# مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (1): باب المنسأة
مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (1): باب المنسأة
قال تعالى:
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ سبأ 14
نتعرض في هذه المقالة إلى سؤالين اثنين، يتعلق أحدهما بمفردة الدابة والآخر بالمنسأة، لنطرحهما على النحو التالي:
1. ما هي دابة الأرض التي أكلت منسأته؟
2. وما هي المنسأة التي أكلتها دابة الأرض؟
أما بعد،
لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إن زعمنا أن في قصة سليمان ووالده داوود من العجائب التي تطير لها الألباب، ونحن نزعم أن تلك القصة لم يصار بعد إلى تجليتها بالشكل الذي يمكن أن يرضي كل باحث عن الحقيقة، كما نزعم الظن أن الصورة الحقيقية قد شوهتها التحريفات وقصص المخيال الشعبي (عربيّه وأعجميّه)، فغالباً ما كان الفهم مليئاً بالمسلمات التي يجب على السامع أن يأخذها من فم المتكلم بدون كثير عناء وتدبر، فأنت ملزم بما تصدح به حناجرهم ليس لأنه الحق (ولا شي غيره)، ولكن لأن القول صدر من أفواه هؤلاء الرجال الذين يجب أن تثق بقولهم حتى ولو صعب عليك تدبره. والأغرب من ذلك أن بضاعتهم قد راجت لسبب بسيط في نظرنا وهو عدم توافر البديل، فلو حاول شخص عادي (من مثلي) أن ينكر شيئاً مما يقول هؤلاء الرجال فهو بلا شك مطالب بتقديم البديل، ولما وجد الكثيرون أنفسهم لا يمتلكون البديل كان الصمت والقبول بواقع الحال هو الصفة الأميز لأقوالهم التي لم ينطقوا بها أصلاً.
أما نحن، لما ظننا أن بإمكاننا تقديم البديل، ما ترددنا لحظة واحدة أن نزعم أن بإمكاننا أن نلقي بظلال الشك على أقوال كل من سبقونا، وسنحاول أن ندلي بدلونا في قصة سليمان وما أحاط بها من أسرار (كما نفهما نحن من كتاب الله)، لنترك للقارئ الكريم حق المقارنة والخروج بنفسه بتقييمات لعملنا هذا مع جهد كل من سبقونا في هذا المجال.
السؤال: ما هي منسأة سليمان التي أكلتها دابة الأرض فدلت الجن على موت سليمان؟
افتراء من عند أنفسنا: إن منسأة سليمان هي نفسها عصا موسى
الدليل
لجلب الدليل على هذا الافتراء الذي هو بلا شك من عند أنفسنا نظن أننا ملزمين الرجوع إلى الوراء قليلاً، لنجيب على سؤال واحد قبل محاولتنا الإجابة على السؤال الرئيس السابق، والسؤال الفرعي الجديد هو: من أين جاءت المنسأة لسليمان؟ أي، من أين حصل سليمان على تلك المنسأة التي لازمته في سنوات حكمته وكانت العلامة التي من خلالها عرف الجن بموت سليمان؟
رأينا: يمكن أن نصل إلى إجابة على هذا السؤال من خلال السياق القرآني التالي:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) النمل 15-16
لا شك عندنا أن سليمان كان الوريث الشرعي والوحيد لداوود، لذا لا نتردد أن نطارد الاعتقاد الظني بأن تلك المنسأة قد جاءت لسليمان عن طريق والده داوود، فمادام أن سليمان قد ورث داوود، فلربما - لنا الحق أن نشك بداية- أن تلك المنسأة كانت جزءاً من ميراث النبوة، ولكن هذا السؤال يدعونا إلى طرح التساؤل نفسه مرة أخرى على النحو التالي: من أين حصل داوود أصلاً على تلك المنسأة؟
إن مراد قولنا بأن سليمان قد ورث تلك المنسأة عن والده داوود لا يحل لغز السؤال وإنما يعيدنا إلى حقبة تاريخية سابقة، وهي الفترة الزمنية التي كان الأمر فيها متحصلاً لداوود قبل أن يرثه ولده سليمان، لنحاول أن نتفكر بالأمر مرة أخرى لنتعرف كيف حصل داوود نفسه على تلك المنسأة.
رأينا: نحن نظن أن دراسة متأنية للفترة الزمنية التي عاشها داوود ربما تسعفنا في فهم جزئية هامة جداً تساعدنا (إن أذن الله لنا بشيء من علمه) على الوصول إلى إجابة أكثر إقناعا حول خبر منسأة سليمان.
زمن داوود
جاء خبر داوود الأول في كتاب الله مصاحباً لقصة جالوت وطالوت، أليس كذلك؟ فلقد جاءت القصة في سورة البقرة على النحو التالي:
يتم استضعاف بني إسرائيل من قبل عدوهم، فيطلبوا من نبي لهم أن يبعث لهم ملكاً ليقاتلوا معه في سبيل الله:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ ... البقرة (264)
ولما كان نبيهم يعلم طبيعة القوم تردد قليلاً في إجابة طلبهم:
... قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ ... البقرة (264)
فيرد القوم بنبرة الواثق من نفسه أنهم لن يترددوا في الذهاب إلى القتال، فيسوقوا الأسباب الموجبة لذلك:
... قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ... البقرة (264)
وما هي لحظات حتى تبين نواياهم الحقيقية (بعد أن تمت إجابة طلبهم):
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة (246)
فينبري نبيهم ليحدد لهم شخصية ذلك الملك الذي بعثه الله لهم ليقاتلوا في سبيل الله، فيتبين للقوم بأن ملكهم الآن هو طالوت:
... وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ البقرة (247)
فيأتي ردهم بشيء من الإنكار، المبرر – حسب ظنهم- بأن هذا الرجل ينقصه شيئان مهمان من صفات الملوك الذين يعرفونهم، وهما (1) أن ذلك الرجل ليس له الحق بالملك و (2) وأنه لم يؤت سعة من المال:
... قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ ... البقرة (247)
فالقوم يظنون أن طالوت ليس له الحق في ذلك الملك (مادام أن الملك هو وراثة شرعية لصاحب الحق)، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج الخطير التالي: لم يكن طالوت من الملأ من بني إسرائيل
الدليل
نحن نعرف أن الملك يرثه ملك، والملك الوارث لابد أن يكون شرعي للملك الموروث، ولمّا كان الله قد تحدث عن بني إسرائيل في آية كريمة على أنهم ملوكاً:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ المائدة (20)
فإننا نتجرأ على أن نفتري القول أنه لو كان طالوت من بني إسرائيل (الذين كانوا هم ملوكاً أو على الأقل أنه من الملأ من بني إسرائيل الذين قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً) لما انبرى القوم ليحتجوا على أن يكون طالوت ملكاً عليهم، ولما قالوا أنهم أحق بالملك منه كما ظنوا وزعموا.
إن عقد مقارنة بين ما جاء في الآية التي تتحدث عن طلب الملأ من بني إسرائيل مع الآية التي تتحدث عن حقيقة أن بني إسرائيل قد جعلوا ملوكاً ربما تشير إلى مثل هذا الفهم، فلنقدم الآيتين معاً ونترك للقارئ الكريم حق التدبر:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ المائدة (20)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة (246)
تشير الآية الكريمة الأولى أن الله قد جعل بني إسرائيل ملوكا منذ زمن موسى (وربما من قبل ذلك منذ أيام يوسف في مصر، وسنتعرض لهذه الجزئية لاحقاً بحول الله وتوفيقه)، وتشير الآية الثانية (آية البقرة) إلى أن القوم أنفسهم قد طلبوا ملكاً عليهم، واحتجوا على أحقية طالوت بأن يكون ملكاً عليهم، وظنوا أنهم هم أحق بالملك منه، فلم- يا ترى- يظن القوم أنهم أحق بالملك منه؟ من يدري!!!
ولم يتوقف القوم عند هذا الحد، بل زادوا القول أنه حتى لو تجاوزنا مسألة الأحقية في الملك، فإن الرجل لم يؤت سعة من المال، وهنا ينبري نبيهم نفسه ليبرر لهم سبب وقوع الاختيار على طالوت ليكون عليهم ملكاً، فرد حجتهم بالحجة التالية:
... قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ البقرة (247)
فالرجل (طالوت) الذي لم تكن له أحقية وراثة الملك، ولم يؤت سعة من المال، كان يمتلك ما لا يمتلكه الملأ (عِلْيَة القوم) من بني إسرائيل آنذاك: (1) بسطة في العلم و (2) بسطة في الجسم.
فلقد كان علم طالوت يعوّضه عن نسبه، وكان جسمه يعوضه عن مالهم. فإن كان هو لا يملك ما يملكون من النسب والمال، فإن لدية ما ليس لديهم من العلم والجسم.
فتقع الفتنة الأولى لبني إسرائيل في إطاعة ملكهم الجديد والقتال تحت حكمه. (وسنتعرض بحول الله وتوفيقه لاحقاً لقصة طالوت بتفصيل أكبر لنتعرف على مصدر علمه وقوة جسمه، لذا الله أسأل أن ينفذ قوله بمشيئته وبإرادته لي الإحاطة بعلم لا ينبغي لأحد غيري إنه هو العليم الحكيم)
لكن الذي يهمنا في النقاش الآن هو ما حصل فعلاً بعد أن برر لهم نبيهم سبب أن يكون طالوت على وجه التحديد هو الملك الذي بعثه الله لهم يقاتلوا في سبيله، فالقارئ المتأني للقرآني الكريم في عرضه لتلك القصة يجد أن ذلك النبي (نبي بني إسرائيل آنذاك، الذي سنحاول تحديد هويته لاحقاً بحول الله وتوفيقه) لم يتوقف عند سرد الأسباب التي أوجبت أن يكون طالوت هو الملك (العلم والجسم)، لكنه تابع حديثه ليقدّم للقوم الدليل على أحقية ذلك الرجل (أي طالوت) بالملك، فجاء قول الحق على لسان ذلك النبي الكريم على النحو التالي:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (248)
دقق – عزيزي القارئ- مليّاً بهذه الآية الكريمة، وحاول أن تتدبر ما جاء فيها في سياق الحديث عن قصة طالوت: لقد كانت آية ملك طالوت هو التابوت، أليس كذلك؟
لقد أثارت هذه الفكرة حفيظتنا في طرح سيل من التساؤلات:
- لم التابوت؟
- ما هو ذلك التابوت؟
- ومن أين جاء التابوت؟
- كيف جاء التابوت؟
- وما علاقة ذلك التابوت بداوود؟
- الخ
ما هو التابوت؟ ومن أين جاء ذلك التابوت؟
لو تدبرنا السياق القرآني نفسه، لوجدنا أن ذلك التابوت قد ربط على الفور في الآية نفسها مع موسى وهارون عليهما السلام:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ البقرة (248)
إن هذا السياق القرآني يجعل لزاماً علينا أن نعود إلى قصة التابوت بكليتها لنطرح الافتراء التالي الذي هو بلا شك من عند أنفسنا:
الافتراء: لم يأتي ذكر التابوت إلا في قصة طالوت بعد أن جاء الحديث الأول عنه في قصة موسى
قصة التابوت
تظهر قصة التابوت الأولى في حادثة إلقاء أم موسى رضيعها في اليم، بعد أن كانت قد قذفته في التابوت:
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39)
إن الحقيقة التي يصعب المجادلة فيها هي أن أم موسى قد وضعت رضيعها (موسى) في التابوت وقامت بقذف التابوت في اليم، وقد وصل موسى إلى بيت فرعون (أو آل فرعون) محمولاً في ذلك التابوت، فنشأ موسى في ذلك التابوت. وهذا التصور يجعل الخيال عندنا يحلق بعيداً لينسج قصة خيالية من عند أنفسنا عن علاقة تابوت موسى الذي وضعته أمه فيه لتقذفه به في البحر مع قصة التابوت الذي جاء كآية على ملك طالوت وكان فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون. وهذه القصة الخيالية مدفوعة – لا شك- بسيل من الظنون والافتراءات التي هي من عند أنفسنا.
فنحن نفتري الظن أولاً أن ذلك التابوت كان من أهم العوامل التي دفعت بكيد فرعون (بتوفيق من الله) عن النيل من موسى في صغره. فالمحبة من الله قد ألقيت على موسى وهو لازال رضيعاً في بيت فرعون لأن موسى كان مقذوفاً في ذلك التابوت. فما كان الناظر إلى موسى في ذلك التابوت (المهد) يستطيع إن يقاوم محبة من الله وقد ألقيت على ذلك الرضيع في مهده (التابوت)، وهذا يقودنا إلى طرح الافتراء التالي الذي سنطارده بحول الله وتوفيقه لاحقاً: لقد وقعت محبة موسى في قلب فرعون نفسه، فما أصر على ذبحه بالرغم من يقينه بأن الرضيع هو من بني إسرائيل
ونحن نفتري الظن ثانياً أنه لو عدنا إلى سياق الحديث عن التابوت في قصة طالوت لوجدنا العجب العجاب، ففي هذا التابوت نفسه سكينة من الله:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ البقرة (248)
إن عقد المقارنة بين التابوتين يجد أن المحبة و (أو) السكينة كانتا متواجدتين فيهما، نعم، إننا نظن أنها السكينة هي التي ولدت المحبة التي ألقاها الله في ذلك التابوت يوم أن كان موسى هو من ينام فيه، أو بكلمات أكثر دقة يمكن تصور الأمر على المقلوب بالقول: إن المحبة التي ألقاها الله على موسى وهو في ذلك التابوت هي من ولدت السكينة التي جاءت مع التابوت في زمن طالوت. فصنع موسى على عين الله في ذلك التابوت، فسكت المجادلون من الملأ من بني إسرائيل عن قضية أحقية طالوت في الملك كما ألجم فرعون من ذي قبل، فلم يستطيع أن يذبح موسى كما كان يفعل مع كل أبناء بني إسرائيل آنذاك، وكان ذلك كله في ظننا بسبب المحبة التي نجمت عنها تلك السكينة المصاحبة لذلك التابوت:
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي طه (39)
نتيجة مفتراة: نحن نزعم القول أن السكينة الموجودة في ذلك التابوت كان مصدرها ما ألقى الله على نبيه موسى من المحبة منذ اليوم الأول الذي ألقت فيه أم موسى رضيعها فيه.
من أين جاء ذلك التابوت؟
لو تدبرنا قصة التابوت الذي قذفت أم موسى رضيعها فيه، لوجدنا أن الأمر قد جاء إليها بطريقة غير اعتيادية، فكيف - يا ترى- تقدم امرأة أن تقذف بابنها في التابوت لتقذف التابوت بمن فيه في اليم بعد ذلك؟ ألم ينفطر فؤاد أم موسى على فراق طفلها؟ ألم تكد أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها؟
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ القصص (10)
جواب: لم تكن أم موسى (ولا أي أم على وجه البسيطة) أن تفعل ذلك لولا أن الأمر قد جاءها من ربها (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). ولكن كيف؟
إن المتدبر للحادثة نفسها كما ترد في كتاب الله يجد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمر لأم موسى قد جاء وحياً من الله:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص (7)
لقد جاء الوحي من الله إلى أم موسى بأن تلقي بطفلها (خوفاً من بطش فرعون) في البحر، ولكن كيف لها أن تنفّذ ذلك؟ والأهم من ذلك، كيف حصل الوحي لأم موسى؟ هل كانت أم موسى من الأنبياء الذين يوحى إليهم؟
رأينا: كلا وألف كلا، إن الوحي لا يقتصر على الأنبياء لأن الله قد أوحى لغيرهم، فالله قد أوحى إلى النحل مثلاً:
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ النحل (68)
فالوحي من الله للنحل كان محدداً بأن يجد النحل مأوى له، أي لاستخدام أداة وهي البيوت، وبالمقابل فإننا نظن أن الوحي لأم موسى جاء لاستخدام أداة تقوم بواسطتها بتنفيذ وحي ربها لتلقي بطفلها في اليم. فكما اهتدى النحل إلى الجبال وإلى الشجر ليكون بيتاً له، اهتدت أم موسى إلى التابوت ليكون بيتاً لموسى في اليم.
نتيجة: أم موسى تحتاج إلى أداة تقوم بواسطتها بتنفيذ وحي ربها لها بإلقاء طفلها في اليم، فأين يا ترى ستجد تلك الأداة؟
جواب: لقد كانت تلك الأداة منّة من الله على موسى:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39) طه 37-39
لقد كانت المنة الأولى من الله على نبيه موسى أن أوحى الله إلى أم موسى أن (1) تقذف به في التابوت و (2) تقذف به في اليم.
ومادام أن تلك كانت منة من الله، فنحن لا نتردد أن نطرح السؤال التالي: من أين جاء ذلك التابوت؟
رأينا: ربما نستطيع أن نتصور إجابة على مثل هذا التساؤل لو حاولنا ربط تابوت موسى هذا مع التابوت الذي جاء كآية على ملك طالوت على لسان نبي بني إسرائيل آنذاك:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (248)
نعم، كان ذلك التابوت – في رأينا- محمولاً من الملائكة على الدوام.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن أنه كما جاءت الملائكة تحمل ذلك التابوت يوم أن بعثه الله آية على ملك طالوت، جاءت الملائكة أنفسهم يحملون التابوت نفسه يوم أن أوحى الله إلى أم موسى أن تقذف برضيعها فيه فتقذفه في اليم، فكان ذلك هو الوحي الذي جاء أم موسى، وكانت تلك هي المنة الأولى من الله على موسى. (وسنتعرض لهذه القصة بتفصيل أكثر عند الحديث عن طفولة موسى في مقالة مستقلة بحول الله وتوفيقه، لذا الله أسأل أن ينفذ كلمته بمشيئته وبإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم)
ولو تدبرنا الآية الكريمة السابقة نفسها لربما وجدنا فيها ما يدعم زعمنا هذا، فذلك التابوت لم يكن موجهاً فقط لمن كان حاضراً آنذاك، بل هو أيضاً آية من الله لنا نحن على مر الزمان:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (248)
فأنا أشهد الله أني قد آمنت بآياته جميعها وآمنت بأن في ذلك (التابوت) آية لنا، لذا أسأله جل وعلى الذي يبين لنا آياته أن يؤتينا علماً بها، إنه هو السميع المجيب.
أما بعد،
إن المتفحص للآية الكريمة نفسها يجد أن ذلك التابوت الذي جاءهم قد أتى القوم تحمله الملائكة، وكان فيه أكثر من السكينة من ربنا ورب القوم آنذاك، لقد كان فيه أيضاً بقية مما ترك آل موسى وآل هارون:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (248)
إن هذا الفهم يثير غريزتنا في طرح التساؤل التالي: ما هي تلك البقية من آل موسى وآل هارون؟ أو ماذا كان يوجد في ذلك التابوت الذي أتى كآية من الله كدليل على ملك طالوت من بقايا (أو ما تبقى من أثر) آل موسى وآل هارون؟
آل موسى وآل هارون
قبل الإجابة على هذا التساؤل لابد من التعريج على جزئية أثرناها سابقاً وهي سبب ورود الحديث في هذه الآية الكريمة عن آل موسى منفصلاً عن الحديث عن آل فرعون بالرغم أن موسى وهارون هم إخوة؟ فلم - يا ترى- يكون هناك آل لموسى وآل لهارون؟
افتراء سابق: لقد افترينا سابقاً أن موسى وهارون هم إخوة من الأم فقط:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الأعراف (150)
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي طه (94)
نعم، لقد جاء الخطاب من هارون إلى موسى على أساس أنه ابن أمه، وذلك لأن أب موسى –نحن نزعم القول- لم يكن نفسه هو أب هارون، وزعمنا كذلك أن والد هارون هو ذو الكفل (الذي تكفل موسى بعد أن كف فرعون عن إلحاق الأذى به ونزل عند رغبة امرأته في أن تتخذ منه ولدا)، وزعمنا أيضاً أن امرأة فرعون هي أخت ذي الكفل هذا، فكان ذو الكفل من قوم فرعون وكان هارون من قوم فرعون، فكان قوم موسى (أي المؤمنون من أتباع موسى) ينقسموا إلى قسمين: (1) بني إسرائيل (المستضعفين في الأرض آنذاك وهم آل موسى) و (2) ممن آمن من قوم فرعون بموسى على خوف من فرعون وملئه (آل هارون)، فكان نسب الأب يختلف بالنسبة لكل واحد منها، فبالرغم أنهم جميعاً قوم موسى (أي النبي الذي أرسل لهم) إلا أن جزء منهم يتبع آل موسى (من نسب موسى لأبيه)، بينما يتبع القسم الآخر آل هارون (من نسب هارون لأبيه)، وربما يفسر مثل هذا الطرح سبب أن فرعون (وهو الذي كان يذبح أبناء بني إسرائيل) لم يقدم على ذبح هارون بالرغم أنه أخ موسى، وربما يدعم هذا الظن ما حصل بعد أن عاد موسى من لقاء ربه:
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه 92-94
فموسى يطلب توضيحاً من هارون عن سبب عدم لحاقه به، فيرد هارون بأن السبب كان يكمن من الخوف أن تقع الفرقة بين بني إسرائيل: آل موسى من جهة وآل هارون من جهة أخرى.
(للتفصيل أنظر مقالتنا السابقة تحت عنوان لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه ومقالتنا تحت عنوان قصة موسى: باب السامري ومقالتنا تحت عنوان من هي زوجة موسى؟)
عودة على بدء
ربما نستطيع أن نجلب هذه الفكرة على سبيل التحديد لنلقي بشيء من الضوء على سبب إنكار الملأ من بني إسرائيل (الذين طلبوا الملك ليقاتلوا في سبيل الله) لأحقية طالوت بالملك عليهم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) البقرة 246-247
فنحن نزعم القول أن القوم آنذاك كانوا من آل موسى وآل هارون، ولما كان آل موسى هم الملوك والأحق بها، اظهروا عدم رضاهم في أن يكون الملك من غيرهم، لذا نحن نجرؤ أن نقدم الافتراء التالي الذي سنضطر لاحقاً لمتابعته وجلب الدليل على صحته: لقد كان طالوت من آل هارون، فاحتج الملأ من بني إسرائيل على هذا الاختيار مادام أن أهل النسب الأحق بالملك هم آل موسى.
(وسنحاول تفنيد هذا الزعم أو توكيده عند الحديث عن طالوت وجالوت لاحقاً بحول الله وتوفيقه، لذا الله أسأل أن يعلمنا كيف نقول الحق فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب)
المهم بالنسبة لنا في سياق بحثنا هذا هو العودة إلى النقاش الخاص بالتابوت على ما جاء في الآية الكريمة من تأكيد رباني بأن ما كان يوجد في ذلك التابوت هو بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فما هي تلك البقية؟
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: إنها المنسأة، بقية من عصا موسى
الدليل
لفهم طرحنا هذا كما نحاول تقديمه (ونعتمد على قدرة القارئ على التمييز حتى لو فشلت كلماتنا في توصيل رسالتنا) لابد من العودة إلى مقالتنا السابقة التي تتحدث عن قصة موسى تحت عنوان باب السامري، حيث كان جل الحديث منصباً على قصة عصا موسى ( كما سنحاول بحول الله وتوفيقه العودة على قصة عصا موسى مرات كثيرة في سياق حديثنا عن جوانب كثيرة تتعلق بالآيات القرآنية التي تتحدث عن تلك العصا، لذا الله أسأل أن يهدينا إلى ما لم يهتدي إليه غيرنا، إنه هو السميع المجيب)
أما بعد،
حاولنا في مقالتنا السابقة تحت عنوان باب السامري طرح جملة من الاستنباطات الخطيرة جداً، نذكر منها على سبيل المثال:
1. عصا موسى كانت ملازمة له على الدوام
2. جرى الحديث في أول لقاء لموسى بربه عن تلك العصا
3. عاد موسى ليقدم تلك العصا كآية من ربه إلى فرعون وملائه
4. كانت العصا سبباً في قهر فرعون وجنوده ونجاة موسى ومن معه
5. ترك موسى هارون أخيه خليفة له في قومه حتى يعود من لقاءه الثاني مع ربه
6. ذهب موسى إلى ربه في لقاءه الثاني متعجلاً، فنسى
7. حصل اللقاء بين موسى وربه فغاب ذكر العصا
8. عاد موسى يحمل الألواح بـ كلتا يديه
9. ألقى موسى الألواح وأخذ يجر إليه برأس أخيه ولحيته، فكان يمسك رأس أخيه (شعر رأسه) بيد ويمسك بلحية أخيه (شعر وجهه) بالأخرى، فلم يكن يحمل تلك العصا آنذاك.
10. خاطب موسى السامري بلهجة التودد بالرغم من علمه المسبق من ربه بأن السامري هو سبب الضلالة التي وقع فيها القوم
11. يبدو في عقاب موسى للسامري شيء من الليونة بالرغم من شدة الذنب الذي ارتكبه السامري
12. زعمنا القول أن عصا موسى وقعت بيد السامري وكانت سبباً في قدرة السامري على إخراج العجل للقوم
13. لم يستطع السامري الحصول على العصا بأكملها لكنه قبض شيئاً منها
14. اختفت تلك العصا بين متاع القوم، فلم يتم العثور عليها بعد ذلك
فلنبدأ النقاش في هذه المقالة من حيث انتهينا هناك.
أما بعد،
فبعد أن ألقى القوم أمتعتهم لأخذ قسطاً من الراحة قبل أن يكدوا اللحاق بموسى، يتمكن السامري من أن يبصر شيئاً لم يبصره غيره (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ)، وظننا أن ذلك الشيء كان عصا موسى التي تركها بيد هارون عندما خلفه في القوم ليذهب موسى للقاء ربه الثاني، فالسامري يقبض قبضة من أثر الرسول (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)، فكان ذلك حسب زعمنا- جزء من عصا موسى:
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
ونحن نزعم الظن أن القبضة لم تكن أكثر من ما يمكن أن تقبضه بكف اليد، فلقد قام السامري بأخذ شيء من عصا موسى (بحجم القبضة)، ووضعها في مكان لا يراه الناس (فَنَبَذْتُهَا)، وكان ذلك من باب ما تسول له به نفسه (وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)، ليرى بأم عينه ما ستفعله تلك العصا التي قهرت السحرة (ومنهم السامري) في يوم الزينة:
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ طه (87)
وزعمنا الظن أنه لما ألقى السامري تلك القبضة من العصا (فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) في ذلك الجسد (متاع وزينة القوم) الذي جعله على شكل عجل، تحرك ذلك الجسد بسبب تلك العصا التي ألقاها السامري في داخله:
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ الأعراف (148)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ طه (88)
وكان ذلك – في رأينا- بسبب العصا التي أخذت تهتز في داخل العجل، فلا ننسى أن الله قد أمر موسى بإلقاء العصا فدبت الحياة فيها على الفور:
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ (20)
ولاشك أن حركتها تلك كانت عبارة عن اهتزاز كاهتزاز الجان:
وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ النمل (10)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ القصص (31)
فكان ذلك بالفعل – في رأينا- ما حصل لذلك الجسد (العجل) الذي ألقى فيه السامري تلك القبضة من العصا: لقد كان ذلك الجسد يهتز كاهتزاز الجان، وكان ذلك هو خواره الذي أخاف قوم موسى، فظنوا بقدرة السامري العجيبة وصدقوه حتى رجع إليهم موسى ليكشف زيف دعوى السامري الذي أقنعهم بأن ذلك العجل هو إلههم وإله موسى. فلا ننسى أن حجة السامري كانت مقنعة للغالبية الساحقة من بني إسرائيل لدرجة أن الذين صدّقوا هارون (قبل عودة موسى) كانوا نفراً قليلا. لقد أدخل السامري الرعب في قلب القوم عندما أراهم قدرة ذلك العجل العجيبة، فلا ننسى أن موسى نفسه قد وقع الخوف في قلبه لحظة أن رأى اهتزاز العصا كأنها جان، فولى هارباً، ولولا التطمين الإلهي له، لربما لم يرجع موسى بعد أن ولى مدبرا ولم يعقب. نعم، نحن نظن أن خوار ذلك العجل (بسبب اهتزاز قبضة العصا بعد أن ألقاها السامري فيه) كانت مصدر قوة السامري وضعف حجة هارون (بالرغم من فصاحته).
عودة إلى منسأة سليمان
نخرج من زيف ما افترينا حتى اللحظة بالاستنباطات الغريبة التالية التي سنطاردها في الصفحات القادمة:
1. عندما أخذ السامري شيئاً من عصا موسى (قبضة) لم تعد تلك العصا عصا، وإنما أصبحت منسأة
2. اختفت تلك المنسأة منذ تلك الحادثة
3. استقر ما بقي من تلك العصا (أو المنسأة) في التابوت الذي كان مما حمل القوم معهم بعد خروجهم من أرض مصر
4. بقي ذلك التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون
5. ظهر ذلك التابوت مرة جديدة فقط عندما بعث الله طالوت ملكاً
6. لم ينتبه الكثيرون لذلك التابوت ولأهميته، فدارت معركة عظيمة بين جالوت بجيشه الضخم من جهة وطالوت بمن صبر معه من بني إسرائيل
7. اشتدت المعركة، فلم يتمكن الملك طالوت (بالرغم مما آتاه الله من بسطة الجسم) من النيل من جالوت (عدوه)
8. كان من بين جند جالوت آنذاك غلام يافع وكان اسمه داوود
9. انتبه ذلك الغلام بما آتاه الله من الحكمة والعلم إلى ذلك التابوت
10. نبش الغلام في ذلك التابوت ليبحث فيه عن مخرج مما هم فيه من بلاء الحرب وقوة جالوت المدمرة
11. وقع بصره على تلك المنسأة (بقيه عصا موسى)
12. لم يتردد داوود (صاحب العلم) أن يستخدم تلك المنسأة، فضرب بها جالوت، فقتله
13. تحصل لداوود بسبب تلك المنسأة شيء من ارث النبوة وشيئاً من الملك، فاستتب له الأمر بالملك والنبوة
14. ورث سليمان عن والده داوود الملك والنبوة، فانتهت المنسأة بيد سليمان – موضوع حديثنا في هذه المقالة
الدليل
ما الفرق بين العصا والمنسأة (عصا موسى ومنسأة سليمان)؟
نحن نزعم الظن أن ما انتهى إلى يد سليمان (المنسأة) هي في الأساس عصا موسى، ولكنها أصبحت عصا قصيرة بعد أن كان السامري قد أخذ منها قبضة. ولكن هذا الزعم يحتاج إلى دليل يثبته، أليس كذلك؟
دعنا - بادئ ذي بدء- نحاول التمييز بين العصا والمنسأة، لنطرح السؤال على النحو التالي: ما الفرق بين العصا والمنسأة؟
جواب: إن الدليل على التفريق بين الكينونتين قد ورد – نحن نفتري الظن- في الخطاب الرباني الأول مع موسى، قال تعالى:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18)
فالمتفحص لهذا الحوار الرباني الأول مع موسى يجد فيه من الغرابة ما تستدعي الانتباه، ونخص بالذكر كيفية رد موسى على سؤال ربه، فالله يسأل موسى عن ما في يمينه، أليس كذلك؟
ألم يكن يكفي موسى أن يرد بالقول: هي عصا وكفى؟ فما الموجب أن يستطرد موسى في الإجابة ليقول: هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ؟ فهل لو سألتك أنا (ولله ورسوله المثل الأعلى) عن ما تحمل بيدك، وقلت لك ما في يمينك وأنا أنظر إليه وأرى أنه كتاب مثلاً، فهل عليك أن ترد عليّ بالقول: هو كتابي لأقرأ به وأدرسه لطلابي وأقدمه هدية لصديقي، وهكذا.
رأينا: لو تجاوزنا ما قاله أسيادنا العلماء (وهم لا شك أهل العلم والدراية) قليلاً من أن موسى كان يحاول أن يطيل اللقاء مع ربه مثلاً (ويكأن الله ...)، وحاولنا التدقيق في الجزئية نفسها لوجدنا أن فيها العلم الغزير الذي سنحتاجه لفهم جزئيات كثيرة في كتاب الله عند ربط الأحداث مع بعضها البعض، ولكن كيف؟
رأينا: إن الفكرة التي نود أن نقف عليها هنا هي رد موسى بالقول " أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا":
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18)
تساؤلات:
1. هل كان موسى بحاجة لعصا ليتوكأ عليها؟
2. هل بلغ موسى من الكبر عتيّا حتى يحتاج أن يتوكأ على عصا؟
3. هل بلغ موسى من الضعف في جسمه مرحلة يحتاج معها أن يتوكأ على عصا؟
4. الخ
رأينا: كلا وألف كلا، لقد كان موسى لا زال بالغاً أشده ومستويا، فهو لازال في أفضل مراحل قوته الجسمية، لذا لا يحتاج – نحن نزعم القول- إلى عصا ليتوكأ عليها كما يمكن أن نظن نحن من الغرض الذي تستخدم العصا لأجله، ولكن بالرغم من ذلك لا نستطيع أن ننكر أن موسى كان يستخدم العصا ليتوكأ عليها، فالنص القرآني يثبت بصريح اللفظ أن موسى كان يتوكأ على العصا، فكيف – يا ترى- كان يتوكأ موسى على العصا؟ أو بكلمات أكثر دقة: ما معنى أن يتوكأ موسى على العصا؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن أن واحدة من استخدامات العصا تكون للتوكؤ عليها، أليس كذلك؟
ولا يتوقف موسى عند هذا القول بل يفرد استخداماً آخر للعصا وهي "أن يهش بها على غنمه"، فكيف كان موسى يتوكأ على العصا؟ وكيف كان (من يتوكأ على العصا) يهش بالعصا نفسها على غنمه؟
نتيجة: يستخدم موسى العصا لغرضين ظاهرين وهما: (1) للتوكؤ عليها و(2) للهش بها على غنمه في الوقت ذاته، فكيف كان يتم له ذلك؟
كيف يتم التوكؤ على العصا؟ نحن نزعم الظن أنه حتى تصبح العصا قابلة للتوكؤ عليها فلابد أن تكون من الطول أن تصل بين يد الرجل الواقف والأرض. فلو كانت عصا موسى قصيرة لما استطاع أن يتوكأ عليها، أليس كذلك؟ فنحن نظن أن العصا القصيرة (التي لا تصل من يد الرجل الواقف إلى الأرض) لا تستخدم للتوكؤ عليها، وإنما يجب أن تصل إلى الأرض ليحصل التوكؤ عليها كما في الشكل التوضيحي التالي:
وحتى يستطيع أن يهش بها على غنمه، فلابد أن تكون من الحجم الذي يستطيع مقارعة ظروف الزمان والمكان، فهي من المتانة بمكان أن يستخدمها موسى سنوات من عمره وهو يرعى الغنم في أرض مدين قبل أن يرجع قافلاً العودة إلى أرض مصر بصحبة أهله.
والآن لنحاول ربط ذلك بمنسأة سليمان، لنطرح السؤال التالي: هل كان سليمان يستخدم منسأته ليتوكأ عليها؟
جواب: لم نجد دليلاً واحداً في كتاب الله يبين لنا أن واحدة من استخدامات منسأة سليمان كانت للتوكؤ عليها، فبالرغم أن منسأة سليمان كانت على الدوام في يده، لم يكن سليمان يستخدمها للتوكؤ وذلك لأن تلك المنسأة لم تكن بالحجم المطلوب لتصل من يد سليمان إلى الأرض، فلقد كانت عصا قصيرة، لا يمكن استخدامها للتوكؤ.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نتخل المشهد على النحو التالي:
1. موسى يملك عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه
2. يقبض السامري منها قبضة يودعها في جسد العجل
3. ينبذ ما تبقى من العصا في التابوت
4. يحافظ بنو إسرائيل على ارث موسى وهارون، فيحافظون على ذلك التابوت
5. يظهر التابوت مرة أخرى كآية على ملك طالوت، ويكون فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون
6. يكون من بين تلك البقية ما تبقى من عصا موسى
7. تقع تلك البقية في يد داوود فيقتل بها جالوت
8. يتحصل داوود على ارث النبوة (العصا من موسى وهارون) وارث الملك من طالوت
9. ينتقل الحكم من داوود إلى ولده سليمان
10. يفضل سليمان (على خلاف والده داوود) الحكم على السياسة (العلم)
11. يحمل سليمان في يده منسأته كدليل على سلطته في الحكم
12. تبقى تلك المنسأة رمز قوته وسطوته وحكمه على الجن والإنس والطير
13. يبقى الجن في العذاب المهين (بسبب سطوة تلك المنسأة عليهم)
14. ما أن تأكل دابة الأرض تلك المنسأة حتى تكون الدليل على أن سليمان قد مات
15. بذهاب تلك المنسأة في بطن تلك الدابة لا يمكن أن يتحصل لأحد سلطة عسكرية في الحكم كما كانت لسليمان
المنسأة: رمز السلطة العسكرية
لازال قادة الجيوش العظيمة (وخاصة قادة الجيوش العظيمة في بلاد العرب المهيبة) يحملون تحت أكتافهم عصا قصيرة لتكون صولجانا يرمز إلى سلطتهم العسكرية، فمن أين يا ترى جاء هذا التقليد في معظم أصقاع المعمورة على مر الزمان؟
جواب مفترى: لا شك عندنا أن أعظم قائد جند عرفه التاريخ هو نبي الله سليمان الملك، فما أن يقضي الله بالموت على والده داوود حتى يجمع سليمان جنوده في عرض عسكري مهيب، فيقوم خطيباً بهم لا يجيد فن السياسة، فيكون كلامه غاية في الوضوح والشدة التي لا تنقص رجل العسكر:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
وما يكون منه إلا أن يطلب عرضاً عسكرياً لجنده جميعاً:
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
وحتى يرى الحضور جميعاً بأم أعينهم سطوة وجبروت سليمان، تكون تلك المنسأة صولجان يعذب به كل من يزغ عن أمره، وتبقى تلك المنسأة رمزاً على عسكرية سليمان التي لا تقاوم حتى تأكله دابة الأرض مباشرة بعد موته.
في المرة القادمة سنحاول أن ننبش في الأسئلة التالية:
- كيف أكلت دابة الأرض تلك المنسأة؟
- أين ذهبت تلك الدابة؟
- هل يمكن العثور على منسأة سليمان؟
- ما هي الحروب التي شنها سليمان؟
- ما هو الجسد الذي ألقى على كرسي سليمان؟
- لماذا تفقد سليمان الطير على وجه الخصوص؟ ولم لم يقم بتفقد الجن والإنس كما تفقد الطير؟
- كيف تم إحضار عرش ملكة سبأ إلى سليمان بأسرع من ارتداد الطرف؟
- لماذا كشفت ملكة سبأ عن ساقيها عند أمرت أن تدخل الصرح؟
- أين هو صرح سليمان؟
- الخ
هذا والله أعلم. فالله نسأل أن يعلمنا قول الحق الذي يرضاه فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب
ونسأله تعالى أن يؤتينا كفلين من رحمته وأن يجعل لنا نورا وأن يغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم
وللحديث بقية
المدّكرون: رشيد سليم الجراح
علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
مركز اللغات
جامعة اليرموك
الأردن