ماذا كتب في الزبور5؟
لقد توصلنا في مقالتنا السابقة (ماذا كتب في الزبور4؟)
إلى الزعم بأنّ الأمم السابقة لم تبدّل كلام الله (ولكنها حر~فت كلام الله)، وهذا يعني – حسب فهمنا للنص القرآني- أنها لم تدخل في كتب الله التي أنزلت شيئاً لم يكن موجوداً فيها أصلاً، ولم تحذف منها شيئاً كان موجوداً فيها، لأن التبديل كما زعمنا سابقاً هو – حسب فهمنا للنص القرآني- إحلال شيء جديد مكان شيء قديم سبقه، وهذه الفعلة لم تكن الأمم السابقة قادرة على اقترافها حتى لو كانت الإرادة بذلك متوافرة عندهم، والسبب في ذلك كما حاولنا تبيانه سابقاً هو أنّ الله قد اختط سنة كونية لا يستطيع أحد (كائن من كان) أن ينقضها، وتلك السنة الكونية هي ما جاء في أكثر من موضع من كتاب الله عن انتفاء التبديل لكلماته:
لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس 64
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنعام 15
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ الأنعام 34
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا الكهف 27
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ق 29
لهذا، فإننا نظن أنه يجب علينا أن نتوقف - نحن المسلمين- عن اتهام الآخرين بتهمٍ باطله، يكذّبها قرآننا نفسه، فنحن لم نجد في كتاب الله آية واحدة تدل على أن الأمم السابقة قد بدّلت كلام الله، أو أن أحداً من الرسل قد جاء ليعيد الكلمات التي بدلت إلى ما كانت عليه قبل التبديل، فقد كان جل ما جاء به عيسى بن مريم - على سبيل المثال- ليصدق ما بين يديه من التوراة، فلو كانت تلك التوراة قد بدّلت لما صدّقها ابن مريم بنفسه:
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ المائدة (46)
ولا تقل أهمية عن ذلك مهمّته في تصويب الاختلاف بينهم:
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ الزخرف (63)
فالناس لم يختلفوا على أن هذا جزء من التوراة أو أن هذا ليس جزءا من التوراة، بل اختلفوا على نفس النص المكتوب عندهم جميعاً، فهم قد اختلفوا ولكنهم لم يبدّلوا، وليس أدلّ على الاختلاف – كما سنرى لاحقاً- من اختلاف الفرق الإسلامية فيما بينها حول النص القرآني ذاته، فهل يعني أنه عندما تختلف الفرق الإسلامية فإنها تستند إلى نصوص قرآنية مختلفة؟ كلا، فهم يستخدمون نفس النص القرآني إلا أنهم مع ذلك يختلفون فيه (وسنتناول أمثلة عديدة على مثل هذا الاختلاف لاحقاً).
إن ما يهمنا من القول هنا هو أنه لم نجد دليلاً واحداً في كتاب الله على أنّ الأمم السابقة (كاليهود والنصارى) قد بدّلت كلمات الله، ومن يجد مثل ذلك الدليل، فليسعفنا به على الفور، وسيرى بأننا لن نكون له شاكرين فقط بل سنتخلى عن موقفنا هذا على الفور.
وهنا نجد من الضروري الاستطراد قليلاً حول ماهية تلك السنة الكونية التي اختطّها الله بنفسه، فالله كما تشير الآيات الكريمة السابقة قد اتخذ على نفسه عهداً بأن لا تبديل كلماته "لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ"، فقد يتوقف البعض ليتساءل عن السبب من وراء ذلك، ليطرح السؤال التالي: لِمَ تعهد الله بأنْ لا تبديل لكلماته؟
الجواب: إننا نظن أن الحكمة من وراء ذلك تكمن في ما ورد في الآية الكريمة التالية:
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
النساء (165)
نعم إننا نظن أن السبب هو "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، فنحن نظن أنه لو تم تبديل كلمات الله – بالمفهوم الذي ما انفك أهل الإسلام يروجون له- لكان في ذلك للناس حجة على ربهم، ولكن كيف؟
رأينا: إننا نعلم أن رسل الله كانوا يأتون ويجيئون أقوامهم بكتب من ربهم على فترات من الزمن، فلم يكن هناك رسول في كل جيل (وسنناقش لاحقاً سبب وجود خمسة أنبياء مثلاً من عائلة واحدة: إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف، ومرور فترات طويلة من الزمن – بالمقابل- دون رسول)، فالفترة الزمنية التي تفصل بين رسل الله غالباً ما تكون طويلة، فهناك مئات (بل آلاف) من السنوات تفصل بين موسى وعيسى مثلاً، وبين عيسى ومحمد، وهكذا. والآن تخيل نفسك أنك كنت تعيش في فترة زمنية سبقت عيسى بن مريم (لنقل) بمائة عام مثلاً، ولم يكن يتوافر عندك إلا التوراة، فعيسى لم يأتي بعد، ولم يكن هناك الإنجيل أو القرآن، وكل ما هو متوافر بين يديك حينئذ هو التوراة فقط، فالسؤال يكون: ما ذنبك أن يصلك ذلك الكتاب وقد تبدّلت كلماته؟ وكيف بك ستتعرف على الكلمات الحقيقة للإله؟ والآن تخيل نفسك في وقت الحساب عند ربك، ألا ترى أنه سيكون لك بذلك حجة على ربك؟ ألا ترى أنك ستقول له: لِمَ لَمْ تتكفل بحفظ التوراة لي كما تعهدت بحفظ القرآن (كما يزعم المسلمون) لغيري؟ ألست أنت ربي كما أنت رب أتباع ديانة من تعهدت لهم بحفظ القرآن؟
ثم، ألا ترون - يا سادة- أن الظن بأن الله قد تكفل للمسلمين بحفظ كتابهم على وجه التحديد (ولم يتكفل بذلك للأمم الأخرى كما يزعم المسلمون) فيه اتهام مبطن للإله بالانحياز إلى أمة دون أخرى؟ فما الحكمة في أن يتكفل الله بحفظ كتاب محدد بعينه دون كتبه الأخرى التي أنزلها على رسله؟ وإن كان ظنكم هذا صحيحاً، فما العيب إذاً في الزعم اليهودي بأن الله قد ميزهم عن بقية شعوب الله فكانوا هم – حسب معتقداتهم- شعب الله المختار؟ ألا يحق لكل أمة أن تبحث لنفسها عن مكانة خاصة في ذلك الانحياز الإلهي (إن صح ما تزعمون)؟
لقد درج جل الفكر الديني الإسلامي على الاعتقاد بأن السبب من وراء ذلك يكمن في أن هذا الكتاب (وهو القرآن) هو آخر كتب الله على رسله، لذا كان لابد من هذا التعهد الإلهي حتى لا تضيع كلماته. نقول أن هذا كلام وجيه لو أنه كان يتسم بالعدالة، فليس من العدالة بمكان أن يسكت الإله الآلف السنين تضيع خلالها كلماته، ثم ما يلبث أن يعود بعد فترة من الزمن لغيّر تلك الإستراتيجية (السنة الإلهية) التي كان متّبعة منذ بدء الحياة على الأرض. إننا نفهم أنّ هناك عشرات الآلاف من السنين التي سبقت مجيء محمد، وسبقت نزول القرآن الكريم، فهل من المعقول أن تكون سنة الله طوال تلك الفترة الطويلة هي السكوت على تبديل كلماته ثم ما يلبث أن يقرّر في فترة تاريخية معينة أن يغير هذه السنّة لتكون على نحو أن لا تبديل لكلماته التي جاءت في القرآن فقط؟
ثم، لنصدقكم - يا سادة - قليلاً لنطرح عليكم التساؤل المثير التالي: لِم لَم يتخذ الله قراره بأن يكون موسى أو عيسى مثلاً هو آخر رسل الله، وعندها يتعهد الله بحفظ كلماته منذ ذلك الوقت؟ فنحن لم ننسى بعد أن الفترة الزمنية التي تفصل محمد عن عيسى عليهما (وعلى جميع رسل الله) أفضل السلام لم تتجاوز الستة قرون من الزمن (أي حوالي 600 سنة)، فهل هذه فترة طويلة يصعب على الإله أن يحفظ خلالها كلماته؟!
ثم، لِمَ لَمْ يتعهد الله بأن يكون أول كتاب أنزله هو آخر كتاب أنزله (أي ينزل نفس الكتاب على جميع رسله) ويتعهد عندها أن يحفظ ذلك الكتاب منذ اليوم الأول؟ هل يصعب على الإله فعل ذلك؟ فمن تعهد أن لا تتغير كلماته التي أنزلها في القرآن منذ أن نزل على محمد حتى يرث الله الأرض ومن عليها لا يعجزه أن يتعهد بحفظ كتاب واحد منذ بدء الخلق وحتى قيام الساعة، ألا يكون في ذلك عدل لجميع شعوب الأرض؟ هل ستنبري عندها أمة معينة لتقول أنها شعب الله المختار الذي ميّزه الله عن باقي شعوب الأرض كما يفهموا هم معنى الاختيار؟ وهل ستنبري أخرى لتقول أن الله قد قدّم لهم ولده فداء وتطهيراً لهم من دون شعوب الأرض الأخرى كما يفهموا هم معنى التطهير؟ وهل ستتقدم أمة ثالثة لتقول أن الله قد تعهّد لهم بحفظ كتابهم من دون كتب الله التي أنزلها على الأمم الأخرى كما يفهموا هم معنى الحفظ؟ ألا ترون يا سادة أن كل منكم (يهوداً ونصارى ومسلمين) يحاول أن يستحوذ على الإله لنفسه دون غيره، ويكأن الإله ابن خالة لهم؟ يا سبحان الله! إله يقول عن نفسه أنه رب العالمين ورب الناس جميعاً ينتهي به المطاف أن يكون رب لهؤلاء دون هؤلاء! لا لشيء إلا لأنهم هم المميزون! من يدري!!!
لا والله، ذلك لا يكون من شأن إله واحد أحد عادل فرد صمد، بل هذا ما ظنوا هم في الإله الذي يرغبون أن يعبدوه. إن ذلك لا يكون إلا من كانت عقيدته على النحو الذي يصورها ربنا في كتابه الكريم:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) الفرقان 42-44
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ الجاثية (23)
نعم، لقد اتخذ كل منهم إلهه هواه، وبذل كل منهم قصارى جهده ليعظّم ما عنده، ويستحقر ما عند الآخرين، لا لشيء، وإنما ليقنع نفسه أنه هو على صواب وغيره ضال مضل، فلا اليهود تعترف للنصارى بشيء، ولا النصارى تعترف للمسلمين بشيء، ولا المسلمون يعترفون للنصارى واليهود بشيء، وقد صوّر القرآن الكريم هذا النهج المنحرف في التفكير في كتابه الكريم أحسن تصوير:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ البقرة (113)
ولا يظنن أحد بأن هذا ما فعلته اليهود والنصارى فقط، فلو أمعنا التفكر في بقية الآية الكريمة لوجدنا أنّ هذا نهج كل الذين لا يعلمون "كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ".
ولم يتوقف – في ظننا- هذا النهج المنحرف في التفكير عند الناس على التنافس القائم بين الديانات السماوية المعروفة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، بل دخل إلى الفرق المتناحرة في الديانة الواحدة، حتى أصبح ديدن كل فرقة منهم يتمثل في أنهم هم الفرقة الناجية وغيرهم ليس أكثر من منحرف ضال عن جادة الصواب.
وسنحاول أن نحصر جلّ النقاش التالي على ما فعلته الأمم السابقة، لنرى بأم أعيننا أن ما فعلته الأمم السابقة قد فعلناه نحن أتباع الإسلام الذين يحملون القرآن وظنوا أن الله قد تكفل لهم – دون الأمم الأخرى- بحفظ كتابهم.
وهنا سيطرح الجميع علينا التساؤل التالي: ما الذي فعلته الأمم السابقة إن لم تكن فعلاً قد أدخلت وحذفت وبدّلت ما أنزل الله عليهم؟
الجواب: لقد حرفت الأمم السابقة كلام الله.
وهل هناك فرق بين التبديل والتحريف؟
نعم، هناك فرق كبير جداً، فالتبديل هو – كما ذكرنا سابقاً- إحلال شيء جديد مكان شيء قديم سبقه، أما التحريف فهو قصة أخرى، وهو ما سنتناوله فيما تبقى من مقالتنا هذه.
ما هو التحريف؟
لننطلق في نقاشنا الذي نحاول من خلاله الوصول إلى معنى التحريف من الآية الكريمة التالية:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ البقرة (75)
لنثير التساؤل التالي: كيف يشهد الله بأن فريق منهم كان يسمع كلام الله ثم يحرفونه (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ)؟ ولا ننسى كذلك أن الآية الكريمة تؤكد أن هذا التحريف كان يحصل بعد أن يعقلوه (مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، فهو تحريف عن علم (وليس عن عدم دراية أو عن جهل)، أليس كذلك؟
إن هذه الآية الكريمة تجلب إلى انتباهنا حقيقتين كبيرتين جداً حول التحريف الذي حصل للكتب السابقة وهما:
1. أن التحريف لم يكن صنيعة كل من اتبع تلك الديانات وإنما هو صنيعة فريق منهم (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ)
2. أن التحريف لم يكن عن جهل وإنما كان مقصوداً لذاته بعد أن كان من يقوم بتلك الصنعة على علم (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
والآن لنطرح السؤال التالي: من الذي كان يقوم بالتحريف إذاً؟
الجواب: إن صحّ ما نزعم فإن التحريف كان صنيعة أهل العلم في تلك الديانات، أي العلماء.
ولو أمعنا التفكير في كل الآيات التي تتحدث عن تحريف الكتب السابقة لوجدنا أن الذي كان يقوم بتلك الصنعة هم أهل العلم فقط، أو (لنقل) من وضعوا أنفسهم في موضع المدافع عن الدين، وهم لا شك من يسمّون أنفسهم بأهل الشريعة، الذين تنقاد لهم العامة انقياد القطيع للراعي:
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا النساء (46)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة (13)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة (41)
إذاً، فهم أصحاب القرار الديني الذين يوجّهون الناس على أخذ هذا وترك ذاك "يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا"، إنهم أهل الفتوى الدينية، ولا أخال أن العامة يستطيعون التصدي لمثل تلك المهمة، لأنّه لابد أن تكون لمن يقوم بمثل هذا العمل الخطير شرعيّة وقبول عند الناس، فآية الله على الأرض- أو من هو في مكانته كالقسيسين والرهبان والحبر الأعظم ومن هم من هيئة كبار العلماء- هو فقط من يستطيع القيام بتحريف كلمات الله.
ولكن توقف يا رجل، ما الذي تقول؟ أتق الله! وهل يحرف أهل الشريعة كلام الله؟ وكيف يفعلون ذلك؟
فنرد بالقول: تمهل لترى بنفسك، ولكن بشرط أنْ نفهم أولاً معنى تحريف الكلام، أي كيف يتم تحريف الكلام؟
إنّ تحريف الكلام –حسب فهمنا للنص القرآني- لا يتم بتبديله، ولكنه يتم بطرق أخرى: أولها استبدال المعاني وليس استبدال الألفاظ، وثانيها إخفاء ما يسبب الإشكال عند الناس. وهذا ما سنناقشه تباعاً في الحال.
التحريف باستبدال المعاني وليس باستبدال الألفاظ
قد لا يختلف الكثيرون في أنّ واحدة من أهم مهام أهل الشريعة هي تبيان معاني الألفاظ في الكتب المقدسة للناس، فعلماء المسلمون يفسرون ألفاظ القرآن لأتباع هذه الديانة، وهكذا يفعل علماء اليهود والنصارى، وربما جاءت الحاجة إلى ذلك بسبب ما وقع الناس فيه من إشكالية في فهم النص الديني، فلا يستطيع كل الناس فهم النص الديني كما يجب من تلقاء أنفسهم، عندها يلجئون- مضطرين- إلى من يسمون أنفسهم أهل الشريعة لتبيان المعاني للألفاظ الموجودة في الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن. وهنا تبدأ قصة التحريف الأولى. خصوصاً عندما يقوم كل من تصدى لهذا العلم بإعطاء رأيه دون دليل عليه من الكتاب نفسه. ولنقدم بعض الأمثلة على ذلك.
فلو ذهبنا إلى أهل الدين لنسألهم عن مفردة في كتاب الله لوجدنا كل فرقة وكل طائفة تفهمها وتحاول أن تقنع الناس بفهمهم ذاك، فلو ذهبنا إلى أهل الإسلام وسألناهم عن معنى البقرة التي وردت في قصة موسى مع بني إسرائيل لما عدمنا فرقة منهم أن تقول أن البقرة هي عائشة زوج النبي، ولكن لو سألناهم عن دليلهم على ذلك لما وجدناهم يقدمون دليلاً على زعمهم ذاك من كتاب الله نفسه، بل جلّ ما يفعلوه هو أن يرددوا على أسماعنا بأن هذا ما قاله فلان وذاك ما قاله علاّن (من مشايخهم الذين تلقوا العلم عنهم)، فيا سبحان الله: البقرة هي عائشة عند بعضهم (رضي من رضي وغضب من غضب)، وهي بالتأكيد ليست عائشة عن الفرق الأخرى، أليس هذا تحريف لكلام رب العالمين؟
ولو سألنا عن ما يرغب أن يسميها أهل الإسلام بحادثة الإفك، لوجدنا فرقة منهم تقول أن آيات التبرئة من الإفك قد نزلت بحق عائشة، بينما لا تنفك فرق أخرى أن تقول أنها نزلت بحق ماريا القبطية، ولو سألنا كل طرف عن دليله، لما عدم كل طرف أن يحشد عشرات الأدلة على قوله، ولكن الحقيقة التي لا يمكن المجادلة فيها هي أن أدلتهم تخلو جميعاً من دليل واحد من كتاب الله نفسه، أليس هذا تحريف لكلام الله؟
ولو سألتهم عن معنى مفردة الأهل في قوله تعالى:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
لقالت فرق منهم أنّ ذلك بيت النبي محمد باستثناء زوجته عائشة، فالأهل بالنسبة لهم هم أبناء النبي وبناته وأحفاده وحتى خالاته وعماته وأبناء عمومته (خصوصاً فرع العباس) إلاّ عائشة، سبحان الله!، ولكن ألم تقرءوا – يا سادة- قول الله تعالى:
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)
وألم تقرءوا - يا سادة- في كتاب الله أن موسى قد سار بأهله من مدين، فمت يا ترى كان برفقته إن لم تكن زوجته التي تزوجها في مدين:
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ القصص (29)
فإذا كانت مفردة الأهل لا تشمل الزوجة، فلم يضطر الإله أن يذكر زوجة لوط بصريح اللفظ، لقد كان الأولى بالإله – إن صح قولكم- أن يقول لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ وكفى، فالزوجة –حسب فقهكم- يشمل الجميع إلا الزوجة، أم هي فقط عائشة على وجه التحديد؟! أليس ذلك تحريف لكلام الله؟
ولو سألنا جميع علماء الفرق الإسلامية سؤالاً كهذا: لماذا تزوج الرسول بذاك العدد من النساء في مخالفة واضحة لما فهموه من النص الديني لتعدد الزوجات الذي يقتصر على العدد أربعة؟ لقالوا تلك خصوصية للنبي، وفي الوقت ذاته هم يعلّمونا ليل نهار أن الخير كل الخير في إتباع سنة محمد، وذلك بأن لا نترك صغيرة ولا كبيرة فعلها النبي إلا ونفعلها، لم إذاً تمنعونا – يا سادة- من أن نتزوج بمثل العدد الذي تزوج به محمد؟ هل عندكم من دليل من كتاب الله يستند إليه قولكم، أم هو فقط ما ورثتموه عن مشايخكم؟ أليس هذا تحريف لكلام الله؟
ولو سألناهم عن عمر نوح لقالوا أنه عاش 950 عاماً في الوقت الذي نجد أن الله يقول في كتابه:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ العنكبوت (14)
ولو استدركتهم بالقول أن الله لم يقل أن نوح قد عاش 950 عاماً، بل ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولا يجوز أن نطرح العام من السنة، لردوا على الفور: وما الفرق؟ ولرأيت في وجوهم الحيرة ويكأنهم يقرؤون الآية الكريمة لأول مرة بعد أربعة عشر قرناً من التنزيل، أليس هذا تحريفاً لكلام الله؟
ولو سألنا غالبية علماء المسلمين (وخاصة أهل السنة والجماعة الذين يروجون للتمسك بحرفية الدين) عن معنى مفردة رجالاً في قوله تعالى:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ الحج (27)
لما ترددوا في القول أن ذلك يعني راجلين (أي يمشون على أرجلهم)، فنقول لهم: كيف لنا – إن صح زعمكم- أن نحج بالسيارة أو الطائرة أو الباخرة إذاً؟ ألا يدعونا الله إلى الحج راجلين، فما بالنا نركب كل وسائط النقل من الدابة حتى الطائرة؟ وكيف بمحمد نفسه (وهو من نزلت عليه هذه الآية) يحج البيت راكباً على دابته إن كان فعلاً ما تقولونه صحيحا؟
والأهم من ذلك، دعنا ننظر إلى خارطة العالم: أليس هناك قارات بأكملها تفصل بينها وبين جزيرة العرب محيطات من الماء، فكيف بأولئك القوم سيقدمون إلى الحج راجلين (ماشين على أقدامهم)؟ أليس هذا تحريف لكلمات الله؟
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن التحريف – يا سادة- لا يكون بتغير اللفظ أو استبداله، بل بترك اللفظ على ما هو عليه وإشغال الناس بمعناه الخاطئ الذي أراده أهل العلم أن يكون في النص الديني، وليس المعنى الصحيح للفظ الحقيقي الموجود في كتاب الله كما أراده الله، فلو سألنا الغالبية الساحقة من أبناء المسلمين عن معنى مفردة عاقر في الآية الكريمة التالية:
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا مريم (5)
لظنت الغالبية الساحقة من أبناء المسلمين أنها تعني المرأة التي لا تنجب، ولو استدركتهم بالسؤال التالي: فما العقيم إذاً كما ترد في الآية الكريمة التالي:
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)؟
لرأيت الدهشة بادية على وجوهم وكأنهم يقرؤون تلك الآيات للمرة الأولى في حياتهم. نعم، بعد أكثر من 1400 سنة من ترداد هذه الآيات صباح مساء لازلنا نعجز عن إجابة أسئلة بسيطة جداً مثل هذه، ولكن لماذا؟
الجواب: لأننا انشغلنا عن ألفاظ القرآن نفسها بتحريفات من يظنون أنفسهم أنهم أهل العلم مصداقاً لقوله تعالى:
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
لقد قال لنا نفر من العلماء أن هذا يعني كذا، وذاك يعني كذا، فصدّقناهم وأنزلنا كلامهم درجة من القداسة التي أصبح من المتعذر معها أن نضعها مرة أخرى للنقاش، فمن يستطيع البوح أن ابن عباس قد أخطأ أو أن أبن عمر قد جانب الصواب أحياناً؟ ومن يجرؤ أن يدعي أن واحداً من أهل البيت قد كانت طبائعه أقرب إلى طبائع أهل الأرض؟ ومن يستطيع البوح أن هناك – ولو من الناحية النظرية- مجالاً متوافرا في هذا الدين لمذهب خامس يختلف ويضيف إلى مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأبن حنبل؟ فلو فعل واحد من أبناء المسلمين وأدعى شيئاً من ذلك، لنصّبوا من أنفسهم آلهة على الأرض، وأصدروا عليه الحكم الأزلي بالخلود في نار جهنم (هذا إن كنت تستحق عناء المحاكمة أصلاً كما فعلوا لرشيد الجراح وأمثاله).
الدليل
وقد يقول من يريد الحجة (وليس المجادلة): وأين الدليل على كلامك بأن التحريف هو حمل الكلام على غير معناه الصحيح مع الاحتفاظ باللفظ؟
الجواب: نقول إننا يمكن أن نستنبط ذلك من قول الحق في كتابه الكريم:
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال (16)
فالمتحرف للقتال لا يترك ساحة المعركة وإنما يحاول أن يغير طريقته في القتال، فهو عندما يجد أن الأعداء قد يتغلبوا عليه إن هو أصر على المكوث في وضعه ذاك وهو ولم يعد قادراً على مواجهتهم من هذا الجانب وبالحال التي هو عليها، ما يكون منه إلا أن يتحرف للقتال، أي يحاول المواجهة بطريقة أخرى، فيصبح التحريف أقرب إلى المناورة والمراوغة، وهكذا يفعل سادتنا ومشايخنا ممن يسمون أنفسهم بالعلماء، فهم ما أن يجدوا أن ما نشئوا عليه من أفهام عشرات بل مئات السنين لم يعد يخدم مصالحهم، وأصبح فجوة واضحة في موقفهم، لا يترددون قيد أنمله في أن يطرحوه وراء ظهورهم، وينتقلوا إلى الهجوم من جديد ولكن بأدوات وأسلحة وطرق جديدة.
ولو قرأنا آية أخرى من كتاب الله لوجدنا أنها تصوّر حالهم أحسن تصوير:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ الحج (11)
فالذي يعبد الله على حرف لا ينفك أبداً عن تغيير مواقفه حسب الظروف والأحوال، فإن كان خيراً رأيت منه كل إمارات الاطمئنان والثبات، وما أن تصيبه فتنة من الله حتى ينقلب على عقبيه على الفور، وكأن خيراً لم يصبه قط. أليس هذا هو التقلب في الأهواء حسب الأحوال؟ أليس هذا هو التحريف.
تحريف الكلام بإخفائه وعدم إظهاره للناس
أما الطريقة الثانية في تحريف الكلام فتكون بإخفائه وعدم إظهاره على الناس، وقد أكد الله أن هذه الفعلة الشنيعة كانت من صنيعة أهل الكتاب:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ المائدة (15)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ الأنعام (91)
نعم، لقد كانت تلك سياسة متبعة عند بني إسرائيل: إخفاء كثير من الكتاب (وليس تبديل الكلمات)، فالكلمات الأصلية موجودة في الكتاب ولكن قلّ من يعلمها من الناس بسبب محاولة علماؤهم الدءوبة على إخفاءها، فهم يروجون فقط لما ترغب أنفسهم أن يروجوا له، ويخفون ما لا يريدون للعامة أن يطّلعوا عليه.
إننا نرى في قول الحق مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ دليل واضح على أنهم لم يبدلوا ما في الكتاب (أي لم يزيدوا عليه ولم ينقصوا منه شيئاً)، وذلك لأنك لا تستطيع أن تقوم بإخفاء شيء إن لم يكن موجودا أصلاً، ولنستطرد قليلاً في محاولة منا فهم معنى الإخفاء كما يرد في النص القرآني، ولنستعرض الآيات الكريمة التالية لنرى أنه عندما تخفي شيئاً فلا بد أن يكون موجوداً أصلاً:
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة (271)
فكيف يمكن أن تخفي صدقة إن لم يكن هناك صدقة أصلاً؟
والإخفاء يتطلب استخدام وسيلة لتغطية الأمر، كما في قوله تعالى:
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور (31)
فالمرأة تخفي زينتها، ولا بد من استخدام حاجز أو وسيلة لتغطية الأمر، فالمرأة تستخدم جلبابها (أو ثوبها أو خمارها، سمّه ما شئت) لإخفاء زينتها.
نستطيع أن نزعم – بناءً على ما فهمناه من هذه السياقات القرآنية- أن في استخدام مفردة الإخفاء لابد من توافر أمرين اثنين: أولهما أنك عندما تريد أن "تخفي"، لا بد أن يكون هناك شيء لكي تخفيه، قال تعالى:
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا الأحزاب (54)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ آل عمران (5)
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إبراهيم (38)
وثانيهما استخدم وسيلة لتغطية ذلك الأمر،وتتمثل تلك الوسيلة بالحاجز الذي يحول دون الوصول إلى الشيء المخفي كغطاء المرأة:
وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور (31)
وقد يتم إخفاء الشيء في النفس:
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة (284)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ آل عمران (154)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا الأحزاب (37)
أو في الصدر:
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آل عمران (29)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ غافر (19)
نعم، لقد أخفى علماء اليهود والنصارى في أنفسهم وفي صدورهم علم ذلك الكتاب عن العامة، فليس كل ما في صدورهم وأنفسهم مدار نقاش ومعرفة لعامة الناس. وقد احتلت هذه السياسة "القذرة" حيزاً كبيراً في تفكير كثير ممن نصّبوا من أنفسهم علماء أهل الإسلام تحت ما رجوا له بفقه "إثارة الشبهات"، فما يدور بينهم قد لا ينقل الكثير منه إلى العامة، ويكأن لسان حالهم يقول: قولوا للناس هذا ولا تقولوا للناس ذاك، ويكأن دين الله بالنسبة لهم شيء وللعامة شيء آخر. من يدري!
لا بل فقد وصلت الجرأة بالكثير الكثير منهم إلى نعت من يحاول أن ينبش في قضية شائكة (لأنهم قد عجزوا عن فهمها) بأنه شخص يثير الشبهات حول الدين، ولا أظن أنهم وجدوا تهمة لإلصاقها بشخص كرشيد الجراح وأمثاله أفضل من تهمة إثارة الشبهات، فهو (ومن على شاكلته) في رأيهم شخص يثير الشبهات حول دين أبائهم وأجدادهم، لذا فهو شخص مارق كافر، غالباً ما يكون –في نظرهم- منفذاً لأجندة الأعداء المتربصين بهذا الدين. وكما قال أحد مشايخهم في برنامج تلفزيوني (يرعاه المتكسبين باسم الدين كما يتكسب غيرهم بقنوات الدعارة والخلاعة) إن هذا الدكتور الذي في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة اليرموك (بجوز مش أنا!) لم يعهد مثله في عشيرته الطيبة التي يعرفها هو خلال حياته العسكرية الطويلة التي صاحب خلالها أناس طيبون من هذه العشيرة، ولكنه – يضيف العالم الجليل- لا زال لا يفهم كيف يخرج مارق مثل هذا الزنديق (يقصد دكتور اللغة الإنجليزية) من هذه العشيرة الطيبة! إذاً، الدين عندهم - يا سادة – مرتبط بالعشيرة. هل ترون أن فكر هذا الشيخ الجليل يختلف عن فكر سادة قريش الذين جهزوا الجيوش لمحاربة دين محمد؟!
فإذا ما نبش رشيد الجراح وقال تعالوا نتدارس ما يشذ عن قواعدكم اللغوية الموجودة في كتاب الله كما في الآيات التي سنذكرها بعد قليل مثلاً، قالوا أن هذا الشخص إنما يقصد إثارة الشبهات حول الدين. فهم قد شقوا عن صدور العالمين، وعلموا أن هؤلاء الناس (من مثلي) ينطبق عليهم قول الحق:
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ"
لكنهم هم بالطبع من لهم الحق بالنبش بما يريدون وترك ما لا يريدون لأنهم من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله:
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
ولكن هل سننتظر طويلاً - يا سادة حتى تنفجر- حناجركم بالعلم الذي تخرجوه لنا عن ما هو موجود في كتاب الله ولم يوافق القواعد اللغوية التي اختطها أجدادكم كما في الآيات التالية مثلاً:
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) الأعراف
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ آل عمران (147)
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا
كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الأنفال
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ الجاثية (25)
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ التوبة (114)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور (31)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ آل عمران (35)
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا النساء (128)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ البقرة (89)
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ المؤمنون (21)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ النحل (66)
إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ الأنبياء (92)
وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ المؤمنون (52)
قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ طه (63)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ (10)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ آل عمران (180)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المزمل (20)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة (62)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ الحج (17)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ المائدة (69)
لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا النساء (162)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ التوبة (74)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ التوبة (59)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ الأنفال (32)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ سبأ (6)
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ فاطر (31)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ آل عمران (180)
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ هود (69)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) الذاريات
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة (40)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) الواقعة
(وسنفرد في مقالاتنا اللاحقة – بحول الله- مساحة واسعة لهذه الآيات الكريمة ليرى العامة من الناس أنه –على غير مما يزعم كثير من علماء المسلمين- لازال هناك مجالاً للتفكر بهذه الأمور من زاوية جديدة، زاوية تبيّن لنا الدِّقة المتناهية في إحكام هذا الكتاب، وليس تخاريف من ظنوا أنهم قد امتلكوا ناصية الحقيقة فوضعوا قواعد كلام أبائهم وأجدادهم وأجبروا النص الإلهي للخضوع لها، فبدل أن يكون القرآن الكريم حكماً على كلام أبائهم وأجدادهم، جعلوا كلام أبائهم وأجدادهم حكماً على كتاب الله – وشتان بين هذا وذاك)
إن ما يحزن له هو أن العامة من الناس قد صدّقوا أكذوبتهم تلك (فقه إثارة الشبهات) حتى وصل الأمر إلى درجة أن مجرد طرح جزئيات محددة للنقاش (حتى لو كان في قاعة الدرس) يثير تساؤلات حول انتماءاتك العقائدية وولاءاتك الدينية، نعم، لقد اشترى العامة بضاعة العلماء الفاسدة، وظنوا أنها الحق بعينه، ولم يستطيعوا أن يدركوا شيئاً واحداً يستجليه سؤال واحد (قد لا يغفل عنه الطفل ما دام أنه ليس واقع تحت تأثير مخدراتهم الدينية بعد): لم هي كذلك؟ هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ فمهما كانت القضية العقائدية التي تقلقك لا تتردد أن تسأل عنها، فليس هناك حد لما يمكن أن يسأل عنه، وهذا الاعتقاد نابع من عقيدة مفادها أنه ما دام أن هذا ما جاء من عند ربنا فيستحيل أن يكون عبثاً، وتكمن مهمتنا في البحث عن السبب (وليس التستر على المشكلة)، فمن كان عنده علم فليخرجه لنا، ومن لم يكن عنده علم فالأفضل (له وللأمة) أن يصمت ويترك المجال للناس للتفكر والتدبر، بدل أن يحاول جهده أن يخفي الأمر عن الناس ويحاول التستر عليه (ويكأن لسان حالهم يقول أن هذه أو تلك مثلبة في ديننا من الأفضل أن لا يطّلع عليه الناس). فنرد على من يحمل مثل هذا الاعتقاد بالقول: ليس هناك في شريعة الله ما يوجب التستر عليه لأنه دون أدنى شك هو الحق بعينه.
إن مجرد إخفاء المشاكل –يا سادة – لا يحلّها، لأنه إن لم ينبش فيها رشيد الجراح فسينبشها غيره، وستجدون أنفسكم عاجلاً أم آجلاً أمام حرج كبير خاصة من الناس الذين صدّقوكم فترة طويلة من الزمن، وقد اكتشفوا في لحظة من الزمن مقدار التعمية (والتظليل) الذي أوقعتموهم فيه طوال كل تلك السنين والأعوام. فالله سيحق الحق بكلماته رضي من رضي وغضب من غضب. إن الاعتراف بالعجز أفضل ألف مرة من التستر عليه، فالنعامة التي تغمس رأسها في التراب (ظانّة أنها قد نجت) لن تستطيع الإفلات من مفترسها.
فلو سألتهم عن سبب زواج النبي بذاك العدد من النساء في حين أن شريعته التي جاء بها (حسب فهمهم بالطبع) تقصر الزواج على أربع نساء في الوقت الواحد، لعدوا ذلك سؤالاً من باب إثارة الشبهات، ولو سألتهم عن معارضة الرسول لعلي من الزواج على فاطمة لخرجوا لك بألف تبرير وتبرير لا تقنع في مجملها من يدافع عنها، ولو سألتهم عن سبب عدم إبرام الرسول عقد النكاح على مارية القبطية بالرغم أنها هي من أنجبت له وخاصة الذكور من الأبناء لظنوا أنك تهاجم الرسول محمد. إنّ هؤلاء القوم لا يريدون أن يفهموا، إنهم ظنوا أنهم قد فهموا وأوقفوا قطار المعرفة عند محطات أسيادهم وأهل العلم منهم.
استراحة قصيرة
سأحاول أن أقدم في هذه العجالة مثالا واحد يبين كيف ينقاد العامة من الناس لأهل العلم دون تدبر ولا تفكر، فقد شاهدت على إحدى الفضائيات التي تتبنى الفكر الشيعي صلاة المغرب (ولا يظنن أحد أني أهاجم هذه الطائفة دون تلك، فكلهم (سنة وشيعة) بالنسبة لي في الهم شرق، فأنا أرى أنهم جميعاً قد ضلوا وأضلوا، أصابوا أحياناً وأخطئوا كثيرا، وأنا أحاول إتباع الحق حيثما كان، فـ والله - الذي لا إله سواه- لو علمت أن الحق في أدغال الأمازون لما ترددت لحظة في اللحاق به).
المهم في هذه الحادثة أني شاهدت ذلك الخطيب وقد أمّ الآلاف المصلين في صلاة المغرب، وكان كلما انتقل من هيئة في الصلاة إلى هيئة أخرى يقول اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، فإذا ركع قال اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وإذا رفع من الركوع قال ذلك، وإذا سجد قال مثل ذلك، وإذا رفع من السجود قال مثل ذلك، وهكذا ، حتى فرغ من صلاته.
وهنا تساءلت: هل يا ترى كان النبي محمد يصلي على تلك الشاكلة؟ أي هل كان يفعل ذلك في صلاته؟ فأنا - والله – أريد أن أصلي كما كان يصلي محمد نفسه. وليس كما يصلي هذا الشيخ أو ذاك.
فلو وقف أحد من بين ذلك الحشد الرهيب وتجرأ على طرح هذا السؤال: هل فعلاً هكذا كان يصلي محمد؟
فما الذي ستؤول إليه الأمور حسب معتقدات تلك الفرقة؟ وكيف سينتهي الحال بمن تجرأ على طرح هذا السؤال؟
لا شك أنه يثير الشبهات، ولكن يا سادة، دعنا نستخدم ما وهب الله لنا من نعمة التفكر، ولنرجع إلى الوراء إلى عصر النبي محمد لنتخيل الأمر الذي يمكن أن يكون أقرب إلى الحقيقة:
محمد رجل أمي من قريش يدعو الناس جميعاً (عرباً وعجماً) إلى تصديق دعوته والإيمان بالله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام، أليس كذلك؟
والآن لنتخيل أن النبي كان يصلي بالناس الذين اتبعوه كصلاة شيخنا من تلك الطائفة الشيعية: كلما انتقل من هيئة في صلاته إلى هيئة أخرى كان يقول اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، فماذا تتوقع أن تكون ردة فعل من خلفه وهم من قبائل العرب جميعاً (وبعضهم من غير العرب أصلاً)؟ هل تتوقع أن يتقبلوا أن تنخفض رؤوسهم وتنحني قاماتهم للصلاة على محمد وعلى آل محمد (من بني هاشم أو حتى من بيت عبد المطلب)؟ ألن يخرج من بين ذلك الجمع من يقول لمحمد أننا قد صدقناك وصلينا معك لنعبد إلهاً واحداً وليس لنبجل بيتاً من بني عبد المطلب؟ هل تظن أن قبائل العرب (وكل منها يعتز بقبيلته أكثر من اعتزازه بآلهته التي كان يعبدها) ستقبل دعوة محمد إن كانت فعلاً على تلك الشاكلة؟! أين ذهبت عقول الناس؟!
ثم، ألا يحق لنا – نحن العامة- أن نسأل أهل العلم من أين جاءوا أصلاً بمفردة "آل البيت" هذه؟ هل فعلاً وردت في كتاب الله؟ أم هل هي ما جادت به عقولهم العظيمة؟ من يدري!!!
(سنحاول أن نفرد لهذه الجزئية مقالة خاصة بحول الله وتوفيقه، لذا فالله أسأل أن يؤتيني رحمة من عنده وأن يعلمني من لدنه علماً).
إن هذه دعوة للعامة للصحوة من تأثير "المخدرات الدينية" التي حقنها من يسمون أنفسهم بعلماء الأمة في عقولنا، وهي والله أشد خطراً من المخدرات المادية التي تحقن في أجسامنا، وهي دعوة لنبذ هؤلاء الشرذمة ممن يسمون أنفسهم بالعلماء والتنبه إلى خطرهم، فهم ينصبون من أنفسهم وكلاء لله على الأرض، يستأثر كل واحد منهم بفرقة من الناس (أو لنقل بجزء من القطيع) ما ينفك عن حقنها بما يراه هو من الدين ويخفي عنها ما لا يراه هو من الدين، ليقودها كما يقود الراعي القطيع إلى المرعى، لا بل فإن القطيع إذا ما ورد المرعى تركه الراعي يأكل مما يحب ويرغب، وهؤلاء الشرذمة من العلماء لا يتركون الناس يأكلون مما يحبون، بل يقدموا لهم الوصفة الجاهزة بما ينفعهم وما يضرهم.
والله إني لاستغرب أن يسمي هؤلاء الناس أنفسهم بالعلماء وهم الذين ما انفكوا عن أكل أموال الناس بالباطل، فهذا واحد منهم يبيع ملايين النسخ من كتاب كتب فيه بعض آيات القرآن وحرّفها (وكتابه لا يسوى الحبر الذي كتب فيه)، وهذا آخر لا يتسع الوقت لبرامجه المدفوعة مسبقاً على الفضائيات، فهو ينتقل من واحدة إلى أخرى (ورقم حساب شيخنا الجليل في البنك معروف لدى كل تلك الفضائيات)، وهذا آخر يخرج على الناس ليصدّق خبر أن تكلفة بناء بيته قد تجاوزت الملايين، وهذا آخر يخرج على الناس فتوى من النوع المضحك المبكي: قطرة الأذن تفطر الصائم (وأنا لا أعرف إن كانت تحميلة الشرج تفطر الصائم في فقه وفقه أبيه من قبله) وما هي إلا أيام معدودة وقد أصبح أحد وزراء حكومة رشيدة جديدة ستقود الأمة إلى بر الأمان في هذا المنعطف التاريخي (كحكومات المملكة الأردنية الهاشمية المتعاقبة بالطبع)، وهذا...، وهذا...، والقائمة لا تنتهي. لكننا في النهاية لا نجد أفضل من أن نذكرهم جميعاً بقول الحق سبحانه:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ البقرة (79)
وللحديث بقية
بقلم د. رشيد الجراح
4 كانون ثاني 2012