قصة يونس - الجزء الحادي عشر
قصة يونس – الجزء الحادي عشر
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
أما بعد،
أنهينا الجزء السابق من هذه المقالة بافتراء الظن من عند أنفسنا بأن الشجرة التي أُنبتت على يونس يوم أن أُلقي في العراء سقيما قد نبتت من حبة الخردل التي كانت متواجدة في تلك الصخرة التي لم تكن جزء من السموات ولا من الأرض، وهي – برأينا- التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية:
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
وكان خيالنا عن ما حصل في تلك اللحظة قد وصل إلى التصور بأن الحوت قد حمل يونس من داخل البحر في بطنه، وانطلق به إلى تلك الصخرة التي هي عند مجمع البحرين، وهناك أفرع ذلك الحوت حمولته، فأصبح يونس منبوذا في العراء، سقيما من جراء ما لحق به من الأذى في بطن الحوت. وهناك أُنبت عليه شجرة من فصيلة اليقطين (شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، فكان في تلك الشجرة الشفاء التام ليونس من سقمه. وقد وصل بنا الخيال إلى الظن بأن تلك الشجرة هي نوع من أنواع الأشجار المرجانية التي تنبت في صخور البحر، وخاصة تلك التي تتميز بها شطئان البحر الأحمر المرجانية (أو coral reefs باللسان الأعجمي). (للتفصيل انظر الجزء السابق من هذه المقالة).
تساؤلات جديدة
- كيف علم موسى عن ذلك الحوت وعن صاحبه؟
- ولماذا جاء مع فتاه إلى هناك؟
- وما الذي حصل في نهاية رحلة موسى مع الرجل؟
- وما علاقة ذلك الحوت بقصة حيتان البحر التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية؟
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
- وما علاقة ذلك بقصة تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما هي تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما علاقة ذلك بنهي بني إسرائيل عن الاعتداء في السبت؟
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
- لماذا جاء الأمر الإلهي لبني إسرائيل بأن لا يعدو في السبت؟
- كيف اختلف بنو إسرائيل في السبت؟
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
- لماذا لعن اللذين اعتدوا منهم في السبت؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
- لماذا جعل الله اللذين اعتدوا منهم في السبت قردة خاسئين؟
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
- الخ.
أما بعد،
بداية، نحن نجد لزاما علينا العودة مرات ومرات إلى الآية الكريمة التي تصور لنا أحسن تصوير قرار موسى الشخصي بأن يبلغ مجمع البحرين أو أن يمضي حقبا:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
لنستنبط من ذلك (ربما مخطئين) الافتراء التالي: كان موسى هو من اتخذ القرار بنفسه للذهاب في تلك الرحلة. فموسى هو من ذهب للقاء صاحب الحوت ليتعلم منه.
السؤال: من أين جاء لموسى العلم بقصة الحوت وصاحبه؟
رأينا: نحن نظن أن مصدر علم موسى بقصة الحوت وصاحبه هو مصدر إلهي، وذلك لأن موسى (يجب أن لا ننسى) قد حصل على العلم بتفصيل كل شيء في تلك الألواح التي كُتبت له:
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
لذا، توافر عن موسى من العلم المكتوب في تلك الألواح (نحن نفتري القول) تفصيلا لقصة الحوت وصاحبه.
لكن يبقى التساؤل التالي مشروعا: لماذا قرر موسى أن يذهب في تلك الرحلة البحرية؟ وما الذي دفعه لأن يترك بني إسرائيل وينطلق مع فتاه إلى تلك الصخرة الواقعة عند مجمع بين البحرين؟
رأينا المفترى: لقد تعرضنا لهذه الجزئية في واحدة من مقالاتنا السابقة في سلسلة قصة موسى، وكان الظن عندنا هو أنه في لحظة تاريخية محددة من سيرة موسى مع بني إسرائيل حصلت الحادثة التي تصورها الآيات الكريمة الخاصة بالدعوة التي صدرت من موسى لقومه أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم، أليس كذلك؟
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
لكن جاء الرد المباشر منهم بالتعذر عن دخولها بسبب وجود القوم الجبارين فيها:
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)
وفي تلك اللحظة الجدالية بين الطرفين، ينبري من بين الجمع كله رجلان فقط ليأتمران بأمر موسى، فجاءت دعوتهما لمن حولهم على النحو التالي:
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)
لكن ذلك لم يكن ليقنع القوم بالدعوة لدخول الأرض المقدسة، فيصرّ القوم على موقفهم بعدم الدخول في تلك الأرض ما لم يخرج منها القوم الجبارون، وينطلق لسانهم بالطلب من موسى بأن يذهب فيقاتل هو وربه:
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
فما يكون من موسى إلا الاعتذار لربه على رد هؤلاء القوم الفاسقين، مؤكدا في الوقت ذاته أن ملكيته لا تتجاوز أخاه هارون، فيطلب من ربه أن يفرق بينهم من جهة والقوم الفاسقين من جهة أخرى:
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
فتأتي الاستجابة الربانية على نحو أن تُحرَّم عليهم الأرض المقدسة أربعين سنة، يتيهون خلالها في الأرض:
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
فتكون الصورة الآن على النحو التالي:
- يتيه القوم الفاسقون في الأرض
- يفرق الله بين موسى وأخيه هارون من جهة والقوم الكافرين من جهة أخرى
- يكون هناك رجلان فقط من بني إسرائيل لا يصيبهم ما أصاب القوم الفاسقين لأنهم كانا بكل تأكيد رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا.
السؤال: ما الذي حصل بعد ذلك؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أنه بعد تلك الحادثة اتخذ موسى قراره أن يبلغ مجمع البحرين، ولكن المدقق في النص القرآني جيدا يجد أن موسى قد أخبر فتاه بهذا القرار:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
السؤال: من أين جاء فتى موسى هذا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن فتى موسى هذا كان أحد الرجلين اللذين خافا أنعم الله عليهما، وهما اللذان حثا قومهما أن يدخلا الأرض المقدسة التزاما بالطلب الذي طلبه موسى منهم جميعا:
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)
لذا أصبحت الصورة في ذهننا على النحو التالي: ما أن يفرق الله بين موسى وأخيه من جهة والقوم الفاسقين من جهة أخرى حتى تبقى من بينهم جميعا هذان الرجلان مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، فما يكون من موسى إلا أن يتخذ أحدهما فتى له ويترك الآخر فتى لأخيه هارون. وهنا تنتهي رحلة موسى مع بني إسرائيل اللذين الآن يواجهون التيه في الأرض مدة أربعين سنة. فما الذي سيفعله موسى الآن بعيدا عن بني إسرائيل؟
تخيلات مفتراة: في هذه الأوقات التي خلت من الأحداث المثيرة في سيرة موسى، لم يستطع موسى أن يسبت، فما كان منه إلا أن يتخذ قرارا بالذهاب في تلك الرحلة العلمية ليتعلم من صاحب الحوت الذي يجد تفاصيل قصته قد سُطِّرت في الألواح التي كُتبت له، فيخبر فتاه بأنه قد عقد النيّة على القيام بتلك الرحلة نحو البحر:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
ما أن بلغ موسى مع فتاه مجمع البحرين حتى كانت مهمة كل منهما مراقبة أحد البحرين بحثا عن الحوت (علامة اللقاء)، فأويا إلى الصخرة الواقعة عند مجمع بينهما، فوقف موسى يراقب بنفسه أحد البحرين ووقف فتاه يراقب البحر الآخر، وكانت المفارقة العجيبة (في مخيالنا) أن الحوت قد جاء من الجهة التي كان الفتى ربما مكلفا بمراقبتها، فما لاحظ وصول الحوت في الوقت المناسب.
في تلك الأثناء، جاء الحوت، فأفرغ حمولته (أي صاحبه)، واتخذ سبيله في البحر سربا، وكان ذلك بالضبط عن مجمع بينهما:
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
ولمّا لم يجلب الأمر انتباه الفتى في تلك اللحظة، كان بذلك ناسيا أن يخبر موسى بما حصل، فما كان من موسى (وهو المعروف بعجلته) إلا أن يتابع الذهاب في البحر حقبا:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
ولكن الرحلة كانت شاقة وربما طويلة بعض الشيء، حتى جاوزا المكان الذي كان من المفترض أن يتم اللقاء فيه، فطلب موسى من فتاه أن يأتيهما بغدائهما ليتقويا به على أعباء السفر الذي لقيا منه نصبا:
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)
وما أن تناولا طعام الغداء، وبدءا يأخذان قسطا من الراحة (نحن لازلنا نتخيل) حتى عادت مجريات الرحلة السابقة بتفاصيلها إلى مخيلة الفتى، وهناك فطن أنه قد رأى فعلا ذلك الحوت الذي اتخذ سبيله في البحر عَجَبًا:
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
ولو دققنا في هذا السياق القرآني جيدا، لوجدنا أن الفتى قد ألقى بالمسؤولية كاملة على عاتقه، فهو الذي نسي أن يذكره لموسى هناك، ولكنه أكد لموسى في تلك اللحظة بأن الحوت قد اتخذ سبيله في البحر فعلا عَجَبًا. فما كان من موسى إلى أن يرتد مع فتاه على آثارهما قصصا:
قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن وصل موسى وفتاه إلى تلك الصخرة (مرتدين على آثارهما قصصا) حتى وجدا ذاك الذي آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
فما يكون من موسى إلا أن يطلب منه الصحبة رغبة في تلقي العلم:
قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
وهنا تبدأ مجريات الأحداث التي نعرفها من خلال الآيات التي تصور تلك الصحبة بين الرجلين (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة موسى)
السؤال: ما الذي حصل لاحقا؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن تبدأ قصة اللذين هادوا من بني إسرائيل بعد التيه (أربعين سنة) حتى تكون هذه الصحبة لموسى حاضرة في حياتهم، فتبدأ إثارة التساؤلات بينهم على النحو التالي:
- من هو هذا الرجل الذي ذهب موسى (رسول الله وكليمه) بنفسه في فترة غيابهم (بسبب التيه) ليتعلم منه؟
- ومن هو هذا الرجل الذي لم يستطع موسى (رسول الله وكليمه) أن يصبر على صحبته؟
- ومن هو هذا الذي يعلم ما لم يكن موسى (رسول الله وكليمه) يعلمه؟
- الخ.
لم يكن ليأخذ النقاش بين الذين هادوا (أي عادوا من التيه) زمنا طويلا حتى ظهر من بينهم من يطير بخياله إلى أبعد مما يجب، فظن بعضهم أن هذا الرجل هو أعلى مرتبة من الناس بمن فيهم الرسل (كموسى نفسه)، لكنه - لا شك عندهم- أقل مرتبة من الرب الأعلى (الله)، لذا لابد أنه يتخذ مكانة بين الطرفين: الطرف البشري ممثلا بموسى والطرف الإلهي ممثلا بالرب نفسه، فما كان منهم إلا أن استنبطوا (خاطئين) بأن هذا هو ابن الله، فأسموه بلغتهم عزير:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30)
فكما أطرت النصارى المسيح وقالوا أنه ابن الله، فعل هؤلاء من ذي قبل الفعلة نفسها عندما قالوا أن عزير هو ابن الله. ولكن المدقق في الآيات القرآنية في سياقها الأوسع يجد أن هؤلاء لم يستمروا في العقيدة كما استمر فيها النصارى من بعدهم، وذلك لأنهم – نحن نظن- بالرغم من قولهم بأفواههم بأن عزير ابن الله إلا أنهم لم يتخذوه ربا من دون الله. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- الآية السابقة في سياقها الأوسع:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
نتيجة مفتراة 1: قال اليهود بأفواههم أن عزير أبن الله
نتيجة مفتراة 2: قالت النصارى بأفواههم أن المسيح ابن الله
نتيجة مفتراة 3: اتخذوا جميعا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله
نتيجة مفتراة 4: اتخذت النصارى على وجه التحديد المسيح ربا من دون الله. فظهرت فيهم عقيدة الثالوث
نتيجة مفتراة 5: لا يذكر النص القرآني أن اليهود قد اتخذوا عزير ربا من دون الله.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أنه لما لم يتخذ اللذين هادوا عزير ربا من دون الله لم تظهر فيهم عقيدة الثالوث الذي يزعم أن عزير هو أحد أطرافه كما فعلت النصارى مع المسيح.
السؤال: لماذا لم يستمر ظهور عزير في الديانة اليهودية حتى الآن؟
رأينا المفترى: لأنهم لم يتخذوه ربا من دون الله كما فعلت النصارى مع المسيح الذي اتخذوه ربا من دون الله.
السؤال: ما تبعات هذا الأمر؟
رأينا: إن صح زعمنا هذا، فإننا نظن أن غياب عزير من المشهد اليهودي (عندما لم يتخذوه ربا من دون الله) يدفعنا إلى طرح السؤال المحيّر التالي: إذا كان المسيح (كما ظن النصارى هو ابن الله) له اسم محدد بذاته وهو عيسى بن مريم، فما اسم عزير الذي ظن اليهود أنه ابن الله:
المسيح | عيسى بن مريم |
عزير | ؟ |
(للتفصيل حول اسم العزير انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: قصة موسى)
إن ما يهمنا طرحه الآن هو افتراء القول من عند أنفسنا بأنه كما للمسيح اسم يعرف به، فإن للعزير أيضا أسم يعرف به. فما هو؟
رأينا المفترى: في سلسلة مقالاتنا عن قصة موسى افترينا القول أن مفردة عزير هي كلمة يهودية الأصل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)، لذا فإن أصلها – في رأينا- عبرانيا قديما، لكن هذا الاسم قد أصابه التحريف في فترات التاريخ المتعاقبة، وكان أهم تحريف للاسم هو – كما ظن صاحبنا عصام درويش- تحول حرف العين في "عزير" إلى همزة، فأصبح "أزير". ولما دخل هذا الاسم إلى اللغة اليونانية (ذات الأصول الإغريقية) لحقه المقطع اللغوي الذي يميز تلك اللغة وهو "ايس"، فأصبح بعد ذلك يعرف بـ أوزريس، وهو المعروف بإله الحياة والخضرة في الثقافة المصرية القديمة، وهو الوحيد من بين الآلهة جميعا الذي يظهر بشكل بشري في الجداريات المصرية (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة موسى).
لكن هذا المنطق يتعلق بالتحريف الذي جاء من بعد، أي من بعد الافتراء الكاذب لليهود بأن عزير هو ابن الله، ليبقى السؤال التالي قائما: ماذا كان اسم هذا الرجل الحقيقي قبل أن يُنعت بصفة أنه ابن الله (أي قبل أن يكون عزيرا)؟
رأينا المفترى والخطير جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأنه لمّا أشكل الأمر على علماء بني إسرائيل، ولم يكن بمقدورهم معرفة هوية هذا الرجل الذي ذهب موسى ليتعلم منه، كان هدف اللذين يحرفون الكلام من بعد مواضعه منهم هو – لا شك عندنا- افتراء الكذب على الله، فكانوا هم اللذين يُؤْفَكُونَ، فاستحقوا القتال من الله، لأن ذلك كان – برأينا- من باب إصباغ الطابع الثقافي المحلي للذين كفروا من قبلهم (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ) على القصة الدينية الحقيقية:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30)
لذا نحن نفتري القول أن هؤلاء (الذين كان هدفهم تحريف الكلم من بعد مواضعه) قد ذهبوا بعيدا عن تفاصيل القصة الدينية الحقيقة في سبيل مجاراة قول اللذين كفروا من قبلهم. ولعلي أجزم الظن أن الأمر المبين الذي غفلوا عنه جميعا (ربما عن قصد عند أهل درايتهم وربما عن غير قصد عند أهل رواتهم) هو الجزء الأكثر وضوحا في القصة، ألا وهو الحوت. فبدل أن يقفوا عند تفاصيل القصة الدينية الحقيقية والمتمثلة بأن موسى (رسول الله وكليمه) قد ذهب للقاء صاحب الحوت عند مجمع البحرين طارت مخيلتهم في الآفاق لتصديق ظنون اللذين كفروا من قبلهم، فما استقروا إلاّ إلى القول بأن صاحب موسى هذا هو عزير، وهو ابن الله لأن موسى هو كليم الله ورسوله، فما يكون له أن يتعلم ممن هو أقل مرتبة منه. لكنهم (نحن نجزم الظن) لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن اسمه الحقيقي:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30)
ولو كانت نيتهم صادقة (نحن نؤمن) في البحث عن القصة الدينية الحقيقية، ولو كان هدفهم نبيلا في الوصول إلى الحقيقة، لما أعياهم البحث (نحن نعتقد) أن ينتبهوا بأن الرجل هو نفسه صاحب الحوت:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: نحن نفتري الظن بأن عزير الذي قالت اليهود أنه ابن الله هو صاحب الحوت الذي جاء موسى طالبا العلم على يديه. انتهى.
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
الدليل
لو تفقدنا هذه الآية الكريمة التي تخص الرجل الذي جاء موسى يتعلم عنده جيدا، لوجدنا على الفور أن الله قد تداركه باثنتين من نعمه وهما:
- الرحمة (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا)
- العلم (وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)
السؤال: إذا كان العلم الذي علّمه الله من لدنه لهذا الرجل معروفا، وهو ما جاء موسى طالبا تعلمه:
قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
فالسؤال الذي لا مفر منه هو: ما هي الرحمة التي آتاه الله إياها من عنده (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا)؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن تلك الرحمة كانت رحمة خاصة جدا بدليل أنها كانت من عند الله. فما هي؟
جواب مفترى: نحن نظن بداية أن الرحمة تتحصل نتيجة صرف العذاب:
قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)
نتيجة مفتراة: مادام أن الله قد آتى ذلك الرجل رحمة من عنده، فإن العذاب – لا شك- قد صُرف عنه. وهذا ما حصل في حالة من وقع عليهم العذاب من الأقوام البائدة، فالله هو من نجّى رسله والذين آمنوا معه برحمة منه:
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)
والرحمة – لا شك- تحمل في ثناياها كشف الضر أو السوء:
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48)
والآن، لو رجعنا إلى ما اختص الله به صاحب الحوت بهذا المفهوم المفترى من عند أنفسنا عن الرحمة، لوجدنا الآية الكريمة التالية:
لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
ولو بحثنا عن النعمة في كتاب الله لوجدنا أن النعمة تعني التعدد، لأن نعمة الله لا تحصى:
وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)
لذا، نحن نفتري الظن بأن هناك أكثر من نعمة واحدة أصابت هذا الرجل، ولو فتشنا عن الرجل الذي ذهب موسى لصحبته لوجدنا أن الله قد اختصه بأكثر من ميزة، وهي الرحمة والعلم:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
ولو حاولنا أن نربط ذلك بقصة صاحب الحوت لوجدنا أن الله قد اختصه بالرحمة بأن أنجاه من العذاب، وما أن أنجاه من العذاب حتى اجتباه وجعله من المرسلين:
وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
ثانيا، لو عدنا إلى قصة الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه لوجدنا فيها ما يدعو إلى الاستغراب:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
فبعد أن تساءل ذاك الرجل عن كيفية إحياء الله القرية الخاوية على عروشها أماته الله مئة عام ثم بعثه، ولما تبين له (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ)، كانت ردة فعله على النحو التالي (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ليكون السؤال هو على النحو التالي: من أين علم أن الله على كل شيء قدير؟
رأينا المفترى: لابد أن هذا الرجل قد مر بتجربة سابقة أثبتت له أن الله على كل شيء قدير.
السؤال: ما هي تلك التجربة التي مر بها؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن تجربته هي ما جاء في الآية الكريمة التالية:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
فالرجل هو – نحن نظن- صاحب الحوت الذي نادى في الظلمات، ولمّا كان الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، جاءت الاستجابة الربانية له بالنجاة من الغرق، لذا أصبح الرجل على قناعة تامة بأن الله على كل شيء قدير (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وهنا ربما يبادرنا القارئ الكريم بالتساؤل التالي: إذا كان الرجل يعلم أن الله على كل شيء قدير، فلم إذن طلب من الله أن يريه كيف يحيي هذه القرية بعد موتها؟
رأينا المفترى: لو تدبرنا طلب الرجل جيدا، لوجدنا أن الرجل لم يكن (نحن نؤمن) يشك بقدرة الله قيد أنملة. فهو قد علم من ذي قبل أن الله على كل شيء قدير، بدليل أن الفعل جاء بصيغة المقر بهذه الحقيقة التي لا جدال فيها (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ولكن الرجل كان - برأينا- يريد أن يري الكيفية، أي كيفية إحياء الموتى. لذا جاءت الاستجابة الربانية في صيغة الطلب، فالله لم يشكك بإيمان الرجل بأن الله على كل شيء قدير كما حصل في حالة إبراهيم مثلا:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
ولكنه أراه بأم عينه كيفية إحياء الموتى على أرض الواقع خطوة بخطوة:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
ولم يطلب الله منه أن يأخذ شيئا ويضعه على جبل كما طلب من إبراهيم:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
وسنرى لاحقا (عن أذن الله لنا بشيء من علمه لم كان الجبل هو المكان الأمثل لوضع تلك الطير عليه، ولم كان تسخير الجبال لأيوب، ولم عرضت الآمانة على الجبال، وما قصة الجبال كلها في سلسلة مقالات وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ وَغَرَابِيبُ سُودٌ. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا – آمين).
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
إن ما يهمنا قوله هنا هو أن هذا الرجل كان قبل حادثة موته على علم، وما أن مر بتجربة الموت مئة عام تبين له علم جديد:
قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
فأصبح الرجل يملك علما جديدا يضاف إلى علمه القديم، فأصبح بذلك عزير.
السؤال: ما معنى عزير؟
معنى عزير
تحدثنا عن هذه المفردة في الجزء الرابع من سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة موسى، إلا أننا نجد أن الضرورة تستدعي العودة لمراجعة ما جاء هناك من افتراءات حول الموضوع، كما لا نجد ضيرا في إعادة صياغة بعض الأفكار التي وردت هناك والتي نظن أن لها علاقة مباشرة بفحوى النقاش هنا.
أما بعد،
فلقد ظننا – مفترين القول من عند أنفسنا- بأن مفردة "عزير" مشتقة من التعزير، كما ترد باشتقاقاتها المختلفة في السياقات القرآنية التالية:
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ المائدة (12)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف (157)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) الفتح
ولو تدبرنا هذه السياقات القرآنية جيدا، لربما استطعنا افتراء بعض المشاهدات التي نظن أنها صحيحة بخصوص مفردة التعزير.
أولاً، جاءت المفردة بمعنى إيجابي، لذا نطلب من القارئ الكريم أن لا يربط المفردة بالمعنى "الشعبي" المتوارث في ذهنا عن عقوبة التعزير، والآية الكريمة التالية تظهر بما لا يدع مجالاً للشك المعنى الإيجابي لمفردة التعزير:
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
فالآية الكريمة تطلب من الناس تعزير الرسل. فكيف يمكن أن يكون تعزير رسل الله؟
ثانياً، جاءت المفردة بمعنى يختلف عن الإيمان، فالنص القرآني يتحدث عن الإيمان والتعزير معاً، فلابد إذن من التمييز بين الإيمان بالرسل من جهة وتعزير الرسل من جهة أخرى:
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
والتعزير – حسب الآية الكريمة نفسها- يختلف أيضاً عن إقامة الصلاة أو إيتاء للزكاة أو إيماناً بالرسل أو إقراض الله قرضاً حسناً
ثالثاً، جاءت المفردة بمعنى يختلف عن النصرة والإتباع، بدليل الترادف في الآية الكريمة التالية:
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ
رابعاً، جاءت المفردة بمعنى يختلف عن توقير الرسول أو التسبيح :
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
خامساً، وأخيرا نقول جاء التعزير ليكون على الدوام خاصاً بعمل يقوم به الناس بمجموعهم للرسول (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) و (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) و (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ)، لنطرح بناء على هذه المشاهدة التساؤل التالي: كيف يمكن تعزير الرسل؟ وكيف نستطيع نحن أن نعزر رسولاً جاء برسالة من ربه؟
جواب: لنعد إلى قصة عقوبة التعزير لنستوحي من خلالها بعض المعاني
أولاً، التعزير هي عقوبة
ثانياً، التعزير فيها شهادة، حيث يستطيع أن يشهد جمع من الناس العقوبة
ثالثاً، غالباً ما تكون عقوبة التعزير معززة لعقوبة أخرى سابقة لها، فليس في عقوبة التعزير بحد ذاته حد من حدود الله، فالجلد وقطع اليد ونحوهما هي العقوبات المنصوص عليها، أما ما جاء في عقوبة التعزير فهي إضافة على ما سبق، وهنا يجب أن نجلب السياق القرآني التالي:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف (157)
لنطرح على الفور السؤال التالي: لماذا جاءت تعزير النبي الأمي عند الحديث عن من كان مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؟ أو بكلمات أخرى نحن نسأل: من الذي يمكن أن يعزر محمدا؟
جواب مفترى: نحن نفتري القول بأن تعزير محمد لا يكون إلا من عند أهل الكتاب.
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأنه ما أن يؤمن نفر من أهل التوراة والإنجيل على وجه الخصوص بالنبي محمد (النبي الأمي) الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل إلا ويكون ذلك ليس فقط من باب الإيمان وكفى وإنما من باب التعزير أيضاً، ولكن لماذا؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن إيمان نفر من بني إسرائيل (يهودا كانوا أو ونصارى) بالرسول محمد يختلف عن إيمان الأعراب بالرسول محمد، وذلك لأن إيمان بني إسرائيل يأتي – في ظننا- من باب الإيمان بسبب ما توافر عندهم من علم مسبق موجود عندهم في التوراة والإنجيل، فهم يؤمنون بالنبي محمد بناءَ على علم سابق عندهم، لذا نحن نظن أن إيمانهم يأتي من باب العلم على علم، فيكون بذلك – برأينا- تعزيراً (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ). والآن انظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياقات القرآنية الخاصة بالتعزير كلها من هذا الجانب:
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ المائدة (12)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف (157)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) الفتح
السؤال: ما علاقة ذلك كله بعزير اليهود الذي نتحدث عنه هنا؟
جواب: لنقرأ الآية الكريمة التي تتحدث عن ذلك الرجل الذي مر على القرية وهي خاوية على عروشها لنتأمل بعض ما جاء فيها:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
لاحظ – عزيزي القارئ- آخر ما قاله الرجل (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) لنطرح من خلال ذلك التساؤل التالي: ما دام أن الرجل يعلم أن الله على كل شيء قدير، فلم طلب أصلاً أن يعلم كيف يحيي الله هذه بعد موتها؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الرجل قبل أن يميته الله كان علم أن الله على كل شيء قدير (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)، وقد طلب علماً ليضيفه على العلم الموجود أصلاً لديه، فجاءه علم جديد بيّنه الله بنفسه له (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)، وحصل كل ذلك بعد أن أماته الله مئة عاماً (ربما عقوبة وربما مكافأة)، وما أن بعثه الله حتى آتاه علماً جديداً بأن أراه كيف ينشز العظام ثم يكسوها لحماً، فجاء الرجل علماً على علم، فكان بذلك – في ظننا- عزيرا.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الرجل كان على علم قبل أن يميته الله مئة عام، وما أن بعثه الله بعد أن أماته مئة عام حتى آتاه علماً فوق علمه السابق، فأصبح بذلك عزيرا.
ولا ننسى كذلك أن في العقوبة (ومنه القصاص) حياة:
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
لو فهمنا أن في موت الرجل ذاك كان قصاصاً منه، لن نعدم الفهم بأنه كان حياة له:
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
السؤال: أين ذلك الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه؟ وهل عاد ليموت مرة أخرى ليبعث من جديد في يوم الحشر الأكبر؟ فكم مرة إذن سيكون قد مات وقد بعث؟ من يدري؟!!!
لكن الذي لا يجب الغفلة عنه هو أن هذا الرجل هو – في ظننا- صاحب الحوت:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
ليكون السؤال الذي يجب أن يطرح الآن على الفور هو: ما قصة الحوت في القرآن الكريم؟
لو حاولنا تتبع الخيوط العنكبوتية التي تربط الحوت في السياقات القرآنية كلها لما وجدنا أن الحوت قد ذكر إلا في موضعين اثنين وهما:
- قصة يونس الذي لا نشك أنه هو صاحب الحوت
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
- قصة بني إسرائيل (موسى) الخاصة بالقرية حاضرة البحر التي كانت موطن اللذين اعتدوا من بني إسرائيل في السبت:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
ليكون السؤال الذي لا مفر منه هو: لماذا؟ ما سبب أن ذكر الحوت جاء خاصا بهذين الموطنين وفي سياق الحديث عن هذين الرسولين الكريمين (يونس وموسى)؟ فما الذي يجمع ذلك الحوت الذي التقم يونس عندما ذهب مغاضبا؟
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
مع قصة الحوت (والحيتان) في قصة موسى؟ وما الذي جعل الحوت يظهر من جديد في رحلة موسى مع فتاه إلى مجمع البحرين؟
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
لمّا كنا نظن أن لا شيء في كتاب الله يؤخذ على سبيل المصادفة، وأن القرآن الكريم هو كتلة واحدة يفسر بعضه بعضا، كان لابد من التسليم بأن هناك رابطا قويا بين الموطنين، الأمر الذي دفعنا منذ بداية هذه المقالة إلى طرح تساؤلات مثيرة ستشكل في مجملها جل النقاش فيما تبقى من هذا الجزء من المقالة وفي الأجزاء القادمة بحول الله ومشيئته. فالله حده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، وأن يأذن لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري، وأن يهديني إلى الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب عن علم وعن غير علم مني، إنه هو السميع العليم – آمين)
التساؤلات:
- ما علاقة ذلك الحوت بقصة حيتان البحر التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية؟
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
- وما علاقة ذلك بقصة تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما هي تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما علاقة ذلك بنهي بني إسرائيل عن الاعتداء في السبت؟
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
- لماذا جاء الأمر الإلهي لبني إسرائيل بأن لا يعدو في السبت؟
- كيف اختلف بنو إسرائيل في السبت؟
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
- لماذا لعن اللذين اعتدوا منهم في السبت؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
- لماذا جعل الله اللذين اعتدوا منهم في السبت قردة خاسئين؟
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
- الخ.
بداية، نحن نظن أن القرية حاضرة البحر هي القرية نفسها التي اعتدى بعض أهلها على حيتان البحر يوم سبتهم:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
كما نظن أيضا بأن أهل تلك القرية هم اللذين جاءهم الأمر الإلهي بعدم الاعتداء في السبت. كما نؤمن يقينا بأن جزءا منهم (وليس كلهم) قد اعتدوا في السبت وهم الذين جعلوا قردة خاسئين:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
ليكون السؤال المفصلي الأول هو: لماذا جاء النهي الإلهي لهؤلاء القوم بأن لا يعتدوا في السبت؟ فما قصة الحيتان؟ وما قصة السبت؟
منطقنا المفترى: نحن نظن أنه من أجل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات فلابد (نحن نفتري القول) من الخوض في موضوع تسمية الأيام (أيام الأسبوع: السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة) كما جاءت في كتاب الله.
أما بعد،
لو تدبرنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن القوم قد اختلفوا في السبت، أليس كذلك؟
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
السؤال: كيف اختلف هؤلاء القوم في السبت؟ ولماذا اختلفوا في السبت؟ وما هو السبت الذي اختلفوا فيه أصلا؟
رأينا المفترى: لو تدبرنا الآية الكريمة التالية لوجدنا فيها شيئا يدعو إلى طرح تساؤلات مثير جدا، والآية هي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
التساؤلات
- لماذا الجمعة؟
- وما هو ذكر الله؟
- لماذا أمرنا أن نذر البيع في يوم الجمعة؟
- لماذا أمرنا بالانتشار في الأرض بعد انقضاء الصلاة؟
- لِم لم يأتينا الأمر الإلهي بالكف عن البيع وعن التجارة في السبت كما جاء بني إسرائيل من قبلنا؟
- فهل اختلفت سنة الله فينا وفيهم؟
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
- أم هل يقع هذا الاختلاف في باب أن الله قد جعل لكل منا شرعة ومنهاجا؟
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
- الخ.
افتراءات خطيرة جدا جدا لا تصدقوها
- نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن "السبت" ليس يوم من أيام الأسبوع
- نحن نفتري الظن بأن أيام الأسبوع هي ستة أيام فقط وليس سبعة كما هو معروف عند العالمين
- نحن نفتري الظن بأن السبت هو يوم من صناعة اللذين كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه من أهل الكتاب
- نحن نفتري القول أن أول ما حصل ذلك كان عند اللذين اختلفوا في السبت
السؤال: كيف حصل ذلك كله؟
أولا، لو دققنا في النص القرآني جيدا، لما وجدنا أن الله قد وصف السبت على أنه يوم، فلم يأت في النص القرآني أن هناك يوم من أيام الأسبوع يسمى "السبت" كما هي الحال بالنسبة لـ "يوم الجمعة":
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
نتيجة مفتراة 1: الجمعة يوم
نتيجة مفتراة 2: السبت ليس يوم
ثانيا، لو دققنا أكثر في النص القرآني، لوجدنا أن الله قد جعل لكل سبتا، بدليل أنهم قد نهوا عن الاعتداء في يوم سبتهم:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
رأينا المفترى: لما كان هناك يوم سبتهم، كان هناك يوم سبت غيرهم، فلكل كان هناك سبت يختلف عن سبت الآخرين
نتيجة مفتراة خطيرة: نحن نظن بناء على هذا الفهم (ربما مخطئين) بأن الجمعة هي يوم سبتنا.
السؤال: لماذا؟ لماذا نظن بأن الجمعة هي يوم سبتنا؟
رأينا: لو دققنا في النص القرآني أكثر، ربما استطعنا أن نستنبط بأن السبت هو فعل قائم يمكن للجميع أن يفعلوه، ولكنه ليس وقتا معلوما بنفسه. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة السابقة نفسها:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
فالقوم، إذن، كان يسبتون، أليس كذلك؟
السؤال: ما معنى أن القوم كانوا يسبتون؟ وكيف يسبتون؟ وكيف تكون حالهم عندما يسبتون؟ وكيف تكون حالهم عندما لا يسبتون؟
رأينا: نحن نظن أن السبت مأخوذة من "السبات"، وهي تعني – برأينا- الكف عن فعل ما هو مألوف في العادة، أي التوقف عن العمل كليا، كما يفعل النائم:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
لكن لا ننسى أن هؤلاء القوم كانوا يسبتون في اليوم وليس في الليلة:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
فهل من يسبت أثناء النوم لا يفعل شيئا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبات هو الكف عن العمل المعهود من أجل غاية أخرى هي أكثر أهمية.
السؤال: ماذا كان مطلوب من القوم أن يفعلوا في يوم سبتهم؟
رأينا: لو رجعنا إلى الآية التي تتحدث عن يوم الجمعة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
لوجدنا أن فيها ما يلي:
1. المناداة للصلاة
2. الأمر بالسعي إلى ذكر الله
3. الصلاة
4. الانتشار في الأرض بعد انقضاء الصلاة
5. ابتغاء الفضل من الله
6. الدعوة إلى ذكر الله كثيرا
ليكون السؤال المطروح الآن هو: ما الذي يترتب على ذلك كله؟
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
السؤال: أين ذلك الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه؟ وهل عاد ليموت مرة أخرى ليبعث من جديد في يوم الحشر الأكبر؟ فكم مرة إذن سيكون قد مات وقد بعث؟ من يدري؟!!!
لكن الذي لا يجب الغفلة عنه هو أن هذا الرجل هو – في ظننا- صاحب الحوت:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
ليكون السؤال الذي يجب أن يطرح الآن على الفور هو: ما قصة الحوت في القرآن الكريم؟
لو حاولنا تتبع الخيوط العنكبوتية التي تربط الحوت في السياقات القرآنية كلها لما وجدنا أن الحوت قد ذكر إلا في موضعين اثنين وهما:
- قصة يونس الذي لا نشك أنه هو صاحب الحوت
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
- قصة بني إسرائيل (موسى) الخاصة بالقرية حاضرة البحر التي كانت موطن اللذين اعتدوا من بني إسرائيل في السبت:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
ليكون السؤال الذي لا مفر منه هو: لماذا؟ ما سبب أن ذكر الحوت جاء خاصا بهذين الموطنين وفي سياق الحديث عن هذين الرسولين الكريمين (يونس وموسى)؟ فما الذي يجمع ذلك الحوت الذي التقم يونس عندما ذهب مغاضبا؟
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
مع قصة الحوت (والحيتان) في قصة موسى؟ وما الذي جعل الحوت يظهر من جديد في رحلة موسى مع فتاه إلى مجمع البحرين؟
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
لمّا كنا نظن أن لا شيء في كتاب الله يؤخذ على سبيل المصادفة، وأن القرآن الكريم هو كتلة واحدة يفسر بعضه بعضا، كان لابد من التسليم بأن هناك رابطا قويا بين الموطنين، الأمر الذي دفعنا منذ بداية هذه المقالة إلى طرح تساؤلات مثيرة ستشكل في مجملها جل النقاش فيما تبقى من هذا الجزء من المقالة وفي الأجزاء القادمة بحول الله ومشيئته. فالله حده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، وأن يأذن لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري، وأن يهديني إلى الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب عن علم وعن غير علم مني، إنه هو السميع العليم – آمين)
التساؤلات:
- ما علاقة ذلك الحوت بقصة حيتان البحر التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية؟
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
- وما علاقة ذلك بقصة تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما هي تلك القرية التي كانت حاضرة البحر؟
- وما علاقة ذلك بنهي بني إسرائيل عن الاعتداء في السبت؟
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)
- لماذا جاء الأمر الإلهي لبني إسرائيل بأن لا يعدو في السبت؟
- كيف اختلف بنو إسرائيل في السبت؟
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
- لماذا لعن اللذين اعتدوا منهم في السبت؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
- لماذا جعل الله اللذين اعتدوا منهم في السبت قردة خاسئين؟
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
- الخ.
بداية، نحن نظن أن القرية حاضرة البحر هي القرية نفسها التي اعتدى بعض أهلها على حيتان البحر يوم سبتهم:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
كما نظن أيضا بأن أهل تلك القرية هم اللذين جاءهم الأمر الإلهي بعدم الاعتداء في السبت. كما نؤمن يقينا بأن جزءا منهم (وليس كلهم) قد اعتدوا في السبت وهم الذين جعلوا قردة خاسئين:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
ليكون السؤال المفصلي الأول هو: لماذا جاء النهي الإلهي لهؤلاء القوم بأن لا يعتدوا في السبت؟ فما قصة الحيتان؟ وما قصة السبت؟
منطقنا المفترى: نحن نظن أنه من أجل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات فلابد (نحن نفتري القول) من الخوض في موضوع تسمية الأيام (أيام الأسبوع: السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة) كما جاءت في كتاب الله.
أما بعد،
لو تدبرنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن القوم قد اختلفوا في السبت، أليس كذلك؟
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
السؤال: كيف اختلف هؤلاء القوم في السبت؟ ولماذا اختلفوا في السبت؟ وما هو السبت الذي اختلفوا فيه أصلا؟
رأينا المفترى: لو تدبرنا الآية الكريمة التالية لوجدنا فيها شيئا يدعو إلى طرح تساؤلات مثير جدا، والآية هي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
التساؤلات
- لماذا الجمعة؟
- وما هو ذكر الله؟
- لماذا أمرنا أن نذر البيع في يوم الجمعة؟
- لماذا أمرنا بالانتشار في الأرض بعد انقضاء الصلاة؟
- لِم لم يأتينا الأمر الإلهي بالكف عن البيع وعن التجارة في السبت كما جاء بني إسرائيل من قبلنا؟
- فهل اختلفت سنة الله فينا وفيهم؟
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
- أم هل يقع هذا الاختلاف في باب أن الله قد جعل لكل منا شرعة ومنهاجا؟
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
- الخ.
افتراءات خطيرة جدا جدا لا تصدقوها
- نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن "السبت" ليس يوم من أيام الأسبوع
- نحن نفتري الظن بأن أيام الأسبوع هي ستة أيام فقط وليس سبعة كما هو معروف عند العالمين
- نحن نفتري الظن بأن السبت هو يوم من صناعة اللذين كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه من أهل الكتاب
- نحن نفتري القول أن أول ما حصل ذلك كان عند اللذين اختلفوا في السبت
السؤال: كيف حصل ذلك كله؟
أولا، لو دققنا في النص القرآني جيدا، لما وجدنا أن الله قد وصف السبت على أنه يوم، فلم يأت في النص القرآني أن هناك يوم من أيام الأسبوع يسمى "السبت" كما هي الحال بالنسبة لـ "يوم الجمعة":
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
نتيجة مفتراة 1: الجمعة يوم
نتيجة مفتراة 2: السبت ليس يوم
ثانيا، لو دققنا أكثر في النص القرآني، لوجدنا أن الله قد جعل لكل سبتا، بدليل أنهم قد نهوا عن الاعتداء في يوم سبتهم:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
رأينا المفترى: لما كان هناك يوم سبتهم، كان هناك يوم سبت غيرهم، فلكل كان هناك سبت يختلف عن سبت الآخرين
نتيجة مفتراة خطيرة: نحن نظن بناء على هذا الفهم (ربما مخطئين) بأن الجمعة هي يوم سبتنا.
السؤال: لماذا؟ لماذا نظن بأن الجمعة هي يوم سبتنا؟
رأينا: لو دققنا في النص القرآني أكثر، ربما استطعنا أن نستنبط بأن السبت هو فعل قائم يمكن للجميع أن يفعلوه، ولكنه ليس وقتا معلوما بنفسه. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة السابقة نفسها:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
فالقوم، إذن، كان يسبتون، أليس كذلك؟
السؤال: ما معنى أن القوم كانوا يسبتون؟ وكيف يسبتون؟ وكيف تكون حالهم عندما يسبتون؟ وكيف تكون حالهم عندما لا يسبتون؟
رأينا: نحن نظن أن السبت مأخوذة من "السبات"، وهي تعني – برأينا- الكف عن فعل ما هو مألوف في العادة، أي التوقف عن العمل كليا، كما يفعل النائم:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
لكن لا ننسى أن هؤلاء القوم كانوا يسبتون في اليوم وليس في الليلة:
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
فهل من يسبت أثناء النوم لا يفعل شيئا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبات هو الكف عن العمل المعهود من أجل غاية أخرى هي أكثر أهمية.
السؤال: ماذا كان مطلوب من القوم أن يفعلوا في يوم سبتهم؟
رأينا: لو رجعنا إلى الآية التي تتحدث عن يوم الجمعة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
لوجدنا أن فيها ما يلي:
1. المناداة للصلاة
2. الأمر بالسعي إلى ذكر الله
3. الصلاة
4. الانتشار في الأرض بعد انقضاء الصلاة
5. ابتغاء الفضل من الله
6. الدعوة إلى ذكر الله كثيرا
ليكون السؤال المطروح الآن هو: ما الذي يترتب على ذلك كله؟
رأينا: نحن نظن أن أول متطلبات الالتزام بهذا الأمر الإلهي هو "السبات"، أي الكف عن العمل الدنيوي المألوف من أجل التفرغ لعبادة خاصة وهي "ذكر الله".
السؤال: لماذا جاء الطلب من المؤمنين بالسعي إلى ذكر الله في يوم الجمعة على وجه التحديد؟
رأينا: نحن نظن أن الوقت قد حان هنا أن نتدبر سورة "الجمعة" بأكملها مرة واحدة، لننظر فيما جاءنا فيها من عند ربنا:
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
لو دققنا في بداية هذه السورة العظيمة لوجدناها قد افتتحت بالآية الكريمة التي تؤكد حقيقة كونية مطلقة وهي أن اللذين يسبحون الله هم:
- ما في السموات
- ما في الأرض
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
لذا نحن نتجرأ على أن نستنبط الافتراء الخطير التالي: لا يسبح الله ما هو موجود بين السماء والأرض (أي ما هو موجود بينهما). فالكائنات البحرية (وهي الموجودة بين السماء والأرض كما افترينا الظن في الجزء السابق) ليس مطلوب منها تسبيح الله. ونحن نظن أن هذا الافتراء الخطير سيفيدنا كثيرا عندما نعود لقصة يونس وخاصة مناداته في بطن الحوت بالتسبيح على وجه التحديد:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
(دعاء: فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، إنه هو السميع العليم)
ثانيا، جاءت الآية الثانية في سورة الجمعة لترشدنا إلى أن مهمة الرسول الذي بعثه الله فينا من أنفسنا هي ذات ثلاث أوجه:
- تلاوة الآيات علينا
- تزكيتنا
- تعليمنا الكتاب والحكمة
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
ولو دققنا في نهاية هذه الآية الكريمة لوجدنا أننا كنا من قبل ذلك في ظلال مبين (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). ولو تابعنا قراءة السورة الكريمة لوجدنا أن الآية اللاحقة تبين لنا على الفور بأن حالة الظلال هذه لم تقتصر علينا وحدنا، ولكنها أيضا حال آخرين لما يلحقوا بنا:
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
ثم نتابع الآية الرابعة لنجد أنها تبين لنا بأن ذلك هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده:
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
(دعاء: أللهم أسألك نفاذ أمرك بمشيئتك لي بذاك الفضل، فأعلم أني أشاء ذلك)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: بيّن الله لنا في سورة الجمعة (كما نفهمها) أن تسبيح الله هي حال كل ما في السموات والأرض (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، لذا نحن نفتري الظن بأننا (أي الناس) غير مستثنين من هذه السنة الكونية، وهي تسبيح الله، فعلينا أن نمتثل أمر الله بأن نكون من المسبحين خاصة (برأينا) في يوم الجمعة على وجه التحديد. وهذا التسبيح يجب أن يكون على النحو الذي جاءنا به الرسول النبي الأمي الذي بعثه الله فينا من أنفسنا، ويكون ذلك بتلاوة الآيات (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، والتزكية (وَيُزَكِّيهِمْ) ثم تعليم الكتاب والحكمة (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). لذا يجب أن يترك الإنسان (نحن نتجرأ على الافتراء) كل عمل دنيوي في يوم الجمعة لينقطع إلى مهمة محددة فيه، ألا وهي "ذكر الله". فالمؤمن (كل مؤمن) إذن مأمور بالسعي إلى ذكر الله حال المناداة للصلاة في ذلك اليوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ). وبخلاف ذلك نبقى في ظلال مبين كحال الآخرين اللذين لم يلحقوا بنا، فما امتثلوا لهذا الأمر الرباني عندما لم يلحقوا بركب الساعين إلى ذكر الله عند سماع النداء. ولا يجب أن ننسى أن سعينا إلى ذكر الله في ذلك اليوم من أجل تلاوة الآيات والتزكية وتعلم الكتاب والحكمة وهو الفضل من الله لا يكون إلا لمن شاء ذلك (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء). فالله - لا شك- سيؤتي فضله ذلك من خرج من بيته ساعيا إلى ذكر الله وإلى الصلاة ونيته مربوطة على ذلك.
(دعاء: اللهم أسألك الفضل منك في يوم الجمعة)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
السؤال: هل هذا السعي إلى ذكر الله خاص فقط بهذه الأمة التي بعث الله فيها ذاك النبي الأمي؟ أم هل هي سنة من سنن الله في اللذين خلوا من قبلنا؟
جواب مفترى: دعنا نتابع قراءة سورة الجمعة نفسها، لنجد الآية الخامسة تتحدث مباشرة عن اللذين حملوا التوراة ولم يحملوها:
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
ولو حاولنا أن نربط ما جاء في هذه الآية الكريمة بالسياق القرآني السابق (كما نفهمه)، لربما استطعنا أن نفتري القول بأن هذا الفضل الإلهي لم يكن خاصا بنا فقط، ولكنها سنة من سنن الله في اللذين خلوا من قبلنا، فقد كان فضل الله واضحا على من أنزلت عليهم التوراة، ولكن ما الذي حصل؟
رأينا: لا شك عندنا أن أهل التوراة كانوا مطالبين بما فيها من الهدى والنور:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
لتكون النتيجة مفتراة التي نحاول تسويقها هي: إن الالتزام بما جاء في التوراة بعد فهم ما جاء فيها (كـ فهم ما جاء في القرآن) سيرشدنا – لا محالة- إلى النور الذي سيخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربنا:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
نتيجة مفتراة 1: نحن نظن أن اللذين يسعون إلى ذكر الله في يوم الجمعة تلبية للنداء مؤهلين أن يخرجهم ربهم من الظلمات إلى النور
نتيجة مفتراة 2: إن اللذين لا يلحقون بركب الساعين إلى ذكر الله من يوم الجمعة سيظلون في ظلال مبين.
فهل يستوون؟!
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)
السؤال: لكن كيف يتم ذلك؟
رأينا: بداية نحن نؤمن أن الله هو من جعل الظلمات والنور بعد أن خلق السموات والأرض:
لِلَّهِ الَّذِي خَلَالْحَمْدُ قَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)
السؤال: لماذا جاء الطلب من المؤمنين بالسعي إلى ذكر الله في يوم الجمعة على وجه التحديد؟
رأينا: نحن نظن أن الوقت قد حان هنا أن نتدبر سورة "الجمعة" بأكملها مرة واحدة، لننظر فيما جاءنا فيها من عند ربنا:
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
لو دققنا في بداية هذه السورة العظيمة لوجدناها قد افتتحت بالآية الكريمة التي تؤكد حقيقة كونية مطلقة وهي أن اللذين يسبحون الله هم:
- ما في السموات
- ما في الأرض
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
لذا نحن نتجرأ على أن نستنبط الافتراء الخطير التالي: لا يسبح الله ما هو موجود بين السماء والأرض (أي ما هو موجود بينهما). فالكائنات البحرية (وهي الموجودة بين السماء والأرض كما افترينا الظن في الجزء السابق) ليس مطلوب منها تسبيح الله. ونحن نظن أن هذا الافتراء الخطير سيفيدنا كثيرا عندما نعود لقصة يونس وخاصة مناداته في بطن الحوت بالتسبيح على وجه التحديد:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
(دعاء: فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، إنه هو السميع العليم)
ثانيا، جاءت الآية الثانية في سورة الجمعة لترشدنا إلى أن مهمة الرسول الذي بعثه الله فينا من أنفسنا هي ذات ثلاث أوجه:
- تلاوة الآيات علينا
- تزكيتنا
- تعليمنا الكتاب والحكمة
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
ولو دققنا في نهاية هذه الآية الكريمة لوجدنا أننا كنا من قبل ذلك في ظلال مبين (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). ولو تابعنا قراءة السورة الكريمة لوجدنا أن الآية اللاحقة تبين لنا على الفور بأن حالة الظلال هذه لم تقتصر علينا وحدنا، ولكنها أيضا حال آخرين لما يلحقوا بنا:
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
ثم نتابع الآية الرابعة لنجد أنها تبين لنا بأن ذلك هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده:
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
(دعاء: أللهم أسألك نفاذ أمرك بمشيئتك لي بذاك الفضل، فأعلم أني أشاء ذلك)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: بيّن الله لنا في سورة الجمعة (كما نفهمها) أن تسبيح الله هي حال كل ما في السموات والأرض (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، لذا نحن نفتري الظن بأننا (أي الناس) غير مستثنين من هذه السنة الكونية، وهي تسبيح الله، فعلينا أن نمتثل أمر الله بأن نكون من المسبحين خاصة (برأينا) في يوم الجمعة على وجه التحديد. وهذا التسبيح يجب أن يكون على النحو الذي جاءنا به الرسول النبي الأمي الذي بعثه الله فينا من أنفسنا، ويكون ذلك بتلاوة الآيات (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، والتزكية (وَيُزَكِّيهِمْ) ثم تعليم الكتاب والحكمة (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). لذا يجب أن يترك الإنسان (نحن نتجرأ على الافتراء) كل عمل دنيوي في يوم الجمعة لينقطع إلى مهمة محددة فيه، ألا وهي "ذكر الله". فالمؤمن (كل مؤمن) إذن مأمور بالسعي إلى ذكر الله حال المناداة للصلاة في ذلك اليوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ). وبخلاف ذلك نبقى في ظلال مبين كحال الآخرين اللذين لم يلحقوا بنا، فما امتثلوا لهذا الأمر الرباني عندما لم يلحقوا بركب الساعين إلى ذكر الله عند سماع النداء. ولا يجب أن ننسى أن سعينا إلى ذكر الله في ذلك اليوم من أجل تلاوة الآيات والتزكية وتعلم الكتاب والحكمة وهو الفضل من الله لا يكون إلا لمن شاء ذلك (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء). فالله - لا شك- سيؤتي فضله ذلك من خرج من بيته ساعيا إلى ذكر الله وإلى الصلاة ونيته مربوطة على ذلك.
(دعاء: اللهم أسألك الفضل منك في يوم الجمعة)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
السؤال: هل هذا السعي إلى ذكر الله خاص فقط بهذه الأمة التي بعث الله فيها ذاك النبي الأمي؟ أم هل هي سنة من سنن الله في اللذين خلوا من قبلنا؟
جواب مفترى: دعنا نتابع قراءة سورة الجمعة نفسها، لنجد الآية الخامسة تتحدث مباشرة عن اللذين حملوا التوراة ولم يحملوها:
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
ولو حاولنا أن نربط ما جاء في هذه الآية الكريمة بالسياق القرآني السابق (كما نفهمه)، لربما استطعنا أن نفتري القول بأن هذا الفضل الإلهي لم يكن خاصا بنا فقط، ولكنها سنة من سنن الله في اللذين خلوا من قبلنا، فقد كان فضل الله واضحا على من أنزلت عليهم التوراة، ولكن ما الذي حصل؟
رأينا: لا شك عندنا أن أهل التوراة كانوا مطالبين بما فيها من الهدى والنور:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
لتكون النتيجة مفتراة التي نحاول تسويقها هي: إن الالتزام بما جاء في التوراة بعد فهم ما جاء فيها (كـ فهم ما جاء في القرآن) سيرشدنا – لا محالة- إلى النور الذي سيخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربنا:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
نتيجة مفتراة 1: نحن نظن أن اللذين يسعون إلى ذكر الله في يوم الجمعة تلبية للنداء مؤهلين أن يخرجهم ربهم من الظلمات إلى النور
نتيجة مفتراة 2: إن اللذين لا يلحقون بركب الساعين إلى ذكر الله من يوم الجمعة سيظلون في ظلال مبين.
فهل يستوون؟!
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)
السؤال: لكن كيف يتم ذلك؟
رأينا: بداية نحن نؤمن أن الله هو من جعل الظلمات والنور بعد أن خلق السموات والأرض:
لِلَّهِ الَّذِي خَلَالْحَمْدُ قَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)
ونؤمن أيضا بأن الله هو من أنزل إلينا نور مبينا:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)
فقد جاءنا من ربنا نور وكتاب مبين:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)
فكان ذلك النور في التوراة التي أنزلت إلينا:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
وكان ذلك النور في الإنجيل أيضا:
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)
وجاءنا في القرآن العظيم منة من الله بهذا الرسول النبي الأمي:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
ولكن الناس جعلوا تلك الكتب التي جاءنا نور الله فيها قراطيس يبدون ما يريدون ويخفون كثيرا منها:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
فالله الذي خلق الظلمات والنور هو نفسه الذي أنول إلينا نورا لنمشي به بين الناس:
أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
بعد أن كنا أمواتا قبل خلقنا:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
ولكن بالرغم من ذلك الترتيب الإلهي العظيم، كانت إرادة نفر من الناس تتمثل على الدوام بإطفاء نور الله بأفواههم:
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
ولكن هيهات لهم مادام أن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وويكون ذلك بكلمات الله فقط:
وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
فأصبح هناك نتيجة تدخِّل هذه القوى الظلامية من هو أعمى مقابل أن يكون هناك بصير، فالأعمى هو – لا شك- الذي لا يتبع نور الله، وأما البصير فهو الذي يتبع نور الله:
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)
ومحل ذلك هو القلب:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
(دعاء: اللهم أسألك وحدك أن يكون لي قلب يعقل وآذان تسمع وأعين تبصر، إنك أنت السميع العليم – آمين)
نتيجة مهمة جدا: جاء إنزال الكتاب من الله لهدف واحد هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم:
الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
وكانت هذه مهمة موسى (كما كانت مهمة جميع رسل الله)، أي إخراج قومه من الظلمات إلى النور:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
السؤال: وكيف سيفعل موسى ذلك؟
رأينا: يفعل موسى ذلك بما كتب الله له في الألواح وبالنور الذي في التوراة:
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
السؤال: إلى أين سيذهب موسى (وكل رسل الله) بمن أمروا أن يخرجوهم من الظلمات إلى النور؟
جواب: إلى الله مادام أن الله هو نور السموات والأرض:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
ولا شك أننا دون ذلك النور، فإننا كمن هو في ظلمات البحر اللجي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب:
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)
(دعاء: أسألك ربي أن تهديني إلى نورك الذي أبيت أن تتمه ولو كره الكافرون، وأسألك رب أن تعلمني كلماتك التي بها تحق الحق ولو كره المجرمون – آمين)
السؤال: وكيف يمكن أن نكسب ذلك النور؟
رأينا: نحن نظن أن ذلك يتم بإتباع النور الذي في الكتاب، وكذلك بأن نكسب صلوات الله علينا وملائكته:
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
(دعاء: أللهم أسالك أن أكون ممن تصلي عليهم وملائكتك – آمين)
السؤال: وما الهدف من ذلك؟
رأينا: لكي يشرح الله صدورنا فتلين قلوبنا القاسية لذكر الله:
أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)
السؤال: متى يمكن أن يتم لنا ذلك؟
رأينا: نحن نفتري الظن بأن يوم الجمعة الذي أُمرنا لنسعى فيه إلى "ذكر الله" هو الوقت الأمثل لمثل ذلك الفضل الإلهي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
السؤال: ما الذي يجب فعله إذن في يوم الجمعة؟
رأينا: "ذكر الله"، ويكون ذلك (نحن نفتري الظن) بتدبر الآيات التي يمكن أن نفهمها لتخرجنا من الظلمات إلى النور:
وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (9)
السؤال: ما الذي يفيدنا في ذلك؟
رأينا: الاستماع إلى أحسن الحديث الذي به ستلين قلوبنا وجلودنا لـ ذكر الله:
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
السؤال: وما الذي سنستفيده من ذلك في الآخرة؟
رأينا: اكتساب النور
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)
رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
السؤال: وما هو النور؟
جواب مفترى: نحن نظن أن النور هو انعكاس لتلك الكلمات الحق التي في الكتاب، ويمكن تشبيه ذلك بنور القمر الذي هو انعكاس لتلك الأشعة الساقطة عليه من مصدر الإضاءة:
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن كلمات الله في الكتاب هي الضياء (أي السراج الوهاج) المشغل لذلك النور الذي ننشده. ففهم كلمات الله التي يحق بها الحق ويبطل بها الباطل هو المنتج الحقيقي للنور الذي نبحث عنه.
(دعاء: اللهم أسألك أن تهديني إلى نورك بكلماتك التي تحق بها الحق وتبطل بها الباطل ولو كره المجرمون – آمين)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نؤمن أن السعي إلى "ذكر الله" من يوم الجمعة، والقيام بطقوس الجمعة كما أمرنا الله بها، هي الكفيلة بأن تؤتينا فضل الله الذي منّه علينا، ويكون ذلك بتلاوة الآيات والتزكية وتعلم الكتاب والحكمة.
السؤال: لماذا أمر بنو إسرائيل بأن لا يعدو في السبت؟
رأينا: نحن نظن أن الغاية كانت هي نفسها التي أمرنا بها من يوم الجمعة. فقد كان بنو إسرائيل مطالبون بالتوقف عن أعمالهم المعتادة في يوم معين، وكان ذلك هو "يوم سبتهم"، والغاية المرجوة هي السعي "لذكر الله"، بتدبر الكلمات المكتوبة عندهم في التوراة، للنيل بفضل الله والخروج من الظلمات إلى النور بإذن الله.
السؤال: فما الذي حصل؟
رأينا: اختلفوا في السبت؟
السؤال: كيف كان اختلافهم في السبت؟
رأينا المفترى: كانت صنعة تلك القرية حاضرة البحر اليومية هي اصطياد السمك (الحيتان)، فكانت فعلا تلك الثروة المائية هي لهم، فجاء النص القرآني ليصور لنا بأن تلك الحيتان كانت ملكا لهم، فكانت حيتانهم:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
ولكن لما بدر منهم الفسق، جاءهم الابتلاء الرباني على نحو أن تأتيهم حيتانهم في يوم سبتهم شرعا، أي في الوقت الذي كان من المفترض أن يكرس للسعي لذكر الله، ولا تأتيهم في يوم لا يسبتون. وهنا حصلت الفتنة الحقيقية لمن كان في قلبه الإيمان، فجاءت هذه الفتنة ليميز الله بها الخبيث منهم من الطيب، وليعلم الله من يخافه منهم بالغيب. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
وهنا يطرح التساؤل التالي على الفور: لِم كانت الحيتان تأتي فقط في يوم سبتهم؟ لم لَم تكن تأتي في الأيام التي لا يسبتون فيها؟
رأينا: بداية لابد من التوقف عن الظن بأن الله هو من أمر هذه الحيتان أن تتصرف على ذلك النحو، وذلك لأن النص القرآني – كما نفهمه- يخلو تماما من مثل هذا الاتهام الذي نظن أنه باطل، فالمدقق بالنص القرآني يجد أن حركة الحيتان كان تلقائية من تلك الحيتان نفسها، فالحيتان هي التي تأتي وهي التي لا تأتي، وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في النص نفسه:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن الحيتان لم تكن مأمورة أن تتصرف على ذلك النحو بناء على مصدر خارجي. فهي نفسها التي كانت تأتي وهي نفسها التي كانت لا تأتي.
السؤال القوي: لماذا كانت الحيتان تأتي من تلقاء نفسها في يوم سبتهم؟ ولماذا كانت لا تأتي في يوم لا يسبتون؟ وبكلمات أكثر دقة نحن نسأل: ما الذي جعل (أو لنقل شجع) الحيتان لتأتي في يوم سبتهم على وجه التحديد؟
جواب مفترى: نحن نظن أنه يمكننا استنباط الإجابة على هذا التساؤل من الآية التي جاءت لتصور لنا ما فعل الحوت عند مجمع البحرين في قصة موسى وفتاه:
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
دقق - عزيزي القارئ- في هذه الآية الكريمة لتجد أن ذلك الحوت الذي كان موسى وفتاه (نحن نظن) ينشداه قد اتخذ سبيله في البحر سربا، أليس كذلك؟
السؤال: ما معنى أن ذلك الحوت قد اتخذ سبيله في البحر سربا؟
رأينا: لقد رجع الحوت إلى الماء بعد أن أحدث عجبا فكان بصحبة (في رحلته تلك) سرب من الحيتان.
السؤال: ما الذي يمكن أن نفهمه من ذلك؟
رأينا: لم يكن ذلك الحوت يحضر إلى مجمع البحرين وحده، فلقد كانت ترافقه أسراب من الحيتان.
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: لأنه ببساطة كان (نحن نظن) حوتا مميزا تعرفه حيتان البحر كلها، فكانت تحتفل بقدومه إلى مجمع البحرين كلما غدا وراح، لذا كانت ترافقه في رحلته تلك.
السؤال: متى كان يأتي ذلك الحوت؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأنه كان يأتي في يوم سبتهم
السؤال: لماذا؟
رأينا: لأن صاحبه (أي صاحب الحوت) كان يسمع النداء للصلاة من يوم الجمعة، فكان يحضر ليبلي النداء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
السؤال: لكن هذا يوم الجمعة، وذلك الحوت كان يأتي كما تزعم يوم سبتهم، أليس كذلك؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: نحن نظن أن يوم سبتهم هو يوم الجمعة، وهو اليوم الذي جاءت سنة الله الكونية لتبين لنا أنه هو اليوم الذي يجب أن يسعى إليه كل اللذين آمنوا. انظر الآية نفسها مرة أخرى لترى كيف توجه الخطاب إلى كل اللذين آمنوا في كل زمان ومكان:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: الحوت هو المكان الذي يؤوي إليه صاحبه، مادام أنه هو صاحب الحوت. لكن هذا لم يكن ليمنع الرجل من تلبية الدعوة لذكر الله عند سماع النداء من يوم الجمعة، فصاحب الحوت هو واحد من اللذين آمنوا المأمورون بتلبية النداء الصلاة من يوم الجمعة، لذا وجب عليه أن يسعى إلى ذكر الله. فكان الحوت يحمله في ذلك اليوم ليضعه هناك عند مجمع البحرين، وكانت أسراب الحيتان (نحن لازلنا نتخيل) تتبعه في رحلته تلك في غدوّه ورواحه، وما أن ينزل الرجل من حوته حتى يعود الحوت نفسه إلى البحر في سربه بعد أن يكون قد اتخذ سبيله في البحر عجبا. ليكون المشهد على النحو التالي:
في اليوم الذي كان من المفترض للذين آمنوا أن يسبتوا (أي يتوقفوا عن أعمالهم المعتادة من أجل السعي إلى ذكر الله)، وهو يوم الجمعة مادام أنهم من المؤمنين المأمورين بتلبية النداء، كان صاحب الحوت يلبي النداء ساعيا إلى ذكر الله من ذلك اليوم. وفي ذلك اليوم كانت أسراب الحيتان تأتي مرافقة لهذا الحوت على وجه التحديد. محتفلة بقدومه. ونحن نرى احتفالهم به على نحو أن تلك الحيتان كانت كلها تأتي شُرَّعاً:
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وهذا يعني – برأينا- ظهورها العلني فوق سطح الماء (كما الشراع الظاهر فوق السفينة). كما كانت (نحن لا زلنا نتخيل) منتظمة في حركتها كما يوجه الشراع السفينة بالحركة باتجاه محدد. وكان هذا المشهد هو السبب الذي من أجله (نحن نظن) حصلت الفتنة الكبرى لأهل القرية التي كانت حاضرة البحر حينئذ. فقد وقع القوم تحت تأثير الإغراء المادي الكبير: وهو اصطياد تلك الحيتان الآتية إليهم شرعا. لكن كان هناك مانع حقيقي أمامهم يتمثل بأنهم مأمورون بأن يسبتوا فلا يعدوا في ذلك اليوم (أي يوم سبتهم). وهنا دب الخلاف بينهم – نحن نظن- حول ما يسمى بالمفردات الدارجة بين أهل العلم بـ "فقه المصالح" (كما يفعل المشرعون من أهل الأرض الذين يتحدثون دائما باسم الرب)، فظهر من بين هؤلاء من كانت إرادته إطفاء نور الله، فأصدر "فتواه" (أي صك الغفران) بتقديم المصلحة الدنيوية على الأمر الإلهي بداعي الحاجة. فدب الخلاف بين اللذين آمنوا، فاختلفوا في السبت.
تساؤلات
- كيف كان اختلافهم في السبت
- ما هي الآراء التي كانت مطروحة للخروج من المأزق حينئذ؟
- من هم اللذين اختلفوا؟
- كيف انتهت الأزمة؟
- كيف حصل المسخ الإلهي لهم قردة خاسئين؟
- من الذي نجا منهم؟
- كيف وصل الأمر إلينا؟
- ما علاقة ذلك بمسألة الأيام السبعة؟
- ما علاقة ذلك بحقيقة أن الأيام عند الله هي فقط ستة تبدأ بالأحد وتنتهي بالجمعة؟
- ما تبعات هذا الظن في حياتنا؟
- ما علاقة ذلك كله بالتعهد الإلهي بإتمام نوره ولو كره الكافرون؟
- الخ.
هذا ما سنحاول متابعة النقاش فيه في الجزء القادم بحول الله وتوفيق منه. فالله وحده أسأل أن يأذن لي بعلم لا ينبغي لغيري، وأن يعلمني الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين.
المدّكرون رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم د. رشيد الجراح
الجزء العاشر الجزء الثاني عشر