قصة موسى 7: باب العزير 04
حاولنا في الأجزاء السابقة من هذه المقالة تسويق افتراء من عند أنفسنا مفاده أن الشخص الذي ذهب موسى ليطلب العلم من عنده هو العزيز الذي نسب إليه يهود صفة الإلوهية عندما ظنوا أنه ابن الله كما فعلت النصارى من بعدهم عندما نسبوا ذلك لنبيهم عيسى بن مريم:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
وظننا أن هذا الشخص هو نفسه الذي مرّ على تلك القرية الخاوية على عروشها وطلب من ربه أن يريه كيف يحي الموتى فأماته الله مئة عام ثم بعثه:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
فكان هذا الرجل هو من جعله الله آية للناس (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ) كما كان عيسى بن مريم آية للناس:
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21)
(للتفصيل انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)
وعندما ذهب موسى ليطلب صحبته وجده زاهدا في ذلك، لأن موسى لا يستطيع – كما أخبره الرجل بذلك- أن يصبر على صحبته:
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
ولكن إصرار موسى دفع الرجل أن يثبت له بالتجربة العملية عدم قدرته على صحبته، فوافق على مصاحبة موسى شريطة أن يسكت موسى على ما يرى من فعل الرجل:
قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
ولكن نبوءة الرجل قد صدقت بعدم قدرة موسى على الصبر معه، فما طاق موسى ذرعا بما فعل الرجل، فظهرت معارضته في ثلاث مواقف وهي:
1. خرق السفينة
2. قتل الغلام
3. بناء الجدار
وقد حاولنا أن ننبش في تفاصيل هذه المواقف، فبدأنا الحديث في الجزء السابق على وجه التحديد من عند قضية بناء الجدار، وكان الافتراء الأكبر الذي سقناه حينئذ أن الجدار الذي كان في القرية:
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
كان مملوكا لغلامين في المدينة:
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
وأن والد هذين الغلامين كان هو نفسه ذلك الرجل الصالح الذي جاء محذرا موسى من البقاء في المدينة عندما قتل رجلا من بني إسرائيل يوم أن دخل المدينة على حين غفلة من أهلها:
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
فهو – في ظننا- الرجل نفسه الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ليحذر موسى من مؤامرة الملأ به فنصحه بالخروج منها:
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
وما أن أدرك موسى ضعف علمه مقابل علم هذا الرجل الذي يصحبه (وهو العزير) حتى كان ذلك سببا كافيا في أن يتقبل طلب الرجل له بأن يفارقه:
قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا
فترك موسى الرجلَ وشأنه لعدم استطاعته على صحبته كما جاء في نبوءة الرجل له عندما جاءه موسى طالبا صحبته في بداية القصة:
قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)
بعد أن أثبت له بالخبرة العملية أنه لن يستطيع معه صبرا:
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75)
(للتفصيل انظر الجزء السابق)
وسنتابع في هذا الجزء من المقالة وفي الأجزاء القادمة الحديث عن قصة موسى مع هذا الرجل لنتعرض على وجه التحديد إلى ثلاثة أسئلة رئيسة وهي:
1. كيف يمكن أن نفهم قصة قتله للغلام الذي لقياه؟
2. كيف يمكن أن نفهم قصة خرقه لسفينة المساكين؟
3. من هو ذلك الرجل؟ وأين يمكن أن نجده؟
وسنحاول في هذا الجزء من المقالة على وجه التحديد أن نتطرق (بحول من الله وتوفيق منه) للتساؤل الأول وهو: كيف نفهم قصة قتل هذا الرجل للغلام الذي لقياه في الطريق؟ على أن نتابع (إن أذن الله لنا بشيء من علمه) في الأجزاء اللاحقة النبش في التساؤلين الأخريين.
أما بعد،
باب قتل الرجل للغلام
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)
التساؤلات المطروحة:
- لماذا قتل الرجل (صاحب موسى) الغلام الذي لقياه؟
- من هو ذلك الغلام الذي قتله؟
- كيف أعطى الرجل لنفسه الحق بأن يقتل غلاما؟
- كيف أولّ الرجل القصة لموسى؟
- هل تأويل الرجل هذا لموسى مقنعا؟
- كيف فهم موسى تأويل الرجل لحادثة القتل فسكت على ذلك وتقبله؟
- هل هذا التأويل مقبول لنا نحن الذين نقرأ القصة من كتاب الله؟
- الخ.
لماذا قتل الرجل الغلام؟
بداية نحن نظن أن قتل النفس مبررا في كتاب الله في حالتين اثنتين لا ثالث لهما، وهما:
1. قتل النفس بالنفس
2. محاربة الله من أجل الفساد في الأرض
وهذا ما نفهمه من الآيات الكريمة التالية:
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
ولو دققنا في ردة فعل موسى على حادثة قتل صاحبه للغلام لما ترددنا أن نستنبط أن موسى قد ظن بأن قتل الرجل للغلام يقع في باب قتل النفس بغير نفس:
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)
فلقد ظن موسى – نحن نفتري القول- بأن ما فعله الرجل يمكن أن يقارن بما فعله هو نفسه عندما قتل نفسا وأقدم على قتل الآخر:
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
وهنا تبدأ أولى حلقات ضعف علم موسى تبين مقابل ما كان لهذا الرجل من علم علمه إياه ربه:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
ونحن نظن – مفترين القول من عند أنفسنا- أن موسى قد أخطأ في تفسيره للسبب الذي من أجله قتل صاحبُه الغلامَ، فلقد ظن موسى أن قتل النفس هنا يقع في باب قتل نفس بغير نفس، ولربما غفل موسى – نحن نظن- أن قتل النفس يمكن أن يبرر إذا كان بحق من يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا كما تنص على ذلك الآية الكريمة التي ذكرناها آنفا ونعيدها هنا لتأكيد الفكرة:
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
وقد جاء الجزاء بالقتل لمن يفسد في الأرض صريحا بلفظ القرآن نفسه في الآية الكريمة التالية:
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب الذي دفع بالرجل (صاحب موسى) أن يقتل الغلام لم يكن من باب قتل النفس بالنفس وإنما كان – برأينا- من باب كف الفساد من الأرض لأن هذا الغلام كان من الذين يحاربون الله ورسوله. لذا نحن نتجرأ على القول بأن عدم قتل الرجل لذاك الغلام كان يمكن أن يؤدي إلى فساد في الأرض، وما جاء قتل الرجل للغلام (عن علم) إلا لكف ذلك الفساد.
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
فنحن نظن أن صاحب الغلام قد دفع فتنة أكبر من القتل عندما أقدم على قتل الغلام:
... وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
السؤال: ما هو الفساد (أو لنقل الفتنة) الذي كان يمكن أن يحدثه هذا الغلام؟ أو ما هو الفساد الذي كان هذا الغلام قد أحدثه من ذي قبل؟
الجواب: أن يرد والديه عن دينهما:
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
السؤال: فمن هو هذا الغلام؟
أولا، نحن نظن أن الإجابة يمكن أن تستنبط من قوله تعالى:
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
فذاك الغلام كان ممن يسعون في الأرض ليحدث فيها الفساد، وإذا ما قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فمن هو؟ من يدري!!!
ثانيا، نحن نظن أن ذاك الغلام لم يكن فقط ممن يسعون في الأرض فسادا ولكنه كان أيضا من الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا:
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
ثالثا، وهو – برأينا- من الذين كان من الممكن أن يوقدوا نار للحرب سعيا لإحداث الفساد في الأرض:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
ونحن نفتري القول من عند أنفسنا أنه لن يكون أقل فسادا من قارون نفسه الذي حاول قومه أن ينصحوه بأن يكف عن الفساد في الأرض فما أفلحوا في جهدهم ذاك:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
رابعا، ونحن على يقين بأن ذلك الفتى لن يكون من الفائزين في الدار الآخرة لأنه كان من الذين يردون الفساد في الأرض:
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
وهذا يدعونا إلى الاعتقاد (ربما مخطئين) بأن فعل هذا الغلام سيكون أقرب إلى فعل قارون منه إلى فعل فرعون، ففي حين أن فرعون كان من الذين يريدون علوا في الأرض كان قارون من المفسدين:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
لذا نحن نتجرأ على الاستنباط (ربما مخطئين) أن هذا الغلام كان أقرب في فعله إلى ما فعله قارون منه إلى ما فعله فرعون. وهو - بلا شك- على النقيض تماما من موسى الذي كان يريد أن يكون من المصلحين:
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
ففي حين أن موسى كان يريد أن يكون من المصلحين (وإن كان قد قتل نفسا)، إلا أن فرعون قد نسب إليه فعل إظهار الفساد في الأرض:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
خامسا، وهذا الغلام – نحن نتخيل- كان من قوم فرعون الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد:
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن صاحب موسى كان يريد من وراء قتله ذلك الغلام أن يكف الفساد من أن يظهر في البر والبحر:
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
ونحن نظن أن ذاك كان من باب دفع الناس بعضهم ببعض حتى لا يكثر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس:
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
السؤال: ما هو الفساد الذي كسبته (أو كان يمكن أن تكسبه) يد هذا الغلام؟
جواب مفترى: للإجابة على هذا السؤال لابد من التعرض للسؤال التالي وهو: من هو هذا الغلام الذي قتله صاحبُ موسى؟
افتراء خطير جدا جدا من عند أنفسنا: نحن نظن مفترين القول من عند أنفسنا أن الغلام الذي قتله صاحبُ موسى هو من جاء خبره في الآية الكريمة التالية:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
الدليل
لو تدبرنا تأويل صاحب موسى لقتله ذاك الغلام لوجدنا أن أبواه كانا مؤمنين:
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا
وأن السبب الذي دفع بصاحب موسى أن يقتل الغلام يعود إلى الخشية من أن يرهقهما طغيانا وكفرا (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا). وأن الإرادة (فَأَرَدْنَا) كانت منصبه على أن يبدلهما الله خيرا منه زكاة وأقرب رحما:
فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا
فالقصة تدور – كما نتخيلها- حول عائلة فيها غلام قد خرج عن دعوة والديه اللذين كانا يستغيثان الله (وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ) لدعوته إلى الإيمان (وَيْلَكَ آمِنْ) ويحذرانه من وعد الله الحق (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، فما كان رده إلا أن وضع ذلك كله في باب أساطير الأولين (مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
ولو تدبرنا الآية الكريمة في سياقها القرآني الأوسع، لوجدنا التقابل بين من كان بارا بوالديه:
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
ومن كان غير بار بهما:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
وهو الذي نظن أن الآية الكريمة تتحدث عنه. لكن السؤال الذي يبقى قائما هو: كيف علم صاحب يوسف بخبر هذا الغلام؟ وهل ما قاله لموسى يكفي أن يكون سببا مقنعا لقتله الغلام؟
جواب: نعم، نحن نظن أن الرجل صاحب موسى كان عنده ما يكفي من العلم ليبرر قتله الغلام. وأين الدليل على ذلك؟
رأينا: نحن نظن أن الدليل متوافر في ما قاله الغلام لوالديه وهو "أُفٍّ لَّكُمَا". فما معنى قول الغلام لوالديه أُفٍّ لَّكُمَا؟
جواب: غالبا ما ساق أهل العلم الآية الكريمة التالية لتدل على ضرورة البر بالوالدين:
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
وقد صوّر علماؤنا الأجلاء التأفف للوالدين بأنه " أدنى مراتب القول السيئ". ونحن نرى ضرورة مخالفة أهل الدراية الرأي وذلك لظننا أن هذا يجعل ما جاء بعده من قول غير ضروري في الآية الكريمة نفسه. فانظر - عزيزي القارئ- الآية جيدا، ثم تدبرها من هذا الجانب خاصة قوله تعالى:
فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا
فإذا كان التأفف – نحن نستغرب- هو أدنى مراتب القول السيئ (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)، فلم ينهانا الله عن ما هو أكبر منه وهو نهرهما (وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، فمراد القول هو إذا كان الله قد نهانا أن نقول لهما أف (كأدنى مراتب القول السيئ) فهل نحتاج بعد ذلك أن ينهانا الله عن ما هو أكبر منه (وَلَا تَنْهَرْهُمَا)؟
جواب مفترى، كلا وألف كلا لأنه بمجرد أن نكون منهين أن نقول لهما أف كأدنى مراتب القول السيئ فإن ما هو أكبر منه منهي عنه لا محالة. لذا نحن نتجرأ على تقديم الافتراء التالي الذي هو من عند أنفسنا: التأفف هو أكبر من النهر لأننا نظن أن التأفف هو – على عكس ما ظن علماؤنا الأجلاء- أكبر مراتب القول السيئ. لذا فإن قولك لوالديك (أف لكما) هو – برأينا- أعظم ذنبا من أن تنهرهما. لذا فإن الله قد نهانا أولا عن التأفف (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ) كعمل شنيع جدا بحق الوالدين ثم نهانا بعد ذلك عن ما هو أقل منه وهو نهرهما (وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، ثم دعانا إلى أن نقول لهما قولا كريما (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، وأن نتبع ذلك بأن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة والدعوة لها:
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
وقد جاءت الدعوة صريحة في قوله تعالى على أن عدم البر بالوالدين هو مما حرم الله علينا، وهو يأتي مباشرة بعد دعوته لنا بعدم الإشراك به:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
خروج في استراحة قصيرة
بداية نحن نجد لزاما علينا هنا الخروج عن فحوى الموضوع لتصحيح غلط شنيع نظن أن علماؤنا أهل الدراية قد وقعوا أوقعوا الناس فيه لقرون طويلة من الزمن. والغلط هو – في ظننا- إخفاقهم في تفسير هذه الآية الكريمة إلى العامة، ولكن كيف ذلك؟
جواب: لعل القارئ العادي للقرآن الكريم (من مثلي) ربما يجد الإرباك الشديد في أن يجد عبارة بالوالدين إحسانا (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) واقعة في هذا السياق القرآني تسبقها الدعوة إلى عدم الإشراك بالله (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) ويتبعها الدعوة إلى عدم قتل الأولاد خشية الإملاق (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ):
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
فلقد كنت على الدوام أتساءل عن السبب أن يحرم الله علينا البر بالوالدين كما حرم علينا أن لا نشرك به شيئا، فكان السؤال الذي يخالجني هو: هل البر بالوالدين من الأشياء التي حرمها الله علينا؟
وقد حاول أحد القراء لمقالاتنا أن يثير هذا التساؤل سابقا، فحاولنا أن نقدم له إجابتنا على هذا الأمر على عجل حينئذ، لكننا سنحاول التفصيل بالقضية هنا لعلاقتها بفحوى موضوع النقاش هنا عن البر بالوالدين.
أما بعد،
نحن نكاد نجزم أن السبب في هذا الخطأ في الفهم يعود إلى طريقة قراءة الآية الكريمة، فبالرغم أن هناك المتخصصون بعلم القراءات إلا أننا نظن أنهم قد فشلوا جميعا في قراءة هذه الآية الكريمة كما يجب، والغلط الذي وقع به هؤلاء يكمن – في ظننا- في علامات الوقف والوصل في هذه الآية الكريمة، فنحن نظن أن علامات الوقف على هذه الآية الكريمة يجب أن تكون على نحو استبدال علامة (ۖ) بعد مفردة عَلَيْكُمْ كما في الرسم القرآني
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
بعلامة الوقف الإلزامي (ۘ) قبل مفردة عَلَيْكُمْ، لتصبح علامات الوقف على الآية الكريمة على النحو التالي:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ۘ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
بالضبط كما نقرأ الآية الكريمة التالية بالوقف بعد مفردة يَسْمَعُونَ:
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
السؤال: لماذا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذلك يعود لأن مفردة عليكم لا تعني أن الله قد خصّنا نحن بالذات بهذه المحرمات، فأنت عندما تقرأ الآية بالوقف بعد مفردة عليكم كما أراد أهل اللغة (وأهل الدين) الذين وضعوا علامات الوقف على كتاب الله:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ
فإنك تؤكد بأن ذلك يخصنا ولا يخص غيرنا، ويكأن لسان حالهم يقول لنا أن هذه ما حرمه الله علينا نحن، لنطرح السؤال الآن على النحو التالي: أليست هذه من المحرمات علينا وعلى غيرنا؟ فما بالنا نخص أنفسنا (دون غيرنا) بها.
رأينا: كلا وألف كلا، هذا ما لا نتقبله إطلاقا لأن هذه – نحن نظن- من الأشياء التي حرمها الله على كل الأمم وليس علينا فقط. لذا يجب أن تقرأ الآية بالوقف على النحو التالي:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ۘ
فتصبح بذلك شريعة نافذة على الجميع.
ثانيا، نحن نظن أن أهل الدراية من سادتنا العلماء قد أخفقوا في فهم معنى مفردة عليكم في هذه الآية الكريمة. ولكن كيف ذلك؟
جواب: لو تدبرنا الآيات الكريمة التي ترد فيها هذه المفردة (عَلَيْكُمْ) لوجدناها بمعنى الظرفية التي تخص مجموعة محددة بذاتها في كثير من الآيات الكريمة:
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (64)
مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)
ولكن الذي ربما يؤسف له أن علماءنا الأجلاء أهل الدراية والرواية قد غفلوا (ربما عن غير قصد) أن هناك في كتاب الله استخدام آخر لمفردة عليكم تدل على معنى الإلزام أو الإجبار كما في الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
فنحن بنص الآية الكريمة ملزمين بأنفسنا وغير ملزمين بما يفعل غيرنا. والآية الكريمة التالية تلزمنا بنصر من استنصرنا من الذين آمنوا:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
والشيطان ليس ملزما بما نفعل لأن مهمته لم تتجاوز حدود الدعوة التي قبلناها بأنفسنا لانتفاء وجود سلطان له علينا:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
ويتكرر هذا الاستخدام لمفردة عليكم في سياقات قرآنية كثيرة:
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
نتيجة: نحن نظن أن مفردة عليكم تعني توجيه الخطاب ليخص مجموعة محددة بعينها لتلزمهم بأمر من ربهم كما في الآيات التالية:
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
السؤال: ما علاقة هذا كله بالمحرمات في الآية الكريمة التي نحن بصددها؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: دعنا نعود إلى الآية الكريمة التي انطلق هذا النقاش منها لنقرأها على هذه الشاكلة التي افتريناها من عند أنفسنا وهي أن مفردة عَلَيْكُمْ الواردة فيها تعني الإلزام للجميع، وربما يبين هذا على الفور بالوقف التام قبلها كما في الرسم التالي الذي افتريناه من عند أنفسنا:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ۘ .... عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
لتصبح الآية تنقسم إلى جزئين رئيسيين هما:
- الجزء الأول: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ۘ...
- الجزء الثاني: ... عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا
- تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
- تَعْقِلُونَ (151)
لتصبح المحرمات هي:
1. عليكم أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
2. عليكم بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
3. عليكم أ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ
4. عليكم أ لَاتَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
5. عليكم أ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
فتصبح مفردة عليكم معطوفة على كل هذه المحرمات وتصبح جميعها من الوصايا التي وصانا الله بها (ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، لنخرج من ذلك بالوصايا الإلهية على النحو التالي:
1. ألا نشرك به شيئا
2. بالوالدين إحسانا
3. لا نقتل أولادنا خشية إملاق
4. لا نقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن
5. لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
(دعاء: اللهم أسألك أن أكون ممن يعقلون وصاياك – آمين)
عودة على قصة قتل صاحب موسى للغلام الذي لقياه في الطريق
لو تدبرنا الوصية الخامسة والأخيرة لوجدنا أنها تنهانا عن قتل النفس إلا بالحق، لنطرح بناء على ذلك تساؤلنا التالي: هل قتل صاحبُ موسى تلك النفس (أي الغلام) بالحق؟
الجواب: نعم، لأنه كان من الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا.
السؤال: وما الدليل على ذلك؟
جواب: لأنه قال لوالديه أُفٍّ لَّكُمَا:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
السؤال: وكيف ذلك؟ وما علاقة ذلك بقتله؟
الجواب: نحن نرى الدليل يمكن استنباطه بعد التعرض للمعنى الحقيقي لعبارة (أُفٍّ لَّكُمَا) التي نهانا الله عن قولها للوالدين.
الدليل
نحن نحاول أن نستجلب الدليل بأن عبارة (أُفٍّ لَّكُمَا) هي أعلى درجات القول السيئ وليس أدناها (كما ظن من سبقونا من سادتنا أهل الدراية والرواية) وذلك بطرح التساؤل البسيط التالي: إذا كان الله قد نهانا عن التأفف بحق الوالدين (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)، فما بال إبراهيم (نبي الله وخليله) يفعل ذلك؟ ألم يكن إبراهيم هو أول من قال أف لقومه جميعا بمن فيهم أبيه الذي تبيّن له أنه عدو لله؟
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
السؤال: ما معنى قول إبراهيم لقومه أف لكم (أُفٍّ لَّكُمْ)؟ هل كان يقصد إبراهيم بذلك أدنى درجات القول السيئ أم أعظمها وأشدها وقعا على أسماعهم؟
رأينا: لقد كان قصد إبراهيم – نحن نفتري القول- أن يغلظ لهم القول وأن يقل لهم في أنفسهم قولا بليغا:
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا
السؤال: ما معنى عبارة "أُفٍّ لَّكُمْ" في النص القرآني إذن؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هذه العبارة تعني القطيعة التامة بين الطرفين لأن عقائدهم قد وصلت إلى درجة من الاختلاف يستحيل أن يحدث التلاقي بعدها. فهذا نبي الله إبراهيم قد قال أف لقومه:
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
فما كان منهم إلا أن تكون ردة فعلهم على النحو التالي:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)
السؤال: هل لو كانت مفردة "أُفٍّ لَّكُمْ" التي قالها إبراهيم تعني أدنى درجات القول السيئ كما ظن معظم أهل الدراية وتفجرت حناجر خطبائهم بذلك على المنابر، هل كانت ردة فعلهم ستكون بهذه الشدة (حَرِّقُوهُ)؟
جواب: كلا وألف كلا. فنحن نظن أن ما قاله إبراهيم كان قولا بليغا، استوجب في نظر القوم عقوبة تصل إلى درجة التحريق (قَالُوا حَرِّقُوهُ).
السؤال: لماذا؟
رأينا: لأن قول الأف تعني تسفيه الإله الذي يعبده القوم، وهذا في ظننا واضح من قول إبراهيم:
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
وهذا واضح أيضا من رد القوم:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)
فقول الأف هو المسبّة الأعظم التي يمكن أن يقولها الشخص بحق الإله الذي يعبده قوم آخرون، أو بحق دين الوالدين. فأنت عندما تقول لوالديك أف لكما فإنك بذلك قد أحدثت القطيعة بينك وبينهم بسبب الاختلاف في المعتقد.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: ما أن تصل العلاقة بين الابن والوالدين لدرجة أن يقول الابن لوالديه أف لكما حتى تكون علاقتهما قد وصلت إلى القطيعة التامة، فهذا والد إبراهيم يطلب من إبراهيم أن يهجره:
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
وبهذا الفهم المفترى من عند أنفسنا نعود إلى قصة الابن الذي قال لوالديه أُفٍّ لَّكُمَا كما جاء في الآية الكريمة التالية:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
فلقد كان الخلاف بينهما – كما هو واضح من تتمة الخطاب- خلافا عقائديا (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي) حيث يقبع كل طرف منهم على النقيض التام من الطرف الآخر، فالوالدين مؤمنين يدعوان ولدهما للإيمان (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) والولد كافر بدين والديه ناعتا إياه بأنه ليس أكثر من أساطير الأولين (فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ). والمشكلة التي ينكرها الولد إنكارا تاما هي الخروج من بعد الموت (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي). لذا وصلت العلاقة بينهما إلى درجة القطيعة لأن كل منهما لم يتزحزح عن موقفه، فأصبح – والحالة هذه- الهجران هو الحل الأمثل للطرفين، أي أن يهجر طرف منهم الطرف الآخر. وأظن أن الولد هو – عادة- من يرحل. فقد طلب والد إبراهيم من ولده إبراهيم أن يهجره (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، وهذا الفتى – نحن نتخيل- قد خرج من عند والديه هاجرا إياهم بعد أن سفّه إلههم وعقيدتهم، وبعد أن نعت ما يؤمنون به على أنه من أساطير الأولين. فما كان – نحن نظن- يستطيع العيش مع والديه، فخرج من عندهم غاضبا، كافرا (غير مؤمن) بدينهم حتى حق عليه القول، انظر الآيات نفسها في سياقها الأوسع:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
نتيجة: لقد خرج الفتى من بيت والديه هاجرا لهم وقد حق عليه القول، وهناك في الطريق لقيه موسى مع صاحبه، فما كان من صاحب موسى إلا أن يعمد إلى قتله بعد أن رءاه مباشرة.
فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)
نتيجة مهمة جدا جدا: صاحب موسى يقتل الغلام عندما لقياه مباشرة.
السؤال: لماذا؟
جواب: لأن صاحب موسى قد علم (بما علّمه الله من لدنه) أن هذا الغلام قد حق عليه القول (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)؟
والأهم من ذلك أن القول قد حق عليه على النحو التالي كما تصوره آيات من قال لوالديه أف لكما:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
السؤال: ما معنى (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) ؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: وجوب إنزال العقاب فيه.
الدليل
نحن نظن أن من حق عليه القول انتفى حصول الإيمان عنده. انظر الآية الكريمة التالية جيدا:
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
نتيجة: من حق عليه القول لا يمكن أن يؤمن. انتهى.
(دعاء: أعوذ بك رب أن أكون ممن حق عليهم القول – آمين)
لذا فإن القول لا يحق إلا على الكافرين بصريح اللفظ القرآني:
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
نتيجة: القول يحق على الكافرين الذين لم يؤمنوا
وستكون عاقبة من حق عليهم القول على النحو التالي:
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63)
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
معلومة خطيرة جدا جدا جدا تخص من حق عليه القول
لو راقبنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن الله قد قيض لمن حق عليه قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم:
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
والآن انظر التطابق العجيب مع ما جاء في سياق الآية التي تخص من قال لوالديه أف لكما وأنكر البعث ونعت ذلك أنه من باب أساطير الأولين:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
نتيجة: من قال لوالديه أف لكما فقد حق عليه القول فكانوا ممن حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
سؤال: ما الآلية التي يحق بها القول على هؤلاء؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: أن يُقيّض لهم قرناء كما نفهم ذلك من الآية الكريمة السابقة في سياقها الأوسع:
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
نتيجة مفتراة خطيرة جدا: من حق عليه القول فقد قيض له قرناء فزينوا له ما بين يديه وما خلفه، وهنا يكون القول - لا محالة- قد حق عليه.
السؤال القوي جدا: من هم هؤلاء القرناء الذين تم تقيضهم لمن حق عليه القول؟
أولا، إن أكبر قرين هو الشيطان نفسه:
وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)
ونحن نفتري الظن بأن القرين - لا محالة - هو شيطان:
وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
ولعل هذا القرين يلازم من حق عليه القول من الجن والإنس:
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
نتيجة مهمة جدا جدا: الشيطان هو قرين للإنس وللجن، لأن هناك من الجن من هو مؤمن ومنهم من هو كافر كما جاء على لسان من سمع منهم الهدى فآمن به:
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ ۖ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
ولعل همّ القرين (الشيطان) الأول والأخير هو أن يصد الناس عن السبيل وذلك بزعزعة إيمانه بالبعث والخروج بعد أن يصبح الإنسان ترابا وعظاما. فيدخل القرين (وهو شيطان) لمن قيّضه الله له من الجن والإنس من هذا الباب:
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
فتصبح الصورة على النحو التالي لمن صدّق قرينه:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
وهنا لن تكون دعوة من كانت هذه حاله إلا على النحو التالي:
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
نتيجة: من كان له قرين فإنه يشككه بالبعث :
أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ(53)
فيصبح من صدّق قرينه من المكذبين بالبعث. ولو عدنا إلى سياق الآية التي تتحدث عن من قال لوالديه أف لكما لوجدنا هذا الخطاب جليا في كلام الولد
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
نتيجة مهمة جدا: من كان له قرين (شيطان) فهو يزين له ما بين يديه وما خلفه حتى يصل في نهاية المطاف إلى إنكار البعث (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي) ويضع الحديث عن العقيدة بأكمله في إطار (مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ). وذلك لأنه صدّق قول قرينه (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ: أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ؟)
السؤال: ما علاقة هذا بقتل صاحب موسى للغلام بمجرد أنهما لقياه؟
جواب: نحن نظن أن مجرد أن يحق القول فهذا بحد ذاته مقدمه للعقاب الإلهي المباشر:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
نتيجة: ما دام أن القول قد حق، فإن العذاب لا محالة حاصل:
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19)
ولا شك أن من حق عليه القول واستحق العذاب، فهو في ضلاله وإن كان يحسب أنه من المهتدين:
فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
عودة على قصة الغلام
لو تدبرنا ما قاله والديه له وهما يستغيثان الله لوجدنا أنهما يحذرانه من أن يحق عليه القول:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
نتيجة: لقد خرج ذلك الغلام كافرا بدين والديه اللذين كانا يدعوانه إلى الله (وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ)، وقد حذراه من أن وعد الله الحق (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، فما استجاب لدعوتهم بل أصر على استكباره ناعتا كلام والديه بأنه لا يعدو أن يكون أكثر من أساطير الأولين (مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، فكان من الذين حق عليهم القول (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)، وكانت تلك سنة الله التي قد خلت من قبله (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ)، فكان هذا الغلام (كما كانت تلك الأمم) من الخاسرين (إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ).
تخيلات من عند أنفسنا: هناك في الطريق لقياه موسى وصاحبه ، فلم يكن علم موسى يؤهله أن يعلم أن هذا الفتى قد حق عليه القول فوجب نزول العقاب بحقه، ولكن علم هذا الرجل (الذي علمه إياه ربه من لدنه) كان يؤهله أن يصل إلى هذه المعلومة، فما تردد أن يقتل الغلام:
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)
السؤال: لماذا قتل صاحب موسى الغلام؟
جواب: لدر الفساد عن الأرض مادام أن الولد كان من الذين يحاربون الله ورسوله
السؤال: وكيف ذلك؟
جواب خطير جدا جدا مفترى من عند أنفسنا: لأن هذا الغلام قد قُيّض له قرين لأنه كان من الكافرين المنكرين للبعث
السؤال: كيف عرف صاحب موسى ذلك؟
جواب: نحن نظن أن ذلك حصل بمجرد رؤية صاحب موسى لهذا الغلام:
فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)
السؤال: كيف ذلك؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا الذي نطلب من القارئ الكريم أن لا يصدقه ما لم يجد أن الدليل من كتاب الله يثبته: نحن نفتري القول بأنه ما أن رءا صاحب موسى ذلك الغلام حتى استطاع (بما علمه الله من لدنه من العلم) أن يرى قرين هذا الفتى، أي لقد كان هذا الرجل يملك من العلم ما يمكنه من رؤية القرين، الأمر الذي دفعه لقتل الغلام بمجرد أن رءا قرينه، لأن ذلك يعني أن هذا الفتى قد أصبح ممن حق عليهم القول كما تشير الآية الكريمة التالية التي تشير إلى عاقبة من قال لوالديه أف لكما:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
فما كان ليؤمن:
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
وكان بذلك من الكافرين:
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
السؤال: لماذا أقدم صاحب موسى على قتله؟ فهل كل من حق عليه القول يجب أن يقتل؟
جواب: لو راقبنا ما قاله صاحب موسى لموسى لوجدنا أن الذي دفع بصاحب موسى أن يقدم على قتل الغلام الذي حق عليه القول والذي (كما افترينا القول) قد قيض له قرين هو الخشية بأن يحدث هذا الفتى فسادا أكبر في الأرض، وذلك بأن يرهق أبويه طغيانا وكفرا كما جاء بصريح اللفظ القرآني:
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
رأينا المفترى: نحن نفتري القول (ربما مخطئين) بأنه لو لم يعمد صاحب موسى إلى قتل الغلام لكانت النتيجة لا محالة هو أن يرهق ذاك الغلام أبويه طغيانا وكفرا. لذا نحن نؤمن أن صاحب موسى قد قتل الغلام الذي حق عليه القول لكي لا يرهق أبويه طغيانا وكفرا وهو بذلك قد كف فتنة هي أكبر من لقتل:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
فما أن ثقف صاحبُ موسى ذلك الغلام حتى علم أنه من الذين يحاربون الله ورسوله وأنه من الذين لا يألون جهدا في أن يردوا المؤمنين عن دينهم إن استطاعوا. ولكن كيف ذلك؟
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذلك الغلام قد خرج من عند والديه وهو في أشد حالات غضبه منهما، منكرا البعث (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي)، وقد كان شاتما مسفها لهما ولدينهما، ناعتا إياه بأنه من أساطير الأولين (فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، عازما على أن يهجرهما لاستحالة التلاقي بينهما مادام أن كل طرف منهم يقف على النقيض العقائدي من الآخر. فالأبوان مؤمنين يدعوان ولدهما للإيمان (وَيْلَكَ آمِنْ) ويحذرانه من وعد الله الحق (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ). والغلام –بالمقابل- كافر رافض دعوة والديه له.
وهنا نتوقف قليلا لنشير إلى أن هناك في خطاب صاحب موسى القرآني مفارقة عجيبة يجب التنبيه إليها وهي استحالة أن يرجع الغلام عن كفره في حين أن هناك احتمالية (وإن كانت ضئيلة) أن يتراجع الوالدان عن إيمانهما.
الدليل
في حين أن كفر الغلام بدين والده كان أمرا لا رجعة فيه بدليل أنه قد قال لهما أف لكما، وبدليل أنه كان من الذين حق عليهم القول فكان من الخاسرين:
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
كان قرار الأبوين – في ظننا- غير نهائي. ونحن نظن أن بالإمكان استنباط ذلك مما قاله صاحب موسى في تأويله لما حصل:
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
فلو دققنا في كلام صاحب موسى هذا لوجدنا أن الخشية من أن يرهق الغلام والديه طغيانا وكفرا كانت لازالت قائمة، أليس كذلك؟
ولكن لماذا؟
جواب: لو حاولنا أن نتخيل موقف أي أبوين من ولدهما الذي سيهجرهما لمجرد الاختلاف العقائدي لربما وجدنا أن الآباء غالبا ما يغلّبون منطق العاطفة الجامحة في حب أبنائهم. لذا نحن نتخيل أن أحد الأبوين لهذا الغلام ربما كان سيقول للآخر (بعد خروج ولدهما من البيت قاصدا هجرهم) بأن مجاراة الولد (الكافر) على كفره ربما هي أهون عليه من هجره لهما، وأظن أن هذا كان موقف الوالدة المحبة لولدها، وربما كان مثل هذا الشعور سيشكل دافعا يؤدي بها للتنازل عن موقفها بعض الشيء، وربما يدفعها لأن تؤثر على زوجها من هذا الباب، مما قد يدفعها معا في النهاية إلى تقديم بعض التنازلات شيئا فشيئا، حتى يصل الأمر في نهاية المطاف إلى غلبة الابن (الكافر) على والديه المؤمنين من الناحية العقائدية. وهذا ما نظن أن الرجل صاحب موسى كان يخشاه عندما قال فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا :
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
وهذا ما نظن أنها الفتنة الأكبر من القتل التي درئها صاحب موسى عندما أقدم على قتل الغلام.
السؤال: كيف كان سيستطيع ذلك الغلام أن يرهق والديه طغيانا وكفرا لو أن الرجل صاحب موسى لم يعمد إلى قتله؟
جواب: بطريقة الإرهاق (أَن يُرْهِقَهُمَا).
سؤال: وكيف ذلك؟
رأينا: نحن نظن أن الرهق (يُرْهِقَهُمَا) يحدث بالتدرج. فهذا موسى نفسه يطلب من الرجل أن لا يرهقه من أمره عسرا:
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
فموسى يطلب من الرجل أن لا يصبّ عليه الأمر كله دفعة واحدة ربما لعدم قدرته على التحمل.
والرهق يمكن أن يزيد أو أن ينقص، فها هم رجال الجن يردون رجالا من الجن رهقا:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا
والرهق هو النقيض للبخس:
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ ۖ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا
ولا شك أن الرهق إذا ما وقع على الشخص فإنه قد لا يقوى عليه:
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لقد كانت الخشية حاضرة عند صاحب موسى من أن في عدم قتل الغلام احتمالية كبيرة جدا أن يسبب ذلك طغيانا وكفرا لوالديه، بعد أن كانا مؤمنين نتيجة حبهما لولديهما الذي رفض دينهما رفضا قاطعا فآثر أن يهجرهما هجرا غير جميلا (أي إلى غير رجعه) لأن الهجر الجميل يكون فيه الصبر على من هجرت:
وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
فلو كان هجر الغلام لوالديه من باب الهجر الجميل لكان فيه صبر عليهما ولربما كان ذلك إلى حين، ولكن كان هجر الغلام – نحن نفتري القول- هجرا غير جميل، فكان لا محالة راحلا عنهما وإلى الأبد مادام أنه قد قال لهما أف لكما بالضبط كما حصل مع إبراهيم نفسه وإن كانت هي الصورة المعاكسة، ومثل هذا الهجران غير الجميل كان يمكن (نحن نفتري القول) أن يحرك عاطفة الوالدين تجاه ولديهما ليردوه عن هجره لهما حتى لو كان ذلك على حساب التنازل بعض الشيء عن عقائدهم، ولو حصل أن تنازل الوالدين عن شيء من ذلك مقابل أن يرجع إليهما والديهما لما توقف ذلك الغلام عند ذلك الحد، ولأصر على أن يرهقهما طغيانا وكفرا، ولربما وصل الأمر بالوالدين إلى درجة الكفر التام، لان الولد يكون بذلك قد استطاع أن يردهما عن دينهما:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ...
ولو حصل ذلك لكانت النتيجة على نحو أن تحبط أعمال الوالدين في الدنيا والآخرة كما تصور ذلك تتمة الآية الكريمة:
... وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نتخيل أن الموقف قد حصل على النحو التالي: يصل الأمر بين الوالدين من جهة وولدهما (الغلام) من جهة أخرى إلى طريق مسدود، يحاول الوالدان أن يردا ولدهما عن طغيانه وكفره فلا يفلحان لتعنت الغلام على موقفه الرافض تماما لدين والدين، وهو يحسب أنه من المهتدين. وتصل به درجة التعنت إلى أن يوجه لوالديه أقسى درجات الشتم وهو التأفف (أُفٍّ لَّكُمَا)، وهنا تحدث القطيعة التامة بين الوالدين والغلام، فيستحيل أن يتواجد الطرفان معا في المكان نفسه، فما يكون من ذلك الغلام إلى أن يخرج من البيت هاجرا والديه هجرا غير جميل (أي إلى غير رجعة). وهنا (نحن نتخيل فقط) تتحرك العاطفة عند الوالدين جامحة، فيحصل النقاش بين الطرفين (الوالدين فقط في غياب ولدهما)، فيبديان قدرا من الجاهزية للتنازل بعض الشيء عن موقفهما، رغبة في ثني ولديهما عن ما هو مقدم عليه، ويحدث هذا الحوار بين الوالدين بعد أن خرج الغلام من البيت مهاجرا، ونحن نتخيل أيضا بأنه ما أن يرى الوالدان ما كان ولدهما فاعلا حتى يخرج أحدهما (وأظن أنه الوالد) من البيت لاحقا ولده ليثنيه عن موقفه، وربما ليقدم له بعض التنازلات، ولو تمكن الوالد (نحن نتخيل) من اللحاق بالولد لربما حصل ذلك، ولكن يحصل – أقول نحن نتخيل فقط- أن يلقيا موسى وصاحبه ذلك الغلام في الطريق قبل أن يتمكن والده من اللحاق به، فما يكون من صاحب موسى (الذي آتاه الله علما من لدنه) إلا أن يقدم على الفور إلى قتل ذلك الغلام قبل أن يتمكن والده من اللحاق به. تاركا إياه جثة هامدة، وما أن يصل والده (نحن لا زلنا نتخيل) إلى المكان حتى يجد ولده مصروعا، لا يدري من فعل هذا به. فما كان من رجل لازال على إيمانه السابق إلا أن يكون قوله:
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
فيكون قتل الغلام الذي أقدم عليه صاحب موسى سببا كافيا بأن لا يقع والداه في فتنة هي أكبر من القتل، فينتقلا (لو أن الأمر حصل على غير تلك الشاكلة) من الطرف الإيماني إلى طرف الطغيان والكفر.
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
(دعاء: رب ارحمني واكشف ما بي وأهلي من ضر وأنت أرحم الراحمين. وأعوذ بك رب أن أكون ممن إذا ما رحمتهم وكشفت عنهم ضرهم لجوا في طغيانهم يعمهون)
ولكن لمّا كانت النتيجة على هذا النحو، بقي الوالدان مؤمنين لا يعدمان الأمل والرجاء (بل الدعاء والتضرع إلى الله) أن يبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما:
فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
وما كان ذلك ليعجز الله الذي اتخذ على نفسه العهد بأن يجيب دعوة المضطر:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
ويصبح الأمر كلّه يقع في باب "وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا":
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
ويصبح ذلك كله من باب البلاء ليتم العلم الإلهي بما في قلوبنا:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
(دعاء: اللهم رب أشهدك قولي أنك أنت الإله الواحد الأحد، وأشهدك أني آمنت بأنه لا شريك لك، فأعوذ بك وحدك من أن تبلوني لتعلم صبري وأعوذ بك أن تبلوا أخباري).
السؤال: كيف يحق القول على الكافرين؟ أو بكلمات أكثر دقة كيف عرف صاحب موسى أن هذا الغلام قد حق عليه القول أصلا؟
جواب: إن هذا السؤال يعيدنا على الفور إلى جدلية كبيرة جدا طرحناها في مقالاتنا تحت عنوان مقالة في التسيير والتخيير، و هل لعلم الله حدود: جدلية القلب والعقل؟ و صلاة الاستسقاء. وسنحاول أن نعيد هنا بعض تفاصيل بعض افتراءاتنا السابقة لعلاقتها بقصة قتل صاحب موسى للغلام.
أما بعد،
التساؤلات:
- لماذا أنزل الله قرآنا يتلى بحق عم النبي أبي لهب قاطعا خبره وخبر امرأته؟
- لماذا لم ينزل الله قرآنا يتلى بحق عم النبي العباس الذي بقي على دين آباءه وأجداده حتى فتح مكة كما تقول بعض رواياتهم؟
- لماذا لم ينزل الله قرآنا يتلى بحق أبي سفيان الذي لم يسلم حتى فتح مكة؟
- لماذا لم ينزل الله قرآنا يتلى بحق أبي جهل أو سهيل بن عمر أو أمية بن خلف وغيرهم اللذين ماتوا على الكفر؟
- والأهم من هذا كله، لماذا لم ينزل الله قرآنا يتلى بحق فرعون نفسه؟ ألم يقل فرعون أنه ربهم الأعلى؟
- لماذا أرسل الله لمن ادعى الأولوهية (فرعون) رسولين ليقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى؟
- الخ
وللحديث بقية
فالله وحده أسأل أن يؤتيني رحمة من عنده وأن يعلمني من لدنه علماً، وأسأله وحده أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يجعل فضله عليّ عظيما، والحمد لله رب العالمين.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
2 شباط 2014