هل لعلم الله حدود؟ جدلية القلب والعقل (1)
هل لعلم الله حدود؟ جدلية القلب والعقل (1)
ملاحظة: نحن نرى ضرورة قراءة هذه المقالة في ضوء ما ورد في مقالتنا السابقة تحت عنوان: مقالة في التسيير والتخيير
نظن أن ما أثرناه في بعض مقالاتنا السابقة (خاصة تلك تحت عنوان "مقالة في التسيير والتخيير" و "جدلية الحقيقة والمجاز") قد جلبت فضول كثيرين وهم يتساءلون عن موقع "العقل" (أو ما يعرفونه هم بالمخ أو الدماغ الموجود في الرأس) في السياقات القرآنية، فمراد قولهم: لِمَ لَمْ يُذكر الدماغ – على الرغم من أهميته كوحدة عضوية (كالقلب واليدين والرجلين، الخ)- في القرآن الكريم؟
رأينا: نحن نظن أنه غالباً ما حدثت الفوضى في استخدام الألفاظ حتى على لسان أهل العلم والاختصاص، ولوى الكثيرون أعناق النصوص لتتكيّف مع تصوراتهم للأمور المطروحة، وغالباً ما ضاعت الحقيقة بين من يؤيد الاستخدامات والمعاني الحرفية للنصوص القرآنية من جهة ومن يحلق في سماء الاستعارات والمجازات اللغوية من جهة أخرى، فأين يا ترى تكمن الحقيقة؟[1]
نحاول في هذا البحث تسليط الضوء على هذا الجانب بمحاولتنا ربط مجموعة من السياقات القرآنية بعضها مع بعض، وفي الوقت الذي نجزم أننا لم نتوصل إلى الحقيقة الثابتة، نعتقد أنّ في دراستنا هذه إضاءات قد تسعف في البحث الحقيقي عن تلك المعاني. ولنبدأ بالافتراء الكبير التالي الذي هو بلا شك من عند أنفسنا:
افتراء 1: إننا نفتري الظن بأنّ القلب (الذي في الصدر) هو المحرك الرئيسي للتفكير وليس الدماغ (الذي في الرأس) الذي لا يعدو دوره أكثر من مخزن للمعلومات. فالدماغ – برأينا- لا يتعدى دوره أن يكون أكثر من "سدة البيت" (أو attic باللسان الأعجمي) التي تدّخر فيها ما جمعته لعائلتك وتسترجعه منه عند الحاجة إليه، أما وحدة إصدار الأوامر فهي القلب، (ولا نقصد به مضخة الدم الموجودة في داخل جسم الإنسان) بل هو ذلك العضو الذي بحجم المضغة الموجود في أعلى مضخة الدم الموجودة داخل صدر الإنسان.
افتراء 2: كما أننا نزعم الفهم أنّ القرآن الكريم يثبت أنّ حياكة الأمر تحصل أولاً - وقبل كل شيء- في القلب الذي هو – في ظننا- محرك الجسد كله (decision-making organ) بأوامره التي يصدرها إلى الدماغ الذي يخاطب بدوره أعضاء الجسم كلها، فالأمر يذهب من القلب إلى الدماغ وليس العكس كما ظن الكثيرون وزعموا.
الدليل
إن ما افترينا بخصوص القلب والدماغ يعني بمفردات القرآن الكريم – حسب فهمنا- أنّ القلب هو المستقر والدماغ هو المستودع، قال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ الأنعام (98)
وقد وردت هذه الصيغة نفسها بحق المخلوقات الأخرى التي تتمتع هي كذلك بمستقر ومستودع، قال تعالى:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هود(6)
وهذا هو – في ظننا- التشابه الحقيقي بين البشر من جهة والدواب والطيور من جهة أخرى، مصداقاً لقوله تعالى:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام (38)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن التشابه بين الإنسان من جهة والدواب والطيور التي تطير بجناحيها من جهة أخرى يكمن بوجود المستقر والمستودع، لذا فإن كل كائن يملك المستقر والمستودع سيتم حشره إلى ربه ومحاسبته على ما عمل في حياته.[2]
وسنحاول في شرحنا التالي تباين ليس فقط آلية التنفيذ هذه (أي إصدار الأوامر من القلب إلى الدماغ)، بل الخوض أيضاً بتبعات هذا الإدعاء. وبحثنا هذا يؤطر لمفردات متعددة مثل الجسم والجسد والنفس والصدر والفؤاد والروح والعقل والقلب، الخ. وضرورة التفريق بينهم.
الله يعلم وانتم لا تعلمون
تتكرر فكرة أن الله يعلم ونحن لا نعلم كثيراً في كتاب الله، قال تعالى:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة (216)
ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة (232)
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النحل (74)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النور (19)
ولكن هل يعني ذلك أننا نحن البشر لا نعلم إطلاقاً؟ وإن كان كذلك فكيف يمكن التوفيق بين مثل هذه الآيات الكريمة مع ما ورد في أماكن أخرى تثبت حصول العلم لنا نحن البشر؟
هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ آل عمران (66)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإسراء (85)
فذلك لا ينفي العلم عن البشر بشكل كلّي، فقد يتحصل للبشر إذاً شيئا من العلم:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح (27)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإسراء (85)
ولا ننسى كذلك أن الله سبحانه قد أثبت أنّ العلم درجات، وقد يرقى بعض الناس درجات من ذلك الفضل الإلهي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة (11)
وقد قضت سنة الله أن يحيط بعض الناس بشيء من علمه إن هو شاء ذلك:
اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ البقرة (255)
ولكن في نهاية المطاف يبقى علم البشر قليلا جداً إذا ما قورن بعلم الله، فعلم الله هو الغاية القصوى، والحد الذي لا يمكن أن يتصوره البشر:
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ يوسف (76)[3]
فهذا نبي الله يعقوب ذو علم بشهادة الله نفسه:
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)
وهذا يوسف يشهد لنفسه بأنه عليم:
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
(دعاء: أسأل الله رب أن يقضي أمره لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري إنه هو العلي العظيم)
الله يعلم كل شيء
ومن كمال علم الله أنه يعلم كل شيء، فلا شيء يغيب عن علم الله الواحد الأحد:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة (231)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة (282)
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ الأنعام (80)
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ الأعراف (89)
إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا طه (98)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ غافر (7)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا الطلاق (12)
فالله سبحانه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وقد وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، وهو كذلك قد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، أليس كذلك؟
وهنا أتوقف مع القارئ الكريم لطرح فكرة غاية في الغرابة والصعوبة، ولا أتصور أن يتقبلها الفكر الإسلامي بسهولة (لأنها بلا شك افتراء من عند نفسي، لا أطلب من القارئ الكريم الترويج لها ما لم يصبح هو نفسه مقتنعاً بها مدركاً لتبعاتها)، لكني أعتقد أنها (إن صحت) ستحل قضايا شائكة أعيت الفكر الديني لعقود طويلة من الزمن، وستفتح –لا شك عندنا- أفاقاً عظيمة من البحث والدراسة، وجل ما أرجوه هو إعطائي فسحة من الوقت لطرح الفكرة بأقل جهد ممكن، وإن تعذر علىّ ذلك وأخطأت الفهم فإني أسأل الله أولاً المغفرة وإخواني المسلمين بعد ذلك أن يلتمسوا لي العذر، فأنا ليست أكثر من طالب علم باحث عن الحقيقة أينما وجدت وفي أي صورت وجدت.
أما بعد،
تتلخص الفكرة في محاولة جلب الانتباه إلى الصيغ القرآنية التي وردت بها الآيات السابقة التي تتحدث عن إحاطة الله العلم بكل شيء، فلو دققنا النظر في تلك الصيغ جميعاً لوجدناها قد وردت بصيغة أن الله عليم، وقد وسع، وقد أحاط بـ "كُلَّ شَيْءٍ" علماً، أليس كذلك؟ نعم، ربما يرد البعض بالقول، ولكن ما المشكلة؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أنه لو دققنا النظر في جميع السياقات الخاصة بعلم الله المطلق لوجدناها مرتبطة جميع بالأشياء، فعلم الله متعلق بـ "كُلَّ شَيْءٍ"، ولو حاولنا التمسك بحرفية مفردات النص كما هي، لربما صح لنا الافتراء بأن علم الله مطلق إذا كان الأمر متعلقاً بعلم الله بـ الأشياء، فالله قد أحاط علمه بـ كُلَّ شَيْءٍ بنص الآيات نفسها،
الافتراء الخطير جداً: نحن نفتري الظن بأنه إن كان الأمر يتعلق بالأشياء فعلم الله مطلق لا محالة، ولكننا نظن أنه إذا كان الأمر يتعلق بـ "غير الأشياء"، فالمسألة فيها وجهة نظر أخرى. كلام غاية في الخطورة، أليس كذلك؟
الدليل
إننا نظن أن لب القول هنا سؤال خطير جداً ألا وهو: هل علم الله مطلق إذا كان الأمر يتعلق بغير العلم بالأشياء؟
- وكيف يكون ذلك؟ سيرد الكثيرون بالقول.
رأينا: نقول دعنا نعمل التفكير بعض الشيء في الآيات الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ المائدة (101)
وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الأعراف (85)
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ هود (85)
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الشعراء (183)
وسؤالنا هو ما معنى مفردة "شيء" التي ترد في السياقات القرآنية؟ ومتى يكون هناك "شيء"؟ فهل يمكن أن نتحدث عن شيء وهو غير موجود أصلاً؟ فهل يمكن أن تسأل عن شيء لا أساس له في الوجود؟ فهل –مثلاً- يمكن أن تبخس الناس شيئاً غير موجود أصلاً؟ وهل يمكن السؤال عن شيء لا يمكن تصوره؟
رأينا: إن الجواب يكون – في ظننا- بالنفي قطعاً، ولنتدبر الآية الكريمة التالية:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ آل عمران (5)
افتراء من عند أنفسنا: إننا نزعم الفهم لهذه الآية الكريمة على النحو التالي: أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء كموجودات الأرض والسماء، فحتى يكون هناك شيء لا بد أن يكون له أصل أو وجود، أليس كذلك؟ وإن لم يكن له أصل أو وجود فهو لم يصبح شيئاً بعد. ونحن نفتري القول أنه إن صحّ زعمنا هذا، فإننا نفهم أن الله قد أحاط بكل شيء علماً على نحو كمال علمه بالموجودات، فإن كان جزءً من الموجودات أصبح شيئاً، وأصبح علم الله فيه مطلق، وإن لم يصير بعد جزءً من الموجودات فذلك لا ينطبق عليه مطلق علم الله.
قد يقول البعض على الفور: وكيف يمكن أن يكون من غير الموجودات؟
جواب: أن لا يكون "شي"؟
- هذه فلسفة هزيلة لا نرغب فيها، ربما يرد البعض بالقول.
- نقول نعم، ولكن بغض النظر عن الركاكة في صياغة الفكرة، إلاّ أننا لا زلنا نظن (ربما مخطئين) أن الأمر قد يكون كذلك، ولنمعن النظر بالآيات الكريمات التالية في ضوء هذا الزعم:
قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا مريم (9)
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا مريم (67)
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا الإنسان (1)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ النور (39)
فكما تشير الآيات السابقة لم يكن الإنسان قبل خلقه شيئاً، فمتى خلق الإنسان أصبح جزءاً من الموجودات وأصبح العلم به جزء من العلم بالموجودات لأنه عندئذ أصبح شيئا. فمن ذهب إلى السراب وظن أنه ماءً لا شك لن يجده شيئاً لأنه ببساطة غير موجود، إما إن كان هناك شيء فعلاً فسيجده.
إننا نود من خلال النقاش السابق التمييز بين نوعين من العلم:
1. العلم بالموجودات (أي الأشياء)
2. والعلم "بغير الموجودات"، (أي إن لم تكن قد أصبحت شيئاً بعد)
وبناء على ذلك نقدم الافتراء الخطير التالي: أما العلم بالموجودات فهو العلم بالأشياء وعلم الله بها لا شك كامل، أما العلم "بغير الموجودات" فهو ليس جزء من علم الأشياء وعلم الله فيها ليس مطلقاً. كلام خطير، أليس كذلك؟
ما الذي سيعلمه الله؟
فلنستعرض بعض آيات القرآن الكريم ولنمعن النظر بسؤال واحد هو: ما الذي سيعلمه الله إن كان علمه مطلق بالأشياء وبغير الأشياء؟
فلقد وردت لام التعليل "أو الغاية" بصيغة الحصر على نحو "إِلَّا لِنَعْلَمَ":
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ البقرة (143)
وجاءت غير محصورة على نحو "لِيَعْلَمَ":
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ آل عمران (140)
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ آل عمران (167)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ المائدة (94)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ الحديد (25)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) سبأ 20-21
ووردت نفس الصيغة ولكن بشيء من التوكيد اللفظي على نحو وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) العنكبوت 10-11
وجاءت على صيغة السؤال الاستنكاري على نحو أَمْ حَسِبْتُمْ ... وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ آل عمران (142)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ التوبة (16)
وجاء جواب أحسب مؤكدا:
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت 2-3
والملفت للانتباه أن الله سبحانه وتعالى يحدث أمراً ما، ليتحصل العلم بأمر آخر، فها هو يبعث أهل الكهف من رقدتهم تلك " لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" :
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا الكهف (12)
وها هو يبتلى بعض عباده ليحصل العلم:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ محمد (31)
والمدقق في اللفظ القرآني في الآية التالية يجد أن استخدام "حتى" تدل على الغاية من الابتلاء، أليس كذلك؟
والمدقق في الآية الكريمة التالية يجد أن علم الله في هذا الأمر لم يكن سبباً لحصوله بل نتيجة له، بدليل وجود ظرف الزمان الذي يدل على وقت حصول العلم بالأمر:
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال (66)
وهنا نصل إلى ذروة ما نود طرحه: كيف يمكن التوفيق بين قول الله أنه قد "أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" في أكثر من مكان في كتابه الكريم وقوله " الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا" أو قوله"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" وقوله "ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا"، ونحوهم، كما ورد في جميع الآيات السابقة؟
وقبل الانتقال إلى نقطة جوهرية أخرى لا بد أن نجلب انتباه القارئ الكريم إلى ملاحظة بسيطة ربما استطاع الكثيرون الوصول إليها بعد هذا السرد، ألا وهي أن جميع السياقات القرآنية التي تتحدث عن علم الله المطلق كانت تتحدث عن الأشياء على نحو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، و وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، و أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، أما صيغ لِنَعْلَمَ، أو حَتَّىٰ نَعْلَمَ، أو فَلَيَعْلَمَنَّ فقد وردت عند الحديث عن الناس. وهنا – في ظننا- يكمن الفرق. ولكن كيف؟
افتراء من عند أنفسنا: بناءً على ما سبق من افتراءات من عند أنفسنا، فإننا نزعم القول أن علم الله مطلق كامل شامل بالأشياء، أما علمه بالناس فهو ليس كذلك. كلام جد خطير، أليس كذلك؟
نعم، ولكن لهذا الظن تبعاته الجمة التي لا بد من الوقوف عليها، وأهمها أن مثل هذا الفهم (على علاّته) يمكن أن يساعد – في رأينا- في حل إشكالية الخلق والحساب والثواب والعقاب.
ولكن قبل الولوج في خضم ذاك الحديث لابد من إثارة بعض التساؤلات التي ربما يثيرها الكثيرون، وأولها ألا يعلم الله الغيب؟
الله يعلم الغيب
نعم، الله يعلم غيب ما كان:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ إبراهيم (9)
وهو (كما يعلم ما كان) يعلم ما سيكون:
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الحجر (24)
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ المائدة (109)
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ الأنعام (59)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ لقمان (34)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ فصلت(47)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا الأحزاب (63)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ النمل (65)
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ النمل (75)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ الأعراف (187)
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ إبراهيم (9)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الحجر (24)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ الحج (70)
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا الفرقان (6)
قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ العنكبوت (52)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الحجرات (16)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ الحجرات (18)
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
سبأ (2)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الحديد (4)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فاطر (11)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ المجادلة (7)
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ق (4)
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
إنّ المدقق في هذه السياقات القرآنية جميعها يجد حقيقة جلّية لا لبس فيها مفادها أن جميع الآيات السابقة تتحدث عن الأشياء، ولا تتحدث عن ما يفعله البشر. فالله يعلم مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ، وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، و عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام، وهو كذلك يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وهكذا، وهذه جميعها تقع ضمن دائرة الأشياء التي أحاط الله بها علما، لهذا نخلص إلى نتيجة مفادها أن علم الله بالغيب يتعلق بالأشياء، أما ما يخص ما سيفعله البشر عن محض اختيار منهم (ولم يصبح بعد جزءاً من الأشياء) فالله لا يعلمه.
وهنا قد يرد البعض بالقول ولكن الله يعلم ما نخفي وما نعلن، أليس كذلك؟
الله يعلم السر والجهر
نعم، الله يعلم ما نخفي وما نعلن، ما نبدي وما نكتم، ويعلم سرنا وجهرنا، ويعلم سرنا ونجوانا:
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ البقرة (33)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
النور (29)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) البقرة 76-77
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ النحل (19)
لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ النحل (23)
فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ يس (76)
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ المائدة (61)
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ المائدة (99)
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ الأنعام (3)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ التوبة (78)
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إبراهيم (38)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى طه (7)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ الأنبياء (110)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ النمل (25)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ الممتحنة (1)
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ التغابن (4)
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ الأعلى (7)
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ محمد (26)
نعم، هذه أمور تتعلق بالبشر ويعلمها الله، ولكن ألم تلاحظ – عزيزي القارئ- أن جميع هذه السياقات تتحدث عن أمور قد حصلت فعلاً؟ وهنا نود التميز بين نوعين من العلم الخاص بالبشر:
1. علم يتعلق بما حصل فعلاً
2. علم يتعلق بما لم يحصل بعد
إننا نزعم أن الله قد أحاط علمه بالنوع الأول من العلم المتعلق بالبشر، وهو ما قد حصل فعلاً، لكن علم الله لا يحيط بأمور الناس التي لم تكن قد حصلت بعد (أي لم تك شيئاً بعد)، وربما لهذا يُحْدِثُ الله أموراً معينة ليستحليها ويعلمها، ولنعيد هنا بعض الآيات السابقة لتوضيح الفكرة:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ محمد (31)
فالله يُحْدِثُ البلاء ليعلم المجاهدين والصابرين، فالأمر لم يتحقق بعد، أما علم الله بما نخفي وما نعلن فيكون محيطاً فقط بما حدث فعلاً، وليس بما لم يحدث بعد. وهنا سيرد الكثيرون بالقول أن هذا محض هراء، فالله يعلم ما نخفي وما نعلن، ما نسر وما نعلن، ما نبدي وما نكتم، فإن كان الله يعلم ما نسر وما نكتم، أليس ذلك من باب ما سيحصل؟
رأينا: كلا وألف كلا، إن ذلك من باب ما قد حصل فقط، ونحن لا نجد عناءً في إثبات صحة ما نزعم من كتاب الله تعالى نفسه، وما نحن بحاجة إليه هو إمعان التفكير في معاني هذه المفردات كما ترد في كتاب الله لا كما نظنها نحن البشر.
الكتمان
لتبيان الأمر فإننا نقدم الآيات الكريمة التالية لنثبت أن الكتمان مثلاً لا يمكن أن يتم إلا لشيء قد حصل، فبنو إسرائيل قد قتلوا نفساً وكتموا الأمر:
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ البقرة (72)
وكيف سيكتم الناس الشهادة أو الحق إن لم تكن قد تحصلت لديهم؟
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ البقرة (140)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
البقرة (146)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ البقرة (283)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
آل عمران (167)
وهل يستطيعون كتم بيّنات غير موجودة أصلاً؟
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ البقرة (159)
وكيف ستكتم المرأة ما في بطنها إن لم يكن موجوداً؟
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة (228)
وكيف سيكتمون كتاباً إن كان غير موجود أصلاً؟
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ آل عمران (187)
فلا يمكن أن نكتم شيئا إلا بعد أن نكون قد اوتيناه:
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا النساء (37)
وما فائدة أن يكتم رجل من بني إسرائيل إيمانه إن لم يكن مؤمنا فعلاً؟
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
نتيجة مفتراة: نحن نظن بناء على فهمنا لهذه السياقات القرآنية أن الكتمان يعني معرفة الأمر مع عدم البوح به، فالذين يكتمون ما أنزل الله من البينات يعرفونها ولكنهم لا يبوحون بها، والمطلقة لا يجب أن "تكتم" (أي لا تبوح) بما خلق الله في رحمها، ولم يبح ذاك الرجل المؤمن بإيمانه.
الإخفاء
ونحن نظن أن المنطق نفسه ينطبق على الإخفاء ("تخفون")، فعندما تخفي شيئاً فلا بد أن يكون موجوداً أصلاً:
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة (271)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ المائدة (15)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ الأنعام (91)
نتيجة: لا يستطيع الإنسان القيام بفعل الكتمان أو فعل الإخفاء ما لم يكن هناك شيء يمكن أن يكتم أو أن يخفى
ما الفرق بين الكتمان والإخفاء؟
ولكن يختلف الإخفاء عن الكتمان بأن الإخفاء – في ظننا- يتطلب استخدام وسيلة لتغطية الأمر، كما في قوله تعالى:
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور (31)
فالمرأة تخفي زينتها ولكنها لا تكتمها،، فالكتمان (أي عدم البوح) لا يكفي وحده، ولا بد من استخدام حاجز أو وسيلة لتغطية الأمر، فالمرأة تستخدم جلبابها (أو ثوبها أو خمارها، سمّه ما شئت) لإخفاء زينتها
ولهذا نجد الروعة القرآنية في استخدام مفردة الإخفاء، لتتلخص بأمرين اثنين:
1. أنك عندما تريد أن "تخفي"، لا بد أن يكون هناك شيء لكي تخفيه، قال تعالى:
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا الأحزاب (54)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ آل عمران (5)
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إبراهيم (38)
2. استخدم وسيلة لتغطية ذلك الأمر، وتتمثل تلك الوسيلة إما بإخفاء الشيء في النفس:
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة (284)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ آل عمران (154)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا الأحزاب (37)
أو في الصدر:
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آل عمران (29)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ غافر (19)
السر
وينطبق المنطق على "السر"، فيسر الإنسان بشيء غير مادي:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ الممتحنة (1)
ويتم السر في الصدر مصداقاً لقوله تعالى:
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ التغابن (4)
أو في النفس:
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ يوسف (77)
ويتضح من السياقات القرآنية السابقة أنه عندما يستخدم الإنسان وسيلة لإخفاء الأمر يتم ذلك إما في النفس أو في الصدر.
افتراء من عند أنفسنا: نجن نظن أن الدقة تستلزم جلب انتباه القارئ إلى ملاحظة ربما تكون غريبة ولكنها برأينا مفيدة جداً تتمثل في ظننا بأن الأشياء لا تخفى في القلب، فلم يرد في كتاب الله أن الإنسان يخفي شيئاً في قلبه، وسنتعرض لتبعات هذا الأمر لاحقاً، وستكون هذه الملحوظة حينئذ هي محرك البحث في الحديث عن حدود علم الله.
من خلال الطرح السابق، نخلص إلى النتيجة التي مفادها أن علم الله يتمثل في أمرين اثنين:
(1) الإحاطة بالأشياء كلها مصداقاً لقوله تعالى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، و وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، و أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
(2) الإحاطة بما صدر عن الإنسان من أفعال سواء أعلنها الإنسان أو كتمها، أظهرها أو أخفاها، أبداها أو أسرها.
وهذا المعنى الأخير واضح من مجالات علم الله، فالله يعلم ما نفعل:
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ النحل (91)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ الزمر (70)
ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ النور (41)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ الشورى (25)
وهو يعلم ما نعمل:
وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ الحج (68)
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ الشعراء (188)
وهو يعلم ما نصنع:
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ العنكبوت (45)
وهو يعلم ما نقول:
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا طه (104)
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنبياء (4)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ق (45)
وهو يعلم ما نسمع:
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا الإسراء (47)
وهو يعلم ما نصف:
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ يوسف (77)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ المؤمنون (96)
وهذه أفعال تكون قد صدرت جميعها عن الإنسان سواء أسرها أو كتمها، أخفاها أو أظهرها، أبداها أو أعلنها.
السؤال: ما الجديد في هذا الطرح؟ أو كيف يختلف هذا الطرح عن كل ما سبقه؟
افتراء من عند أنفسنا: إننا نزعم القول أنّ علم الله (وإن أحاط بكل شيء علماً و بما عمل الإنسان) لا يحيط بما لم يصدر عن الإنسان من أفعال (أعمال) بعد، فما لم تفعل وما لم تعمل وما لم تصنع وما لم تقل وما لم تسمع وما لم تصف بعد لا يحيط الله به علماً ولا يعلمه. كلام خطير خطير خطير، أليس كذلك؟
نعم، ولكننا نود فقط أن نجلب انتباه القارئ إلى سؤالين اثنين:
أولهما، ما المقصود "بالعلم" كما يرد في كتاب الله؟
وثانيهما، كيف يتم العلم؟
ما المقصود بالعلم؟
إن المتتبع للسياقات القرآنية يجد أن العلم يعنى حصول المعرفة بأمر موجود من ذي قبل، فعلى سبيل المثال عندما تفضل الله تعالى على آدم "بعلم الأسماء" في بداية الخلق لا شك كان ذلك العلم موجودا قبل أن يعلمه الله لآدم:
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ البقرة (31)
وبتدبر الآيات الكريمات التالية نجد أنّ العلم لا يتم إلا بالنقل، فالعلم لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجوده مسبقاً ليتم بعد ذلك نقله من .... إلى... . فالإنسان يولد لا يعلم شيئاً، مصداقاً لقوله تعالى:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
وبعدها يبدأ باكتساب العلم، وهو ما يتحصل لديه من كل مصادر المعرفة التي تحيط به، وأعظم تلك المصادر ما يتلقاه الإنسان من ربه مباشرة:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف 65-66
أما ما يتلقاه من المصادر الأخرى فقد تكون غير صادقة، وبالتالي قابلة للخطأ والصواب، فالمعرفة المتحصّلة من العلم البشري مهما عظمت تبقى قابلة للتعديل مع الوقت، ولكن المعرفة المتحصلة من المصدر الإلهي فهي غير قابلة للتبديل أو التعديل لأنها معرفة صحيحة، مطلقة الحقيقة.
ونحن نزعم القول أنه لا ترد السياقات القرآنية الخاصة بالعلم إلا بشيء قد حصل، ولنعمل التفكير في الآيات التالية
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ محمد (30)
وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا الكهف (19)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ البقرة (197)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ البقرة (270)
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ آل عمران (36)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأنعام (60)
وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ الأنعام (124)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ الأنفال (60)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ التوبة (101)
ألا تدل هذه السياقات القرآنية على أن علم الله (الخاص بما يفعله البشر) قد أحاط بما كان قد حصل فعلا؟ وقد يرد البعض على الفور بالقول ولكن الله يعلم المصلح والمفسد والمؤمن والكافر، الخ.، مصداقاً لقوله تعالى:
وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ الأنعام (53)
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ الأنعام (58)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ يونس (40)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الأنعام (117)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ الأنعام (119)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) التوبة 42-44
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القصص (56)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا الإسراء (84)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ الحاقة (49)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ محمد (19)
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة (220)
ألا يعني ذلك أن الله قد علم بهم قبل أن يهتدوا أو يؤمنوا أو يعتدوا، وهكذا؟ نقول كلا، فالمصادر وصيغ التفضيل وأسماء المفاعيل (الفاعل والمفعول) في اللغة العربية مجردة من عنصر الزمن كما يعلم الجميع، فعندما تقول- مثلاً- فلان مؤمن، فذاك لا يشير إلى زمن إيمانه، فلمعرفة زمن ذلك الإيمان لابد من وجود قرينة لفظية أو سياقية توضح ذلك. ولنطرح المثال التالي لتوضيح الصورة:
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) التوبة 42-44
فهل تدل لفظتي "لكاذبون" في الآية 42 و "بالمتقين" في الآية 44 على الزمن الماضي أم الحاضر أم المستقبل؟ وبكلمات أخرى هل نفهم من الآية الكريمة أن علم الله يتمثل بما كان أم بما يكون أم بما سيكون من أمر الفئتين؟
رأينا: لا شك أن الآية بمجملها تتحدث عن علم الله بحالهم لما كان من أمرهم وما هو كائن نتيجة لذلك، ولكنها لا تتحدث عن استباق علم الله لحالهم، فالله قد علم أنهم كاذبون لما صدر منهم من أفعال (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ)، فهم إذاً لم يخرجوا مع النبي وبالتالي ثبت أنهم من الكاذبين، فاستحقوا أن ينعتوا إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وعلم كذلك بحال المتقين لما صدر منهم من أعمال (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).
وتتجلى الصورة بشكل لا لبس فيه عندما ترد هذه المعاني على صيغ الأفعال التي تدل على الزمن، ولنتدبر مثل هذه المعاني في سياقات أخرى:
ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ النجم (30)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ النجم (32)
فعندما نتدبر مفردات ضَلَّ و اهْتَدَىٰ و اتَّقَىٰ في الآيات السابقة نجد أنّ الله يعلم من ضل (وليس من سيضل) وهو أعلم بمن اهتدي (وليس من سيهتدي) وهو أعلم بمن اتقى (وليس من سيتقي)، وهكذا.
وتتضح الصورة أكثر عند اجتماع الفعل مع المصدر أو اسم الفاعل في الآية الواحدة:
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ القصص (85)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القلم (7)
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ النحل (125)
فهل المقارنة في قوله تعالى (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) بين من جاء بالهدى ومن سيضل أم بين من جاء بالهدى ومن ضل؟ وهل المقارنة في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) بين من ضل ومن سيهتدي أم بين من ضل ومن اهتدى؟!
افتراء من عند أنفسنا: نستنتج بناء على فهمنا لهذه السياقات القرآنية أن علم الله بالمهتدين والمتقين والمؤمنين، والمنافقين والكافرين، الخ. هو علم بما كان من أمرهم وليس بما سيكون عليه حالهم. وبكلمات بسيطة فإننا نقول أن الله يعلم ما كان من أمرهم من الإيمان والهدى والضلالة ولكنه لا يعلم بما سيكون من أمرهم من الإيمان والهدى والضلالة.
تبعات هذا الظن
أولاً: ربما بهذا الفهم يمكن تجلية معنى الخلق وسبب الحساب والعقاب، لأننا نظن أن الله لم يُعِد مسبقاً مسرحية هزلية محتومة الأحداث ومحسومة النتائج.
ثانياً: ربما بهذا الفهم تتجلى أفضلية الناس على بقية الخلق. ومعنى الخلافة وحقيقة التسيير والتخيير (للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: مقالة في التسيير والتخيير).
ولكن قبل الولوج في خضم تلك المجالات نجد لزاماً أن نحاول طرح السؤال الكبير التالي: ما الذي يعلمه الله وما الذي لا يعلمه؟ ولماذا؟
ما الذي لا يعلمه الله؟
افتراء من عند أنفسنا: إننا نعتقد أن الجواب على هذا التساؤل الكبير يكمن في مكان وجود المعلومة. ولكن كيف ذلك؟
رأينا: نحن نعتقد أن العلم المتعلق بالإنسان مكنون في مواقع أربعة لدى الإنسان:
(1) في قلبه، قال تعالى:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح (18)
(2) في صدره، قال تعالى:
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ النمل (74)
(3) في نفسه، قال تعالى:
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا الإسراء (25)
(4) من بين يديه ومن خلفه:
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ الحج (76)
ونحن نفتري الظن أن علم الله بأمر الإنسان مرتبط بشكل كبير بمكان وجود المعلومة، وما هو مطلوب هو أن نمعن التفكير بما ورد في كتاب الله بكيفية علم الله بما لدى الإنسان في كل موقع من هذه المواقع الأربعة، ولنبدأ بها الواحدة تلو الأخرى، ونحن نفهم الموضوع على النحو التالي:
افتراء من عند أنفسنا: إن أول ما تتولد المعلومة يكون محلها في القلب، ثم تنتقل بعدها إلى الصدر ومن ثم إلى النفس وأخيراً تظهر بين يدي الإنسان ومن خلفه.
وهذا بالضبط ما سينقلنا إلى الشق الآخر من الموضوع وهو موضوع جدلية القلب والعقل
وللحديث بقية
دعاء: أسأل الله رب أن يؤتيني من لدنه علماً لا ينبغي لأحد غيري إنه هو السميع العليم
بقلم د. رشيد الجراح
[1] للحديث عن موضوع الحقيقة والمجاز، انظر مقالتنا تحت عنوان: جدلية الحقيقة والمجاز في القرآن الكريم
[2] وهذا يتطلب – في ظننا- ضرورة الفصل بين الدواب من جهة والأنعام من جهة أخرى، لأن الدواب لها مستقر ومستودع بينما الأنعام ليس لها مثل هذا المستقر والمستودع. كما يجب الفصل بين الطيور التي تطير بجناحيها التي لها – في ظننا- مستقر ومستودع والطير التي لا تطير بجناحيها التي ليس لها مستقر ومستودع. للتفصيل انظر مقالاتنا تحت عنوان لحم الخنزير 1 و لحم الخنزير 2
[3] لاحظ أن الله تحدث عن يعقوب بصيغة أنه ذو علم، بينما جاء الحديث عن يوسف على أنه عليم، ولو حاولنا ربط ذلك بما جاء في قوله تعالى:
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
سنخلص إلى نتيجة أن يوسف أعلى مرتبة في العلم من والده يعقوب، فالعليم (يوسف)هو فوق كل ذي علم (يعقوب) مصداقاً لقوله تعالى (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، وسنتعرض لهذا في مبحثنا عن قصة يوسف لاحقاً بحول الله وتوفيقه (لذا فالله رب أسأله أن يعلمني من لدنه علماً إنه هو السميع العليم)