوا)
السؤال: ما معنى أن "لا يعدوا" التي وردت في قوله تعالى؟
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
رأينا المفترى: لو تدبرنا هذا السياق القرآني لوجدنا أن النهي هو على نحو (لَا تَعْدُوا). وهذا - لا شك عندنا - يختلف كليا عن النهي الذي ورد في الآيات الكريمة التالية على نحو "لَا تَعْتَدُوا":
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)
السؤال: ما الفرق؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن النهي الذي جاء على صيغة " لَا تَعْدُوا " له علاقة بما جاء في الآيات الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
لتكون النتيجة المفتراة التي نحاول جاهدين الوصول إليها هي أن النهي في قوله تعالى (لَا تَعْدُوا)، هي مأخوذة – نحن نفتري الظن من عند أنفسنا- من "العدة"، أي الاستعداد، لذا كان الأمر الإلهي في قوله "لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ" (كما نفهمه) نهيا عن التجهز للأمر. أما صيغية "لَا تَعْتَدُوا" فهي التنفيذ الفعلي لفعل الاعتداء.
السؤال: كيف حصل الأمر على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: لما كان الأمر الإلهي لمن أخذ الميثاق منهم هو على نحو أن (لَا تَعْدُوا)، فإن النهي كان (كما نظن) يشمل عدم القيام بأي تجهيزات (أي عدّة) يمكن من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتداء على الحيتان في يوم سبتهم. فالله يعلم بأن القوم قد يقوموا بالتحايل (إن صح القول) على الأمر الإلهي بأن لا يعتدوا على الحيتان في يوم سبتهم ولكنهم قد يقوموا بالحيلة التي تمكنهم من تأخير اعتدائهم إلى يوم غير يوم سبتهم، وذلك على نحو أن يقوموا بعمل المصائد للحيتان التي يعلمون أنها ستأتيهم في يوم سبتهم في غير يوم سبتهم، فتقع تلك الحيتان في يوم سبتهم في تلك المصائد التي عملت في غير يوم سبيتهم. فما يكون منهم إلا أن يصطادونها في يوم غير يوم سبتهم بعد أن تمكنوا منها في يوم سبتهم. لكن لما كان العلم الإلهي مطلقا بما في صدورهم هؤلاء القوم، جاء الاحتياط مسبقا بأن لا يعدوا (لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)، أي لا يقوموا بمثل هذه الاستعدادات للإيقاع بالحيتان ومن ثم التذرع بأنهم لم يخالفوا الأمر الإلهي. وبكلمات أكثر وضوحا نحن نفتري القول بأنه لو جاء النهي الإلهي لهم على نحو "لا تعتدوا في السبت"، ربما ما أشكل عليهم الأمر بأن يلتزموا بعدم الاعتداء بالسبت ولكنهم يكونوا قد أعدوا العدة مسبقا له، أي العدة التي يمكنهم من إيقاع الحيتان في المصائد التي جهزوها لها في غير يوم السبت. فكانت الحكمة الإلهي (كما نفهمها) عظيمة بأن منعهم عن ذلك بقوله "لَا تَعْدُوا"، فما عادوا يستطيعون التذرع بمثل تلك الذرائع الفاشلة.
السؤال: لماذا؟ أي لماذا منعهم الله بأن لا يعدوا " في السبت
رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأن الهدف من ذلك ليس لحصول العلم الإلهي بالتزامهم بميثاقهم أو عدم التزامهم به، ولكن من أجل غاية محددة وهي "الحيتان" نفسها.
السؤال: كيف ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الله كان يريد أن يمنع أي محاولة منهم (مهما صغرت أو كبرت) تمكنهم من الاعتداء على تلك الحيتان على وجه التحديد. فتلك الحيتان يجب أن لا يمسوها بسوء، وذلك لأن في الاعتداء عليها خطر عظيم جدا.
السؤال: ما هو ذلك الخطر؟ ما الذي كان من الممكن أن يحصل لو أن القوم فعلا قد عمدوا إلى اصطياد الحيتان في يوم سبتهم؟
رأينا المفترى: نحن نظن أنه لو تمكن القوم من الاعتداء على تلك الحيتان، لربما استطاعوا أن يظفروا بذلك الحوت "المميز" وصاحبه الذي كان يأتي في يوم الجمعة من أجل تلبية نداء السعي لذكر الله في ذلك اليوم، وهو الحوت الذي كانت تلك الحيتان – برأينا- تـأتي معه أسرابا، احتفاء بقدومه، فتكون شرعا في ذلك اليوم على وجه التحديد:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
السؤال: لماذا نقض بعض أهل العلم من بني إسرائيل ميثاق الله الذي واثقهم به طمعا في ذلك الحوت؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: من أجل العلم المكنون فيه.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: في حين أن هدف العامة من الناس اللذين لم يكونوا على علم بقصة هذا الحوت والسبب الإلهي الذي من أجله نهاهم عن الاعتداء على الحيتان في يوم سبتهم كان هدفا ماديا بحت يتمثل (كما نفهمه) بالظفر باصطياد بعض تلك الحيتان، كان الهدف الحقيقي لأهل العلم اللذين سوغوا لهم فعلتهم تلك بالاعتداء على الحيتان هدفا علميا، وهو - برأينا- الظفر بالغنيمة الكبرى وهي الحوت نفسه مع صاحبه، وبالتالي الاعتداء عليهما.
السؤال: كيف كانت عاقبة كل طرف؟
رأينا المفترى: كان العقاب الرباني للذين اعتدوا في السبت وهم الذين نفذوا الاعتداء على الحيتان في يوم السبت (وهم العامة من الناس) طمعا بغنيمة مادية قد نزل بهم على شاكلة أن جعلهم الله قردة خاسئين:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
لكن - بالمقابل - كان العقاب الذي نزل على اللذين ظلموا منهم هو عذاب بئيس بما كانوا يفسقون:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
السؤال: ما هو العذاب البئيس الذي نزل بهؤلاء؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن عذاب هؤلاء كان أكبر وأعظم من عذاب أولئك. فالذي يقع في الظلم عن علم مسبق ويكون قد فسق عن أمر ربه هو أشد خطرا من الذي ارتكب الإثم لمطمع دنيوي بسيط. فالأول – لا شك عندنا- شر مثوبة عند الله من الثاني. فعذاب اللذين اعتدوا في السبت كان على نحو أن يكونوا قردة خاسئين، لكن عذاب الذين سوغوا لهم الأمر (وهم في ظننا أهل العلم الظالمين لأنفسهم الفاسقين عن أمر الله) كان - لا شك عندنا- أكبر من ذلك.
السؤال: ما العذاب الذي كان من الممكن أن يكون أكثر من أن يجعلهم الله قردة خاسئين؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية (كما نفهمها) لها علاقة مباشرة بفحوى النقاش:
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: كان عذاب الذين ظلموا منهم على نحو أن الله قد لعنهم (مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ)، وغضب عليهم (وَغَضِبَ عَلَيْهِ)، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ). والسبب في ذلك هو أن هؤلاء هم شر مكانا (أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا) وأضل عن سواء السبيل (وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ).
نتيجة مفتراة 1: كان اللذين جعلهم الله قردة خاسئين هم اللذين اعتدوا في السبت (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)
نتيجة مفتراة 2: كان اللذين جعلهم الله خنازير هم الذي جاءهم الأمر الإلهي بأن لا يعدوا في السبت
نتيجة مفتراة 3: جعل الله من هؤلاء اللذين خالفوا الأمر الإلهي بأن لا يعدوا في السبت جعل منهم الخنازير وعبد الطاغوت.
نتيجة مفتراة: كان هؤلاء هم أشر مكانا وأضل عن سواء السبيل
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك يعود لأن هؤلاء قد اختلفوا في السبت.
السؤال: وكيف اختلفوا فيه؟
جواب مفترى: تحدثنا سابقا عن الاختلاف، وزعمنا الظن أن الاختلاف لا يحصل إلا بين أهل العلم، والسبب في ذلك (كما نفهمه) أن أهل العلم قد أصبحوا على دراية تامة بالحكمة التي من أجلها جاءهم الأمر الرباني بالقضية قيد الاختلاف بينهم. فاللذين اختلفوا في السبت – مثلا- يعلمون السر وراء الأمر الإلهي بأن لا يعدو في السبت.
السؤال: أين الدليل على أن القوم كانوا على علم بذلك؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الدليل هو في حصول الاختلاف بينهم.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأنه لو حصلت المشكلة بينهم وهم على غير علم بالأمر، لربما وقع ذلك – نحن نفتري القول- في باب الخصومة وليس في باب الاختلاف. ليكون السؤال الذي سنجلب إليه انتباه القارئ الكريم الآن هو: ما الفرق بين أن يختلف القوم أو أن يتخاصموا فيما بينهم؟
باب الخصومة
لو تتبعنا السياقات القرآنية الخاصة بالخصومة (ومشتقاتها) كما جاءت في السياقات القرآنية التالية:
هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
لربما صحّ لنا أن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الخصومة تحدث قبل أن يتم اتخاذ القرار بفضها. فاللذين يحضرون إلى القاضي ليحكم بينهم هم خصمان اختصموا فيما بينهم. وذلك لأن البت بالحكم بينهم هو من شأن القاضي نفسه. فاللذين دخلوا على داوود – مثلا- كانوا خصما، وهم اللذين تسوروا المحراب:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
لكن ما أن دخلوا المحراب حتى وجدوا خصمهم الآخر فيه، فأصبحوا خصمان:
إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب النعجة)
ولا شك – عندنا- أن الخصومة تصل إلى القاضي عندما يبغى طرف منهم على طرف آخر، فيكون قد بغى بعضهم على بعض (خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ). وهنا يأتي دور القاضي للحمن بينهما (فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ) بعد أن يستمع إلى وجه نظر كل طرف منهما، بتقديم البينات التي تثبت حجته في الخصومة. وما أن ينتهي كل طرف من تقديم بينته حتى تصبح مهمة القاضي إنهاء الخصومة بينهما، ويكون ذلك على نحو اتخاذ قرار وجب على الطرفين الالتزام به مادام أنهما قد حضرا معا طالبين فض الخصومة بينهما على يد القاضي نفسه.
رأينا المفترى: ما أن ينطق القاضي بحكمه في الخصومة حتى يصبح الأمر بيّنا للطرفين. عندها يكون الالتزام بقرار القاضي إجباريا، أليس كذلك؟
السؤال: ماذا لو خالف البعض منهم قرار القاضي الذي نطق به لفض الخصومة بينهما
رأينا المفترى: نحن نظن أنه لو حصل ذلك، وخالف البعض قرار القاضي المنطوق في فض الخصومة، لأصبح ذلك يقع في باب الاختلاف، وذلك لأن الخصومة قد فضت في تلك اللحظة التي نطق بها القاضي بالقرار. فتكون الخصومة قد انتهت ولكن نشب الآن اختلاف فيما هو بيّن. والآن انظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياقات التالية التي تبين لنا أن الاختلاف يحصل بعد مجيء العلم:
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14)
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
تبين هذه الآيات الكريمة (ربما بما لا يدع مجالا لابتغاء التأويل) بأن الاختلاف قد حصل بعدما جاءهم العلم. كما تبين أيضا بأن مثل هذا يكون دائما مدفوعا بهدف واحد وهو البغي (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، فاللذين اختلفوا بالسبت كانوا مدفوعين بالغاية نفسها، أي البغي بينهم.
السؤال: كيف حصل ذلك؟
رأينا المفترى: في محاولتنا الإجابة على هذا التساؤل وجدنا أن الضرورة تستدعي تتبع أحداث قصة موسى في سياقها التاريخي، منذ لحظة خروجه ومن معه من بني إسرائيل من أرض مصر مطاردين من قبل فرعون وجنوده. فتخيلناها قد حصلت على النحو التالي:
ما أن يخرج موسى من أرض مصر ومعه قومه حتى يتعجل للقاء ربه:
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)
فيخبر الله موسى بالفتنة التي حصلت لقومه وبضلالة السامري لهم:
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
وفي ذلك اللقاء يحصل القرب الإلهي لموسى:
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
فتجرأ موسى على طلب الرؤيا المباشرة للإله، فيحدث التجلي الإلهي للجبل، ويتجلى الإله للجبل، فتحصل الصاعقة، فيجعل الله الجبل دكا ويخر موسى صعقا من هول تلك الصاعقة:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
وفي نهاية ذلك اللقاء، يكتب الله لموسى في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء، ويطلب منه أن يأخذها بقوة وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها، وفي الوقت ذاته يقطع الله الوعد لموسى بأن يريه دار الفاسقين:
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
وهنا نتوقف للحظة مع هذه الجزئية، حيث نجد أن أصحاب تلك القرية حاضرة البحر اللذين أصاب بعضهم عذاب السبت كان يفسقون:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وهم – لا شك عندنا- اللذين نسوا ما ذكروا به:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
وقد حصل ذلك العذاب لهم بعد أن بدلوا قولا غير الذي قيل لهم:
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (59)
ليكون السؤال الآن هو: كيف حصل ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن عاد موسى من لقاء ربه حاملا الألواح حتى ألقاها وأخذ بمعاقبة المتسببين بالفتنة والضلالة، فيبدأ بجر أخيه هارون برأسه:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
ثم ينتقل إلى معاقبة المتسببين بحادثة العجل كالسامري:
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ ... (97)
وانتهى الأمر بتحريق العجل ونسفه في اليم نسفا:
... وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
وما أن يسكت عن موسى الغضب بعد أن أوقع العقاب بالسامري وبالعجل الذي أخرجه لهم حتى عاد ليأخذ الألواح التي في نسختها هدى ورحمة للذين لربهم يرهبون:
وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
لكن العقاب الذي أنزله بالسامري وتحريق العجل ونسفه في البحر لم يكن (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) لينهي جذوة الكفر التي أُشعلت في صدور بعض هؤلاء القوم بسبب العجل، فبعضهم كان قد أشربوا العجل بكفرهم:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)
نتيجة مفتراة مهمة جدا: لو راقبنا هذه الآية الكريمة جيدا لوجدنا أن أخذ ميثاق القوم ورفع الطور فوقهم والطلب منهم أن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة قد حصل بعد حادثة العجل.
السؤال: فما الذي حصل بعد حادثة العجل وقبل أن يرفع الله الطور فوقهم؟
رأينا المفترى: نحن نظن أنه ما أن فرغ موسى من إنهاء فتيل أزمة العجل التي أشعلها السامري، حتى بدأ اللذين اشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم منهم يثيرون شكوكا حول مصداقية موسى في لقاءه ربه وتجلي إله موسى للجبل طلبا من موسى نفسه:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
فما كان من هؤلاء النفر من المتشككين من بني إسرائيل إلا أن يطلبوا من موسى أن يريهم الله جهرة، وإلاّ فقدوا إيمانهم بموسى:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ...
فما يكون من موسى (نحن نفتري الظن) إلا أن يخضع لطلبهم، فيختار سبعين رجلا من قومه لميقات ربه، ويطلب من ربه أن يتجلى لهم، فتحصل الصاعقة. انظر عزيزي القارئ – إن شئت- تتمة السياق السابق كيف تبين حصول الصاعقة التي أخذتهم وهم ينظرون بأم أعينهم:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55)
لذا، نحن نتخيل أن التجلي الإلهي لهم قد حصل بالفعل بدليل حدوث الصاعقة التي أخذتهم. وهي برأينا الصاعقة التي خر بسببها موسى (وَخَرَّ موسَى صَعِقًا)، والتي أدت إلى أن دكّ الجبل دكا:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
فأخذت الصاعقة (نحن لازلنا نتخيل) كل من كان حاضرا، ينظر بأم عينه إلى التجلي الإلهي (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)، وهم - برأينا- أولئك السبعين رجلا اللذين اختارهم موسى لميقات ربه:
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
ولكن لمّا كان من بينهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون:
وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)
كانت النعمة الإلهية قد نزلت عليهم بطلب من موسى كما يبين من نهاية الآية السابقة التي تبين دعاء موسى بالنجاة:
... قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ(155)
وكما تؤكد ذلك الآية اللاحقة لهذا السياق مباشرة:
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)
وتتم تلك النعمة بأن يبعث الله (نحن لازلنا نتخيل) أولئك السبعين رجلا من بعد موتهم:
ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
ولم تتوقف النعمة الإلهية التي لا تحصى وإن حاولنا أن نعدها (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) عند ذلك الحد، فتجلت في تظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى:
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
وفي تلك الرحلة لموسى مع أولئك السبعين رجلا، ينتق الله الجبل فوقهم كأنه ظلة:
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
فيكون الله بذلك قد أخذ منهم ميثاقهم على نحو (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ)، وما أن ينتهي من هذا أخذ الميثاق حتى يرفع فوقهم الطور بذلك الميثاق:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
وهنا تبدأ خيوط قصة النهي الإلهي لهم عن الاعتداء في السبت بالظهور كما يبين من الآيات الكريمة السابقة، لتكون النتيجة التي نحاول الوصول إليها جاهدين على النحو التالي: يرفع الله الطور فوق أولئك النفر اللذين طلب منهم أن يدخلوا القرية سجدا، ويأتيهم الأمر الإلهي بأن لا يعدوا في السبت على وجه التخصيص:
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
السؤال: ما الذي حصل بعد ذلك؟
تخيلات مفتراة: لمّا كان من بين هؤلاء من أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، كان لابد أن يري الله موسى ومن معه من اللذين آمنوا دار الفاسقين منهم كما جاء التعهد الإلهي لموسى بذلك عندما كتب له في الألواح في ذلك الميقات الشهير:
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
فهؤلاء هم اللذين – برأينا- لم يأخذوا بأحسن ما كتب الله لموسى. فما يكون منهم (كما يبين من الآية التالية) إلا أن يقولوا بأنهم قد سمعوا (قَالُواْ سَمِعْنَا) ولكنهم في الوقت ذاته يتخذون قرارهم بالعصيان (وَعَصَيْنَا):
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)
والسبب لا شك هو أن هؤلاء كانوا قد أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ). فلو تدبرنا هذه الآية القرآنية على وجه التحديد في سياقها الأوسع لوجدنا أنها قد جاءت بعد حادثة العجل:
وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)
السؤال: هل سيلتزم هؤلاء اللذين أشربوا في قلوبهم العجل بالميثاق الذي واثقهم الله به؟
جواب مفترى: كلا وألف كلا.
السؤال: ما الذي حصل بعد ذلك؟
رأينا: ما أن جاءت قصة حيتان البحر، حتى أطلت رؤوس اللذين أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم من جديد، ليختلفوا هذه المرة في السبت من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم. أنظر السياق التالي:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66)
ولو تدبرنا هذه الآيات الكريمة مرة أخرى في سياقها الأوسع لوجدنا أنها تتحدث عن من آتاه الله آياته فانسلخ منها:
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ (177)
(دعاء: أعوذ بك ربي أن أنسلخ من آياتك فأكون من الغاويين وأعوذ بك ربي أن يكون مثلي كمثل الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث – آمين)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: كان من بين قوم موسى من أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، فبالرغم من أن الله قد آتاهم آياته، وأتم عليهم نعمته، إلا أن العجل الذي اشربوه في قلوبه كان أكبر من إيمانهم:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)
فأصبح مثلُهم مثل "بئس" لأنهم كانوا يظنون أنهم مؤمنون (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ)، فجاء عقابهم على نحو أن وقع عليهم عذاب بئيس بما كان يظلمون، بعد أن نسوا ما ذكروا به:
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165)
فكان العقاب على نحو أن جعل الله اللذين عتوا عن ما نهوا عنه قردة خاسئين:
فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167)
وكان عذاب اللذين ظلموا منهم شر مثوبة عند الله، فكان على النحو التالي:
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)
السؤال: لماذا؟
رأينا: لأنهم عتوا عن أمر بهم.
السؤال: ما معنى أنهم قد عتوا عن أمر ربهم؟
لو حاولنا البحث عن السياقات القرآنية التي تتحدث عن اللذين عتوا عن أمر ربهم لوجدناها خاصة باثنين من الأقوام السابقة وهما:
- قوم ثمود (الناقة) وهم اللذين عقروا الناقة بعد أن جاءهم الأمر الإلهي بأن لا يمسوها بسوء:
فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44)
- قوم موسى (أصحاب السبت)
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
ولو تفقدنا هذه السياقات جيدا لوجدنا على الفور أن الصاعقة قد نزلت بهم، فقد نزلت الصاعقة بثمود عندما عتوا عن أمر ربهم:
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
السؤال: لماذا؟ أي لماذا نزلت الصاعقة بثمود؟
رأينا: لأن ثمود حاولوا أن يمسوا الناقة بسوء:
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59)
السؤال: لماذا نزلت الصاعقة بقوم موسى ولماذا نزل بهم العذاب البئيس بعد أن عتوا عن أمر ربهم؟
رأينا: لأنهم حاولوا أن يمسوا الحوت بسوء:
باب الحوت والناقة
لو دققنا في قصة الناقة لوجدنا الآيات الكريمة التالية:
مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (158)
عن أبسط ما يمكن أن نستنبطه من هذه الآيات الكريمة هو الخلاف على شرب ذلك اليوم المعلوم. فالمشكلة كانت (كما نتخيلها) الالتزام بالأمر الإلهي في يوم معلوم. وهذا لا يختلف في جوهره – برأينا- عن ما حصل باللذين اعتدوا في السبت. فمشكلتهم كانت تكمن بالالتزام بالأمر الإلهي الذي فرضه عليهم في يوم معلوم وهو يوم سبتهم:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وللحديث بقية
(فالله وحده أسأل أن ينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري إنه هو الواسع العليم، وأعوذ به وحده أن أفتري عليه الكذب أو أن أقول عليه ما ليس لي بحق، إنه هو العليم الحكيم – آمين)
المدّكرون رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم د. رشيد الجراح
25 أذار 2015
الجزء السابق