مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (2): باب الدابة
كان الجهد في الجزء السابق من هذه المقالة منصبّاً على قصة منسأة سليمان، وانتهينا عند طرح الأسئلة التالية:
- كيف أكلت الدابة تلك المنسأة؟
- أين ذهبت تلك الدابة؟
- هل يمكن العثور على منسأة سليمان؟
- ما هي الحروب التي شنها سليمان؟
- ما هو الجسد الذي ألقى على كرسي سليمان؟
- لماذا تفقد سليمان الطير على وجه الخصوص؟ ولِم لَم يقم بتفقد الجن والإنس؟
- كيف تم إحضار عرش ملكة سبأ إلى سليمان بأسرع من ارتداد الطرف؟
- من الذي أحضر ذلك العرش لسليمان؟
- لماذا كشفت ملكة سبأ عن ساقيها عند أمرت أن تدخل الصرح؟
- أين هو صرح سليمان؟
- الخ
وسنحاول أن ندلي بدلونا في قصة سليمان كما نفهما من كتاب الله، مركزين على هذه التساؤلات التي ربما تدعو إلى إثارة التفكير وإعادة النبش بموروثاتنا العقائدية التي غالباً ما غُلِّفت بمسلمات قد لا ترضي طموح من يريد الوصول إلى الحقيقة. إن محرك البحث لمن أراد الخوض في مثل هذه القضايا الكبيرة يجب أن ينطلق - في نظرنا- من إطار نظري صحيح يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق العملي، فأنت أن وضعت نظرية في أي مجال علمي، وبان لك أنّ هناك عشرات الأدلة التي تشير إلى فشل الإطار النظري الذي وضعت فيه، فيجب عليك أن تعيد صياغة ذلك الإطار النظري حتى يصبح قادراً على أن يستوعب ما بان به من مشاكل لم يستطيع أن يتعامل معها في صياغته الأولى. ولمّا كان ظننا أن الإطار النظري الذي وضعه أسيادنا من أهل العلم والدراية لا يستطيع أن يفسر لنا كثيرا من الأمثلة المتوافرة في كتاب الله (كعصا موسى أو منسأة سليمان مثلاً)، أخذنا على عاتقنا مهمة صياغة إطار نظري نظن – مفترين القول- أنه أكثر قدرة على حل مثل هذه القضايا. وكان من أبرز المشاكل التي كانت على الدوام – في رأينا- سبباً في فشل الإطار النظري السائد منذ قرون جملة من المسلمات التي صمت الآذان، وأغشت الأبصار، وأقفلت القلوب، نذكر منها على سبيل المثال:
1. الظن بأن أهل العلم قد أحاطوا بهذه القضايا علماً، وأنهم قد قدموا للعامة ما يحتاجوا أن يفهموه منها، فعندما يحصل النقاش حول هذه القضايا يحيلك معظم الناس إلى أهل العلم، ظانين أن لديهم الخبر اليقين، وعندما كنت أطلب من طلابي أن يذهبوا إلى من يختارون من أهل العلم (بالوسيلة التي يرونها مناسبة) ليسألوهم عن مثل هذه القضايا، غالباً ما كانوا يعودون إليّ بخفي حنين: معرفة لا تتجاوز بمجملها ما يعرفونه هم أنفسهم عن الموضوع قيد البحث والدراسة.
2. الظن بأن من واجب الناس عدم الخروج على إجماع أهل العلم، فالقول بما لم يقله الأقدمون يخرجك – في نظرهم- من نطاق أهل الجماعة، ونحن نتساءل فقط: إن كان المطلوب أن لا تخرج عن إجماع أهل العلم (إن كان هناك إجماع لأهل العلم أصلاً)، فما الجديد الذي يمكن أن نقدمه للأمة؟ أم هل أن أهل العلم (وأنا لا أعرف مواصفاتهم) قد أحاطوا بكل ما في كتاب الله حتى أصبح من المتعذر الخروج عن ما قالوا؟ من يدري!!!
3. الظن بأن مسؤولية العلماء تكمن في توصيل الأفكار التي جادت بها عقول الأقدمين، فوقفة سريعة مع عشرات البرامج الدينية على الفضائيات لـ "جهابذة أهل العلم" مثلاً ربما تخرجك بمثل هذا التصور، فنحن نتحدى أن تجد في برامجهم شيئاً جديداً، بل إن قدرة هؤلاء "العلماء" تكمن في رأينا- في الصياغة الشكلية للأفكار القديمة، فالقدرة على الخطابة هي ما يؤهلهم ليكونوا "أهل العلم"، وليس العلم نفسه.
4. وثوق أهل العلم بقدراتهم العقلية والذهنية، فلمّا لم يستطيعوا هم إيجاد الحلول لهذه القضايا الإشكالية ظنوا باستحالة قدرة غيرهم على ذلك. فمن يستطيع أن يظن أن بإمكانه أن يقول أفضل مما قال ابن عمر أو ابن العباس أو أبو حنيفة أو... أو... . لقد كانت ردة الفعل الأولى لطلابي في قاعة التدريس عندما كنت أفاجئهم بالقول بأني أكثر علم من هؤلاء هي على الدوام الاستغراب لدرجة الانفجار بالضحك الممزوج بشيء من السخرية والتندر. وكان التكذيب والنعت بالكفر هو السمة المميزة لردة فعلهم عندما كنت أفاجئهم بالقول بأني قد أكون أكثر علماً ممن هم أكثر علماً من هؤلاء الناس. لكن المفاجئ بالنسبة لهم كان أيضاً عدم قدرتهم على الرد عندما كنت أطلب منهم استقصاء بعض الدروس والعبر من قصة نبي الله وكليمه موسى في رحلته لطلب العلم مع ما يسمونه بـ "الخضر"، وكيف أن نبي الله موسى نفسه ذهب يطلب العلم على يد رجل لا نعرف اسمه، وكيف أن ذلك الرجل هو من طلب من موسى الرحيل في نهاية المطاف عندما لم يصبر موسى على صحبته. لقد كان جل ردهم يتمثل بأن هذه من المعجزات التي لا يجوز النبش فيها.
5. جعل العلم خاصاً بأهل الدين، فالطبيب الذي يذهب إلى عيادته يظن أن الخوض في هذه القضايا ليست من اختصاصه، فهو قد أوكلها إلى من يسمون أنفسهم "بأهل الدين"، وظن أنهم يقوموا بواجبهم خير قيام، والمهندس الذي يدخل مكتبه ينشغل بأمور دنياه ويترك قضايا العقيدة لأهلها ظانا أنهم سيقومون بواجبهم خير قيام، وهكذا.
المطلوب: رفض هذه المسلّمات التقليدية والعمل بنقيضها تماماً:
1. لا يمكن لأهل العمل الإحاطة المطلقة بما في كتاب الله، فلازال هناك الكثير الذي ينتظر الدراسة العلمية الدقيقة
2. لابد من الخروج عن الإجماع، لظننا أن ليس هناك إجماع في الأصل حتى يتم الخروج عنه
3. مسؤولية أهل العلم (وليس أهل الكلام) هي النبش في الأفكار وتمحيصها، وليس فقط ترديدها بقوالب مزخرفة ومزينة بالعبارات الرنانة التي تخلو من الجوهر والمضمون
4. عدم وثوق العالم بقدرته الذهنية، لا بل يجب عليه أن يؤمن إيماناً يقينياً أن النساء لا تعدم أن تلد من هو أكثر علماً منه، أو ممن سبقوه
5. جعل الدين مسؤولية الجميع، فالكل قد يسهم بقدر ما من العلم بما منّ الله عليه من فضله
السؤال: هل يمكن تقديم الدليل العملي على افتراءاتنا هذه؟
جواب: قصة سليمان: باب الدابة
سنحاول في هذا الجزء متابعة حديثنا عن قصة سليمان، وسنترك للقارئ الكريم الحق في المقابلة وبالتالي المفاضلة بين ما نقدمه نحن من افتراءات وأكاذيب وما قدمه من سبقنا من أهل العلم والدراية من معرفة وأخبار يقين
الدابة
تعرضنا في الجزء السابق من هذه المقالة لمنسأة سليمان، وحاولنا تقديم الدليل الظني على افتراءنا بأن منسأة سليمان هي نفسها عصا موسى، وكان منطقنا المحرّف على النحو التالي:
- السامري يقبض من عصا موسى قبضة وينبذها في زينة القوم.
- يخرج السامري لهم بسبب تلك القبضة من زينتهم عجلاً له خوار، وكان ذلك – في ظننا- بسبب حركة "تلك القبضة" التي ألقاها في زينة القوم التي كانت على شكل عجل، فيصبح لذلك العجل خوار
- ينبذ السامري ما تبقى من العصا، فتستقر في التابوت الذي تناقلته أجيال بني إسرائيل
- حافظت أجيال من بني إسرائيل على ذلك التابوت الذي كان فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون كجزء من ممتلكات آل موسى وآل هارون.
- جاء ذلك التابوت محمولاً من قبل الملائكة كآية على حق طالوت بالملك على الملأ من بني إسرائيل
- ما فطن أحد لأهمية تلك البقية التي كانت متواجدة في ذلك التابوت إلا غلام يافع اسمه داوود، بما منّ الله عليه بشيء من علمه
- ما أن أتى ذلك التابوت محمولاً من قبل الملائكة كدليل على ملك طالوت، حتى استطاع الغلام داوود أن يظفر بما في ذلك التابوت من بقية العصا (وقد أصبحت منسأة ما دام أنها قد قصرت: أنظر الجزء السابق من هذه المقالة)
- استخدم داوود تلك المنسأة للنيل من جالوت، فقتل داوود جالوت وهزموهم بإذن الله.
نتيجة مفتراة: فنحن نفتري الظن بأن العصا التي فجر فيها موسى الماء من الحجر، والعصا نفسها التي شق بها البحر، والعصا نفسها التي قهر بها السحرة بإذن الله لا تعجز أن تكون قادرة –بإذن الله- عن الظفر بجالوت. ولكن الفرق الوحيد بين عصا موسى ومنسأة سليمان –في نظرنا- هو أن العصا في يد موسى كانت من الطول حتى ينفّذ بها ما أراد (كالتوكؤ عليها والهش بها على غنمه)، لكنها لم تعد كذلك في يد داوود وولده سليمان من بعده، فأصبحت منسأة استخدمها داوود للنيل من جالوت، واستخدمها سليمان لتكون صولجاناً يظهر بطشه العسكري فيعذب بها من يزغ من الجن عن أمره.
ولكن المفاجئ بالأمر أن سليمان لم يتوقف عند ذلك بل دعا الله أن يهبه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده:
وهذا يثير حفيظتنا في طرح سؤالين اثنين وهما:
1. لم دعا سليمان ربه أن يهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده (ولا حتى لذريته)؟ فهل كان يضير سليمان أن يأتي من بعده من يحصل على ملك كملكه؟ ألا تشكل مثل تلك الدعوة (بقالبها الظاهري) شيئاً من الأنانية وحب الذات؟
2. وكيف تحقق لسليمان ما أراد؟ أي كيف أجاب الله دعوة سليمان فلم يهب لأحد من بعده ملكاً كملكه؟
رأينا: إن الإجابة على التساؤلين السابقين وما ينفرط عنهما من تساؤلات فرعية كثيرة يكمن في رأينا بكلمة واحدة هي المنسأة، ولكن كيف؟
استراحة قصيرة
قبل تقديم تصورنا المفترى في هذه القضية الرئيسة في بحثنا هذا نجد من الضروري التعريج على قضية فرعية ربما سيكون لها تداعياتها في فهم الصورة الكلية لقصة منسأة سليمان، والقضية الجديدة هي محاولة التفريق بين مفردة الوراثة ومشتقاتها من جهة ومفردة التركة ومشتقاتها من جهة أخرى في النص القرآني، لنثير السؤال على النحو التالي:
ما الفرق بين الورثة و نصيب من التركة؟
افتراء من عند أنفسنا: النصيب من التركة يكون للرجال والنساء، ولكن الوراثة لا تكون إلا للرجال فقط
سؤال: لماذا؟
جواب: لأن النصيب من التركة مبني على الجزئية بينما الوراثة هي أخذ على الكلية
الدليل
عندما نتحدث عن الوراثة في الآية الكريمة التالية:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
نجد بما لا يدع مجال للشك أن الوارث الوحيد لداوود هو ولده سليمان، أليس كذلك؟
والآن لو حاولنا طرح السؤال الافتراضي التالي: ماذا لو كان وريث داوود هو أنثى وليس ذكرا؟ هل كان يحق لها أن تأخذ كل ما ترك والدها داوود؟ أي هل يحق للأنثى أن تتحصل على كامل ما ترك والدها؟
جواب: كلا، لأن المرأة تأخذ فقط نصيباً مما ترك والدها ولا تأخذه كله، فيكون القانون الإلهي الثابت على النحو التالي:
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا النساء 7
وقد حاولنا النبش في آيات الكتاب الكريم، فما وجدنا دليلاً واحداً على أن المرأة ترث والدها أو والدتها أو حتى أخاها أو أختها على الكليّة، فحتى لو كن نساء فوق اثنتين – بنص الآية الكريمة التالية- فلهما جزء كبير من التركة (الثلثين) ولكن ليس التركة كلها:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
وهذا المنطق ينطبق على الرجال ممن هم ليسوا من الجيل التالي الأول (كالأب أو الابن) لمن أدركه الموت وترك خلفه شيئاً من الميراث:
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا النساء 33
إنّ أكثر ما يهمنا هنا هو هذا التباين بين نصيب الأنثى من جهة و ميراث الذكر من جهة أخرى، وهذا التباين واضح تماماً في الآية الكريمة التالية:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ النساء 176
ففي حين أن للأخت نصيب مما ترك أخوها (فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) إلا أنه يرثها تماماً (وَهُوَ يَرِثُهَا). وربما يسعفنا مثل هذا الظن في فهم ماهية طلب زكريا:
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا مريم 6
فزكريا يطلب من الله وريثاً وليس من يأخذ نصيباً مما سيترك، فهو إذاً يريد غلاماً ذكراً ليتحصل له كامل ما يترك وراءه (لابل وليكن له حصة في ميراث آل يعقوب). وبالمنطق نفسه ربما نفهم كيف أن سليمان قد تحصل على كامل حصة والده داوود:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
نتيجة مفتراة: عندما لا يكون من حقك كامل النصيب مما ترك من سبقك (كأن يكون أبوك أو أخوك أو أختك) فأنت لا تكون وريثاً وإنما تأخذ نصيباً مما ترك، فعندما يأخذ الرجل جزءاً مما ترك عمه أو خاله أو قريب له أو حتى زوجته، فهو ليس إذاً وريث، انظر في السياق القرآني التالي:
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ النساء 12
ولكن – بالمقابل- عندما يكون لك الحق في كامل ما ترك من غيرك (حتى وإن أخذ الآخرون شيئاً منه)، فأنت بلا شك وريثه. لذا لمّا كانت النساء (بغض النظر عن العدد) لا يحصلن على كامل التركة فلا يمكن –نحن نفتري القول- أن ينظر إليهن من باب "الوراثة"، وإنما من باب "نصيب من التركة" فقط. ولندقق النظر في النص التالي لنثبت افتراءنا بأن الوراثة من نصيب الرجال فقط:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
فالقوم بنص الآية الكريمة السابقة هم الذكور فقط (لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ) بدليل أن المقابل لهم في الآية نفسها هم النساء (وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ)، أليس كذلك؟ وإن صح هذا الاستنباط فعلينا أن نعيد النظر في كيفية أن نفهم مفردة الوراثة في السياقات القرآنية التالية:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ الأعراف 137
كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ الدخان 28
عودة على بدء
لنحاول تمحيص الآية الكريمة التالية التي كان جل الحديث منصباً عليها في قصتنا الخيالية التي نسجناها حول منسأة سليمان في ضوء فهمنا هذا للفرق بين الوراثة من جهة و نصيب من التركة من جهة أخرى:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
لما كان ما في التابوت بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فإننا لا نتردد أن نفتري الظن أن داوود (الذي حصل على تلك البقية) لم يكن وريث شرعي لموسى وهارون، لأنه لو كان هناك وريث شرعي من الذكور لموسى ولهارون لكان ذاك الوريث صاحب الحق في الوراثة كلها، ولكانت تلك البقية المتبقية في التابوت من نصيبه.
سؤال: ما فائدة هذا الافتراء؟
جواب: ربما يرشدنا هذا الحوار للحديث عن التباين بين شرعية حكم داوود وشرعية حكم ولده سليمان لنفتري الظن التالي: في حين أن سليمان قد تحصل على الملك وراثة من والده داوود لم يتحصل داوود نفسه على الحكم بتلك الطريقة، فداوود لم يتأتى له الملك وراثة. ولكن لماذا؟
عودة على زمن داوود
عندما حاولنا أن نتفقد الزمن الذي عاش فيه داوود، وجدنا أنه هو الزمن الذي جاء فيه طالوت ملكاً على بني إسرائيل، فلقد كان داوود أحد جند طالوت، فكان طالوت هو الملك آنذاك، وكان داوود جندي في جيش طالوت، وهذا يقودنا إلى الافتراض التالي:
- لو كان طالوت هو والد داوود، لكان الملك قد انتقل إلى داوود بطريقة الوراثة. لكن لما انتقل الملك إلى داوود بطريقة غير طريقة الوراثة، فإننا لا نتردد أن نظن بأن داوود لم يكن من آل طالوت:
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة 251
فالآية الكريمة تشير بما لا يدع مجالاً للشك أن الله هو من آتى داوود الملك، لذا لم يتحصل داوود على الملك وراثة كما سيكون الحال بالنسبة لولده سليمان في المستقبل.
ولا ننسى كذلك أن في ذلك الزمن نفسه كان للملأ من بني إسرائيل نبي:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة 246
لذا نحن نفتري الظن أن داوود لم يكن ولد (أي من صلب) ذلك النبي، لأنه لو كان داوود هو ولد ذلك النبي لورثه وراثة، كما كان الحال بالنسبة لسليمان، أو كما كان الحال بالنسبة ليحيى الذي ورث والده زكريا مثلاً، فالولد لا شك يرث والده.
لذا نحن نلتزم بافترائنا السابق أن داوود لم يتحصل على الحكمة والعلم (النبوة) بطريقة الوراثة:
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
وهذا المنطق يقودنا إلى أن نقدم افتراء آخر أكثر خطورة من سابقه وهو أن تحولاً في بيت النبوة قد حصل في زمن داوود النبي، فلقد انتقلت النبوة من بني إسرائيل (أي آل إبراهيم وآل يعقوب آنذاك) إلى بيت نبوة جديد، وهم – نحن نفتري الظن- آل داوود، وكان ذلك بفضل مباشر من الله:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
ومنذ تلك اللحظة ظهر آل جديد ليس لهم عهد سابق بالنبوة وهم آل داوود، فقد ظهروا نداً قوياً لآل يعقوب (بني إسرائيل آنذاك):
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
وسنرى – بحول الله وتوفيقه- انعكاسات ذلك على بيت النبوة زمن زكريا النبي الذي طلب الولد ليكون وريثاً له ولآل يعقوب مقابل آل عمران (حيث كان عيسى بن مريم)، لذا فالله أسأل أن ينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لأحد غيري إنه هو السميع المجيب.
إن مبتغ القول هنا هو أنه لمّا لم يتحصل داوود على النبوة أو الملك وراثة، تحصل عليهما خلافةً:
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ
ونحن نفتري القول أن الخلافة لا تتم إلا بانتقال في النسب، فلقد كان أبو بكر خليفة رسول الله لأن أبو بكر لم يكن وريثاً للنبي محمد، وكان عمر خليفة أبو بكر (وكان خليفة خليفة رسول الله) لأنه لم يتحصل على الحكم وراثة، وهكذا كان عثمان وعلي. فالوارث لابد أن يكون من له الحق في النصيب كاملاً، فحتى عليٌ لا يعتبر وريثا للنبي محمد لأنه لو تم تقسيم ميراث النبي محمد فلا يحق لعلي أن يحوز على كامل الحصة، وإنما يكون له جزء من التركة بحكم قرابته للنبي كقرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة.
نتيجة مفتراة: لا يكون الشخص وارث إذا لم يكن هو من له حق التركة بأكملها.
ولو عدنا إلى قصة الخلق الأول لربما افترينا القول بأنه على الرغم من أن الله هو من نفخ في آدم روحا منه، إلا أن آدم لم يكن وريث للإله وإنما خليفة له على الأرض وكفى. وهكذا كان حال عيسى بن مريم:
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ آل عمران 51
وبمثل هذه الحجة يمكن رد افتراء الكاذبين بأن عيسى بن مريم هو ولد الإله:
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) مريم 91-92
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ الأنبياء 26
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان 2
وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف 4-5
لقد كذبوا عندما قالوا أن الرحمن قد اتخذ ولدا، لأن الولد يكون هو الوريث للوالد، ولما كان الله لم يرث من أحد، ولما كان الله لا يورّث أحدا، جاء قول الحق على النحو التالي:
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
نتيجة: الله لم يرث ملكه من أحد، وهو لن يورث ملكه لأحد. ولكن الله يتخذ من يشاء خليفة، فلقد قضت مشيئته أن يكون آدم خليفة له على الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، وكذلك كانت مشيئته بالنسبة لداوود (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).
وربما لهذا نفى الله عن نبيه محمد أن ينسب إليه الولد من غير صلبه:
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
فلو كان لمحمد ولد من صلبه (أو لو اتخذ محمد ولداً له)، لكان له الحق في كامل تركة محمد، ولأصبح هو الوريث الشرعي له، ولكن لمّا كان لمحمد ذرية من الإناث فقط، ورجال من الدرجة الثانية أو الثالثة من القرابة كان لك واحد منهم حق في "نصيب من التركة" وليس التركة كلها.
عودة على بدء
لما كان داوود قد تحصل –حسب زعمنا- على البقية مما ترك آل موسى وآل هارون حصل في تلك الفترة من الزمن تحول في بيت النبوة، فانتقلت النبوة من بيت نبي من أنبياء بني إسرائيل (آل يعقوب) آنذاك إلى بيت داوود (آل داوود)، فالنبي الذي أخبر الملأ من بني إسرائيل بأحقية طالوت في الحكم كان –نحن نفتري الظن- من آل يعقوب، بدليل أن ذلك النبي كان لهم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة 246
من هو ذلك النبي؟
سؤال: من هو ذلك النبي الذي كان متواجداً بين ظهرانيهم حينئذ ولا يذكر القرآن الكريم في الآية نفسها اسمه بصريح اللفظ؟
جواب: نحن نفتري الظن أنه نبي الله اليسع
الدليل
جاء ذكر نبي الله اليسع في موقعين من كتاب الله الكريم على النحو التالي:
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ الأنعام 86
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ ص 48
إن وجود ذكر لنبي الله اليسع مع هذه المجموعة من الرسل ونعتهم بصفات محدده يدعونا إلى إثارة سؤالين اثنين وهما؟
1. كيف فضل الله َإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا على العالمين؟
2. لماذا إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ من الأخيار؟
التفضيل على العالمين (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)
افتراء من عند أنفسنا: لو دققنا في التباين الذي يرد في السياقين القرآنيين لريما خلصنا إلى نتيجة مفتراة مفادها أن من فُضِّل على العالمين لابد أن يكون من بني إسرائيل:
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ الجاثية 16
وعند مقارنة ما جاء في هذه الآية الكريمة بما جاء في كتاب الله عن داوود وولده سليمان ربما نصل إلى حقيقة تطير لها الألباب ويصعب المجادلة فيها وهي أن سليمان وداوود لم يفضلا على العالمين وإنما فضلا على كثير من عباد الله المؤمنين. لذا جاء قول الحق عن داوود وسليمان على النحو التالي:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ النمل 15
نتيجة: في حين أن من كان من بني إسرائيل قد فضل على العالمين، كان داوود وسليمان قد فضلا على كثير من عباد الله المؤمنين.
نتيجة مفتراة: لقد انتقلت النبوة زمن داوود من بني إسرائيل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إلى بيت من غير بيوت بني إسرائيل (آل يعقوب) وهو بيت داوود (آل داوود)، فكما كان لإبراهيم آل ولحفيده يعقوب آل (آل يعقوب) (وهم بنو إسرائيل ومنهم إسحق وإسماعيل)، أصبح لداوود آل (ومنهم داوود وسليمان)
نتيجة مفتراة: لقد كان نبي بني إسرائيل الذي جاء ذكره في قصة طالوت وداوود ممن فضلهم الله على العالمين وهم: وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا، وفي حين أن قصة إسماعيل ويونس ولوط معلومة لدينا من سياقات قرآنية أخرى كثيرة، كان اليسع هو من نبحث عنه.
وكل من الأخيار
لقد خلصنا من النقاش السابق أن اليسع هو من أنبياء الله الذين فضلوا على العالمين، وافترينا القول نتيجة لذلك أنه من أنبياء بني إسرائيل مادام أن الله قد فضله على العالمين، فما فضل الله على العالمين غير بني إسرائيل
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة 47
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة 122
جَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) الأعراف
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) الدخان
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ الجاثية 16
نتيجة مفتراة: ومادام أن اليسع قد فضل على العالمين فلابد أن يكون من بني إسرائيل (للتفصيل حول من هم بنو إسرائيل انظر مقالتنا تحت عنوان لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه؟) حيث افترينا القول في واحدة من أجزاء تلك المقالة بأن الناس كلهم من بني إسرائيل لأن إسرائيل هو ولد آدم لذي قتل أخاه نبي الله إدريس، فجاءت البشرية جمعا من صلب ذلك الولد القاتل، فكان الناس كلهم بني آدم كما كانوا جميعاً بني إسرائيل (فلم ترد لفظة بني إلا مع آدم ومع إسرائيل فقط). واستمر الناس جميعاً ينتسبون في نسبهم إلى آدم (فكانوا بنو آدم) ثم إلى ولده إسرائيل (فكانوا بنو إسرائيل)، واستمر الأمر على تلك الشاكلة حتى كان زمن إبراهيم حيث سمى الناس بالمسلمين، فتقبل الناس تلك التسمية حتى زمن يوسف، فمات يوسف مسلماً، وما أن هلك يوسف حتى دبّ الخلاف بين الناس، فانقسموا إلى قسمين مختلفين، فتقبل جزء قليل منهم تلك التسمية ولكن الغالبية منهم عادوا إلى تسميتهم القديمة، فكانوا بنو إسرائيل من جديد (للتفصيل انظر مقالة لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه). لذا فقد كان كل من انحدر من نسل آدم وولده إسرائيل هو من بني إسرائيل نسباً حتى زمن يوسف، لذا فنحن نفتري الظن أن َإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وكل رسل الله وأنبياءه حتى تلك الفترة كانوا من بني إسرائيل، ولكن الأمر اختلف بعد أن هلك يوسف:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ يوسف 101
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ غافر 34
ولكن الأنبياء والرسل من بعد ذلك انقسموا إلى من هم بنو إسرائيل (آل يعقوب) ومن هم من ليس من بني إسرائيل، فكان داوود من سلالة غير تلك السلالة، ولكن اليسع (مدار بحثنا هنا) كان من بني إسرائيل بدليل أنه من الذين فضلهم الله على العالمين.
ولكن يبقى أن نتعرض إلى سياق قرآني آخر جاء ذكر اليسع فيه صريحاً وهو قول الحق:
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ ص 48
السؤال: ما معنى أن يكون هؤلاء الرسل (إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ) من الأخيار (وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ)؟
لا شك أن التخيير أو الخيرية تكون بين أكثر من طرف، فعندما تحصل عملية التخيير تستدعي المقارنة بين طرفين، فأنت لا تقول عن شخص أنه خير من شخص آخر إلا إذا كان هناك شخص آخر يقابله في الأصل، فهذا إبليس مثلاً يخيّر (أي يعطي الخيرية لـ) نفسه على آدم:
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
فإبليس - لا شك- ليس من الأخيار، لأنه افترض أنه خير من آدم، ولا شك كذلك أن سبب ذلك كان التكبّر:
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ
فالاستكبار هو سبب التكبر، وهو السبب الذي نظن أنه يجعل الشخص خارج دائرة الأخيار، وإن صح هذا الافتراض، فإننا نفتري الظن أن الشخص لا يكون من الأخيار إلا إذا ما ابتعد عن داء الاستكبار وذلك بتقديم غيره على نفسه. فمن لم يستكبر (أو من لم يكن في قلبه شيء من الكبر) لا شك هو من الأخيار.
ولو عدنا إلى قصة إسماعيل وذو الكفل وتجاوزنا اللفظ لربما قلنا أنهم "الجنود المجهولون" الذين فضّلوا غيرهم على أنفسهم، فذو الكفل آثر أن لا يذكر اسمه الحقيقي واكتفى بلقب يبقيه خارج دائرة الضوء، وهو من ذكرنا أنه آثر أن يبقى الضوء مسلّطاً حينئذ على موسى بدلاً منه (انظر مقالتنا لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه)، فكان هذا النبي الكريم من الأخيار:
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَار
وبالمنطق نفسه يمكن أن نفهم جانباً من شخصية نبي الله ورسوله إسماعيل، فما تردد إسماعيل لحظة أن يقدم نفسه فداءً (ولم يحتج لوالده أن يكون أخوه هو من يقدم نفسه بدلاً منه)، كما رضي أيضاً أن يستمر بيت النبوة في بيت أخيه إسحق وينقطع من بيته، فكان هذا النبي أيضاً من الأخيار:
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَار
وها هو اليسع يشاركهم هذه الخيرية، فهو يؤثر أن تنتقل النبوة من بيته إلى بيت رجل آخر، فنبي بني إسرائيل الذي قال لهم أن طالوت هو ملك عليهم لم يستحوذ على النبوة في بيته، فلم يكن له وريث من الذكور يرث تلك النبوة:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة 246
فلقد غاب ذكر هذا النبي بعد تلك الحادثة، وانتقل الأمر بكليته إلى بيت داوود ليرثه ولده سليمان من بعده.
نتيجة مفتراة: اليسع كان نبياً من أنبياء بني إسرائيل، بينما لم يكن داوود وسليمان من أنبياء بني إسرائيل. فلقد انتقلت النبوة آنذاك بغير طريقة الوراثة ، انظر دقة اللفظ في الآية الكريمة التالية:
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
وكان هذا – في نظرنا- سبب آخر لأن يؤتى داوود على وجه الخصوص زبورا:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا النساء (163)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا الإسراء (55)
فلو كان داوود وريث نبوة بني إسرائيل لما كان بحاجة- نحن نفتري الظن- إلى زبور خاص به، منفصلاً عن زبر من جاء قبله من بني إسرائيل.
الذرية المصطفاة
لو تعرضنا للآية الكريمة التالية لوجدنا أن الله قد اصطفى: آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
السؤال: فأين آل داوود؟ وأين آل يعقوب مثلاً؟ ولم ليس لزكريا آل؟ ولم لم يكن لإسحق (والد يعقوب آل) في الوقت الذي كان لوالده إبراهيم آل ولوده يعقوب آل؟ (انظر مقالتنا تحت عنوان من هي زوجة موسى؟)
ولم لم يأتي ذكر لآل داوود تلك مع الصحبة السابقة؟
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
جواب: نحن نفتري الظن أن آل إسرائيل امتدت من آدم إلى نوح فإبراهيم حتى وصلت إلى زكريا، والدليل على ذلك هو وجود عبارة :على العالمين في نهاية الآية نفسها:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
أما عندما جاء الحديث عن آل داوود انتهت الآية بالحديث عن عباد الله الشاكرين:
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
وسنتعرض لمعنى مفردة العالمين لاحقاً إن أذن الله لنا بشيء من علمه، لذا فالله أسأل أن يعلمني ما لا تعلمون إنه هو السميع العليم
نخلص من نقاشنا هذا إلى الزعم بأن تلك البقية التي أخذها داوود مما تبقى في التابوت لم يكن وراثة وإنما نصيبه مما ترك آل موسى وآل هارون: إنها ما تبقى من العصا: المنسأة
فأين – يا ترى- ذهبت تلك المنسأة؟
افتراء من عند أنفسنا: لقد كان حكم داوود ولولده سليمان من بعده متركزاً – نحن نفتري القول- في المنسأة، فما أن قضى الله بالموت على سليمان حتى كان اختفاء المنسأة أمراً لا مفر منه، فأين ذهبت المنسأة؟
الجواب: أكلتها دابة الأرض:
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
السؤال: لم أكلت دابة الأرض المنسأة؟
الجواب: حتى لا يتحصل لأحد من بعد سليمان ملكاً كملكه.
نتيجة مفتراة خطيرة جداً: لو بقيت تلك المنسأة موجودة بين يدي الناس لتحصل لمن يقبض بتلك المنسأة من الملك ما تحصل لنبي الله سليمان نفسه، ولو دققنا في اللفظ القرآني الذي يتحدث عن دعاء نبي الله سليمان لوجدناه يتحدث عن ملك من بعده وليس ملك من قبله:
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ص 35
فسليمان لا يتحدث عن ملك من سبقه لأن العصا كانت موجودة قبله ولكنه يطلب أن لا يكون هناك ملكاً لمن بعده، فكان ذهاب العصا (أو المنسأة في شكلها الحال) أمراً لا مفر منه. فجاءت تلك الدابة لتأكل تلك المنسأة وتنهي الحكم بتلك الطريقة على الأرض.
سؤال: ما هي دابة الأرض التي أكلت منسأة سليمان؟
رأينا: إن مراجعة سريعة لما قاله الأقدمون عن دابة الأرض تلك تظهر الطابع الشعبي الذي أسقط على فهم القصص الدينية، فهم يظنون – كما يشاهدون في حياتهم اليومية- كيف تنخر بعض قوارض الأرض من الديدان والحشرات والبكتيريا الخشب فتحيله (بالتحلل التدريجي) إلى تراب، ولكن مثل هذا الفهم يشير إلى أن الدابة قد أكلت المنسأة بالتدريج مع مرور الزمن (أي أن المنسأة قد أكلتها بالتدريج الزمني الطبيعي مما يتطلب فترة طويلة من الوقت)، ولكن هل فعلاً حصل ذلك على فترة زمنية طويلة؟ وإن كان هذا فعلاً ما حصل، فماذا حصل أيضاً لجثة سليمان نفسه؟ ألم تتحلل هي أيضاً بالطريقة التدريجية الطبيعية؟
سيرد علينا الكثيرون بالقول: لكن هذه جسد نبي، والله قد حرم أجساد الأنبياء على الأرض، أليس كذلك؟
فنرد بالقول: لكن سليمان لم يوارى الثرى بعد، فهو لازال جالساً على كرسيه.
تساؤلات
ولنوافقكم الرأي قليلاً لنطرح جملة من التساؤلات:
- إذا كانت الجن قد عرفت بموت سليمان بسبب أن دابة الأرض قد أكلت منسأته (وكان ذلك على فترة لا بأس بها من الزمن)، ألم يعلم الأنس والطير بموت سليمان كذلك؟
- أم هل بقي خبر موت سليمان خفياً على الجميع كل هذه الفترة الزمنية؟ ألم يعلم أهله بخبر موته إلا بعد أن انتهت دابة الأرض من أكل منسأته كلها (أي بعد فترة طويلة من الزمن)؟
- ماذا حصل لملك سليمان طيلة هذه الفترة الزمنية؟
- كيف كانت مملكة سليمان تدار خلال هذه الفترة الزمنية؟
- الخ
رأينا، كلا وألف كلا، إننا نظن أن التدقيق في الآية الكريمة نفسها جيداً ربما يبطل كل ما قاله الأقدمون، ولكن كيف؟
جواب: ورد في كتاب الله لفظة الدابة ومشتقاتها (كالدواب مثلاً). ونحن نفتري القول أن اللفظة التي وردت عند الحديث عن منسأة سليمان هي دابة واحدة (فاللفظ يدل على المفرد)، بينما تدل لفظة الدواب مثلاً على الجمع، فلو كان ما قاله الأقدمون صحيحاً، لكان الذي أكل منسأة سليمان هي الدواب وليس فقط دابة واحدة (إلاّ إنْ كانت مفردة دابة لا علاقة لها بمفردة الدواب، وهو ما سنحاول النبش فيه لاحقاً بحول الله وتوفيقه)، لكن يكفينا الآن أن نظن أن الدابة التي أكلت منسأة سليمان هي دابة واحدة:
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
رأينا: لما كانت الدابة التي أكلت منسأة سليمان هي دابة واحدة، فنحن نزعم الظن أن عملية التحليل الطبيعي التي نعرف لا تقوم بها دابة واحدة (هذا إن كان ما يقوم بذلك من كائنات حية هي أصلاً من فصيلة الدواب)، فالمدقق باللفظ القرآني يجد أن الذي حصل للمنسأة هو عملية أكل حقيقي[1]، الأمر الذي يستدعينا للنبش بمعنى "الأكل" في السياق القرآني.
الأكل
عندما حاولنا تفقد السياقات القرآنية التي تتحدث عن ما يمكن أن يقع تحت إطار "الأكل"، وجدنا أن هناك على الأقل ثلاث عمليات لتناول الطعام، وهي: الأكل والالتقام والالتقاف:
1. فالحوت قد التقم نبي الله ذا النون:
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
فلقد دخل يونس (ذا النون) إلى بطن الحوت بطريقة الالتقام (وليس بطريقة الأكل)، لذا لم يتأذى الهيكل البدني لنبي الله يونس بسبب ذلك الالتقام، فكان مسبحاً في بطن الحوت:
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
2. أما عصا موسى فلقد كانت تلقف ما يأفكون من عصي السحرة وحبالهم:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ الأعراف (117)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ طه (69)
فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ الشعراء (45)
نتيجة مفتراة: لم يكن من أكل منسأة سليمان حوتاً لأن الحوت يلتقم، ولم يكن ثعباناً لأن الثعبان تلقف ولا تأكل. لذا لابد أن يكون من أكل منسأة سليمان من النوع الذي يأكل (أي لا يلقف ولا يلتقم). فمن هو يا ترى؟
3. عند استعراض الآيات الكريمة الخاصة بالأكل، وجدنا أن هناك كائنات كثيرة تأكل، فلنحاول أن نستعرضها جميعاً لننظر أتكون هي التي أكلت منسأة سليمان أم لا.
- السبع يأكل:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة (3)
رأينا: لا أظن أن الدابة التي أكلت منسأة سليمان من السَّبُعُ ( بضم الباء: انظر تشكيل الكلمة جيداً) على الرغم أنه من الكائنات التي تأكل وذلك لسببين على الأقل:
1. السَّبُعُ لا تتواجد بين الناس، فمن المستغرب أن يكون في المكان الذي كان يتواجد فيه سليمان حينئذ شيء من السَّبُعُ
2. السَّبُعُ هي كائنات آكلة للحوم (carnivore) ، فكيف بها أن تأكل منسأة، مادام أن المنسأة (إن صح زعمنا) هي عصا (انظر الجزء السابق من هذه المقالة)
ونحن لا نظن أن الذي أكل منسأة سليمان هو الذئب كما كان الحال بالنسبة لظن يعقوب، و كما كذب أبناءه في قصة ذهاب أخيهم يوسف:
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
رأينا: لا أظن ذلك لأن الذئب من السَّبُعُ
- النار تأكل:
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ۗ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ آل عمران 183
رأينا: لا أظن أن الذي أكل منسأة سليمان كانت النار، وذلك لأنّ النار ليس بدابة.
- السنين تأكل:
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
رأينا: لا أظن أن عصا موسى قد تحللت بفعل الزمن (حتى وإن كانت السنين تأكل)، فهي ليست دابة.
- الجسد قد يأكل وقد لا يأكل:
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
رأينا: لا شك أن الذي أكل المنسأة هو جسد يأكل (أي فيه حياة)، فإبراهيم يطلب من الأصنام (الأجساد التي لا حياة فيها) أن تأكل، فيجدها جسداً لا تأكل الطعام:
فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
- الملائكة لا تأكل:
فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ
رأينا: لا شك عندنا أن الملائكة لم تأكل منسأة سليمان لأن الملائكة ببساطة لا تأكل.
- الناس والأنعام يأكلون
هل أكل منسأة سليمان أحد من الناس أو الأنعام مادام أنهم يأكلون؟
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)
رأينا: لا نظن أن الذي أكل منسأة سليمان أحد من الناس أو الأنعام لأن الذي أكل المنسأة هي دابة الأرض:
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فاطر 28
ولا أظن أن البقر هو من أكل منسأة سليمان، فالبقر يأكل كما راءاه ملك مصر في منامه:
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
رأينا: لا أظن أن الذي أكل منسأة سليمان هو البقر لأن البقر من الأنعام، بينما كان الذي أكل المنسأة هو دابة (أي من الدواب):
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ الزمر (6)
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) الأنعام
- الطير تأكل:
هل كان الذي أكل منسأة سليمان من الطير؟
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
رأينا: لا أظن أن الذي أكل منسأة سليمان كان من الطير لأن الذي أكلها كانت دابة الأرض، والمقابلة بين الطير والدابة واضح في الآية الكريمة التالية:
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام 38
نتيجة بديهية: إن الذي أكل المنسأة كان دابة الأرض التي هي بلا شك بصريح اللفظ في الآية السابقة أمم أمثالنا.
الدواب
الدواب تؤمن وتكفر:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الأنفال 55
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ الحج 18
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ النحل 49
والدواب مخلوقات من ماء، مبثوثات في الأرض:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة 164
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ لقمان 10
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ الشورى 29
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ الجاثية 4
والله يرزق الدواب كما يرزقنا نحن البشر:
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ هود 6
وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ العنكبوت 60
وللدواب نواصي (كما لنا نحن البشر نواصي):
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ هود 56
وللدواب مستقر ومستودع (كما لنا نحن البشر مستقر ومستودع):
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ هود 6
ووجود الدواب مرتبط بوجود البشر:
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ النحل 61
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا فاطر 45
وتختلف الدواب عن البشر في الشكل:
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ النور 45
نتيجة: الدواب خلق مكلّف مثلنا: منه المؤمن ومنه الكافر، له مستقر ومستودع ونواصي، ومرتبط وجوده بوجود الإنسان، فإن قام الإنسان بالظلم لربما وقع العذاب على الدواب بما كسبت أيدي الناس.
ولو جلبنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن نهاية الإنسان على هذه الأرض مرتبط بتلك الدابة:
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ النمل 82
فكيف ستكلم تلك الدابة الناس؟ ومن أعطاها القدرة على أن تكلم الناس؟ ولم ستكون تلك الدابة علامة من علامات إذا ما وقع القول عليهم؟
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: إنها المنسأة التي أكلتها تلك الدابة، إنها الدابة نفسها التي أكلت منسأة سليمان:
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ سبإ 14
إن الدابة تلك هي آية من آيات الله، فما هي يا ترى؟
رأينا: إنها دابة من الأرض، وهي دابة تأكل، وهي آية من آيات الله، فأين سنجدها؟
رأينا: ربما هي ما نجده في الآية الكريمة التالية:
وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)
إن أذن الله لنا بشيء من علمه، فإن للحديث بقية
المدّكرون: رشيد سليم الجراح
علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
14 تشرين أول 2012
[1] فعملية التحلل الطبيعي تلك هي – نحن نفتري القول- عملية جعل وليس عملية أكل:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ