حديث الإفك - الجزء الثالث: لماذا كانت عائشة هي المقصودة بالإفك؟
حديث الإفك- الجزء الثالث: لماذا كانت عائشة هي المقصودة بالإفك؟
حاولنا في الجزء الأول من هذه المقالة تسويق عقيدتنا التي مفادها استحالة أن يخالف النبي الكريم ما أنزل إليه من ربه، لذا فهو قد خطب وعزم عقدة النكاح ونكح ومس من الإناث من بلغت سن النكاح، وهي من أصبحت في عداد النساء، لأن الأنثى لا تصبح من النساء (نحن نفتري القول) إلا بعد أن تصل مرحلة المحيض، وتبقى كذلك حتى بعد أن تيئس منه، كما فهمنا ذلك من صريح اللفظ في الآيتين الكريمتين التاليتين:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
لننفي بالدليل القرآني (نحن نظن) التهمة التي ألقيت جزافا على النبي الكريم بنكاح الأطفال، وذلك لأنّ محمدا ما كان ليخطب مَنْ لمْ تكن من النساء مادام أن الأمر الإلهي بالخطبة جاء محصورا فقط بمن كانت من النساء:
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
وما كان ليعزم عقدة النكاح على مَنْ لم تكن من النساء مادام أن النكاح بحد ذاته جاء محصورا بمن هي من النساء:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)
وما كان ليلامس مَنْ لم تكن من النساء مادام أن الملامسة جاءت محصورة بالنساء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
نتيجة مفتراة: نحن نفتري الظن أنه عندما خطب النبي الكريم عائشة كانت من النساء، وعندما عزم عقدة النكاح على عائشة كانت من النساء، وعندما لامسها كانت قد بلغت مبلغ النساء بالمحيض واللباس والعورة.
لكن، حصل بعد زواج النبي الكريم بالسيدة عائشة حديث الإفك الذي سبب فوضى عارمة في مجتمع المدينة الناشئ. فأشكل الأمر حينئذ على المؤمنين فترة من الزمن (قرابة الشهر حسب روايات سادتنا أهل الدراية كما نقلها لنا أهل الرواية)، فبقيت السيدة عائشة هي حديث أهل المدينة طوال تلك الفترة من الزمن حتى نزل قول الحق في الآية الكريمة التي بدأنا حديثنا في الجزء الثاني من هذه المقالة بها، وهي قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
فقطع بذلك ألسنة المتشككين فترة من الزمن، ولكن الخوض في الأمر لم يتوقف كليا، وأسقط البعض التهمة على السيدة عائشة ورفضوا أن يعترفوا بأن آية التبرئة تخصها. ورد الفريق الآخر بالنقيض تماما، وتوسطهم فريق ثالث يدعو إلى عدم الخوض في هذه القضايا. وأصبح ذلك مثار نقاش يحاول البعض طرحه بقوة، ويحاول الآخرون التهرب منه خشية الوقوع في المحظور. لكن الثابت هو عدم استطاعة أي فريق منهم تقديم الدليل الثابت الذي يدعم نظريته أو يدحض نظرية خصومه، ولازال هذا الحديث يلاك في فم أهل العقائد بنفس الأدلة والمسوغات القديمة التي أدت إلى الفرقة والاختلاف في بدايته.
ولمّا كنّا نظن أن النقاش العلمي المؤسس على المرجعية الثابتة (كتاب الله) لابد أن تفضي إلى الحقيقة، حاولنا طرح تساؤل كبير ظننا أن مفردات هذه الآية الكريمة تثيره، وكان التساؤل هو: لماذا نفى الله في هذه الآية الكريمة أن يكون الإفك الذي جاء به عصبة منا شرا لنا (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم)؟ ولماذا جاء التبيان الإلهي في الآية نفسها بأن في ذاك الإفك خير لنا (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)؟ فكيف يمكن لنا أن نفهم ذلك؟ وهل يمكن أن يجلب الدليل القرآني الذي يساعد في فض الخلاف بأي اتجاه كان؟
رأينا: نحن نظن أن هذا ممكن شريطة أن نلتزم بالدليل سواء كان داعما أو رافضا لموقف أهل العقيدة أو الطائفة التي ننتمي إليها. فليس من العدل أن أقبل الدليل إذا ما دعم موقفي وأن أرفضه إذا اثبت بطلان دعواي. فالأمر ليس انتقائيا، نجلب ما نريده ونترك ما لا نريده، لأن العقائد تصبح حينئذ مسيّرة بالمواقف المسبّقة، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا. فأنا على استعداد أن أتخلى عن الخطأ ولا أصر عليه، لأن التمادي في الخطأ من أعظم الذنوب، والإقرار بالخطأ من أبواب التوبة في صالح الأعمال. فالله نسأل أن نجد الصراط المستقيم الذي هدانا إليه رسوله الكريم، ونعوذ بالله ممن اقسم بعزتك أن يقعد لنا صراطك المستقيم، ونسألك وحده أن تهدينا صراطك المستقيم – آمين.
أما بعد،
في محاولتنا الإجابة على هذا التساؤل الخاص بالخير في حديث الإفك (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)، كان لابد (في نظرنا) من تسويق جملة من الافتراءات من عند أنفسنا ظننا أنها ستساعدنا بحول الله وتوفيق منه في المهمة التي أقحمنا أنفسنا فيها. فكان الافتراء الأخطر يتمثل في ظننا بأن القرآن الكريم هو كلام مفترى من عند الله، وذلك لأنه كلام يمكن أن تثبته الحجة ويدعمه الدليل الذي سيفضي – بلا شك- إلى صدق القول فيه. ليكون السؤال – بناء على هذا الظن- هو: أين يمكن أن نستقي الدليل من كتاب الله نفسه على التأكيد الرباني بأن حديث الإفك لم يكن شرا لنا بل هو خير لنا (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)؟
أما بعد،
لنبدأ القصة من أولها طارحين التساؤل التالي: ما هو حديث الإفك أصلا؟
جواب: بدأنا بحثنا في هذه القضية بالنبش في بطون أمهات كتب التفسير عن ما جاء فيها عن هذه الآية الكريمة، فوجدنا القصة قد رُويت في الطبري على النحو التالي:
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم |
القول في تأويل قوله تعالى : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم لهم عذاب عظيم } يقول تعالى ذكره : إن الذين جاءوا بالكذب والبهتان { عصبة منكم } يقول : جماعة منكم أيها الناس . { لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم } يقول : لا تظنوا ما جاءوا به من الإفك شرا لكم عند الله وعند الناس , بل ذلك خير لكم عنده وعند المؤمنين ; وذلك أن الله يجعل ذلك كفارة للمرمي به , ويظهر براءته مما رمي به , ويجعل له منه مخرجا . وقيل : إن الذي عنى الله بقوله : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } : جماعة , منهم حسان بن ثابت , ومسطح بن أثاثة , وحمنة بنت جحش . كما : 19548 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد , قال : ثنا أبي , قال : ثنا أبان العطار , قال : ثنا هشام بن عروة , عن عروة : أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان : كتبت إلي تسألني في الذين جاءوا بالإفك , وهم كما قال الله : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } وأنه لم يسم منهم أحد إلا حسان بن ثابت , ومسطح بن أثاثة , وحمنة بنت جحش , وهو يقال في آخرين لا علم لي بهم ; غير أنهم عصبة كما قال الله . 19549 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قوله : { جاءوا بالإفك عصبة منكم } هم أصحاب عائشة . قال ابن جريج : قال ابن عباس : قوله : { جاءوا بالإفك عصبة منكم } . .. الآية , الذين افتروا على عائشة : عبد الله بن أبي , وهو الذي تولى كبره , وحسان بن ثابت , ومسطح , وحمنة بنت جحش . 19550 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } الذين قالوا لعائشة الإفك والبهتان . 19551 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم } قال : الشر لكم بالإفك الذي قالوا , الذي تكلموا به , كان شرا لهم , وكان فيهم من لم يقله إنما سمعه , فعاتبهم الله , فقال أول شيء : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم } ثم قال : { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } . وقوله : { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } يقول : لكل امرئ من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم , بمجيئه بما جاء به , من الأولى عبد الله . وقوله : { والذي تولى كبره منهم } يقول : والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه . كما : 19552 - حدثنا عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والذي تولى كبره منهم } يقول : الذي بدأ بذلك . 19553 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { عصبة منكم } قال : أصحاب عائشة ; عبد الله بن أبي ابن سلول , ومسطح , وحسان . قال أبو جعفر : له من الله عذاب عظيم يوم القيامة . وقد اختلفت القراء في قراءة قوله : { كبره } فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : { كبره } بكسر الكاف , سوى حميد الأعرج فإنه كان يقرؤه : " كبره " بمعنى : والذي تحمل أكبره . وأولى القراءتين في ذلك بالصواب : القراءة التي عليها عوام القراء , وهي كسر الكاف ; لإجماع الحجة من القراء عليها , وأن الكبر بالكسر : مصدر الكبير من الأمور , وأن الكبر بضم الكاف : إنما هو من الولاء والنسب , من قولهم : هو كبر قومه ; والكبر في هذا الموضع : هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك . فإذا كان ذلك كذلك , فالكسر في كافه هو الكلام الفصيح دون ضمها , وإن كان لضمها وجه مفهوم . وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : { والذي تولى كبره منهم } ... الآية , فقال بعضهم : هو حسان بن ثابت . ذكر من قال ذلك : 19544 - حدثنا الحسن بن قزعة , قال : ثنا مسلمة بن علقمة , قال : ثنا داود , عن عامر , أن عائشة قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان , وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة , قوله لأبي سفيان : هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء أتشتمه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء فقيل : يا أم المؤمنين , أليس هذا لغوا ؟ قالت ; لا , إنما اللغو ما قيل عند النساء . قيل : أليس الله يقول : { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } قالت : أليس قد أصابه عذاب عظيم ؟ أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف ؟ . 19555 - قال : ثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن مسروق قال : كنت عند عائشة , فدخل حسان بن ثابت , فأمرت , فألقي له وسادة ; فلما خرج قلت لعائشة : ما تصنعين بهذا وقد قال الله ما قال ؟ فقالت : قال الله : { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد ذهب بصره , ولعل الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره . 19556 -حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن أبي عدي , عن شعبة , عن سليمان , عن أبي الضحى , عن مسروق , قال : دخل حسان بن ثابت على عائشة , فشبب بأبيات له , فقال : وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت عائشة : أما إنك لست كذلك ! فقلت : تدعين هذا الرجل يدخل عليك وقد أنزل الله فيه : { والذي تولى كبره } ... الآية ؟ فقالت : وأي عذاب أشد من العمى ! وقالت : إنه كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 19557 - حدثني محمد بن عثمان الواسطي , قال : ثنا جعفر بن عون , عن المعلى بن عرفان , عن محمد بن عبد الله بن جحش , قال : تفاخرت عائشة وزينب , قال : فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي من السماء . قال : وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل على الراحلة . فقالت لها زينب : يا عائشة , ما قلت حين ركبتيها ؟ قالت : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل ! قالت : قلت كلمة المؤمنين . وقال آخرون : هو عبد الله بن أبي ابن سلول . ذكر من قال ذلك : 19558 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة , قالت : كان الذين تكلموا فيه : المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول , وكان يستوشيه ويجمعه , وهو الذي تولى كبره , ومسطحا , وحسان بن ثابت . 19559 - حدثنا سفيان , قال : ثنا محمد بن بشر , قال : ثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب , عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا , قالوا : قالت عائشة : كان الذي تولى كبره الذي يجمعهم في بيته , عبد الله بن أبي ابن سلول . * - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن شهاب , قال : ثني عروة بن الزبير , وسعيد بن المسيب , وعلقمة بن وقاص , وعبيد الله بن عتبة , عن عائشة , قالت : كان الذي تولى كبره : عبد الله بن أبي . 19560 -حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس : { إن الذين جاءوا } ... الآية , الذين افتروا على عائشة : عبد الله بن أبي , وهو الذي تولى كبره , وحسان , ومسطح , وحمنة بنت جحش . 19561 -حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد , قال : ثنا أبي , قال : ثنا أبان العطار , قال : ثنا هشام بن عروة في الذين جاءوا بالإفك : يزعمون أنه كان كبر ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول , أحد بني عوف بن الخرزج ; وأخبرت أنه كان يحدث به عنهم فيقره ويسمعه ويستوشيه . 19562 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : أما الذي تولى كبره منهم , فعبد الله بن أبي ابن سلول الخبيث , هو الذي ابتدأ هذا الكلام , وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت , ثم جاء يقود بها . 19563 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : والذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي ابن سلول , وهو بدأه . وأولى القولين في ذلك بالصواب : قول من قال : الذي تولى كبره من عصبة الإفك , كان عبد الله بن أبي , وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير , أن الذي بدأ بذكر الإفك , وكان يجمع أهله ويحدثهم , عبد الله بن أبي ابن سلول , وفعله ذلك على ما وصفت كان توليه كبر ذلك الأمر . وكان سبب مجيء أهل الإفك , ما : 19564 - حدثنا به ابن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب , ثني عروة بن الزبير , وسعيد بن المسيب , وعلقمة بن وقاص , وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود , عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , حين قال لها أهل الإفك ما قالوا , فبرأها الله , وكلهم حدثني طائفة من حديثها , وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض , وأثبت اقتصاصا , وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة , وبعض حديثهم يصدق بعضا : زعموا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه , فأيتهن خرج سهمها خرج بها . قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزاة غزاها , فخرج سهمي , فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك بعدما أنزل الحجاب , وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه , فسرنا , حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل إلى المدينة , آذن ليلة بالرحيل , فقمت حين آذنوا بالرحيل , فمشيت حتى جاوزت الجيش ; فلما قضيت شأني , أقبلت إلى الرحل , فلمست صدري , فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع , فرجعت فالتمست عقدي , فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي , فاحتملوا هودجي , فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب , وهم يحسبون أني فيه . قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم , إنما يأكلن العلقة من الطعام . فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه , وكنت جارية حديثة السن , فبعثوا الجمل وساروا , فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش , فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب , فتيممت منزلي الذي كنت فيه , وظننت أن القوم سيفقدونني ويرجعون إلي , فبينا أنا جالسة في منزلي , غلبتني عيني , فنمت حتى أصبحت , وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني , قد عرس من وراء الجيش , فادلج فأصبح عند منزلي , فرأى سواد إنسان نائم , فأتاني , فعرفني حين رآني , وكان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي , فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني , فخمرت وجهي بجلبابي , والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ! حتى أناخ راحلته , فوطئ على يديها فركبتها , فانطلق يقود بي الراحلة , حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة , فهلك من هلك في شأني , وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول , فقدمنا المدينة , فاشتكيت شهرا , والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك , وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي , إنما يدخل فيسلم ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " فذلك يريبني , ولا أشعر بالشر , حتى خرجت بعدما نقهت , فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع , وهو متبرزنا , ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل , وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا , وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه , وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا , فانطلقت أنا وأم مسطح , وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف , وأمها ابنة صخر بن عامر , خالة أبي بكر الصديق , وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب . فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا , فعثرت أم مسطح في مرطها , فقالت : تعس مسطح ! فقلت لها : بئس ما قلت ! أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ فقالت أي هنتاه , أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك , فازددت مرضا على مرضي , فلما رجعت إلى منزلي , ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال : " كيف تيكم ؟ " فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قال : " نعم " . قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستثبت الخبر من قبلهما , فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجئت أبوي , فقلت لأمي : أي أمتاه , ماذا يتحدث الناس ؟ فقالت : أي بنية , هوني عليك ! فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر , إلا أكثرن عليها . قالت : قلت : سبحان الله , أوقد تحدث الناس بهذا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم , فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم , ثم أصبحت , فدخل علي أبو بكر وأنا أبكي , فقال لأمي : ما يبكيها ؟ قالت : لم تكن علمت ما قيل لها , فأكب يبكي , فبكى ساعة , ثم قال : اسكتي يا بنية ! فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم , ثم بكيت ليلي المقبل لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم , ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم , حتى ظن أبواي أن البكاء سيفلق كبدي . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد , حين استلبث الوحي , يستشيرهما في فراق أهله ; قالت : فأما أسامة , فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود , فقال : يا رسول الله , هم أهلك , ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي فقال : لم يضيق الله عليك , والنساء سواها كثير , وإن تسأل الجارية تصدقك , يعني بريرة , فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة , فقال : " هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟ " قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق , ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها , أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ! فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا , فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله , ثم قال : " من يعذرني ممن قد بلغني أذاه في أهلي ؟ " يعني عبد الله بن أبي ابن سلول , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر أيضا : " يا معشر المسلمين , من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا , ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا , وما كان يدخل على أهلي إلا معي ! " فقام سعد بن معاذ الأنصاري , فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله , إن كان من الأوس ضربنا عنقه , وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك , فقام سعد بن عبادة , فقال , وهو سيد الخزرج , وكان رجلا صالحا , ولكن احتملته الحمية , فقال : أي سعد بن معاذ , لعمر الله لا تقتله , ولا تقدر على قتله ! فقام أسيد بن حضير , وهو ابن عمة سعد بن معاذ , فقال لسعد بن عبادة : كذبت , لعمر الله لنقتلنه , فإنك منافق تجادل عن المنافقين ! فثار الحيان : الأوس والخزرج , حتى هموا أن يقتتلوا , ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر , فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا , ثم أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبوي , فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي , استأذنت علي امرأة من الأنصار , فأذنت لها , فجلست تبكي معي ; قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم جلس عندي , ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل , وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ; قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس , ثم قال : " أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا , فإن كنت بريئة فسيبرئك الله , وإن كنت ألممت بذنب , فاستغفري الله , وتوبي إليه , فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه " . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته , قلص دمعي , حتى ما أحس منه دمعة ; قلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ! قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أن قد سمعتم بهذا , حتى استقر في أنفسكم , حتى كدتم أن تصدقوا به , فإن قلت لكم : إني بريئة والله يعلم أني بريئة , لا تصدقوني بذلك , ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة , لتصدقني , وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : { والله المستعان على ما تصفون } 12 18 ثم توليت واضطجعت على فراشي , وأنا والله أعلم أني بريئة وأن الله سيبرئني ببراءتي , ولكني والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى , ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى , ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام رؤيا يبرئني الله بها . قالت : والله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه , فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي , حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه . قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك , كان أول كلمة تكلم بها أن قال : " أبشري يا عائشة , إن الله قد برأك ! " فقالت لي أمي , قومي إليه ! فقلت : والله لا أقوم إليه , ولا أحمد إلا الله , هو الذي أنزل براءتي . فأنزل الله : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } عشر آيات , فأنزل هذه الآيات براءة لي . قالت : فقال أبو بكر , وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ! قالت : فأنزل الله : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } 24 22 . حتى بلغ : { غفور رحيم } 24 22 فقال أبو بكر : إني لأحب أن يغفر الله لي , فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه , وقال : لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري وما رأت وما سمعت , فقالت : يا رسول الله , أحمي سمعي وبصري , والله ما رأيت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني , فعصمها الله بالورع , وطفقت أختها حمنة تحارب فهلكت فيمن هلك . قال الزهري بن شهاب : هذا الذي انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن الزهري , وعن علقمة بن وقاص الليثي , عن سعيد بن المسيب , وعن عروة بن الزبير , وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود . قال الزهري : كل قد حدثني بعض هذا الحديث , وبعض القوم كان له أوعى من بعض , قال : وقد جمعت لك كل الذي قد حدثني . وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة ; قال : وثني محمد بن إسحاق , قال : ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير , عن أبيه , عن عائشة . قال : ثني عبد الله بن بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري , عن عمرة بنت عبد الرحمن , عن عائشة قالت ; وكل قد اجتمع في حديثه قصة خبر عائشة عن نفسها , حين قال أهل الإفك فيها ما قالوا , وكله قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا , ويحدث بعضهم ما لم يحدث بعض , وكل كان عنها ثقة , وكل قد حدث عنها ما سمع . قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه , فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . فلما كانت غزاة بني المصطلق , أقرع بين نسائه كما كان يصنع , فخرج سهمي عليهن , فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم معه . قالت : وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يهيجهن اللحم فيثقلن . قالت : وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي , ثم يأتي القوم الذين يرحلون بي بعيري ويحملوني , فيأخذون بأسفل الهودج يرفعونه فيضعونه على ظهر البعير , فينطلقون به . قالت : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا , حتى إذا كان قريبا من المدينة , نزل منزلا فبات بعض الليل , ثم أذن في الناس بالرحيل . فلما ارتحل الناس , خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي من جزع ظفار , فلما فرغت انسل من عنقي وما أدري ; فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده , وقد أخذ الناس في الرحيل . قالت : فرجعت عودي إلى بدئي , إلى المكان الذي ذهبت إليه , فالتمسته حتى وجدته ; وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون بي البعير . ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى , عن ابن ثور . 19565 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة رضي الله عنها , قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به , قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وما علمت , فتشهد , فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله , ثم قال : " أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي والله ما علمت على أهلي سوءا قط , وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه سوءا قط , ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر , ولا أغيب في سفر إلا غاب معي " فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله , نرى أن نضرب أعناقهم ! فقام رجل من الخزرج , وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل , فقال : كذبت , أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم ! حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شر ; وما علمت به . فلما كان مساء ذلك اليوم , خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح , فعثرت , فقالت : تعس مسطح ! فقلت علام تسبين ابنك ؟ فسكتت , ثم عثرت الثانية , فقالت : تعس مسطح ! قلت : علام تسبين ابنك ؟ فسكتت الثانية , ثم عثرت الثالثة , فقالت : تعس مسطح ! فانتهرتها , وقلت : علام تسبين ابنك ؟ قالت : والله ما أسبه إلا فيك , قلت : في أي شأني , فبقرت لي الحديث , فقلت : وقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله . قالت : فرجعت إلى بيتي فكأن الذي خرجت له لم أخرج له , ولا أجد منه قليلا ولا كثيرا . ووعكت , فقلت : يا رسول الله , أرسلني إلى بيت أبي ! فأرسل معي الغلام , فدخلت الدار فإذا أنا بأمي أم رومان , قالت : ما جاء بك يا بنية ؟ فأخبرتها , فقالت : خفضي عليك الشأن , فإنه والله ما كانت امرأة جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فيها . قلت : وقد علم بها أبي ؟ قالت : نعم . قلت : ورسول الله ؟ قالت : نعم . فاستعبرت وبكيت , فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ , فنزل فقال لأمي : ما شأنها ؟ قالت : بلغها الذي ذكر من أمرها . ففاضت عيناه , فقال : أقسمت عليك إلا رجعت إلى بيتك ! فرجعت . فأصبح أبواي عندي , فلم يزالا عندي حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بعد العصر , وقد اكتنفني أبواي , عن يميني وعن شمالي , فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله , ثم قال : " أما بعد يا عائشة , إن كنت قارفت سوءا أو ألممت فتوبي إلى الله , فإن الله يقبل التوبة عن عباده " . وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة , فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا ؟ فقلت لأبي : أجبه ! فقال : أقول ماذا ؟ قلت لأمي : أجيبيه ! فقالت : أقول ماذا ؟ فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله , ثم قلت : أما بعد , فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل , والله يعلم أني لصادقة ما ذا بنافعي عندكم , لقد تكلم به وأشربته قلوبكم ; وإن قلت إني قد فعلت والله يعلم أني لم أفعل لتقولن قد باءت به على نفسها , وأيم الله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه : { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } 12 18 . وأنزل الله على رسوله ساعتئذ , فرفع عنه , وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه يقول : " أبشري يا عائشة , فقد أنزل الله براءتك ! " فكنت أشد ما كنت غضبا , فقال لي أبواي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقلت : والله لا أقوم إليه , ولا أحمده ولا أحمدكما , لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه , ولكني أحمد الله الذي أنزل براءتي . ولقد جاء رسول الله بيتي , فسأل الجارية عني , فقالت : والله ما أعلم عليها عيبا إلا أنها كانت تنام حتى كانت تدخل الشاة فتأكل حصيرها أو عجينها , فانتهرها بعض أصحابه , وقال لها : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال عروة : فعتب على من قاله , فقال : لا , والله ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر . وبلغ ذلك الرجل الذي قيل له , فقال : سبحان الله ! ما كشفت كنف أنثى قط . فقتل شهيدا في سبيل الله . قالت عائشة : فأما زينب بنت جحش , فعصمها الله بدينها , فلم تقل إلا خيرا ; وأما حمنة أختها , فهلكت فيمن هلك , وكان الذين تكلموا فيه : المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول , وكان يستوشيه ويجمعه , وهو الذي تولى كبره , ومسطحا , وحسان بن ثابت , فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة , فأنزل الله : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } 24 22 . يعني أبا بكر , { أن يؤتوا أولي القربى والمساكين } 24 22 يعني مسطحا , { ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } 24 22 قال أبو بكر : بلى والله , إنا لنحب أن يغفر الله لنا ! وعاد أبو بكر لمسطح بما كان يصنع به . 19566 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن بشر , قال : ثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب , عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا , قال : خرجت عائشة تريد المذهب , ومعها أم مسطح , وكان مسطح بن أثاثة ممن قال ما قال , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل ذلك , فقال : " كيف ترون فيمن يؤذيني في أهلي ويجمع في بيته من يؤذيني ؟ " فقال سعد بن معاذ : أي رسول الله , إن كان منا معشر الأوس جلدنا رأسه , وإن كان من إخواننا من الخزرج , أمرتنا فأطعناك . فقال سعد بن عبادة : يا ابن معاذ , والله ما بك نصرة رسول الله , ولكنها قد كانت ضغائن في الجاهلية وإحن لم تحلل لنا من صدوركم بعد ! فقال ابن معاذ : الله أعلم ما أردت , فقام أسيد بن حضير , فقال : يا ابن عبادة , إن سعدا ليس شديدا , ولكنك تجادل عن المنافقين وتدفع عنهم , وكثر اللغط في الحيين في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على المنبر , فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يومئ بيده إلى الناس ها هنا وها هنا , حتى هدأ الصوت . وقالت عائشة : كان الذي تولى كبره , والذي يجمعهم في بيته , عبد الله بن أبي ابن سلول . قالت : فخرجت إلى المذهب ومعي أم مسطح , فعثرت , فقالت : تعس مسطح ! فقلت : غفر الله لك , أتقولين هذا لابنك ولصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت ذلك مرتين , وما شعرت بالذي كان . فحدثت , فذهب عني الذي خرجت له , حتى ما أجد منه شيئا . ورجعت على أبوي أبي بكر وأم رومان , فقلت : أما اتقيتما الله في وما وصلتما رحمي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال , وتحدث الناس بالذي تحدثوا به ولم تعلماني فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قالت : أي بنية , والله لقلما أحب رجل قط امرأته إلا قالوا لها نحو الذي قالوا لك ! أي بنية ارجعي إلى بيتك حتى نأتيك فيه ! فرجعت وارتكبني صالب من حمى , فجاء أبواي فدخلا , وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سريري وجاهي , فقالا : أي بنية , إن كنت صنعت ما قال الناس فاستغفري الله , وإن لم تكوني صنعتيه فأخبري رسول الله بعذرك ! قلت : ما أجد لي ولكم إلا كأبي يوسف { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } 12 18 . قالت : فالتمست اسم يعقوب , فما قدرت , أو فلم أقدر عليه . فشخص بصر رسول الله إلى السقف , وكان إذا نزل عليه وجد , قال الله : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } 73 5 . فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب , ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا , ثم مسح عن وجهه , فقال : " يا عائشة أبشري , قد أنزل الله عذرك ! " قلت : بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أصحابك . قال الله : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } ... 24 22 حتى بلغ : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } 24 22 . وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة , وكان بينهما رحم , فلما أنزلت : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم } . .. 24 22 حتى بلغ : { والله غفور رحيم } 24 22 قال أبو بكر : بلى , أي رب ! فعاد إلى الذي كان لمسطح { إن الذين يرمون المحصنات } ... 24 23 حتى بلغ : { أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } 24 26 . قالت عائشة : والله ما كنت أرجو أن ينزل في كتاب ولا أطمع به , ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تذهب ما في نفسه . قالت : وسأل الجارية الحبشية , فقالت والله لعائشة أطيب من طيب الذهب , وما بها عيب إلا أنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها , ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله ! قال : فعجب الناس من فقهها |
تفنيد الفكر السائد
بناء على ما وصلنا في هذه الرواية ومثيلاتها عن قصة حديث الإفك هذا، فإننا نجد أن هناك جملة من التساؤلات لا بد من إثارتها حول هذه الرواية التاريخية للقصة، نذكر منها:
- لماذا جاءت هذه الرواية خاصة بالسيدة عائشة؟
- لماذا لا تذكر القصة التاريخية صراحة أسماء جميع الذين جاءوا بالإفك؟
- لماذا لم تذكر هذه الرواية أسماء إلا ثلاثة منهم؟
- لم لا تجزم القصة التاريخية بخبر الذي تولى كبره منهم؟
- لماذا لا تعرّج القصة (ولو بالتلميح) على سبب سكوت النبي فترة من الزمن؟
- لماذا لا تذكر سبب سكوت أبي بكر عن ما كان يحصل لابنته؟
- لماذا لا تبرر القصة سبب عدم قيام الرسول الكريم بتطبيق الحد على عائشة بمجرد شهادة عصبة من المؤمنين؟
- ولماذا لا تبرر القصة سبب عدم قيام الرسول بتطبيق الحد على اللذين جاءوا بالإفك (أو على الأقل على من عرف منهم) بعد أن ثبتت براءة المرأة من التهمة التي وجهت لها؟ ألم يكن اتهامهم لها يقع في باب قذف المحصنات المؤمنات الغافلات؟
- الخ
جواب مفترى: نحن نفتري الظن أن حديث الإفك هذا كان موجها ضد ثلاثة أطراف على وجه التحديد، وهم:
1. الرسول نفسه
2. صاحب الرسول الأول أبا بكر الصديق
3. السيدة عائشة نفسها
وأن الذين اشتركوا في الحادثة كانت لهم مصلحة شخصية في انتشار ذا الحديث. لذا ستكون التساؤلات مركزة على (1) هذه الشخصيات التي شاركت في حديث الإفك و (2) المصلحة المرجوة لهم من انتشار هذا الحديث و (3) ماهية الخير الذي يمكن أن يطال المسلمين (كل المسلمين) عندما توجه التهم إلى شخص النبي وزوجه وصاحبه الأول على وجه التحديد. وسنبدأ النقاش بالأقل خطر وهي التهمة ضد عائشة نفسها، ثم ننتقل إلى الأكثر خطرا وهي التهمة ضد أبي بكر الصديق، ثم ننهي النقاش بالتهمة الأخطر على الإطلاق وهي تلك الموجهة ضد النبي نفسه.
باب اتهام عائشة
السؤال الأول: لماذا جاءت القصة خاصة بالسيدة عائشة؟
للإجابة على هذا التساؤل نجد الضرورة تستدعي إلقاء ظلال الشك على ما جاء في تلك الرواية التاريخية حول التساؤل التالي: لماذا كانت عائشة على وجه الخصوص هي من خرجت مع النبي في غزوته تلك؟ لِم لَم تخرج معه أي من زوجاته الأخريات؟
جواب أهل الدراية كما نقله لنا أهل الرواية في التفسير السابق هو:
زعموا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه , فأيتهن خرج سهمها خرج بها . قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزاة غزاها , فخرج سهمي , فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
التساؤل: لماذا كان الرسول يقرع بين نسائه؟ ألم يكن يعمل بمبدأ الدور؟ وما بال السهم يخرج على عائشة؟ وماذا لو خرج السهم أكثر من مرة على إحداهن دون الأخريات؟ وهل كان الرسول سيصحب من خرج السهم عليها حتى لو لم تكن هي راغبة في الخروج أو ربما غير قادرة عليه (ربما لتقدم السن بها)؟
رأينا: كلا وألف كلا. نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يكون هذا هو السبب الذي من أجله وقع السهم على عائشة.
السؤال: لماذا إذن كانت عائشة (كما تقول الرواية) هي من وقع عليها السهم؟
جواب: لأن ذاك كان قرار النبي نفسه. فهو من يتخذ القرار فيمن ستخرج معه من نسائه متى شاء وحيثما شاء.
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: لأنه ليس من الواجب على الرسول الكريم (كرجل متزوج من أكثر من امرأة) أن يعدل بين نسائه. انتهى.
السؤال: وما الواجب عليه إذن؟
جواب مفترى: من الواجب على الرسول الكريم (كرجل متزوج بأكثر من امرأة) أن يقسط بين نسائه.
السؤال: وما الفرق بين العدل بين النساء والقسط بين النساء؟
رأينا المفترى: القسط بين النساء ممكن لأنه يخص الرزق والكسوة، بينما العدل بين النساء مستحيل لأنه يخص كل ما عدا ذلك.
الدليل
بداية لفهم الدليل كما نحاول تسويقه، لابد للقارئ الكريم من الرجوع أولا إلى مقالتنا تحت عنوان تعدد الزوجات 1 و تعدد الزوجات 2. فقد يجد هناك بعض التفصيل في الدليل كما نفهمه. ولكن الحديث سيقتصر هنا على الخطوط العريضة التي وردت في تلك المقالات السابقة والتي نظن أنها ذات علاقة بفحوى النقاش في هذه المقالة الجديدة. والتي نحاول تسطيرها على النحو التالي:
افتراء رقم 1: كان ترتيب عائشة بين زوجات النبي هي الأولى (أو الواحدة). فكيف ذلك؟
رأينا: ما أن تزوج النبي الكريم بعائشة حتى كانت هي الزوجة "الواحدة" التي جاء النص القرآني ليبرزها من بين جميع النساء الأخريات في حالة تعدد نساء الرجل الواحد:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)
وذلك لأنها (أي عائشة) كانت هي (من دون نساء النبي جميعا) الزوجة التي نكحها النبي وكانت لازالت بكرا، أي لازالت محصنة. بينما كانت جميع نسائه الأخريات ثيبات، أي قد نُكِحن من ذي قبل. فكان نكاحهن جميعا (باستثناء عائشة) يقع في باب القسط في اليتامى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، فبالرغم أن خديجة مثلا هي أول من تزوج بها النبي إلا أن ترتيبها يقع (نحن نفتري القول) في باب المثنى. فهناك (في ظننا) فرق بين الترتيب الزمني في نكاح النساء والترتيب العقائدي، وهو في ظننا على النحو التالي:
- خديجة هي الأولى زمنيا لكنها الثانية عقائديا لأنها كانت قد نكحت من باب نكاح الثيبات
- عائشة هي الأولى عقائديا وإن لم تكن الأولى زمنيا لأنها كانت قد نكحت من باب المحصنات (بكرا)
والسبب في ذلك (نحن نفتري القول) هو أن نكاح عائشة على وجه التحديد يقع في باب انتفاء استطاعة العدل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)، مصداقا لقوله تعالى:
وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
وقد افترينا الظن في المقالات السابقة تلك التي تدور حول موضوع تعدد الزوجات أن الرجل لا يستطيع أن يعدد من الزوجات إلا من كانت ثيبا (أي كانت قد نُكِحت من ذي قبل)، وعندها لا يشترط في ذلك إلا القسط، وهو في ظننا المساواة في الإنفاق (رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، أما إذا كانت الأنثى من النساء لازالت محصنة (أي لم تنكح من قبل)، فعندها يكون العدل هو شرط التعدد، وهو ما لا يستطيعه بشر (سواء كان نبيا مرسلا أو إنسانا عاديا)، لذا نحن ننفي (مفترين الظن من عند أنفسنا) احتمالية الجمع بين المحصنات من النساء، أي لا يجوز (نحن نظن) أن يتزوج الرجل بأكثر من واحدة من النساء البكر لأن المرخص له في ذلك هو واحدة فقط من المحصنات في الوقت الواحد. فلا تجتمع بكر مع بكر في بيت رجل واحد، وإنما تستبدل استبدالا:
وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20)
وهو ما يفعله أهل الديانة النصرانية. لكن أهل تلك الديانة غالوا في التشديد عندما جعلوا ذلك قانونا عاما ينطبق على جميع النساء سواء كن ثيبات أو أبكارا. فهم يحرمون الجمع بين النساء (كل النساء) بغض النظر عن عذريتها.
أما نحن، فإننا نظن أنه في الوقت الذي لا يجوز الجمع بين الأبكار من النساء المحصنات، إلاّ أنه يجوز الجمع في الثيبات من النساء، فيمكن أن تجمع ثيب مع ثيب أو ثيب مع بكر في بيت الرجل الواحد، لكن لا تجتمع بكر مع بكر في نفس البيت، لتكون النتائج كما افتريناها سابقا من عند أنفسنا على النحو التالي:
1. يستطيع الرجل أن يعدد الأزواج ما طاب له من الثيبات من النساء، فلا حد أعلى للعدد ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)
2. إذا حصل الجمع بين الثيبات يكون القسط بينهن هو الواجب
3. القسط لا يشمل أكثر من الأمور المادية (الرزق والكسوة بالمعروف)، وهو لا يشمل في ظننا المعاشرة الجنسية.
4. لكن – بالمقابل- لا يستطيع الرجل أن يجمع بين المحصنات (أي من كانت بكرا)، فالحد الأعلى هو واحدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
5. تنتفي إمكانية الجمع بين النساء المحصنات (البكر) وذلك لشرط حصول العدل وهو ما لا يستطيعه البشر (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)
6. يصبح الاستبدال هو الحل إذا أراد الرجل الزواج بأكثر من واحدة من النساء المحصنات (البكر).
7. الخ.
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: كانت عائشة هي الوحيدة التي نكحها النبي وكانت لازالت محصنة (بكرا)، أي لم ينكحها زوج غيره ولم تنكح هي زوجا غيره من قبل. فكانت هي في ظننا الزوجة الواحدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)، وما جمع الرسول بينها وبين بكر أخرى من النساء وذلك لانتفاء القدرة على العدل بينهن. بينما كانت جميع نساؤه الأخريات ثيبات (أي متزوجات من ذي قبل)، فتم الجمع بينهن على أساس استطاعة القسط بينهن. ولما كنّا نظن يقينا أن أي فعل يقوم به النبي لا يمكن إلا أن يكون بوحي من السماء، فإننا نطرح التساؤل التالي على أسماع الجميع، علنا نجد يوما من يرد بإجابة تخرج الناس من هذا التخبط الفكري، والتساؤل هو: هل كان من باب الصدفة المحضة أن تكون جميع نساء النبي (باستثناء السيدة عائشة) من الثيبات؟ ألم يكن بمقدور النبي الكريم أن ينكح ما شاء؟ ألم يكن المسلمون جميعا على استعداد لهذه المصاهرة الطاهرة؟ فلم يا ترى لا يتزوج محمد إلا بمن كانت ثيبا (باستثناء عائشة - بالطبع)؟ من يدري؟!!!
نتيجة مفتراة أخطر من سابقتها: كان الرسول الكريم يقسط بين نسائه جميعا (بالرزق والكسوة) لكنه لم يكن يعدل بينهن لأنه في نهاية المطاف بشر ينطبق عليه قول الحق:
وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
وذلك لأن العدل لا يتحقق فقط بالرزق والكسوة أو المعاشرة الجنسية وإنما بالقول أيضا:
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
ولما أصبح من المستحيل حصول الاستطاعة بالعدل بالقول، لا يمكن لبشر (حتى وإن كان رسولا كريما كمحمد نفسه) أن يعدل بين نسائه، فلا استثناء في ذلك بصريح اللفظ (كما نفهمه) من الآية الكريمة:
وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
نتيجة مهمة جدا: نحن نظن أن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يقودنا إلى النتيجة التي مفادها أنه أصبح مرخصا للزوج (كل زوج) أن لا يعدل بين أزواجه ولكن يشترط عليه أن يقسط بينهن. لذا تصبح المعاشرة الحميمية والرغبة في الصحبة والمبيت من اختيار الزوج نفسه. فهو من يقرر أي من نسائه يمكن أن تصاحبه في فراشه، وأي منهن تصاحبه في سفره، ولا يحق للأخريات (من نسائه) الاعتراض على قراره، لأن تلك رغبة دفينة عند الرجل يحققها كيفما شاء ومتى شاء ومع من شاء منهن مصداقا لقوله تعالى:
تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
نتيجة مفتراة: لا تنظيم للدور بين نساء الرجل[1].
رأينا المفترى: نحن نكاد نلقي بظلال الشك على الرواية التاريخية التي قالت بأن الرسول قد اصطحب عائشة في تلك الغزوة لأن السهم (القرعة) قد وقع عليها. ونفتري الظن – بالمقابل- بأن مصاحبة عائشة للنبي في تلك الغزوة كان برغبة من النبي نفسه. فهو من اختار عائشة للخروج معه. ولكن لماذا؟
السؤال: لماذا وقع اختيار النبي على عائشة للخروج معه في غزوته؟ لِم لم يقع اختياره على غيرها؟
جواب: للإجابة على هذا التساؤل، وجدنا الحاجة ملحة أن نطرح على سادتنا العلماء أهل الدراية التساؤل التالي: مَن مِن زوجات النبي خرجت معه في غزواته الأخرى؟
جواب مفترى: غالبا ما وجدت العبارة التالية في مؤلفات أهل العلم "كان إذا أراد الغزو أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها"، ولكن هلا ذكرتم لنا (يا أهل العلم) مثالا واحدا غير غزوة بني المصطلق هذه التي صحب النبي فيها عائشة؟
رأينا: لو كان ما قاله سادتنا العلماء أهل الدراية صحيحا لوجدنا الأمثلة الكثيرة على ذلك. ولكن لما كانت قصة القرعة (السهم) مصطنعة لا أصل لها على أرض الواقع، نظن أنها وضعت (من قبل من ظن أنه يدافع عن عائشة) لتبرير سبب خروج عائشة على وجه التحديد في تلك الغزوة، لم نجد ما يثبتها في الغزوات الأخرى؟ فأين نساء النبي في بدر أو في أحد أو في تبوك أو في حنين؟ ألم نقرأ في كتاب النصوص المختارة في اللغة العربية وفي كتب الشريعة (الدين) عن نسيبة المازنية وما كانت تفعل في مشاركاتها في غزوات النبي؟ فلم لم يدرِّسونا عن ما فعلت عائشة أو عن حفصة أو سودة أو زينب أو ميمونة أو ... أو... في أي من غزوات النبي؟ وماذا لو فعلا حصلت الهزيمة للمسلمين كما كان في يوم أحد أو في بداية حنين؟ هل كان الرسول سيغامر بنسائه أو بنساء المؤمنين؟ من يدري؟!
رأينا المفترى: لم يكن الرسول (نحن نظن) يصحب نساءه في أي من غزواته، لأن ذلك سيشكل خطرا كبيرا عليهن، وسيكون بمثابة سنة يستنها للمسلمين كافة، فلو أصطحب النبي أحدا من نسائه في غزواته، لاقتدى الصحابة به، ولأصبح ذلك نهجا متبعا في حياة النبي ومن بعد وفاته، وهذا ما لا نجد أيا من كتب العقيدة أو السيرة قد سطرته. فخروج النساء في الغزوات أمرا غير وارد إطلاقا. انتهى.
السؤال: ما الذي حصل إذن؟ لماذا أصطحب النبي معه عائشة في تلك المرة؟
جواب مفترى: بداية نحن نعتقد جازمين أن خروج النبي إلى بني المصطلق لم يكن من باب الغزو. فتلك ليست غزوة من غزوات النبي، ولكن خروجه كان من أجل مهمة محددة بذاتها. ومن أراد المجادلة فليرجع إلى كتب سادتنا أهل الدراية لينظر بأم عينه ما سطرته مؤلفاتهم عن تلك الحادثة، فالنبي (نحن نفتري الظن) كان قد خرج إلى بني المصطلق لإبرام أمر ما، ولكنه لم يكن ذاهبا لغزوهم. وفي تلك المرة ظهر أمر المنافقين جليا، فأنزل الله قول الحق الذي فضح ما قالوا:
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
نتيجة مفتراة: كان النبي قد خرج إلى بني المصطلق للمفاوضات، بسبب ما كان يحاول القوم أن يدبروه ضد النبي، وقد خرج النبي بجيشه حتى يكون مفاوضا قويا لا يخضع لشروط القوم كما يريدونها. وهناك حصلت مواجهة فعلية بين الطرفين لأن بعض القوم من بني المصطلق لم يكونوا راغبين في إجراء المفاوضات، فحصلت الهزيمة الساحقة لهم. وكان من نتيجة هذه الهزيمة غنائم كثيرة للمؤمنين. وهناك ظهرت مشاريع المنفقين على العيان. فكيف كان ذلك؟
رأينا: لو تدبرنا سلوك المنافقين من جذوره، لوجدنا أنهم هم الذين كانوا قد أقسوا بالله لو أن النبي أمرهم بالخروج لخرجوا:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ۖ قُل لَّا تُقْسِمُوا ۖ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ولكنهم هم الذين كانوا على الدوام يتباطئون في الخروج خوفا من أن يصيب النبي مكروها:
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72)
ولكن ما أن كان النبي يظفر بالغنائم حتى يبدون كل أسف وندم على ما فاتهم:
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)
إن النتيجة التي نجهد للوصول إليها هي التالي: كان مجتمع المدينة يعج بأهل النفاق، وعلى رأسهم زعيم المنافقين عبد الله ابن أبي ابن سلول، وقد كان خطره يكمن في عدم معرفة من هم في صفه من أهل المدينة. وهنا كان من والوحي للنبي أن يدبر أمرا ما (بتأييد إلهي) لكشف هؤلاء اللذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والعداوة للنبي ولهذا الدين. وكان أحد تلك التدابير التي اتخذها النبي أن يتكشف أمر المنافقين جميعا.
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
وسنرى لاحقا (إن أذن الله لنا بشيء من علمه) كيف استطاع النبي أن يصد خطرهم بما دبره الله له، وبما أيده به من الحكمة.
ونحن نكاد نجزم الظن بأن اصطحاب النبي للسيدة عائشة في تلك الرحلة كان واحدا من تلك التدابير، لأن الأمر كان على درجة من الخطورة حتى وصل الخطر إلى بيت النبي نفسه، ولكن كيف كان ذلك؟
رأينا: نحن نظن أن لهذا علاقة بزواج النبي من زينب بنت جحش، مفارقة زيد بن حارثة. ولكن كيف ذلك؟
جواب مفترى: تحدثنا في المقالات السابقة عن هذه القصة، وما يهمنا في الأمر هنا أن زواج النبي بزينب كان في السنة الخامسة من الهجرة وأن خروج النبي إلى بني المصطلق كان في السنة السادسة للهجرة، وأن أهم الذين اشتركوا في حديث الإفك (كما تجمع على ذلك تقريبا) كل روايات أهل العلم هي أخت زينب المعروفة باسم حمنة. انظر ما جاء في التفسير السابق:
وأنه لم يسم منهم أحد إلا حسان بن ثابت , ومسطح بن أثاثة , وحمنة بنت جحش
ولو دققنا في تلك الروايات لوجدنا أن ذكر زينب كان حاضرا. ففيها نجد أن النبي نفسه كان يسأل زينب على وجه التحديد عن أمر عائشة:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري وما رأت وما سمعت ,
كما أن الصراع بين عائشة وزينب كان حاضرا بالرغم من محاولة تجميله من قبل الرواة. انظر ما جاء في التفسير السابق:
قال : تفاخرت عائشة وزينب , قال : فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي من السماء . قال : وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل على الراحلة
وهذا الصراع بين أزواج النبي مثبت بصريح اللفظ القرآني، فلا داعي (نحن نظن) من التردد في طرحه أو مناقشته:
عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
والمشكلة كانت تكمن (نحن نفتري القول) في بعض نساء النبي، فبالرغم أن النبي كان قد أسر مثلا إلى بعض أزواجه حديثا إلا أن واحدة من بينهن هي من نبأت به:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
نتيجة مفتراة: كانت بعض أسرار بيت النبي تتسرب من خلال أحد زوجاته، فكان الرسول يحاول أن يعرف من التي كانت تسرب تلك الأخبار من بين زوجاته، فكانت هي تلك التي نبأت بالحديث الذي أسره النبي، وهو الحديث الذي أظهره الله بعد ذلك. فمن هي؟
رأينا المزعوم: إنها زينب بنت جحش، وكان ذلك من خلال أختها حمنة، وهي التي شاركت في حديث الإفك وإن لم تكن هي من جاءت به. فكيف حصل ذلك؟
بداية، دعننا ننظر في السياق القرآني الأوسع الخاص بذاك الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
لو دققنا في هذا السياق جيدا لوجدنا أن بعض نساء النبي قد حاولا أن يتظاهرا عليه، أليس كذلك؟ فما معنى احتمالية أن يتظاهرا عليه؟ وكيف يكون التظاهر أصلا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن التظاهر يحمل في ثناياه أن يساعد طرف ما طرفا آخر بطريقة غير واضحة للعيان من أجل تحقيق هدف ما يعود بالنفع على المتظاهرين، بالضبط كما حصل (نحن نظن) في حالة موسى وأخيه هارون:
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
فعلاقة موسى بهارون هي علاقة الأخ بأخيه، أليس كذلك؟ وأحدهما يشدد أزر الآخر:
هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
فعضد موسى قد شد بأخيه هارون:
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)
ففي تلك المواجهة بين الخصوم، ظن آل فرعون أن الأخوين هارون وموسى يتظاهران، أي يساعد أحدهما (هارون) بطريقة غير ظاهرة للعيان أخاه الآخر موسى الذي هو في مواجهة مباشرة مع خصمه (فرعون)، فكان ذلك من باب التظاهر.
ولو حاولنا تطبيق هذا السيناريو في حالة الخصام الذي كان دائرا بين زوجات النبي، لوجدنا أن الصراع كان على أشده بين زينب بنت جحش (التي تزوجت بالنبي حديثا) من جهة وعائشة ابنت أبي بكر من جهة أخرى، وذلك لأن عائشة كانت المحصنة الوحيدة التي نكحها النبي، بينما كانت زينب هي مفارقة زيد ابن حارثة، فلم تحظى بتلك المكانة بالرغم من نسبها في بني طالب. وفي هذا الصراع وجدت زينب أنها بحاجة إلى مساعدة خارجية غير معلنة لتقوية موقفها في هذا الصراع، فشدت عضدها بأختها حمنة. فكان ذلك من باب التظاهر:
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
السؤال: كيف حصل ذلك؟
تخيلات مزعومة غير موجودة إلا في أذهاننا: نحن نتخيل الأمر وقد حصل على النحو التالي: يسر النبي حديثا خاصا جدا إلى بعض أزواجه، وأظن أن ذلك كان من باب الاختبار، والهدف هو أن يَعلم النبي كيفية تسريب الأخبار من بيته. وهنا تقوم واحدة من بين جميع نسائه بتسريب الخبر، فتنبئ به:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
وكان ذلك بطريقة التظاهر، عندما استعانت بأختها لتنفيذ مرادها:
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
ولكن لما كان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، كان لابد للأمر أن يظهر:
... فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
ولما كان من باب النبأ، فهو إذن لا يخلو من المشاكل، لأن حامله قد يكون فاسقا كما جاء في سورة الحجرات على وجه التحديد:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
والأمر لا يخلو من صراع النساء فيما بينهن:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
لأن كثيرا من ذلك النبأ قد يقع في باب بعض الظن الآثم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: كان المستفيد الأول من إشاعة التهمة ضد عائشة على وجه التحديد هي زوج النبي زينب بنت جحش، وكان ذلك من باب صراع الضرائر، وتم ذلك بطريقة التظاهر عندما ساعدت زينب في ذلك بطريقة سرية جدا أختها حمنة التي ورد ذكرها في جميع روايات حديث الإفك.
السؤال: لماذا اختار النبي أن يصحب عائشة على وجه التحديد في خروجه إلى بني المصطلق؟
رأينا المفترى الذي لا نريد من أحد أن يصدقه: لأن النبأ الذي أسر به النبي لبعض أزواجه (وليس جميعهن) كان يخص عائشة على وجه التحديد. فاصطحبها النبي معه حتى لا تعلم به، ولكي يعلم النبي بنفسه من هي زوجته التي ستقوم بتسريب النبأ، والطريق التي يتم بها ذلك التسريب.
لكن يبقى التساؤل المشروع قائما: من الذين جاءوا بالإفك؟
رأينا: أنهم عصبة من المؤمنين:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
رأينا المفترى: نحن نظن مفترين القول من عند أنفسنا أنه لما كان الذين جاءوا بالإفك عصبة من المؤمنين، لذا يستحيل (نحن نفتري القول) أن تكون زينب أو أختها حمنة هما من جاءا بالإفك بالرغم أنهن قد حاولا استغلال الحديث لمصلحة زينب في صراعها مع عائشة. فالذين جاءوا بالإفك هم عصبة من المؤمنين لا دخل للنساء به من قريب أو بعيد وإن كن قد انشغلن به بعد أن حصل.
فمن الذي جاء بالإفك إذن؟ يسأل صاحبنا
رأينا المفترى: لما كانت عائشة هي أحد المتضررين بحديث الإفك، كان الذي وجه التهمة لعائشة لا يقصد شخص عائشة على وجه التحديد لأنه لن يستفيد من ذلك في شيء، لذا كان مخططه يتجاوز عائشة، فمن هو يا ترى؟
رأينا المفترى: لاشك عندنا أن الذين اشتركوا في حديث الإفك هم طرفان، تكوّن كلُّ طرف منهم من خمسة من الأشخاص (الرجال)، فشكلوا معا عصبة (أي عشرة) كما كان إخوة يوسف العشرة عصبة في تلك المؤامرة التي حاكوها ضد أخيهم:
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ (14)
فهم إذن عشرة من الرجال تعاونوا معا كما قد تتعاون العصبة من الرجال أولي القوة في حمل مفاتح كنوز قارون:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
فمن هم – يا ترى؟ ربما يسأل صاحبنا.
هذا ما سنحاول الخوض به في الجزء القادم من هذه المقالة، وسيكون الهدف حينها تبيان (إن أذن الله لنا بعلم من لدنه) كيف كان هدف أحد الطرفين النيل من شخص أبي بكر لغرض دنيوي بحت، بينما كان غرض الطرف الآخر هو النيل من شخص الرسول الكريم نفسه وبالتالي العقيدة برمتها. وسننتهي (إن أذن الله لنا بشيء من علمه) أن نبين حينئذ كيف كان تدبيرهم هذا وبالا عليهم وعلى كل من لحق بهم إلى يوم الدين، وربما يتضح لنا (إن شاء الله) كيف أن هذه الحادثة لازالت حتى الساعة مؤشرا واضحا للعيان للفصل بين من يتبع دين محمد الحق ممن يتبع منهاج عبد الله بن سلول حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
والله أعلم
اللهم أعوذ بك أن أكون قد افتريت عليك الكذب أو أن أكون قد قلت ما ليس لي بحق، وأسألك وحدك أن تعلمني ما لم أكن أعلم وأن تهديني لأقرب من هذا رشدا وأن تزدني علما – آمين.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
16 تشرين أول 2014
[1] ومن أراد المجادلة فليرجع إلى أمهات كتب المسلمين ليجد كيف كان ذلك الدور المزعوم ينتقض في كل حادثة، وليس أدل على ذلك من وفاة النبي في بيت عائشة التي لم تكن (كما تقول رواياتهم) هي صاحبة الدور حينئذ. فهل كان النبي يسن شريعة الدور وهو من ينقضه؟! هل تظنوها يا سادة من سلوك الأعراب على طوابير الخبز المدعوم حكوميا؟! أم تحسبونها من تصرفات الموظفين الأردنيين للحصول على كابونات عبد الله النسور (رئيس الوزراء الأردني) وخاصة المحاربين القدامى الذين انتهى بهم المطاف يستلمون الأرصفة من بزوغ شمس الفلق حتى غروب شمس الغسق من أجل حفنة من الدراهم، تكاد لا تميزهم عن المتسولين على أرصفة الطرقات؟ من يدري؟!!!