قصة يأجوج ومأجوج - الجزء الثاني
قصة ذي القرنين
قصة يأجوج ومأجوج 2
حاولنا في الجزء السابق من هذه المقالة تمرير افتراءنا بأن ذا القرنين لم يبني للقوم سدا كما ربما يظن القارئ غير المتدبر لمفردات كتاب الله، وإنما جعل للقوم ردما. فالقوم هم من طلبوا منه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا:
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
ولكن جاء رد ذي القرنين على طلبهم ذاك بأن الله قد مكّنه بما هو خير، فجعل بينها ردما بعد أن أعانوه بقوة:
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
لذا كان طلبنا من سادتنا العلماء أهل الدراية هو أن نبحث جميعا عن الردم الذي جعله ذو القرنين وليس عن السد الذي طلبه القوم منه.
كما حاولنا تمرير ظننا الآخر بأن رحلة ذي القرنين كانت رحلة فضائية بين السماء والأرض، واستنبطنا ذلك (ربما مخطئين) من مجمل الآيات الكريمة (كما فهمناها) التي تتحدث عن إتباع السبب التي وردت ثلاث مرات في معرض قصة ذي القرنين نفسها
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
فزعمنا الظن مفترينه من عند أنفسنا بأن الحركة بإتباع السبب (أَتْبَعَ سَبَبًا) هي حركة انتقال بين السماء والأرض كما تصور ذلك (نحن نفتري القول) الآيات الكريمة التالية:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) غافر
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ص (10)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ الحج (15)
فكان مراد القول حينئذ هو أن الحركة بالأسباب (ومفردها سبب) هي حركة خارج نطاق الكرة الأرضية (أي حركة ارتقاء)، لهذا ربما (نحن نظن) جاء قول الحق على النحو التالي:
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
فمن أراد الرقي في السماء فهو يستطيع فعل ذلك ولكن بشرط أن يسلك الأسباب (أي الطرق) التي تربط السموات بالأرض:
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ص (10)
فالحركة من السماء إلى الأرض والعكس ليست حركة عشوائية كما قد تبدو للوهلة الأولى، لأن هناك طرقا محددة (وهي الأسباب) لابد من إتباعها لمن أراد أن يرتقي فيها.
فكانت النتيجة التي خلصنا إليها هناك هي أن ذا القرنين الذي مُكّن له في الأرض (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) كان يتبع سببا (أي يسلك طريقاً فضائية)، فكان يستطيع أن يتحرك خارج نطاق الكرة الأرضية (من الأرض إلى السماء والعكس) لأنه كان يستطيع أن يرتقي في الأسباب، وبالتالي كان هذا يخرجه من نطاق اختلاف مغارب الشمس ومطالعها، وبالتالي فهو سيصل إلى مغرب واحد للشمس ومطلع واحد للشمس كما ووردت بصريح اللفظ القرآني. ولكنه كان يعود إلى موطنه الأصلي وهو الأرض مادام أن التمكين قد حصل له فيها:
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
لذا بقى أن نحاول الإجابة (ضمن هذا الإطار الجديد للقصة المفترى من عند أنفسنا) عن التساؤلات المثيرة التالية:
- من هم يأجوج ومأجوج الذين منعهم ذو القرنين عن الإفساد في الأرض؟
- وكيف فعل ذلك؟
- وأين مكان تواجدهم الحقيقي؟
- ومتى كان زمان تواجدهم؟
- وهل سيخرجون مرة ثانية؟
- ومتى سيكون ذلك؟
هذا ما سنحاول النبش فيه في هذا الجزء الجديد من المقالة، على نعاود البحث عن إجابات للتساؤلات الأخرى التالية في الجزء الثالث من المقالة نفسها بحول الله وتوفيقه:
- من هو ذو القرنين؟
- لم جاء ذكره في كتاب الله؟
- لماذا سُمّي بذي القرنين؟
- كيف استطاع أن يتبع الأسباب؟
- هل كان هو فقط من يستطيع بلوغ الأسباب؟ فما بال فرعون إذن يطلب من هامان بناء الصرح لبلوغ الأسباب؟
- وكيف فعل فرعون ذلك؟
- وما وجه الشبه بين فرعون وذي القرنين؟
- ولماذا طلب فرعون بناء الصرح على وجه التحديد؟
- وما هو الصرح الذي بناه هامان لفرعون؟
- وهل فعلا اطلع فرعون بعد أن بني له ذلك الصرح على إله موسى؟
- وهل كان فرعون هو فقط من بُني له صرح؟
- ألم يكن لسليمان أيضا صرحا؟
- فما وجه الشبه بين صرح فرعون وصرح سليمان؟
- ألم يكن لسليمان ملكا عظيما؟
- لم كان ملك سليمان عظيما مقارنة بملك من سيأتي بعده؟
- وكيف يمكن أن يتشابه ملك سليمان بملك من كان قبله كذي القرنين مثلا؟
- ألم يؤتي سليمان من كل شيء؟
- ألم يؤتي ذي القرنين من كل شيء سببا؟
- فما الفرق بين ما أوتي لذي القرنين وما أوتي لسليمان؟
- الخ.
(دعاء: فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأسأله من الخير الذي بيده ما لا ينبغي لأحد بعدي إنه هو العليم الحكيم، وأن يجعل فضله وحده عليّ وعلى أهلي عظيما، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو العليم الخبير – آمين)
أما بعد،
السؤال الأول: من هم يأجوج ومأجوج؟
افتراء خطير جدا من عند أنفسنا: نحن نفتري القول بأن يأجوج ومأجوج ليست من كائنات الأرض أصلا، وإنما كانت تأتي للأرض من أجل الإفساد فيها فقط، فهي كائنات فضائية لا تعيش ولا تتكاثر على سطح الكرة الأرضية. ونحن نجد الدليل على ذلك مما نفهمه من الآية الكريمة التالية، خاصة من عبارة (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ):
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
منطقنا المفترى: نحن نظن أنه لو كانت يأجوج ومأجوج من مخلوقات الأرض لما اضطر القوم أن يقولوا لذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وذلك لأن هذا يصبح من بديهيات الفهم. فإذا كان الولد مثلا قد أحدث خرابا في بيت والده فيكفي الأم (نحن نظن) أن تحدِّث والد الطفل عندما يعود إلى البيت في نهاية اليوم عن ذلك الخراب الذي أحدثه ولده بحد ذاته دون أن تذكر بصريح اللفظ مكان إحداثه (وهو البيت). ولكن لو حصل أن أحدث ذلك الولد خرابا في بيت غير بيت والده، لربما اضطرت الأم أن لا تكتفي بالحديث عن الخراب الذي أحدثه ولدها فقط، ولربما أصبح لزاما أن تحدِّث والد الطفل عن المكان الذي حصل فيه فعل التخريب من قِبَل ولده، كأن تقول مثلا أن ولدها قد كسر باقة الزهور (the vase) في بيت الجيران أو في بيت خالته (ما دام أن الأم عادة ما تفضل زيارة أخواتها ثم تعود تحدث زوجها بمقدار الكرم الأسطوري الذي وجدته هناك! وبمقدار تسامح أختها وأهل بيتها مع أطفالها وفرحتهم بزيارتها لهم بغض النظر عن حجم الخراب الذي لحق بهم جراء تلك الزيارة – من يدري؟!).
إن مراد القول هو أنه مادام أن القوم قد ذكروا صراحة لذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فنحن نستنبط (ربما مخطئين) بأن يأجوج ومأجوج كانوا يأتون إلى الأرض من مكان آخر (غير الأرض أو على الأقل غير أرضهم) ليفسدوا فيها ثم يعودون أدراجهم بعد أن يحدثوا فيها من الفساد ما يشاءون:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
نتيجة مهمة جدا: لم يكن يأجوج ومأجوج من سكان بين السدين أو دونهما، لأن القوم الذين طلبوا من ذي القرنين التصدي لخطر يأجوج ومأجوج هم من كانوا يسكنون من دون السدين:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
وهنا نتوقف مع ملحوظة نظن أنها غاية في الأهمية من أجل فهم تفاصيل القصة الحقيقية وهذه الجزئية الجديدة تخص مكان سكان أولئك القوم الذين اشتكوا لذي القرنين بعد أن ضاقوا ذرعا بالفساد الذي كان يحدثه فيهم يأجوج ومأجوج، لنطرح التساؤل التالي: أين كان يسكن أولئك القوم الذين وجدهم ذو القرنين والذين لا يكادون يفقهون قولا؟
الفكر السائد: غالبا ما ظن الناس بأن هؤلاء القوم هم من سكان بين السدين (الذين غالبا ما ظن أهل الدراية أنهما جبلان – ومن أراد المجادلة فينظر في بطون أمهات كتب التفسير).
رأينا: أما نحن، فإننا نظن أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة لأن القوم لم يكونوا (بصريح اللفظ القرآني) يسكنون بين السدين وإنما كان يسكنون من دون السدين، والذي كان متواجدا بين السدين هو ذو القرنين نفسه. وانظر – إن شئت- في الآية الكريمة نفسها مرة أخرى:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
نتيجة 1: كان ذو القرنين هو من بلغ بين السدين (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)
نتيجة 2: كان القوم الذين وجدهم ذو القرنين متواجدين دون السدين (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا)
السؤال: وما الفرق؟
رأينا المفترى: إذا كان هؤلاء القوم الذين وجدهم ذو القرنين في رحلته الثالثة يسكنون بين سدين (كما قد يتخيل القارئ للآيات الكريمة للوهلة الأولى) فلِم طلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا آخر؟ ولِم لم يقوموا هم ببناء السد الذي يريدون بأنفسهم؟ ألم يكونوا هم من بنوا السدّين السابقين؟ ولماذا بنوا سدّين من ذي قبل أصلا؟ ولم لم يمنع السدّان السابقان يأجوج ومأجوج عنهم؟ فهل كان هذا السدّ الثالث (الذي طلبوه بأنفسهم من ذي القرنين) سيكف أذى يأجوج ومأجوج عنهم لو أن ذا القرنيين قام ببنائه لهم؟ وكيف سيتم لهم ذلك؟ والسؤال الأخطر هو: وما بال الجهة الرابعة التي لم ولن يبنى فيها سدّ؟ ألن يصبحوا محصنين من جهات ثلاث فقط مادام أن النتيجة ستكون وجود ثلاث سدود لو أن ذا القرنين قام ببناء سد ثالث لهم؟ ثم ألن تكون الجهة الرابعة التي لم يبنى فيها سدّ منطلقا ليأجوج ومأجوج ليدخلوا عليهم منها؟ ولماذا؟
السؤال المربك لنا: كيف يمكن أن نتصور المشهد إذن في ضوء وجود ثلاث سدود فقط لو أن ذي القرنين نفذ طلبهم ببناء سد ثالث لهم؟
افتراء 1: كان ذو القرنين هو من بلغ بنفسه بين السدين (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)
افتراء رقم2: نحن نفتري الظن بأن القوم لم يكونوا يسكنون بين السدّين ولكنهم كان يسكنون من دون السدين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا
افتراء 3: نحن نفتري الظن أنه لو كان القوم يسكنون بين سدّين (كما قد يتصور البعض) لربما احتاجوا إلى سدّين آخرين ليحصنوا أنفسهم من الجهات الأربعة وليس سدا واحدا كما طلبوا من ذي القرنين لأن النتيجة ستكون وجود ثلاث سدود من جهات ثلاثة، وستبقى الجهة الرابعة غير محصنة بسد لصد خطر يأجوج ومأجوج عنهم.
افتراء 4 خطير جدا جدا: مادام أن القوم قد طلبوا سدا ثالثا فقط، ومادام أنهم يسكنون من دون السدين، فنحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن السدين الأوليين كانا فوقهما وليس أمامهما وخلفهما كما قد يتخيل القارئ للنص القرآني للوهلة الأولى، لأنه لو كان الأمر على تلك الشاكلة لربما جاء النص القرآني (نحن نظن) على نحو أن السدين كانا من بين أيديهما ومن خلفهما:
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)
السؤال: ما هي الاتجاهات التي يجب أن نتحصن منها؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الاتجاهات أربعة وهي:
- من بين أيدينا
- من خلفنا
- عن اليمين
- عن الشمال
الدليل
لنقرأ الآية الكريمة التالية، ثم نحاول بعد ذلك ربطها بقصة السدين:
ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
نتيجة مفتراة: نستنتج أن الخطر، إذا ما كان قادما إلينا (نحن البشر)، فعلينا أن نحصّن أنفسنا منه من الجهات الأربعة وهي: (1) من بين أيدينا ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ و (2) من خلفنا وَمِنْ خَلْفِهِمْ و(3) عن أيماننا وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ و(4) عن شمآئلنا وَعَن شَمَآئِلِهِمْ مادام أن الخطر الداهم قادمٌ إلينا من جهة أرضية.
السؤال: هل كان خطر يأجوج ومأجوج قادما إليهم من جهة أرضية؟
رأينا: كلا، لأن ذلك كان (نحن نرى) يتطلب منهم بناء أربعة سدود: من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم. ولربما جاء طلبهم من ذي القرنين أن يبني لهم سدين آخرين بدلا من سد واحد فقط.
السؤال: من أين كان الخطر قادما إليهم إذن؟
جواب مفترى: من الأعلى.
السؤال: وأين كانا السدان السابقان بالنسبة للقوم؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: كان السدان السابقان موجودين فوقهم مادام أن القوم كانوا متواجدين دونهما:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
تخيلات: نحن نتخيل أن القوم كان يتهددهم خطر يأجوج ومأجوج القادمين إليهم من الفضاء الخارجي، فقاموا ببناء سد فوقهم ليصد عنهم خطر يأجوج ومأجوج، فما نجح ذلك، فقاموا ببناء سد آخر فوق السد السابق، أكبر وأشد من سابقة، لنفس الغرض، إلا أن ذلك لم ينجح في صد خطر يأجوج ومأجوج (وإن كان ربما قلّل منه) وإلا لربما أدى ذلك إلى فنائهم جميعا. وعندما قَدِم إليهم ذو القرنين، ووصل بنفسه (أي بلغ ذو القرنين) بين السدين في الفضاء:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
راءوا بأم أعينهم أن هذا البطل القادم إليهم من بعيد يمتلك من أسباب القوة ما لم يكن لهم:
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
هناك طلب القوم منه (بما آتاه الله من أسباب القوة) أن يبني لهم سدا ثالثا ربما يكون أكثر منعة من سابقيه (أي السدين السابقين اللذين بناهما القوم من ذي قبل بأنفسهم).
نتيجة مفتراة 1: كان ذو القرنين هو من بلغ بين السدين وليس القوم (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)
نتيجة مفتراة 2: لم يكن القوم يسكنون بين السدين (كما ربما يتخيل البعض) ولكنهم كانوا يسكنون دون السدين وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا.
السؤال: ما معنى أن يكون القوم متواجدون دون السدين؟ فكيف يمكن أن نتخيل المشهد؟
رأينا: نحن نتخيل أن هناك قوما (ممن لا يكادون يفقهون قولا) كانوا يسكنون في مكان ما على الأرض، وكان يتهددهم خطر يأجوج ومأجوج، فقاموا ببناء سدين اثنين فوقهم لصد هذا الخطر الداهم عليهم، فأصبحوا هم أنفسهم دون السدين:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
الدليل
أولا، نحن نزعم الفهم بأن من كان متواجدا دون شيء آخر، فهو معزول عنه بفاصل مكاني من المسافة الجغرافية، فهذا موسى مثلا يصل ماء مدين فيجد عليه أمة من الناس (الرجال) يسقون، ولكنه في الوقت ذاته يجد من دونهم امرأتين تذودان:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
لذا يستحيل أن نتخيل أن المرأتين كانتا مختلطتان بالرجال الذي يسقون على ماء مدين، بدليل أنهما كانتا تذودان. لذا كان - لا شك عندنا- فاصل مكاني من المسافة الجغرافية (بغض النظر عن حجمها) بين المرأتين اللتان كانتا تذودان من جهة والقوم الذين كانوا يسقون من جهة أخرى.
ثانيا، عندما نتخيل قوما من دون قوم آخرين، فإن المسافة قد تكون بعيدة بعض الشيء، فأنت عندما تقاتل قوما، فأنت - بلا شك- في مواجهة مباشرة معهم، وهم في مواجهة مباشرة معك، أليس كذلك؟ ولكن ما بالك بمن هم دون من تقاتلهم مباشرة؟ ألن يكونوا بعيدين عن متناول يدك في لحظة القتال:
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60)
لتصبح الصورة في حالة القتال على النحو التالي:
أنت :: القوم الذين تقاتلهم ___ القوم الذين من دونهم
فيصبح القوم الذين تقاتلهم مباشرة يشكلون حاجزا بينك وبين القوم الآخرين الذين من دونهم (وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ). فلن تستطيع أن تصل إلى هؤلاء بسهولة مادام أن القوم الذين تقاتلهم مباشرة يشكلون حاجزا مانعا ليس من السهل اختراقه.
ثالثا: مادام أن هؤلاء القوم هم من دون القوم الذين تقاتلهم مباشرة، لذا قد تصبح مسألة الرؤية بالعين المجردة متعذرة بعض الشيء فيصعب حصول العلم عندك بهم:
... وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ
لأن القوم الذين تقاتلهم مباشرة أصبحوا يشكلون سدا حاجزا للرؤية المباشرة، ليصبح علمهم عند الله وحده. وهذه الصورة الذهنية في عدم وضوح الرؤيا البصرية لمن هم من وراء سد جلية في النص القرآني التالي:
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)
لتكون النتيجة على نحو أنه في حال وجود السد تصبح مسألة الرؤية البصرية متعذرة بعض الشيء.
رابعا: عندما نتخيل شيئا دون شيء آخر، فلابد أن يكون الذي من هو من دون الآخر أقل في الارتفاع من الآخر نفسه، ففي قصة ذي القرنين نفسها نجد الآية الكريمة التالية التي سبقت قصته مع القوم الذين وجدهم دون السدين:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)
فالقوم الذين وجدهم ذو القرنين عندما بلغ مطلع الشمس كانوا دون الشمس نفسها، أي كانت الشمس (نحن نتخيل) مرتفعة عنهم، وكانوا هم دونها، أي أقل في الارتفاع منها، أليس كذلك؟
لذا نحن نتخيل أن مريم ابنت عمران كانت تسكن في الحجاب دون قومها، وذلك لأنها كانت ( نحن نتخيل) في خلوة أرضية تحت المحراب الذي كانت تقنت وتسجد وتركع لربها مع الراكعين:
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
فالمحراب هو المكان الذي كان يدخل عليها زكريا فيه ليجد عندها رزقا:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
وهو نفسه الذين كان يصلي فيه زكريا:
فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)
وهو الذي خرج على القوم منه:
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
ولا شك – عندنا- أن المحراب كبناء (كما نفهمه من النص القرآني) يجب أن يكون مرتفعا عن سطح الأرض وذلك لأن القوم قد تسوّروه في حالة داوود:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
ولكن مريم كانت قد اتخذت من دون القوم جميعا حجابا، وهو الذي جاءها فيه رسول ربها ليهب لها غلاما زكيا:
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
وفكرة العلو (مقابل الانخفاض) هذه التي نفهمها من عبارة (مِن دُونِ) واضحة في جميع السياقات الخاصة بالذات الإلهية وبمن هم دونه التي ترد كثيرا في النص القرآني، نذكر منها على سبيل المثال الآيات الكريمة التالية:
هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
السؤال: ما علاقة هذا كله بقة القوم الذين وجدهم ذو القرنين من دون السدين؟
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
تخيلات مفتراة
نحن نتخيل أن قوما لا يكادون يفقهون قولا كانوا يسكنون الأرض، وكان خطر يأجوج ومأجوج (المفسدين في الأرض)، القادمين من الفضاء الخارجي، يتهددهم على الدوام، فقاموا (كردة فعل طبيعية) ببناء سد فوقهم (وأصبحوا هم دونه) ليصد هذا الخطر الداهم عنهم، فاستطاعوا أن يخففوا من الخطر ولكنهم لم يستطيعوا إيقافه تماما، فكرروا المحاولة ببناء سد آخر فوق السد القديم مرة أخرى، فأصبحوا هم متواجدين دون السدين (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا). فنجحوا في تقليل خطر يأجوج ومأجوج مرة أخرى إلا أنهم لم ينجحوا (نحن لا زلنا نتخيل) في إيقافه تماما. فكانت تلك التكنولوجيا (أي تقنية بناء السدود) هي الوسيلة التي ظنوا أنها ستنقذهم من خطر يأجوج ومأجوج.
ما أن قَدِم إليهم ذو القرنين، ووصل بنفسه (في الفضاء) بين السدين اللذين بناهما القوم سابقا لصد يأجوج ومأجوج (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) حتى طلبوا منه أن يساعدهم للخروج من محنتهم هذه، مقدّمين في الوقت ذاته الخراج (وبالتالي الطاعة) لحكم هذا البطل الغريب القادم إليهم من مكان آخر، فما استطاع القوم التفكير حينئذ بأكثر من تكنولوجيا بناء السدود نفسها التي اعتادوا عليها، فجاء طلبهم منه على نحو بناء سد ثالث ربما يكون أكثر متانة وأشد حصانة من سابقيه:
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
ولو تدبرنا الآية التي تصور رد ذي القرنين على طلبهم مباشرة لوجدنا أنها (ربما) تدعم ظننا هذا. فذو القرنين يرد على النحو التالي:
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
السؤال: لماذا قال ذو القرنين بأن الله قد مكنه بما هو خير من طلبهم (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)؟
جواب: لا شك عندنا أن الخيرية تعني المفاضلة بين طرفين كما ترد في كثير من آيات الكتاب الحكيم، نذكر منها على سبيل المثال الآية الكريمة التالية:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)
السؤال: ما الشيئان اللذان كان يفاضل بينهما ذو القرنين بالخيرية (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)؟
رأينا المفترى: إنها (نحن نظن) التكنولوجيا المستخدمة في صد الخطر الداهم من الفضاء الخارجي
تخيلات: عندما طلب القوم من ذي القرنين بناء سد لصد خطر يأجوج ومأجوج عن الفساد في الأرض، كان ظنهم أن الطريقة الأمثل لفعل ذلك هي تقنية بناء السدود، فهم قد بنوا سدا من ذي قبل، وهم قد بنوا سدا آخر من ذي قبل، فأصبح عندهم سدان قبل قدوم ذي القرنين إليهم:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
فلقد وصل ذو القرني إليهم وقد كان هناك سدان قائمان من ذي قبل.
فكان القوم يظنون أن الخير في تقوية وتدعيم تكنولوجيا بناء السدود. وهنا كانت (نحن نفتري القول) المفارقة الأولى في رد ذي القرنين والمتمثلة برفض التكنولوجيا المستخدمة عندهم والتي لا شك يعرفونها جيدا (وهي بناء السدود) ونقل الأمر إلى تكنولوجيا جديدة تماما هم لا يعرفونها إطلاقا وهي تكنولوجيا هدم السبب (جمع أسباب). ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نفهم تكملة الآية الكريمة التي جاءت على لسان ذي القرنين في رده على طلبهم السابق:
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
فجلّ ما طلب ذو القرنين فعله منهم هو أن يعينوه بقوة، ولكن هذه المرة من أجل جعل (أي إحداث) الردم وليس من أجل بناء سد ثالث.
نتيجة 1: كان القوم يظنون أن بناء سد ثالث فوقهم هو ما يمكن أن يحجز عنهم يأجوج ومأجوج حتى لا يصلون إلى الأرض فيفسدون فيها كما يفعلون على الدوام
نتيجة 2: جاء رد ذي القرنين متمثلا بأن الطريقة الأمثل لصد هذا الخطر الفضائي يتمثل في جعل الردم (أي هدم السبب) الذي يصل من خلاله يأجوج ومأجوج إلى الأرض ليفسدوا فيها وليس بناء سد ثالث أكثر متانة وأقوى منعة من سابقيه.
نتيجة 3: كان ما فعله ذو القرنين هو جعل الردم وليس بناء السد، فصد بذلك يأجوج ومأجوج فما عادوا يستطيعون الوصول إلى الأرض، لأنهم لم يستطيعوا أن يظهروه ولم يستطيعوا له نقبا:
فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
فتُرك (بذلك) بعضهم يموج في بعض:
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
حتى ذلك اليوم الموعود (عندما يقترب الوعد الحق) الذي سيستطيع فيه يأجوج ومأجوج أن يحدثوا النقب أو أن يظهروا على الردم فتفتح يأجوج ومأجوج من جديد:
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
تلخيص ما سبق: كان هناك قوم يسكون الأرض، وكان يتهددهم خطر يأجوج ومأجوج القادمين إليهم من الفضاء الخارجي لإحداث الفساد في الأرض، حاول القوم صد هذا الخطر الداهم ببناء سد فوقهم (وهم دونه) يحول بينهم وبين يأجوج ومأجوج، وكرروا المحاولة مرة أخرى، فبنوا بأنفسهم سدا آخر فوق السد السابق، فأصبح فوقهم سدان، وأصبحوا هم دونهما، فكان ذلك سببا في تخفيف خطر يأجوج ومأجوج وليس سببا في إيقافه. وبقوا على تلك الشاكلة حتى جاء إليهم ذو القرنين في رحلته الثالثة، فبلغ بين السدين في الفضاء، فهو لم ينزل إلى القوم على الأرض. ولمّا كان ذو القرنين متواجدا في الفضاء بين السدين، جرت المفاوضات بينه من جهة والقوم من جهة أخرى، فجاء طلب القوم منه يتمثل في أن يبني لهم سدا ليصد خطر يأجوج ومأجوج عنهم مقابل أن يجعلوا له خرجا (وبالتالي الخضوع لملكه وسيطرته). فقبل ذو القرنين عرضهم هذا باستثناء تعديل بسيط على الاتفاقية وهو أن الطريقة الخير لصد هذا الخطر الخارجي لا تتم بتقنية بناء السدود التي يعرفها القوم وإنما هناك ما هو خير كما مكنه ربه فيه، فطلب من القوم أن يعينوه بقوة ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج ردما، أي ردم السبب (أو لنقل الطريق الفضائية) التي تربط السماء (موطن يأجوج ومأجوج) بالأرض (موطن القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا)، فلا يستطيع يأجوج ومأجوج الوصول إليهم مادام أن الطريق المؤدية إليهم قد ردمت.
والآن ندعوك – عزيزي القارئ- أن تقرأ القصة من كتاب الله من هذا المنظور المفترى من عند أنفسنا، لنترك لك مهمة المفاضلة (الخيرية) بين ما نفتريه نحن من قول من عند أنفسنا وما وصلك من علم من عند سادتنا العلماء أهل الدراية كما نقله لنا أهل الرواية في بطون أمهات كتب التفسير:
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
أما بعد،
- من هم يأجوج ومأجوج الذين منعهم ذو القرنين عن الاستمرار بالإفساد في الأرض؟
- وأين مكان تواجدهم في الفضاء الخارجي؟
- ومن هم القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا، الذين كان يتهددهم خطر يأجوج ومأجوج؟
- وأين مكان تواجدهم الحقيقي على الأرض؟
أما بالنسبة ليأجوج ومأجوج، فنحن نفتري الظن من عند أنفسنا أنهم هم المخلوقات التي عاثت فسادا في الأرض ولم تكن أصلا من مخلوقات الأرض فترة طويلة من الزمن، وهم الذين توقف فسادهم في الأرض على يد ذي القرنين، وهم الذين سيعودون للفساد في الأرض من جديد عندما تفتح يأجوج ومأجوج من جديد، وسيكون ذلك علامة فارقة واضحة على اقتراب الوعد الحق.
السؤال المربك: من (أو ما) هي هذه المخلوقات إذن؟
رأينا المفترى الخطير جدا الذي نطلب من القارئ الكريم أن لا يصدقه ما لم يجد أن الدليل من كتاب الله يثبته، إنها عالم الديناصورات.
تصوراتنا المفتراة من عند أنفسنا
كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، كان هناك قوم يسكنون الأرض، وكانوا يعيشون في أمن واطمئنان حتى ذلك اليوم الذي جاءت مخلوقات من الفضاء الخارجي مختلفة الأشكال والحجم غازية أرضهم، كما في الأشكال التوضيحية التالية:
وأخذت هذه الكائنات المخيفة تعيث فسادا في الأرض، فأصبح من المتعذر على أولئك القوم (سكان الأرض حينئذ) أن يتعايشوا (أي يتكيفوا مع تلك المخلوقات)، فلم يستطيعوا تدجينها، فبقيت معادية لهم، ومنافسة لهم على خيرات الأرض، فحاولوا صدّ خطرها بتقنية بناء السدود فوقهم، فبنوا سدين اثنين من فوقهم وكانوا هم من دونهما، فكان السدان سببا في تخفيف الخطر وإن لم يكن كافيا في منعه تماما. فبقيت تلك المخلوقات لفضائية تعيث في الأرض فسادا، حتى جاء ذلك البطل الغريب عن القوم وهو ما يسمى بذي القرنين، فقام (بما آتاه الله من سبب) بإيقاف تدفق الغرباء (يأجوج ومأجوج إلى الأرض)، فأوقف خطرهم عندما عمد إلى ردم السبب الذي كانوا يصلون الأرض من خلاله، فتركوا منذئذ يموج بعضهم في بعض. ومنذ تلك اللحظة لم تتمكن يأجوج ومأجوج من الوصول إلى الأرض من جديد، فبدأ فسادهم يقل شيئا فشيئا حتى كان يوم فناءهم جميعا عن سطح الأرض قاطبة.
السؤال: كيف حصل ذلك كله؟
رأينا المفترى: نحن نتخيل الموقف على النحو التالي: لما كانت الديناصورات (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) كائنات غير أرضية لم تكن الأرض هي البيئة الملائمة لتكاثرهم، فكانوا يأتون إلى الأرض للإفساد فيها، ونهب خيراتها والعودة أدراجهم من حيث أتوا، فكانت الأرض مستودعهم وإن لم تكن مستقرهم. وكانوا يصلون الأرض بإتباع سبب ما (أي طريق فضائية محددة بذاتها)، وكان جل ما فعله ذو القرنين هو ردم ذلك السبب تماما، فلم تعد تلك الكائنات المخيفة قادرة على الوصول إلى الأرض من جديد. وهنا بدأت قدرة هذه الكائنات على الإفساد في الأرض تتهاوى، أي تقل. فكيف حصل ذلك؟
رأينا المفترى: عندما قام ذو القرنين بردم السبب انقطع حبل الوصل (السبب)[1] بين ديارهم الأصلية (مستقرهم) والأرض التي يفسدون فيها (مستودعهم)، فكان نتيجة ذلك أنهم انقسموا إلى فريقين اثنين:
- فريق كان متواجدا على الأرض عندما ردم ذو القرنين السبب، فلم يستطيعوا العودة إلى بلادهم، وضلوا متواجدين على الأرض حتى هلكوا عن آخرهم هنا على الأرض
- فريق كان لازال متواجدا في بلاده الأصلية عندما ردم ذو القرنين السبب فلم يستطيعوا الوصول إلى الأرض من جديد، فبقوا في ديارهم منتظرين فتح الردم الذي جعله ذو القرنين، وهم الذين سيعودون إلى الأرض كعلامة واضحة على اقتراب الوعد الحق.
تفنيد هذا الافتراء
بداية، نحن نجد لزاما التأكيد على موقفنا العقائدي الثابت الذي ما انفككنا نردده على الدوام أله وهو: هذه الافتراءت وغيرها هي لا شك من عند أنفسنا بناء على ما فهمناه نحن من مفردات الكتاب الحكيم، وهي لا تشكل بالضرورة الحقيقة المطلقة لما في كتاب الله، فنحن البشر قد نفهم وقد نسي فهم مفردات الكتاب الحكيم، لذا نحن نؤمن أن الحق هو ما جاء في كتاب الله، وأن الباطل هو ما افتريناه من عند أنفسنا دون دليل من كتاب الله يثبته، لذا يجب أن يفهم الجميع (خاصة المهتمين بتخريصاتنا هذه) بأن ما نطرحه لا يتجاوز حدود عالم التنظير، أي وضع النظريات التي قد تصدق وقد تخطئ. ولمّا كان غيرنا (من بني الأصفر وغيرهم) ليسوا بأفضل حال منا، فإننا نجد أن الساحة ملائمة لطرح ما في جعبتنا من أفكار ونتركها لأهل المعرفة في حقول الاختصاص أن يمحصوها (إن هم أرادوا) مع تقدم الزمان واختلاف المكان، ووجود الدليل أو نفيه. لذا من أجل تفنيد هذه الافتراءات الخطيرة جدا التي قدمناها في هذا الجزء من المقالة والخاصة بنظريتنا المقترحة عن يأجوج ومأجوج، وافتراءنا بأنهم هم أنفسهم تلك الكائنات التي تعرض عند أهل المعرفة بعالم الديناصورات، فإننا نطرح على المنظرين في علم الديناصورات (dinosaur science أو Paleontology) التساؤلات التالية:
- لماذا سميت هذه الكائنات بهذا الاسم (ديناصورات - Dinosaurs)؟
- من أين جاءت الديناصورات؟
- كم هي أنواع الديناصورات؟
- كم لبثت هذه الكائنات على سطح الأرض؟
- لماذا انقرضت مثل هذه الكائنات القوية جدا؟
- كيف كانت آلية انقراضها؟
- متى بدأت بالانقراض؟
- متى كان آخرها؟
- الخ
رأينا المفترى: نحن نظن أن باستطاعتنا تقديم إجابات (مما نفهمه من كتاب الله) على مثل هذه التساؤلات جميعا، ونطلب من كل من يعارضها أن يأتي بالبرهان إن كانوا صادقين.
أما بعد،
السؤال الأول: لماذا سميت تلك الكائنات بالديناصورات؟
جواب: نحن نظن أن التسمية جاءت من طبيعة فعل هذه الكائنات، فهي كائنات مخيفة بالنسبة لمن يواجهها كسكان الأرض، ومن يعرف الأصول الإغريقية لمفردة الديناصورات قد لا يجادل كثيرا في ذلك.
نتيجة مفتراة 1: الديناصورات كائنات مخيفة مهددة لسكان الأرض
السؤال الثاني: لماذا جاء النص القرآني على أنها يأجوج ومأجوج؟ لم يأتي النص القرآني بمفردة واحدة جامعة لتلك المخلوقات؟ لم جاءت بمفردتين اثنتين؟
جواب مفترى: لأن هذه الكائنات تنقسم بشكل رئيسي إلى قسمين رئيسيين اثنين فقط، تترفع منهما تصنيفات كثيرة، فهم يأجوج ومأجوج، وهذا التصنيف يستند إلى طبيعة تكوين كل صنف منهما. ومن أراد المجادلة فليبحث في مؤلفات أهل العلم في هذا المجال، ونستميحه العذر مسبقا أن نقدم له ما وجدناه صدفة عندهم، فعالم الديناصورات بكل أشكالها وأنواعها ترجع جميعها (كما هو مثبت عند أهل العلم) إلى نوعين رئيسيين هما:
- ما يسمى بـ Saurischia أو lizard-hipped ذات الشكل التوضيحي التالي:
- وما يسمى بـ Ornithischia أو bird-hipped كما في الشكل التالي:
شكل توضيحي للفرق :
السؤال الثالث: لماذا انقرضت الديناصورات في فترة زمنية قصيرة جدا؟
جواب مفترى: لعل من أكثر الأسئلة التي أربكت المتخصصين في علم الديناصورات هو الانقراض الفجائي السريع والكلي لهذه المخلوقات الضخمة المخيفة والقوية جدا. وقد قدم العلماء في هذا المجال نظريتين رئيسيتين، فانقسموا بذلك إلى فريقين متنافسين هما:
- أصحاب نظرية الخطر الخارجي (extrinsic catastrophists)
- أصحاب نظرية العوامل الأرضية الداخلية (intrinsic gradualists)
فالفريق الأول يظن أن خطرا خارجيا من خارج الأرض (كالنيازك) الضخمة التي ارتطمت بالأرض هي التي أدت إلى انقراض هذه الكائنات الضخمة العملاقة. أما الفريق الثاني فإنه يرى أن تغيرا في مناخات الأرض هي التي أدت إلى انقراض هذه الكائنات عندما لم تستطع أن تتكيف. ولكن الذي يدحض هاتين النظريتين بسهوله هو عدم إجابتهم على السؤال الرئيس وهو: لم كانت الديناصورات دون الكائنات الأخرى هي التي تضررت كليا بهذه العوامل سواء الخطر الكارثي الخارجي كالنيازك وغيرها أو العوامل الداخلية كالتغيرات المناخية؟ فلم تتأثر الكائنات الأخرى بهذه الأخطار لدرجة الانقراض كما حصل مع الديناصورات؟ يسأل كثيرا من أصحاب النظريات أنفسهم.
فالذي لازال يحيّر العلماء حتى الساعة هو كيف أن هذا الانقراض كان بالمفردات الأعجمية (severe, global, rapid, and selective).
السؤال الرابع: ما الدليل العلمي الذي يثبت أن الديناصورات كائنات غير أرضية؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن التركيب الكيميائي للديناصورات لابد أن يكون يحتوي على عناصر كيميائية غير متوافرة بكثرة على الأرض، ولا شك أن هذه العناصر هي التي بقيت بعد أن انقرضت تلك الكائنات الفضائية على الأرض، كما نفترض بأن هذه العناصر يستحيل أن توجد إلا متناثرة على القشرة الأرضية في طبقاتها العليا كمخلفات لهذه الكائنات بعد انقراضها، فهل هذا ممكن؟
جواب مفترى: لنسأل أهل الاختصاص عن هذا المركب الكيميائي الغريب عن الأرض وهو (iridium). فما هو هذا المركب الكيميائي؟ ومن أين مصدره؟
جواب: لعل العلماء يجمعون تماما على أن هذا العنصر يتواجد في باطن الأرض الملتهب (magma) أو في كواكب أخرى تكون درجات حرارتها مرتفعة جدا. ليكون السؤال الآن كيف يمكن تفسير انتشار هذا العنصر الكيميائي على سطح الأرض في كل أصقاعها؟ أي كيف انتشر هذا المركب الكيميائي في كل مكان على سطح اليابسة؟
رأينا المفترى: إنه البقايا (أو أثارة العلم) التي تدل على وجود كائنات حية قادمة إلى الأرض من مكان بعيد.
السؤال الخامس: أين تواجدت الديناصورات؟
رأينا: نحن نظن أن عالم الديناصورات كان يهاجم الأرض بدليل قول القوم لذي القرنين:
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
لذا نحن نستبعد تماما وجود ديناصورات (أو بقايا ديناصورات) في البحار العظيمة، وذلك لأن غزو الديناصورات كان للأرض، لذا نحن نفتري الظن أن ذلك قد حصل عندما كانت الأرض (أي اليابسة) لازالت كتلة واحدة، أي قبل أن يرتفع العرش، وتنقسم الكتلة اليابسة إلى قارات منفصلة عن بعضها البعض. (للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: سفينة نوح ونظرية تكون القارات).
إن هذا الافتراء الخطير جدا ينقلنا على الفور إلى طرح التساؤل التالي: إذا كان ما تقوله صحيحا، فمن هو ذو القرنين هذا؟ ومن هم القوم الذين طلبوا مساعدته لصد خطر يأجوج ومأجوج عنهم؟ متى حصل أخر انقراض لهذه الكائنات عن وجه الأرض قاطبة؟ وكيف كانت آلية انقراضهم؟
هذا ما سنتناوله (إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيه) في الجزء القادم من المقالة، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يجعل فضله وحده علينا عظيما. وأعوذ به أن نفتري عليه الكذب أو أن نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو السميع العليم – آمين.
المدّكرون: رشيد الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
13 آب 2014
الجزء الثالث
[1] قال تعالى: مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
نحن نستنبط من هذه الآية الكريمة أن السبب يمد (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء) ويقطع (ثُمَّ لِيَقْطَعْ)، وبعدها يمكن أن يستطيع الراقي في السماء أن ينظر، وهذا ما سنتحدث عنه بإذن الله عندما نعرج على الأسباب التي بناها هامان بطلب من فرعون الذي كان يريد أن يطلع إلى إله موسى. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم إنه هو الواسع العليم – آمين.